عناصر الخطبة
1/ مراعاة الشريعة للتيسير والتسهيل 2/ أحكام المسح على الخُفَّين 3/ الأصل الذي تقومُ عليه صحَّةُ التعبُّد 4/ وجوب مُتابعة السُّنَّة النبويَّة 5/ من لوازِمِ وأركان محبَّة النبي صلى الله عليه وسلم.اقتباس
من رحمةِ الله - جل وعلا - بعبادِه: أن شرَعَ لهم من الأحكام ما يُيسِّرُ لهم أمورَهم، وتستقيمُ به أحوالُهم، وفقَ مبادِئ التيسير والتسهيلِ. فمن قواعِد شريعةِ الإسلام: "المشقَّةُ تجلِبُ التيسير"، ومن جوانِبِ التيسير في شريعةِ مُحمدٍ - صلى الله عليه وسلم -: مشروعيَّةُ المسح على الخُفَّين الثابِتِ بالكتابِ العظيم والأحاديث المُتواتِرة عن النبي الكريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه. فيُسنُّ المسحُ عليهما ما دامَ الإنسانُ لابِسًا لهما، ولا يُشرعُ أن يخلَعَ لخُفَّين ليغسِلَ القدَمَين عند وُضوئِه...
الخطبة الأولى:
الحمد لله اللطيف الخبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليُّ الكبير، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه البشيرُ النذيرُ والسِّراجُ المُنير، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِه صلاةً وسلامًا يحصُلُ بها الخيرُ الكثير، والأجرُ الكبير.
فيا أيها المسلمون: أُوصِيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا - وبطاعته؛ فبذلك يحصُلُ كلُّ مطلوب، وينجُو الإنسانُ من كل مرهُوب.
أيها المسلمون: من رحمةِ الله - جل وعلا - بعبادِه: أن شرَعَ لهم من الأحكام ما يُيسِّرُ لهم أمورَهم، وتستقيمُ به أحوالُهم، وفقَ مبادِئ التيسير والتسهيلِ.
فمن قواعِد شريعةِ الإسلام: "المشقَّةُ تجلِبُ التيسير"، ومن جوانِبِ التيسير في شريعةِ مُحمدٍ - صلى الله عليه وسلم -: مشروعيَّةُ المسح على الخُفَّين الثابِتِ بالكتابِ العظيم والأحاديث المُتواتِرة عن النبي الكريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه.
فيُسنُّ المسحُ عليهما ما دامَ الإنسانُ لابِسًا لهما، ولا يُشرعُ أن يخلَعَ لخُفَّين ليغسِلَ القدَمَين عند وُضوئِه.
إخوة الإسلام: ويلتحِقُ بمشروعيَّة المسح على الخُفَّين المصنُوعَين من الجُلود: المسحُ على الجَورَبَين، وهما ما يُتَّخذُ من القُطن أو من الصُّوفِ ونحوِه مما هو في حياة الناس اليوم؛ فيُشرعُ المسحُ على الجَورَبَين بهذا الوصفِ في الوضوء، متى لبِسَهما الإنسانُ على طهارةٍ كامِلةٍ.
بمعنى: أن يتوضَّأَ وضوءًا كامِلاً، أو يغتسِلَ غُسلاً مشروعًا كالغُسل من الجَنَابَة مثلاً،
ثم يلبَسهما بعد ذلك.
والأحوطُ أن يلبَسَ المُتوضِّئُ الخُفَّ أو الجَوربَ حتى يغسِلَ قدَمَيه كليهما، فحينئذٍ له أن يمسحَ بعد ذلك.
والمسحُ إنما هو في الطهارة من الحدثِ الأصغر، أما الحدثُ الأكبر كمن عليه جنابَةٌ، فلا يجوزُ في ذلك المسحُ على الخُفَّين؛ بل لا بُدَّ من خلعِهما وغسلُ البدَن كامِلاً.
إخوة الإسلام:
ومُدَّة المسحِ على الخُفَّين للمُقيم يومٌ وليلةٌ، وللمُسافِر ثلاثةُ أيامٍ بليالِيها، وتبدأُ مُدَّةُ المسح من أول مسحٍ بعد الحدث الذي يُصيبُ الإنسان،مما يُسمَّى عند أهل العلم بـ "نواقض الوضوء".
فمثلاً: إذا توضَّأ لصلاة الظهر، ثم لبِسَهما، ثم أحدثَ، ثم مسحَ عند صلاةِ العصر، فحينئذٍ تبدأُ مُدَّة المسحِ من مسحِه عند صلاةِ العصر.
ومن مسحَ وهو مُسافِرٌ ثم أقامَ في البلد أتمَّ مسحَ مُقيم - أي: يومٌ وليلةٌ – ما دامَت هذه المُدَّة قائِمة، ومن مسَحَ وهو مُقيمٌ في البلَد ثم سافَرَ في أثناءِ هذه المُدَّة، فيمسحُ مُدَّة مسحِ المُسافِر - أي ثلاثة أيامٍ بليالِيها - على الراجِح من قولَي أهل العلم.
والمسح على الخُفَّين مُتعلِّقٌ بغسل الرِّجلَين في الوضوء؛ بمعنى: لا بُدَّ أن يتوضَّأ وضوءًا شرعيًّا بالماء، أما إذا تيمَّمَ الإنسانُ في حالِ مشروعيَّة التيمُّم، ثم لبِسَ خُفَّيه، فلا يجوزُ له أن يمسحَ إذا وجدَ الماء، بحُجَّة أنه لبِسَ الخُفَّين على طهارةٍ شرعيَّة؛ إذ الطهارةُ في المسح على الخُفَّين تتعلَّقُ بغسلِ القدَمَين بالماء مع سائرِ الأعضاء.
فمثلاً: من لم يجِد الماءَ أو كان مريضًا لا يستطيعُ استعمالَ الماء في الوضوء؛ فإنه لا مانِع من أن يلبَسَ خُفَّيه ولو على غير طهارةٍ ويُصلِّي بهذا التيمُّم، ولكن إذا وجدَ الماءَ أو شُفِيَ المريضُ فلا بُدَّ من وضوءٍ تامٍّ بما فيه غسلُ القدَمَين.
ومتى شكَّ الإنسانُ في ابتِداءِ مُدَّة المسحِ؛ فإنه يبنِي على اليَقين، وهو عدمُ المسح.
فمثلاً: إنسانٌ شكَّ هل بدأَ من صلاةِ الظهر أو من صلاةِ العصر، فالأصلُ أن يبنِي على اليقين، وهو عدمُ المسحِ، فحينئذٍ يحسِبُ المُدَّة من صلاة العصر.
والواجبُ - أيها المسلمون - أن يمسحَ من كان عليه خُفَّين أن يمسحَ أعلى الخُفِّ إذا أراد أن يمسحَ، بأن يبدأَ المسحَ من أصابِعِه - أصابِع قدَمَيه - إلى ساقِه، فيمسحُ اليُمنَى، ثم اليُسرى، وإن مسَحَهما جميعًا - أي: يمسحُ رِجلَه اليُمنَى بيدِه اليُمنَى، ورِجلَه اليُسرَى بيدِه اليُسرَى - دُفعةً واحدةً فلا بأسَ.
وهذا هو ظاهرُ حديثِ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ثم ليمسَح عليهما"، ولا يُسنُّ مسحُ أسفل الخُفِّ ولا عقِبِه، قال عليٌّ - رضي الله عنه -: "لو كان الدينُ بالرأي لكان أسفلُ الخُفِّ أولَى بالمسحِ من أعلاه، وقد رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يمسحُ على ظاهرِ خُفَّيه" (رواه أبو داود، وقال ابن حجر: "إسنادُه صحيح").
وإذا لبِسَ الإنسانُ الجوارِب، ثم لبِسَ عليهما جوارِبَ أخرى، ومسحَ على العُليا، فلا بأسَ، على الصحيح من قولَي أهل العلم، ما دامَت مُدَّة المسح قائِمةً، وتُحسبُ المُدَّةُ من مسحِه على الجَورَب الأول.
وإذا انتهَت مُدَّة المسح والإنسانُ على طهارة، فلا تنتقِضُ طهارتُه بذلك، على القول الراجِح. واختارَه ابن تيمية - رحمه الله - وغيرُه من أهل التحقيق؛ لأن الشرعَ وقَّتَ المسحَ، فإذا تمَّت مُدَّتُه والإنسانُ على طهارةٍ فطهارتُه باقيةٌ، ولكن لا يجوزُ له المسحُ عليهما حتى يأتيَ بوضوءٍ كاملٍ، وتبدأُ مُدَّة مسحٍ جديد.
ومثالُ هذه المسألة - وهي انتِهاءُ مُدَّة المسح على الخُفَّين -: أن تبتدِئَ مُدَّة المسح من صلاة العصر، فيكونُ الإنسانُ على طهارتِه حتى يأتي العصرُ الجديد من اليوم الثاني، والإنسانُ على طهارتِه بعد أن مسحَ اليوم والليلة باقية ولم ينتقض وضوؤُه.
فحينئذٍ نقول: إنه يجوزُ له أن يُصلِّي بتلك الطهارة، ولا دليلَ على نُقضانها وبُطلانها.
جعلَني الله وإياكم من أهل الفقهِ في دينِه، وبصَّرَنا بشريعةِ ربِّنا وسُنَّة نبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -.
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعَنا بما فيه من الهدي والبيان، أقول هذا القول، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله أولاً وآخرًا، ظاهرًا وباطنًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الآخرة والأولى، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه فتحَ الله به أعيُنًا عُميًا، وقلوبًا غُلفًا، وآذانًا صُمًّا، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِه أهل البرِّ والتقوى.
فيا أيها المسلمون: من المعلوم عند علماء الإسلام: أن الأصلَ الذي تقومُ عليه صحَّةُ التعبُّد:
مُتابعةُ السُّنَّة النبويَّة، وقيامُ الدليل الشرعيِّ. وإن ما يفعلُه بعضٌ من المُسلمين من الاحتِفال بمولِد النبي - صلى الله عليه وسلم – في اليوم الثاني عشر من شهر ربيعٍ الأول هو أمرٌ مُحدَث، لم يفعَله - صلى الله عليه وسلم - ولا خُلفاؤُه الراشِدون ولا أهلُ القرون المُفضَّلة، مع عظيم محبَّتهم لنبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -.
والخيرُ كلُّ الخير إنما هو في الاتِّباع، والشرُّ كلُّ الشرِّ إنما هو في الابتِداع، قال - صلى الله عليه وسلم -: "من عمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ" وقال - عليه الصلاة والسلام -:
"من أحدثَ في أمرِنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ".
ومحبَّةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - أصلٌ عظيمٌ في الإيمان بالله - جل وعلا -، ولا يستقيمُ إيمانٌ بدون محبَّته - صلى الله عليه وسلم -، ولكن من لوازِمِ وأركان محبَّته: الاقتِداءُ بهديِه، واتِّباعُ شرعِه، وعدمُ الإحداثِ في دينِه ولو كان ذلك في ظنِّ الإنسان حسنًا؛ فإن الحسنَ إنما يكونُ حسنًا بشرعِ الله - جل وعلا -.
ثم إن الله أمرَنا بأمرٍ عظيمٍ، ألا وهو: الصلاةُ والسلامُ على النبيِّ الكريم. اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وحبيبِنا وقُرَّة عيونِنا وقلوبِنا نبِيِّنا محمدٍ، اللهم ارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائِر الصحابةِ أجمعين، وعن آل بيتِ النبي - صلى الله عليه وسلم - أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم واكتُب العزَّة والنُّصرة للمُسلمين في كل مكان،
اللهم أيِّد المُسلمين في كل مكان، اللهم اجعل كلمتَهم هي العُليا وكلمةَ أعدائِهم هي السُّفلَى.
اللهم وحِّد بين صُفوفِ المسلمين، اللهم فرِّج هُمومَهم، اللهم نفِّس كُرُباتهم، اللهم يسِّر لهم أمورَهم، اللهم أغنِ فقيرَهم، اللهم اشفِ مريضَهم، اللهم اجعل لهم من كل عُسرٍ يُسرًا، ومن كل خوفٍ أمنًا.
اللهم اجعل لهم من كل خوفٍ أمنًا، اللهم اجعل لهم من كل خوفٍ أمنًا يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفِر لنا وللمُسلمين، اللهم اغفِر لنا وللمُسلمين جميعًا، اللهم اغفِر لنا وللمُسلمين جميعًا الأحياء منهم والأموات، يا حي يا قيوم.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضَى، اللهم وفِّقه ونائِبَيْه، اللهم ألبِسهم لِباسَ الصحةِ والعافية.
اللهم اشفِ كل مريضٍ يا حي يا قيوم، اللهم اشفِ كل مريضٍ يا حي يا قيوم، اللهم اكتُب الشفاءَ والعافية لكل مريضٍ يا رب العالمين.
اللهم اجعَلنا من السُّعداء، اللهم اجعَلنا من السُّعداء في الدنيا والآخرة، اللهم اجعَلنا من السُّعداء في الدنيا والآخرة، اللهم اجعَلنا من أهل البرِّ والتقوى، اللهم اجعَلنا من أهل الإيمان والطاعة يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أنت الغني، اللهم أنت الغني يا مَن بيدَيك خزائنُ الدنيا والآخرة، اللهم أنزِل علينا الغيثَ، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا وأغِث ديارَ المسلمين، اللهم اسقِنا واسقِ ديارَ المسلمين، اللهم اسقِنا واسقِ ديارَ المسلمين.
اللهم إن بنا من الضرر ما لا نشكُوه إلا إليك، اللهم فأنزِل علينا الغيثَ، اللهم ارحَمنا برحمتِك، اللهم ارحَمنا برحمتِك، اللهم ارحَمنا ببهائِمِنا، اللهم ارحَمنا ببهائِمِنا، اللهم ارحَمنا ببهائِمِنا، فاسقِنا يا ذا الجلال والإكرام، يا غني يا حميد، يا غني يا حميد، يا غني يا حميد.
اللهم إنا لما أنزلتَ إلينا من خيرٍ فُقراء، لا غِنى لنا عن رحمتِك، لا غِنى لنا عن رحمتِك،
اللهم أنزِل لنا من رحمتِك ما يُغنِينا عن خلقِك، اللهم أنزِل لنا من الغيثِ ما يُغنِي المُسلمين عن الخلق يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله: اذكروا الله ذِكرًا كثيرًا، وسبِّحوه بُكرةً وأصيلاً.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم