عناصر الخطبة
1/حكم إجابة الوليمة 2/آداب الوليمة.اقتباس
العاشر: يُكْرَهُ الأَكْلُ مُتَّكِئًا، أَوْ مُضْطَجِعًا، أَوْ مُنْبَطِحًا؛ رَوَى البُخَارِيُّ عنْ أَبي جُحَيْفَةَ -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَا آكُلُ مُتَّكِئًا»[26]، وصِفَةُ الِاتِّكَاءِ: أَنْ يَتَمَكَّنَ فِي الجُلُوسِ لِلْأَكْلِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ.
الخطبة الأولى:
إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله -عز وجل-، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ، أما بعدُ: فحَدِيثُنَا معَ حضراتِكم في هذه الدقائقِ المعدوداتِ عنْ موضوع بعنوان: «أحكام وليمة العرس»، وسوف ينتظم حديثنا معكم حول محورين:
المحور الأول: حكم إجابة الوليمة.
المحور الثاني: آداب الوليمة.
واللهَ أسألُ أن يجعلنا مِمَّنْ يستمعونَ القولَ، فَيتبعونَ أَحسنَهُ، أُولئك الذينَ هداهمُ اللهُ، وأولئك هم أُولو الألبابِ.
المحور الأول: حكم إجابة الوليمة:
اعلموا -أيها الإخوة المؤمنون- أنَّ الوَلِيمَةَ للعُرسِ مُسْتَحَبَّةٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ -رضي الله عنه-: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ»[1]، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الوَلِيمَةُ بِشَاةٍ؛ رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «مَا أَوْلَمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى شَيْءٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ، أَوْلَمَ بِشَاةٍ»[2].
وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ دُعِيَ لِوَلِيمَةِ عُرسٍ أَنْ يَأْتِيَهَا إِذا تَحَقَّقَتْ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ:
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنه-ما أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الوَلِيمَةِ، فَلْيَأْتِهَا»[3].
وَرَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ، يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا، وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَرَسُولَهُ»[4].
الأَوَّلُ: أَنْ يَدْعُوَ رَجُلًا بِعَينِهِ، فَإِنْ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا، أَوِ: الدَّعْوَةُ عَامَّةٌ لَمْ تَجِبِ إجابةُ الدَّعوةِ.
الثَّاني: أَنْ لَا يَكُونَ فِي الوَلِيمَةِ مُنْكَرٌ، كَالخَمْرِ، وَالزَّمْرِ، والمُوسِيقَى؛ رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ سَفِينَةَ أَنَّ رَجُلًا أَضَافَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: لَوْ دَعَوْنَا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَكَلَ مَعَنَا، فَدَعَوْهُ، فَجَاءَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى عِضَادَتَي البَابِ، فَرَأَى القِرَامَ[5]، قَدْ ضُرِبَ بِهِ فِي نَاحِيَةِ البَيْتِ، فَرَجَعَ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ لِعَلِيٍّ: الحَقْهُ، فَانْظُرْ مَا رَجَعَهُ، فَتَبِعْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا رَدَّكَ؟ فَقَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ لي، أَوْ لِنَبِيٍّ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتًا مُزَوَّقًا[6]»[7].
الثَّالثُ: أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُسْلِمًا يَحْرُمُ هَجْرُهُ، فَإِنْ كَانَ الدَّاعِي رَافِضيًّا، أوْ مُبتدِعًا، أَوْ غَيرَ مُسْلِمٍ لَمْ تَجِبْ إِجَابَتُهُ.
الرَّابعُ: أَنْ يَكُونَ كَسْبُ الدَّاعِي حَلَالًا، فَلَا تَجِبُ إجابةُ دَعْوَةِ مَنْ مَالُهُ حَرَامٌ، أَوْ مَنْ فِي مَالِهِ حَلَالٌ وَحَرَامٌ؛ رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «الحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ، اسْتَبْرَأَ لِدِيِنِهِ وَعِرْضِهِ»[8].
المحور الثاني: آداب الوليمة:
اعلموا -أيها الإخوة المؤمنون- أنَّ للوليمةِ ستةَ عشرَ أدبًا ينبغي لمنْ حضَرَهَا أَنْ يتَأَدَّبَ بِهَا، وهيَ: الأول: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْصِدَ المَدْعُوُّ بِالإِجَابَةِ إِلَى الدَّعْوَةِ الاقْتِدَاءَ بِالسُّنَّةِ، وَإِكْرَامَ أخِيهِ المُؤْمِنِ لَا نَفْسَ الأَكْلِ.
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ، يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا، وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ»[9].
وروى الطبراني بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ»[10].
الثاني: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِي أَوَّلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ: بِسْمِ اللهِ، وَيَجْهَرَ بِهَا؛ لِيُنَبِّهَ غَيْرَهُ عَلَيْهَا؛ رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَال لِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «يَا غُلَامُ سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ»[11].
وَرَوَى أَبُو دَاودَ بسند صحيحٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللهِ تَعَالَى، فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِهِ، فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ»[12].
الثالث: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الفَرَاغِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ: الحَمدُ للهِ؛ رَوَى مُسْلِمٌ عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ، فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ، فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا»[13].
وَرَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ أَكَلَ طَعَامًا، ثُمَّ قَالَ: الحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ، وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»[14].
الرابع: يَحرُمُ الأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِالشِّمَالِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ؛ رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أن رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ: «يَا غُلَامُ سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ»[15].
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ»[16].
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا تَأْكُلُوا بِالشِّمَالِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِالشِّمَالِ»[17].
الخامس: يُكْرَهُ تَقْدِيمُ الطَّعَامِ حَارًّا؛ لِأَنَّهُ لَا بَرَكَةَ فِيهِ؛ رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ إِذَا ثَرَدَتْ، غَطَّتْهُ شَيْئًا حَتَّى يَذْهَبَ فَوْرُهُ، ثُمَّ تَقُولُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «إِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ»[18].
السادس: يُكْرَهُ أَنْ يَتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ وَهُوَ يَشْرَبُ؛ رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ أَبِي قَتَادَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ»[19]؛ يَعْنِي فِي الشُّرْبِ[20].
السابع: يُكْرَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا يَلِي غَيْرَهُ إنْ كَانَ الطَّعَامُ نَوْعًا وَاحِدًا، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ نَوْعٍ فَلَا بَأْسَ؛ رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ -رضي الله عنه- أن رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ: «يَا غُلَامُ سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ»[21]؛ فَإِذَا كَانَ يَأْكُل وَحْدَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ مِمَّا لَا يَلِيهِ.
الثامن: يُكْرَهُ الأَكْلُ مِنْ وسَطِ الطَّعَامِ؛ رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه-ما عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا، فَلَا يَأْكُلْ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ، وَلَكِنْ لِيَأْكُلْ مِنْ أَسْفَلِهَا، فَإِنَّ البَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ أَعْلَاهَا»[22].
وَرَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أُتِيَ بِقَصْعَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «كُلُوا مِنْ جَوَانِبِهَا، وَدَعُوا ذُرْوَتَهَا يُبَارَكْ فِيهَا»[23].
التاسع: يُكْرَهُ النَّفخُ فِي الطَّعَامِ، والشَّرَابِ؛ لِيَبْرُدَ؛ رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الإِنَاءِ، أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ»[24]. وَفِي لَفْظٍ: «لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَنْفُخُ فِي طَعَامٍ، وَلَا شَرَابٍ، وَلَا يَتَنَفَّسُ فِي الإِنَاءِ»[25].
العاشر: يُكْرَهُ الأَكْلُ مُتَّكِئًا، أَوْ مُضْطَجِعًا، أَوْ مُنْبَطِحًا؛ رَوَى البُخَارِيُّ عنْ أَبي جُحَيْفَةَ -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَا آكُلُ مُتَّكِئًا»[26]، وصِفَةُ الِاتِّكَاءِ: أَنْ يَتَمَكَّنَ فِي الجُلُوسِ لِلْأَكْلِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ.
الحادي عشر: يُكْرَهُ القِرَانُ فِي التَّمْرِ وَنَحْوِهِ إِلَّا بِإِذْنِ مَنْ يَأْكُلُ مَعَهُمْ؛ رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَقْرُنَ الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ جَمِيعًا حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ»[27].
الثاني عشر: يُكْرَهُ تَقْبِيلُ الخُبزِ، أَوْ إِهَانَتُهُ، أَوْ مَسْحُ اليَدِ بِهِ؛ رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ»[28].
أقولُ قولي هذا، وأَستغفرُ اللهَ لي، ولكُم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله وكفى، وصلاةً وَسَلامًا على عبدِه الذي اصطفى، وآلهِ المستكملين الشُّرفا، أما بعد:
الثالث عشر: يُسْتَحَبُّ الأَكْلُ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ مَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ لِلْأَكْلِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ؛ رَوَى مُسْلِمٌ عنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ»[29]؛ فَفِي هَذَا الحَدِيثِ: اسْتِحْبَابُ الأَكْلِ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ، وَلَا يَضُمُّ إِلَيْهَا الرَّابِعَةَ وَالخَامِسَةَ إِلَّا لِعُذْرٍ بِأَنْ يَكُونَ مَرَقًا وَغَيْرَهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ بِثَلَاثٍ، فَيُكْرَهُ الأَكْلُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ؛ لِأَنَّهُ شَرَهٌ، وَكَذَا يُكْرَهُ الأَكْلُ بِأَقَلّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ؛ لِأَنَّهُ كِبْرٌ[30].
الرابع عشر: يُسْتَحَبُّ أَكْلُ اللُّقْمَةِ السَّاقِطَةِ، وَمَا تَنَاثَرَ مِنَ الطَّعَامِ؛ رَوَى مُسْلِمٌ عنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ، فَلْيَأْخُذْهَا، فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى، وَلْيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ»[31]؛ ففِي هَذَا الحَدِيثِ: اسْتِحْبَابُ أَكْلِ اللُّقْمَةِ السَّاقِطَةِ بَعْدَ مَسْحِ أَذًى يُصِيبُهَا هَذَا إِذَا لَمْ تَقَعْ عَلَى مَوْضِعٍ نَجِسٍ، فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى مَوْضِعٍ نَجِسٍ تَنَجَّسَتْ، فَلَابُدَّ مِنْ غَسْلِهَا إِنْ أَمْكَنَ؛ فَإِنْ تَعَذَّرَ أَطْعَمَهَا حَيَوَانًا، وَلَا يَتْرُكْهَا لِلشَّيْطَانِ[32].
الخامس عشر: إِذَا كَانَ يَأْكْلُ مَعَ الفُقَرَاءِ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُؤْثِرَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَأْكُلَ مَعَهُمُ القَلِيلَ؛ لِأَنَّ اللهَ -تَعَالَى- امْتَدَحَ الأَنْصَارَ حِينَمَا قَدَّمُوا حَاجَةَ إِخْوَانِهِمْ عَلَى حَاجَةِ أَنْفُسِهِمْ، وَبَدَؤُوا بِالنَّاسِ قَبْلَهُمْ فِي حَالِ احْتِيَاجِهِمْ إِلَى ذَلِكَ، فَقَالَ تَعَالَى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الحشر: 9].
السادس عشر: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ لِصَاحِبِ الوَلِيمَةِ؛ رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- جَاءَ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ -رضي الله عنه- فَجَاءَ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ، فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ المَلَائِكَةُ»[33].
وَرَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا، فَكَافِئُوهُ»[34].
الدعـاء...
اللهم ربَّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطرَ السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
اللهم رب السماوات ورب الأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزِل التوراة والإنجيل والفرقان، نعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته.
اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، اللهم أنت ربُّنَا لا إله إلا أنت، خلقتنا وإنا عبيدك، وإنا على عهدك ووعدك ما استطعنا، نعوذ بك من شر ما صنعنا، نبوء لك بنعمتك علينا، ونبوء لك بذنوبنا فاغفر لنا، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
أقول قولي هذا، وأقم الصلاة.
_____
[1] متفق عليه: رواه البخاري (2048)، ومسلم (1427).
[2] متفق عليه: رواه البخاري (5168)، ومسلم (1365).
[3] متفق عليه: رواه البخاري (5173)، ومسلم (1429).
[4] متفق عليه: رواه البخاري (5177)، ومسلم (1432).
[5]القِرَامُ: السِّتْرُ مِنْ صُوفٍ ذِي أَلْوَانٍ. [انظر: «النهاية في غريب الحديث» (4/ 49)].
[6] المُزَوَّقُ: المُزَيَّنُ. [انظر: «لسان العرب»، مادة «زوق»].
[7] حسن: رواه أبو داود (3757)، وابن ماجه (3360)، وحسنه الألباني.
[8] متفق عليه: رواه البخاري (52)، ومسلم (1599).
[9] متفق عليه: رواه البخاري (5177)، ومسلم (1432).
[10] صحيح: رواه الطبراني في «الكبير» (11/ 84)، وحسنه الألباني في «صحيح الجامع» (176).
[11] متفق عليه: رواه البخاري (5376)، ومسلم (2022).
[12] صحيح: رواه أبو داود (3769)، والترمذي (1858)، وقال: «حسن صحيح»، والنسائي في «الكبرى» (6745)، وابن ماجه (3264)، وصححه الألباني.
[13] صحيح: رواه مسلم (2734).
[14] حسن: رواه أبو داود (4025)، والترمذي (3458)، وابن ماجه (3285)، وحسنه الألباني.
[15] متفق عليه: رواه البخاري (5376)، ومسلم (2022).
[16] صحيح: رواه مسلم (2020).
[17] صحيح: رواه مسلم (2019).
[18] صحيح: رواه أحمد (6/ 350)، وابن حبان (12/ 7)، والبيهقي في «الكبرى» (7/ 280)، والحاكم (4/ 131)، وصححه الألباني في «الصحيحة» (1/ 676).
[19] متفق عليه: رواه البخاري (153)، ومسلم (267).
[20] انظر: «النهاية في غريب الحديث» (5/ 94).
[21] متفق عليه: رواه البخاري (5376)، ومسلم (2022).
[22] صحيح: رواه أبو داود (3774)، والترمذي (1805)، وقال: «حسن صحيح»، والنسائي في «الكبرى» (6762)، وابن ماجه (3277)، وصححه الألباني.
[23] صحيح: رواه أبو داود (3775)، وابن ماجه (3275)، وصححه الألباني.
[24] صحيح: رواه أبو داود (3730)، والترمذي (1888)، وصححه الألباني.
[25] صحيح: رواه ابن ماجه (3288)، وصححه الألباني.
[26] صحيح: رواه البخاري (5398).
[27] متفق عليه: رواه البخاري (2489)، ومسلم (5456).
[28] متفق عليه: رواه البخاري (1477)، ومسلم (593).
[29] صحيح: رواه مسلم (2032).
[30] انظر: «كشاف القناع» (12/ 38)، و«شرح صحيح مسلم» (13/ 203-204).
[31] صحيح: رواه مسلم (2033).
[32] انظر: «شرح المنتهى» (5/ 296)، و«شرح صحيح مسلم» (13/ 204).
[33] صحيح: رواه أبو داود (3856)، والنسائي في «الكبرى» (6901)، وابن ماجه (1747)، وصححه الألباني.
[34] صحيح: رواه أبو داود (5111)، والنسائي (2567)، وصححه الألباني
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم