أحكام الطلاق

عبدالسلام بن برجس آل عبدالكريم

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/ خطوات ينبغي اتخاذها قبل الإقدام على الطلاق 2/ مراعاة العدة عند الطلاق 3/ أقسام الطلاق وحكم كل نوع 4/ تحريم الطلاق بالثلاث دفعة واحدة 5/ وقوع الطلاق باللفظ الصريح ولو لم ينوِ الطلاق 6/ الإشهاد على الطلاق وتحريم إخراج المطلقة رجعيا من بيتها

اقتباس

طلاقُ السنة هو أن يطلِّقَ الرجلُ امرأتَه في طُهر لم يجامعها فيه، أو وهي حاملٌ قَدِ استبانَ حَمْلُها. وطلاقُ البدعة أن يطلِّقَ الرجلُ امرأتَه حالَ الحيضِ، أو في طُهْرٍ قد جامعَها فيه. والطلاقُ الذي لا يتعلق به سنة ولا بدعة هو طلاق الآيسة والصغيرة وغير المدخول بها؛ فيجوز...

الخطبة الأولى:

 

عباد الله: لقد أمر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الزوج إذا رأى من زوجته شيئًا يكرهُهُ أن يعظها أولاً، وذلك ببيان ما افترضه الله -تَعَالَى- عليها من وجوب طاعته، وما حرمه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليها من معصيته. فإن انتهت فذاك، وإلا انتقل إلى الأمر الثاني وهو هجرها في المَضْجَع؛ بأن لا يبيت معها في فراش واحد ولا يطأ. فإن انتهت فذاك، وإلا ضربها ضربًا غير مُبَرِّح. ويراعي في ذلك الصبر عليها فلا يطلق؛ إذ قد تستقيم أخلاقُها وتَحْسُنُ معاملتُها. وليتذكَّرْ قولَ الله -جَلَّ وَعَلا-: (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء: 19]، وقولَ النبي -صلى الله عليه وسلم- : "لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ"، فإن لم يتمكن من الصبر عليها جاز لها طلاقها، وهو أبغض الحلال إلى الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.

 

وليراعِ في طلاقها أن يكون الطلاقُ للعدَّة التي أمر الله -جَلَّ وَعَلاَ- بها في قولِهِ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) [الطلاق: 1]، وقد فسَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- العدة كما في حديث ابن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- بقوله: "فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا؛ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ -جَلَّ وَعَلاَ- بِهَا"، وقال ابن عباس -رضي الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عنهما- في قول الله -جَلَّ وَعَلاَ-: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) "لا يطلِّقُها وهي حائض، ولا في طُهر قد جامعَها فيه؛ ولكنْ يترُكها حتى إذا حاضت وطَهُرت طلَّقَها تطليقةً واحدة"، وقد أخذ أهل العلم -رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى- من هذا أحكام الطلاق؛ فقسموه إلى طلاق سنة مشروع، وإلى طلاق بدعة ممنوع، وإلى طلاقٍ لا سنةَ فيه ولا بدعة.

 

فينبغي للمسلم أن يتعلم هذه الأحكام؛ لئلا يَقَع في المحظور، ولأجل أن يأتي بالمأمورِ شرعًا.

 

فطلاقُ السنة هو أن يطلِّقَ الرجلُ امرأتَه في طُهر لم يجامعها فيه، أو وهي حاملٌ قَدِ استبانَ حَمْلُها.

 

وطلاقُ البدعة أن يطلِّقَ الرجلُ امرأتَه حالَ الحيضِ، أو في طُهْرٍ قد جامعَها فيه.

 

والطلاقُ الذي لا يتعلق به سنة ولا بدعة هو طلاق الآيسة والصغيرة وغير المدخول بها؛ فيجوز تطليق هؤلاء في أي وقت شاء الرجل.

 

فلا يجوز لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يطلق امرأته حال الحيض، أو أن يطلقها في طهر قد جامعها فيه؛ لأن ذلك تَعَدٍّ على حدود الله -جَلَّ وَعَلاَ-: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [الطلاق: 1] ،فإن فعل ذلك وطلَّق امرأته حال الحيض أو في طهر قد جامعها فيه فقد أغضب ربه -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وباء بإثمه، وطَلُقَتْ منه امرأتُه في قول جماهير أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

والسنة في عدد الطلاق: أن يطلق الرجل امرأته طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، ثم يتركها حتى تنقضيَ عِدَّتُها؛ ليكونَ في ذلك توسيعٌ عليه إن أراد أن يراجعها.

 

ويَحْرُمُ على الرجل أن يطلق امرأته ثلاثًا، سواء كانت متفرقاتٍ في طهر واحد أو مجموعات كقوله: أنت طالق ثلاثًا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- غضب على الرجل الذي فعل ذلك، وقال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: "أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟!"، وكان عمر إذا أتي له برجل قد طلَّق امرأته ثلاثًا أوجعه ضربًا.

 

وإن العجب لا ينقضي من أولئك الذين يتعدّون حدود الله ويغضبونه بطلاق نسائهم ثلاثًا دفعة واحدة في طهر واحد، مع أن الطلاق يحصل المقصود منه بواحدة فقط، وهذا تيسير من الله، فيأبون إلا التضييق على أنفسهم، ورضي الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عن ابن عباس إذ جاءه رجل فقال: يا ابن عباس طلقتُ امرأتي ثلاثًا؟ فسكت حتى ظن القوم أنه سيرَدُّها إليه، ثم قال: ينطلق أحدُكم فيركب الْحُمُوقَة ثم يقول: يا ابن عباس، يا ابن عباس، وإن الله -تَعَالَى- يقول: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) [الطلاق: 2]، وأنت لم تتق الله؛ فلن أجد لك مخرجًا، عصيتَ ربَّك، فبانت منك امرأتُك، وإن الله -تَعَالَى- يقول:  (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) [الطلاق: 1].

 

فليتقِّ اللَّهَ -تَعَالَى- أناسٌ يتلاعبون بكتاب الله، ويعبثون بأحكامِ الطلاق، غيرَ مراعين ما شرعه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فيه من أحكام جليلة.

 

وإذا طلق الرجل امرأته بلفظ صريح كقوله: "أنت طالق" أو "مُطَلَّقَة" أو "طَلَّقْتُكِ" فإن الطلاق يَقَعُ، سواء نوى إيقاعَ الطلاقِ بهذه الألفاظ أم لم ينوِ، وسواء كان جادًّا أو هازلاً؛ لحديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثَلاَثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلاَقُ، وَالرَّجْعَةُ".

 

أما إذا تلفظ بكناية الطلاق كأن يقول: "أنت بَتَّة" أو "بائن" أو "اذهبي" أو "اخرجي" أو "الحقي بأهلك" ونحو ذلك من الألفاظ فيُشترط في إيقاع الطلاق بهذه الألفاظ أن ينويَ إيقاعَ الطلاق حال التلفظ بهذه الألفاظ؛ لأنها ألفاظ تحتمل الطلاق وتحتمل غيره، ولا سبيل إلى تحديد المقصود إلا بنية المتلفظ؛ فإن قال: نويت بهذه الألفاظ الطلاق وقع، وإلا فلا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أيها المسلمون: فإنّ على الرجل أن يُشْهَد رجلين إذا أراد أن يطلق امرأته.

 

وإذا طلقها طلاقًا رَجْعِيًّا فإنه لا يَحِلُّ له أن يخرجها من بيته، ولا يَحِلُّ لها أن تخرجَ مِن بيته؛ فمَن فعل ذلك منهما فقد عصى الله -جَلَّ وَعَلاَ-، وتعدّى حدودَه، وظلم نفسَه؛ وذلك لأنّ بقاءَها في بيتِها أدعى للمراجعة، وأحرى للمصافاة والمودة، وقد أمر الله -جَلَّ وَعَلاَ- بإبقائهن في البيوت ،فقال جَلَّ وَعَلاَ: (لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) [الطلاق: 1].

المرفقات

أحكام الطلاق

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات