أحكام السلام

الشيخ د صالح بن مقبل العصيمي

2022-10-08 - 1444/03/12
التصنيفات: أخلاق وحقوق
عناصر الخطبة
1/ منزلة وفضل تحية الإسلام 2/ حقيقة السلام 3/ ثمراته 4/ السلامُ ورَدُّهُ من حقوق المسلم 5/ أحكام متعلقة بالسلام

اقتباس

حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ خُلُقٍ مِنْ أَخْلَاقِ الإِسْلَامِ، يَزْرَعُ الأُلْفَةَ، وَيَنْفِي الْوَحْشَةَ، خَيْرُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ أَلَا وَهُوَ السَّلَامُ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) [النساء:86]...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.

 

وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

 

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. 

 

عِباَدَ اللهِ: مَهْمَا فَتَّشَتِ الْبَشَرِيَّةُ وَبَحَثَتْ عَنْ دِينٍ يُعْطِي لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَبَلَغَ الْكَمَالَ فِي مُعْتَقَدَاتِهِ، وَعِبَادَاتِهِ، وَمُعَامَلَاتِهِ، وَأَخْلَاقِهِ؛ لَنْ تَـجِـدَ كَدِينِ الإِسْلَامِ، وَلِمَ لَا؛ وَهُوَ مِنْ لَدُنْ خَبِيرٍ حَكِيمٍ؟!.

 

حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ خُلُقٍ مِنْ أَخْلَاقِ الإِسْلَامِ، يَزْرَعُ الأُلْفَةَ، وَيَنْفِي الْوَحْشَةَ، خَيْرُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ أَلَا وَهُوَ السَّلَامُ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) [النساء:86]، وَقَالَ -تَعَالَى-: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [النور:61].

 

وَتَحِيَّةُ الإِسْلَامِ هِيَ أَشْرَفُ التَّحَايَا وَأَجَلُّهَا، فَتَحِيَّةُ النَّصَارَى: وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْفَمِ. وَالْيَهُودُ: وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الأَصَابِعِ. وَالْمَجُوسُ: الانحِنَاءُ. وَالْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ: أَنْعِمْ صَبَاحًا. أَمَّا أَهْلُ الإِسْلَامِ فَتَحِيَّتُهُمْ: السَّلَاُم عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛ لأَنَّ فِيهِ تَأْلِيفَ الْقُلُوبِ، وَاِسْتِجْلَابَ الْمَوَدَّةِ، وَإِزَالَةَ الْوَحْشَةِ، وَالدُّعَاءَ بِالسَّلَامِةِ مِنَ الآفَاتِ وَالْبَلِيَّاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، نَاهِيكَ عَنْ أَنَّهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ دُخُولِ الْجَنَّةِ.

 

وَالْمَقْصُودُ بِالتَّحِيَّةِ: الدُّعَاءُ لِلْمُسَلَّمِ عَليهِ بِالحَيَاةِ، وَالسَّلَامَةِ مِنَ الآفَاتِ، وَالْبَرَاءَةِ وَالنَّجَاةِ وَالْخَلَاصِ مِنَ الشَّرِّ وَالْعُيُوبِ.

 

وَالسَّلَامُ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ: (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد:23-24].

 

وَأَوَّلُ مَنْ سَلَّمَ هُوَ آدَمُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-؛ حَيْثُ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

 

وَالسَّلَاُم دُعَاءٌ وَذِكْرٌ؛ لأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ اِسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ، حَيْثُ إِنَّ السَّلَامَ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ رَدَّ التَّحِيَّةِ بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) [النساء:86].

 

وَقَدْ شَرَعَ اللهُ السَّلَامَ عِنْدَ دُخُولِ  الْبُيُوتِ، قَالَ -تَعَالَى-: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النور:27].

 

وَيَا لِعِظَمِ هَذَا الدِّينِ! فَلَمْ يَجْعَلِ السَّلَامَ خَاصًّا بِمَنْ تَعْرِفُ؛ وَإِنَّمَا هُوَ لِعُمُومِ أَهْلِ الإِسْلَامِ؛ فقد سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ، وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَتُسَلِّمُ عَلَى مَنْ لَقِيتَهُ، وَلَا تَخَصُّ ذَلِكَ بِمَنْ تَعْرِفُ، وَفِي ذَلِكَ إِخْلَاصُ الْعَمَلِ للهِ، وَاِسْتِعْمَالُ التَّوَاضِعُ، وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ الَّذِي هُوَ شِعَارُ هَذِهِ الأُمَّةِ.

 

وَالسَّلَامُ يَزْرَعُ الْمَحَبَّةَ وَالأُلْفَةَ، وَيُزِيلُ الْوَحْشَةِ وَالنَّفْرَةِ؛ حَيْثُ قَالَ النَّاصِحُ الأَمِينُ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ" رَوَاهُ مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. وَمَعْنَاهُ: "لَا يَكْمُلُ إِيمَانُكُمْ، وَلَا يَصْلُحُ حَالُكُمْ إِلَّا بِالتَّحَابُبِ". وَفِي هَذَا الحَدِيثِ الحَثُّ عَلَى إِشَاعَةِ السَّلَامِ، والإكثَارِ مِنْهُ، وَبَذْلِهِ لِلْمُسلِمِينَ مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرَفْ.

 

وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ؛ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِسَلَامٍ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

 

وَالسَّلَامُ أَوَّلُ أَسْبَابِ التَّآلُفِ، وَاِسْتِجْلَابِ الْمَوَدَّةِ، وَفِى إِفْشَائِهِ تَمَكُّنُ أُلْفَةِ الْمُسلِمِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَإِظْهَارُ شِعَارِهِمُ الْمُميِّز لَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ رِيَاضَةِ النَّفْسِ، وَلُزُومِ التَّوَاضُعِ، وَإِعْظَامِ حُرُمَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَرَفْعِ التَّقَاطُعِ والتَّهَاجُرِ وَالشَّحْنَاءِ وَفَسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَأَنَّ سَلَامَهُ للهِ لَا يَتَّبِعُ فِيهِ هَوَاهُ، وَلَا يَخُصُّ أَصْحَابَهُ وَأَحْبَابَهُ بِهِ.

 

وَجَعَلَ الإِسْلَامُ السَّلَامَ حَقًّا لأَهْلِ الإِسْلَامِ؛ حَيْثُ قَالَ البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ -رضي الله عنه-مَا: "أَمَرَنَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِسَبْعٍ"، وَذَكَرَ مِنْهَا: "وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ؛ وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ، فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ" متفق عليه. فَالسَّلامُ يَقْطَعُ الْهَجْرَ، وَيَرْفَعُ الإِثْمَ وَيُزِيلُهُ.

 

وَجَعَلَ الإِسْلَامُ رَدَّ السَّلَامِ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ؛ قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ"، وذكر منها "رَدَّ السَّلاَمِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا حَسَدَتْكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ، مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ" أَخْرَجَهُ اِبْنُ مَاجَه بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

 

وَبَيَّنَ -صلى الله عليه وسلم-الأَجْرَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى السَّلَامِ، فَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ؛ فَقَالَ: "عَشْرُ حَسَنَاتٍ"، فَمَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ؛ فَقَالَ: "عِشْرُونَ حَسَنَةً"، فَمَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛ فَقَالَ: "ثَلَاثُونَ حَسَنَةً" أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

 

وَجَعَلَ الإِسْلَاُم السَّلَامَ حَقًّا للدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ؛ حَيْثُ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَجْلِسِ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا أَوْشَكَ مَا نَسِيَ صَاحِبُكُمْ! إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْمَجْلِسَ فَلْيُسَلِّمْ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسْ، وَإِذَا قَامَ فَلْيُسَلِّمْ؛ مَا الْأُولَى بِأَحَقَّ من الآخرة" أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

 

وَالْمَقْصُودُ بِالسَّلَامِ الإِفْشَاءُ، وَالإِفْشَاءُ يَكُونُ بِإِشَاعَتِهِ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِسْمَاعِهِمْ إِيَّاهُ؛ فَلَا يَكُونُ بِصَوْتٍ لَا يَسْمَعُهُ الْمُسْلَّمُ عَلَيْهِ؛ قَالَ اِبْنُ عُمَرَ، -رضي الله عنهما-: "إِذَا سَلَّمْتَ فَأَسْمِعْ؛ فَإِنَّهَا تَحِيَّةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيْبَةً" أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاستَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

 

أمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

 

عِبَادَ اللهِ: وَهُنَاكَ بَعْضُ الأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالسَّلَامِ، مِنْهَا:

 

أوَّلًا: السَّلَامُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَالأَفْضَلُ إِنْ كَانُوا جَمَاعَةً أَنْ يُسَلِّمُوا جَمِيعًا، وَإِنْ سَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ جَازَ؛ وَكَذَلِكَ الرَّدُّ إِنْ سَلَّمَ مُنْفَرِدٌ عَلَى جَمَاعَةٍ؛ فَالأَفْضَلُ أَنْ يَرُدُّوا جَمِيعًا، وَإِنْ رَدَّ أَحَدُهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ جَازَ؛ لأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ؛ لِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَإِذَا سَلَّمَ مِنَ الْقَوْمِ وَاحِدٌ أَجْزَأَ عَنْهُمْ"، قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: حَدِيثٌ مُرْسَلٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ.

 

ثَانِيًا: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْدَؤُوا بِالسَّلَامِ قَبْلَ كُلِّ كَلَامٍ، وَإِنْ كَانَتْ عَامَّةُ الأَحَادِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ لَا تَثْبُتُ، وَلَكِنَّ مَعَانِي الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَعَمَل الأُمَّةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.

 

ثَالِثًا: يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ؛ وَذَلِكَ لِحَقِّ الْكَبِيرِ مِنَ التَّوْقِيرِ وَالتَّكْرِيمِ، وَهُوَ الأَدَبُ الَّذِي يَنْبَغِي سُلُوكُهُ.

 

رَابِعًا: يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي؛ حَتَّى يَحْمِلَ السَّلَامُ الرَّاكِبَ عَلَى التَّوَاضُعِ وَعَدَمِ التَّكَبُّرِ.

 

خَامِسًا: يُسَلِّمُ الْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ؛ لِشَبَهِهِ بِالدَّاخِلِ عَلى أَهْلِ الْمَنْزِلِ.

 

سَادِسًا: يُسَلِّمُ الْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ؛ لِحَقِّ الْكَثِيرِ؛ فَحَقُّهُمْ أَعْظَمُ.

قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَاشِي عَلَى القَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ" أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

 

وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمِ الْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ؛ فَلْيُبَادِرِ الْجَالِسُ بِالسَّلَامِ؛ لأنَّ هَذَا مِنِ استِبَاقِ الْخَيْرَاتِ، قَالَ -تَعَالَى-: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [المائدة:48].

 

سَابِعًا: عَدَمُ تَخْصِيصِ أَحَدٍ مِنَ الْجَالِسِينَ بِالسَّلَامِ: فَإِنَّ هَذَا مِنْ شَأْنِهِ أنْ يُوغِرَ صُدُورَ الْجَالِسِينَ، وَيَزْرَعَ الْبُغْضَ وَالْحِقْدَ.

 

ثَامِنًا: وَمِنَ السُّنَّةِ: السَّلَاُم عَلَى الصِّبْيَانِ؛ فَإِنْ كَانُوا صِغَارَ الْيَوْمِ؛ فَهُمْ كِبَارُ الْغَدِ؛ وَحَتَّى يَتَأَدَّبُوا بِآدَابِ الشَّرْعِ، فَعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-، أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- "فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

تَاسِعًا: كَذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ: التَّسْلِيمُ عَلَى النِّسَاءِ؛ قَالَت أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ: "مَرَّ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي نِسْوَةٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا" رَوَاهُ أَبُو دَاودَ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

 

عَاشِرًا: كَذَلِكَ رَدُّ السَّلَامِ عَلَى مُرْسِلِهِ مِنْ بَعِيدٍ، سَوَاءَ أَكَانَ مُشَافَهَةً أَمْ كِتَابَةً. قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "إِنِّي لَأَرَى لِجَوَابِ الْكِتَابِ حَقًّا كَرَدِّ السَّلَامِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

 

وَلَـمَّا جَاءَ فَتًى مِنْ أَسْلَمَ إلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- يُرِيدُ الْغَزْوَ، وَلَيْسَ مَعِه مَا يَـتَجَهَّز بِهِ، قَالَ: "ائْتِ فُلَانًا، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ تَجَهَّزَ، فَمَرِضَ"، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: "أَعْطِنِي الَّذِي تَجَهَّزْتَ بِهِ" رَوَاهُ الْبًـخَارِيُّ.

 

اللَّهُمَّ...

 

 

 

المرفقات

السلام

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات