عناصر الخطبة
1/ تبشير النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة بقدوم شهر رمضان 2/ بعض فضائل شهر رمضان وآدابه وأحكامه 3/ الأمور المفطرة للصائم 4/ الأمور الغير مفطرة للصائم 5/ وجوب التعلم وسؤال أهل العلماقتباس
الصيام عبادة تنبني على أمرين اثنين: النية، والإمساك عن سائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. أما النية فهي عقد القلب وعزمه، فإذا عقد القلب عزمه على أمر ما فقد نواه، ولهذا...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد:
أيها المسلمون -عباد الله-: ها قد أتى الضيف الكريم، ونزل بدارنا، وحل بأرضنا، ولم يعد يفصل يبننا وبينه إلا ساعات قلائل، وتبدأ أول ليلة من لياليه المباركة.
رمـضانُ أقـبلَ يا أُولي الألبابِ *** فاستَـقْـبلوه بعدَ طولِ غيـابِ
عـامٌ مضى من عمْرِنا في غفْلةٍ *** فَتَـنَبَّهـوا فالعمرُ ظـلُّ سَحابِ
وتَهـيّؤوا لِـتَصَـبُّرٍ ومـشـقَّةٍ *** فأجـورُ من صَبَروا بغير حسابِ
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه بدخول شهر رمضان وقدومه، كان يقول صلى الله عليه وسلم: "أَتَاكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ" (رواه النسائي) فما أجملها من بشارة وما أعظمها وأجلها من أجور مدرارة.
هذا الشهر الكريم -أيها الأحباب- يحمل العديد والعديد من الفضائل والمحاسن، ومن أجلها: فريضة الصيام، لن أطيل في ذكر فضائله وفضائل العبادات فيه، وإنما أكتفي بحديث واحد جامع يلخص فضل هذا الشهر الكريم؛ روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الله -عز وجل- أنه قال: "كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف" قال الله -عز وجل-: "إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".
سائر الأعمال أجورها تضاعف إلى سبعمائة ضعف، وأما الصيام فأمره إلى الله، والمضاعفة فيه لا يقدر قدرها إلا الله -عز وجل-، قد تكفل الله -سبحانه وتعالى- بنفسه بثواب الصائمين، ومضاعفة أجورهم: "إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" لماذا يا رب؟ قال الله -سبحانه وتعالى- في الحديث: "يدع طعامه وشهوته من أجلي"، والله -سبحانه وتعالى- كريم شكور يقابل القليل من العمل من عباده بالثواب العظيم الكثير الجزيل: "يدع طعامه وشهوته من أجلي" ثم قال صلى الله عليه وسلم: "لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ (أي الرائحة التي تنبعث من الصائم بسبب الصيام) أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رَائِحَةِ الْمِسْكِ".
فضائل عظيمة وأجور كبيرة قلَّ أن توجد في عمل من الأعمال.
أيها الأحباب الكرام: وغدا هو أول يوم من أيام هذا الشهر المبارك نحتاج أن نقف مع بعض الأحكام المهمة التي تتعلق بفريضة الصيام.
فأقول -أيها الأحباب-: الصيام عبادة تنبني على أمرين اثنين: النية والإمساك عن سائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
أما النية فهي عقد القلب وعزمه فإذا عقد القلب عزمه على أمر ما فقد نواه، ولهذا لا يحتاج الإنسان في الصيام إلى أن يتلفظ بكلمات معينة، بل كل شيء يدل على نيته للصيام تنعقد به النية، فمن استيقظ من نومه وجهز لها طعاما، وحرص على أن يشرب الماء قبل أن يؤذن المؤذن الأذان الثاني، فإن هذا يدل دلالة واضحة على أنه لا ينوي ولا يريد إلا الصيام.
والنية شرط أساسي لا يصح الصيام ولا سائر العبادات إلا به، قال صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى".
والواجب على المسلم أن يحرص على أن تكون نيته هذه لله -سبحانه وتعالى- فلا يصوم رياءً ولا سمعة ولا مجاملة ولا مداراة للناس، ولا تلبية لأمر فلان أو فلان، إنما يصوم استجابة لأمر رب العالمين -سبحانه-، قال صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا (أي إيمانا بفرضيته واحتسابا لأجره عند الله -سبحانه وتعالى-) غفر له ما تقدم من ذنبه".
وأما الإمساك عن المفطرات فإن هذا هو أساس الصيام وحقيقته، فحقيقة الصيام هو الامتناع، فالصيام الشرعي هو الامتناع عن المفطرات التي عدها الشرع ناقضة ومبطلة للصيام، فيمتنع الصائم عن المفطرات كلها من طلوع الفجر بدخول أو بسماع الأذان الثاني إلى غروب الشمس.
وهذا التوقيت -أيها الأحباب- نعتمد فيه خاصة ونحن في وسط مدن نعتمد فيه على أصوات المؤذنين؛ لأننا يصعب علينا أن ندرك طلوع الفجر بأنفسنا، ويصعب علينا كذلك مراقبة غروب الشمس بأنفسنا، فالاعتماد يكون على أصوات المؤمنين، فإذا سمع الإنسان صوت المؤذن يؤذن الأذان الثاني، فبمجرد أن يسمع: الله أكبر، يجب عليه أن يتوقف عن تعاطي وتناول أي نوع من أنواع المفطرات حتى ولو كان في فمه لقمة؛ فإنه يخرجها ويمتنع عنها، وإذا استمع في أكلها فإنه يفطر في قول جماهير العلماء.
ووقت الانتهاء يكون بغروب الشمس فإن كان الإنسان مراقبا للشمس بنفسه ورآها تسقط وتغيب جاز له أن يفطر حتى وإن لم يسمع مؤذنا، وأما إن لم يراقبها بنفسه فيعتمد على صوت المؤذن، فإذا سمع صوت الأذان يستحب له أن يعجل بالإفطار، فإن هذا من علامة الخيرية في هذه الأمة، قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر، وأخروا السحور" لكن لا يتعجل بالإفطار قبل أن يتحقق غروب الشمس، وخروج هذا اليوم.
ولهذا -أيها الأحباب- من جاء ليأكل أو من استيقظ من نومه وأكل يظن أن الفجر لم يدخل، ثم تبين له أن الفجر قد دخل وأنه أكل بعد الأذان الثاني، كذلك أيضا من أكل يظن أن الشمس قد غربت وأن المؤذن قد أذن للمغرب، ثم تبين له أنه لم تغرب الشمس بعد ولم يؤذن المؤذن؛ فهنا يجب عليه أن يقضي يوما مكان هذا اليوم؛ لأنه أكل في غير وقت الأكل، أكل في الوقت الذي كان ينبغي له أن يكون فيه صائما.
وأما المفطرات التي يجب على الصائم أن يتركها ويمتنع عنها فأولها: الطعام والشراب، وهذا بالاتفاق والإجماع، وهذا لا يخفى على مسلم، قال الله -سبحانه-: (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ)، فكل ما يدخل إلى الجوف من طعام أو شراب أو دواء أو ماء، أو غير ذلك، فإنه يفطر به الصائم، وما كان يقوم مقام الطعام والشراب كذلك من المغذيات فهو أيضا مما يفطر به الصائم.
ثانيا: الجماع في نهار رمضان وهو أشد المفطرات ويترتب عليه أمور كثيرة، والله -سبحانه وتعالى- في الحديث القدسي قال: "يدع شهوته وطعامه من أجلي"، وهذا لم يترك شهوته فيكون مفطرا، فإذا جامع أهله في نهار رمضان يكون بذلك آثما، ويتوجب عليه أن يتوب إلى الله -سبحانه وتعالى- من هذا الذنب العظيم، ومن هذه الجريمة الكبرى.
وهكذا كل من تناول مفطرا من المفطرات في نهار رمضان دون أن يكون معذورا يكون آثما، ومرتكبا لكبيرة من الكبائر، وعظيمة من العظائم، يجب عليه أن يبادر بالتوبة إلى الله -سبحانه وتعالى-، والاستغفار والندم على ما فعل.
ثم يجب عليه أن يقضي هذا اليوم الذي أفطره بغير عذر، فإن دين الله أحق أن يقضى، وهذا الفرض دين في ذمته يجب عليه أن يقضيه.
ثالثا: من جامع أهله في نهار رمضان يجب عليه كفارة مغلظة، وهي صيام شهرين متتابعين لا يفصل بينهما ولا بإفطار يوم واحد إلا بالعذر الشديد، فإن لم يستطع أن يصوم فيطعم ستين مسكينا؛ جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله هلكت؟ قال : "ما أهلكك؟" قال: وقعت على امرأتي في نهار رمضان، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هل تجد رقبة تعتقها؟" قال: لا، وهذه ليست موجودة اليوم في زماننا هذا، قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟" قال: لا، قال: "فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟" قال: لا" فهذه الكفارة هي الكفارة الواجبة واللازمة على من واقع أهله في نهار رمضان.
كذلك أيضا من المفطرات التي يجب على الصائم أن يبتعد عنها في نهار رمضان: "الاستمناء"، وهو إخراج المني متعمدا سواء كان باليد أو بغيرها، والأصل فيه أن هذا الفعل محرم ولا يجوز أن يكون إلا مع الزوجة فحسب، فمن فعله فيكون آثما ثم يفسد صومه به؛ لأنه لم يدع شهوته، والله -عز وجل- قال في الحديث: "يدع طعامه وشهوته من أجلي".
رابع المفطرات: تعمد إخراج القيء من المعدة، فمن تعمده وقصده أفطر بذلك، وإذا خرج منه بغير قصد فإنه لا يؤثر في صيامه ، قال صلى الله عليه وسلم: "من ذرعه القيء فلا قضاء عليه" أي من غلبه فخرج دون إرادته "من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء فليقض" أي من تعمد إخراجه فيلزمه القضاء.
وينتبه -أيها الأحباب- إلى أنه إذا خرج القيء من الحلق وتجاوزه فلا يعيده بعد ذلك، بل يخرجه ويلفظه ولا يعيده إلى جوفه؛ لأنه إذا أعاده بعد ذلك أفطر بهذا.
خامس المفطرات وهو خاص بالنساء: نزول دم الحيض أو النفاس، فإذا جرى هذا للمرأة بطل صومها وامتنع عليها الصيام، وتقضي بعد ذلك أيام آخر بعد شهر رمضان المبارك.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا.
وبعد:
هذه جملة المفطرات التي يجب على الصائم أن يمتنع عنها في نهار رمضان، وهناك أمور يظنها بعض الناس من المفطرات، وهي ليست من المفطرات؛ فمن ذلك: أن يصبح الإنسان جنبا ويدخل عليه الفجر وهو لا يزال على جنابة، ثم يغتسل بعد طلوع الفجر، فهذا صومه صحيح، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كما تقول عائشة وأم سلمة -رضي الله عنهما وأرضاهما-: "كان يصبح جنبا من أهله ثم يغتسل بعد الفجر".
كذلك ومثل هذا الاحتلام وهو خروج المني من الإنسان وهو نائم، فهذا لا يؤثر في صومه، فإن النائم قد رفع عنه القلم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة"، ومنهم قال: "والنائم حتى يستيقظ".
كذلك من الأمور التي لا تؤثر في صوم الإنسان: أن يأكل الإنسان أو يشرب ناسيا أنه صائم، فهذا لا يؤثر في صومه؛ لأن النسيان لا يآخذ به الإنسان، قال صلى الله عليه وسلم: "من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه" حتى ولو أكل كثيرا، حتى ولو شرب كثيرا.
كذلك لو أخطأ فدخل إلى جوفه شيء وهو لا يقصد دخوله، ولا يريد دخوله، فإنه لا يؤثر في صيامه، فالله -عز وجل- قد تجاوز عن هذه الأمة خطأها ونسيانها.
كذلك من الأمور التي لا تؤثر في الصيام أن يغتسل الإنسان من أجل التبرد فإذا أتعبه حر الصيام يلجأ إلى صب الماء عليه ليبرد ولا حرج عليه في ذلك، فقد كان هذا يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحر.
كذلك أيضا المضمضة أو الاستنشاق إدخال الماء إلى الفم والاستنشاق بالأنف عند الوضوء، فهذا يباح للصائم لكن دون مبالغة كما قال صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما"، فإذا بالغ في الاستنشاق وتجوز هذا الحد ودخل الماء بعد ذلك إلى جوفه فإنه يفطر بذلك لتعديه، لكن إذا تمضمض واستنشق دون تعدي، فهذا لا يؤثر في صيامه.
أيضا -أيها الأحباب- الطيب والعود وجميع الروائح فإنها لا يؤثر على الصائم.
كذلك الدهان على الجلد أيضا لا يؤثر في الصيام؛ لأنه لا طعام ولا شرب وليس في معناهما.
كذلك ما تفعله ربات البيوت من تذوق الطعام بطرف اللسان، ثم إخراج الطعام دون أن تبلعه، فهذا أيضا لا يؤثر في الصيام؛ لأن المفطر هو أن يبتلع الطعام، أما إذا تذوقته بطرف لسانه، ثم أخرجته فلا يؤثر في صيامها للرجال والنساء على حد سواء.
كذلك -أيها الأحباب- أخذ الدم لغرض التحليل والفحوص، وكذلك الحجامة فقد احتجم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو صائم؛ كما روى ذلك ابن عباس -رضي الله عنه وأرضاه- إلا أنه يستحسن للصائم أن يؤخر هذا إلى الليل ما أمكن، حتى لا يضعفه يؤدي بعد ذلك إلى إفطاره.
كذلك أيضا ضرب الإبر التي تحتوي على أدوية وعلاج جائز لا يؤثر، لكن إذا كانت هذه الإبرة تحتوي على مواد مغذية يتغذى بها الجسد، فإن هذا يكون في معنى الطعام والشراب ويفطر به الصائم.
أيضا استعمال الكحل في العين وقطرة العين العلاجية هذا أيضا لا يؤثر؛ لأنه ليس بطعام ولا شراب وليست العين جوفا ينفذ منها الطعام والشراب.
السواك كذلك في كل الأوقات جائز للصائم ومباح بشرط أن يجتنب دخول شيء من أجزاء السواك إلى جوفه ويتحرز من ذلك وينتبه له.
وهذه أمور يظنها كثيرا من الناس مفطرات وهي ليست من المفطرات.
يبقى -أيها الأحباب- أنه في رمضان هناك أناس أصحاب أعذار يشق عليهم الصيام ويصعب، وعذرهم الشرع، وأذن لهم في ترك الصيام، فمنهم المريض الذي يتأثر مرضه ويتضرر أو تصيبه مشقة بالصيام أثناء مرضه، فيعذر في ترك الصيام في أيام رمضان.
كذلك المسافر والمقصود بالمسافر عند جمهور العلماء، أي الذي يؤذن الفجر وهو في طريق سفره، أما إذا أذن الفجر وهو لا زال في بلده ولم يخرج بعد منها فيلزمه الصيام حتى ولو سافر بعد ذلك في وسط النهار يستمر في صيامه ولا يفطر إلا إذا لحقته مشقة شديدة.
إنما أذن الشرع للمسافر الذي يدخل عليه الفجر وهو في طريق السفر؛ كما قال سبحانه: (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 185].
أيضا الحامل والمرضع إذا خافت على ولدها أو على نفسها، فيجوز لها أن تفطر الأيام التي تحتاجها.
أيها الحائض والنفساء إذا جاءها دم الحيض والنفاس فيجب عليها أن تفطر ولا يجوز لها أن تصوم ثم بعد ذلك يجب على هؤلاء جميعا قضاء الأيام التي أفطروها في رمضان: (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 185].
إلا أن جمهور العلماء قالوا بالنسبة للحامل والمرضع إذا أفطرت خوفا على ولدها لا على نفسها فإنها تقضي الأيام التي أفطرتها وتضيف إلى ذلك إطعام مسكين عن كل يوم؛ لأنها أفطرت لأجل ولدها.
ويستثنى من هذا كله المريض الذي به مرض مزمن لا يرجى شفاءه، ولا يرجو برأه، ولو بعد حين من الزمن.
أيضا الشيخ الكبير الهرم الذي أصبح عاجزا عن الصيام ولا يطيقه، فهؤلاء لا يلزمهم الصيام، ويسقط عنهم الصيام ويلزمهم بدلا عنه الفدية، وهي إطعام مسكين عن كل يوم يفطرونه من شهر رمضان.
هذه باختصار شديد جملة من الأحكام المهمة التي تتعلق بصيام شهر رمضان.
والأصل -أيها الأحباب- أن المسلم إذا طرأت له أي مسألة في عبادته الواجب عليه أن يسأل؛ كما قال الله -عز وجل-: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل: 43].
فالمسلم الحريص على فريضته وعلى عبادته وعلى أدائها على الوجه المرضي عند الله -سبحانه وتعالى- يسأل عن تفاصيلها، ويسأل عن أي شيء يعرض له فيها حتى يؤديها كما يريد الله -عز وجل- وعلى الوجه الذي يحصل به القبول عند رب العالمين.
هذا هلال الصوم من رمضان *** بالأفق بان فلا تكن بالواني
وافاك ضيفا فالتزم تعظيمه *** واجعل قراه قراءة القرآن
صمه وصنه واغتنم أيامه *** واجبر به الضعفاء بالإحسان
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يعيننا على صيام رمضان وعلى قيامه وعلى العبادة فيه...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم