عناصر الخطبة
1/ الموت حق يجب الاستعداد له 2/ حق الميت على الأحياء3/ بدع القبور والتعزية 4/ الصبر على المصائباقتباس
في الموت عظة وتذكير، وتنبيه وتحذير، وكفى به -والله الذي لا إله إلا هو- من تقرير، والموت هو الخطب الأفظع والأمر الأشنع والكأس التي طعمها أكره وأبشع، وإنه الحادث الهادم للذات والقاطع للراحات والجالب للكريهات فإنه أمر يقطع أوصالك ويفرق أعضاءك، ويهدم أركانك، ولكننا نسيناه أو تناسيناه، وكرهنا ذكره ولُقياه، مع...
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، حكم بالموت على بني الإنسان فقال تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) [الرحمن: 26- 27]، وبعد الموت يودعون في القبور إلى يوم البعث والنشور أحمده تعالى على كل حال، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق، وبقمع الكفر والظلال، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها الناس: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].
لا يمر أسبوع أو شهر إلا ونفقد قريب أو صديق، لا يمر أسبوع أو شهر إلا ونواري أحب الناس إلى قلوبنا التراب.
أيها المسلمون عباد الله: الموت حقيقة قاسية رهيبة، تواجه كل حي فلا يملك لها رداً ولا يستطيع أحد ممن حوله دفعا، وهي تتكرر في كل لحظة وتتعاقب على مر الأزمنة، يواجهها الجميع صغاراً وكباراً، أغنياء وفقراء، أقوياء وضعفاء، مرضى وأصحاء، قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجمعة: 8]، نهاية الحياة واحدة، الجميع يموت (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران: 185] إلا إن المصير بعد ذلك مختلف (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى: 9].
وقد خلق الله الموت والحياة لشأن عظيم وأمر جسيم، فقال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك: 2].
وقد وصف سبحانه وتعالى شدة الموت في أربع آيات: فقال في الأولى: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) [ق: 19]. وقال في الثانية: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ) [الأنعام: 93]. وقال في الثالثة: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ) [الواقعة: 83- 85]. وقال في الرابع: (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) [القيامة: 26- 30].
ولعظم ما نحن مقدمون عليه وصائرون إليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا.." ففي الموت عظة وتذكير، وتنبيه وتحذير، وكفى به -والله الذي لا إله إلا هو- من تقرير، والموت هو الخطب الأفظع والأمر الأشنع والكأس التي طعمها أكره وأبشع، وإنه الحادث الهادم للذات والقاطع للراحات والجالب للكريهات فإنه أمر يقطع أوصالك ويفرق أعضاءك، ويهدم أركانك، ولكننا نسيناه أو تناسيناه، وكرهنا ذكره ولُقياه، مع يقيننا أنه لا محالة واقع وحاصل، ولا مفر منه ولا حائل.
فالحمد لله الذي قصم بالموت رقاب الجبابرة، وكسر به ظهور الأكاسرة، وقصر به آمال القياصرة، ونغّص على تلك النفوس الظالمة الفاجرة،
الموت باب وكل الناس داخله *** فليت شعري بعد الموت ما لدار
الدار جنة عدن إن عملت بما *** يرضي الإله وإن فرطت فالنار
هما مصيران ما للمرء غيرهما *** فانظر لنفسك ماذا أنت تختار
أيها الأحبة: قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الجنائز أكمل الهدي، مخالفًا لهدي سائر الأمم مشتملاً على الإحسان إلى الميت ومعاملته بما ينفعه في قبره ويوم معاده وعلى الإحسان إلى أهله وأقاربه، وعلى إقامة عبودية الحي لله وحده فيما يعامل به الميت، وكان من هديه في الجنائز إقامة العبودية للرب تبارك وتعالى على أكمل الأحوال، والإحسان إلى الميت وتجهيزه إلى الله على أحسن أحواله وأفضلها، ووقوفه صلى الله عليه وسلم ووقوف أصحابه صفوفًا يحمدون الله ويستغفرون للميت، ويسألون له المغفرة والرحمة والتجاوز عنه، ثم المشي بين يديه إلى أن يودعوه في حفرته ثم يقوم هو وأصحابه بين يديه على قبره سائلين له التثبيت أحوج ما كان إليه، ثم يتعاهده بالزيارة له في قبره، والسلام عليه والدعاء له كما يتعاهد الحي صاحبه في دار الدنيا ". انتهى.
فأول ذلك تعاهده في مرضه وتذكيره بالآخرة، وأمره بالوصية والتوبة وأمر من حضر بتلقينه شهادة أن لا إله إلا الله، لتكون آخر كلامه من الدنيا.
أيها المسلمون: يستحب تلقين المحتضر: لا إله إلا الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" رواه مسلم. وذلك لتكون هذه الكلمة الطيبة آخر كلامه، ويختم له بها فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وغيره مرفوعًا: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله، دخل الجنة"، ولأن الشيطان يعرض للإنسان في حالة احتضاره ليفسد عقيدته، فإذا لُقّن هذه الكلمة العظيمة، ونطق بها فإن ذلك يطرد عنه الشيطان، ويذكّره بعقيدة التوحيد.
ثم إذا مات العبد فإنه يسرع في تجهيزه: من تغسيله وتكفينه، والصلاة عليه ونقله إلى قبره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا ينبغي لجيفة مسلم أن تُحبس بين ظهراني أهله " رواه أبو داود.
قال ابن القيم رحمه الله: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم: الإسراع بتجهيز الميت إلى الله، وتطهيره وتنظيفه وتطييبه وتكفينه في الثياب البيض. قال: وكان يأمر بغسل الميت ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر بحسب ما يراه الغاسل، ويأمر بالكافور في الغسلة الأخيرة، وكان يأمر من ولي الميت أن يحسن كفنه، ويكفنه بالبياض، وينهى عن المغالاة في الكفن.
والرجل يتولى تغسيله الرجال، والمرأة يتولى تغسيلها النساء، ويجوز للرجل أن يغسّل زوجته، وللمرأة أن تغسّل زوجها. ومن تعذر غسله لعدم الماء أو لكون جسمه محترقًا أو متقطعًا لا يتحمل الماء، فإنه يُيَمّم بالتراب، وإن تعذر غسل بعضه غسل ما أمكن غسله منه، ويمم عن الباقي.
والسقط إذا كان له أربعة أشهر غُسِّل وصُلي عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة" رواه أحمد وأبو داود وغيرهما.
فإذا غسل الميت وكفن، فإنه يصلى عليه، والصلاة عليه جماعة أفضل لفعله صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه.
قال ابن القيم رحمه: ومقصود الصلاة على الجنازة هو الدعاء للميت. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في قول الله تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) [التوبة: 84]؛ لما نهى الله نبيه عن الصلاة على المنافقين كان دليلاً على أن المؤمن يُصلى عليه قبل الدفن، ويقام على قبره بعده. ودلت الآية أيضًا على أن الصلاة على المسلمين من أكبر القربات وأفضل الطاعات، ورتب الشارع عليها الجزاء الجزيل كما في الصحاح وغيرها، ودلت الآية على أن الصلاة عليه كانت عادة النبي صلى الله عليه وسلم وأمراً متقرراً عند المسلمين. انتهى..
وكلما كثر المصلون كان أفضل؛ لما روى مسلم في صحيحه: " ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شُفّعوا فيه ". وله من حديث ابن عباس: " وما من مسلم يموت، فيقوم على قبره أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئًا إلا شُفعوا فيه ".
ومن فاتته الصلاة على الميت قبل دفنه صُلِّي على قبره، لما في الصحيحين من حديث أبى هريرة وابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر وذلك أن امرأة سوداء كانت تقمّ المسجد، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها فقالوا: ماتت، فقال: أفلا كنتم آذنتموني؟ قال: فكأنهم صغّروا أمرها، فقال: " دلوني على قبرها " فدلوه، فصلى عليها.
ثم بعد الصلاة على الميت يُبَادر بحمله إلى قبره، ويستحب للمسلم حضور الصلاة على أخيه المسلم، وتشييع جنازته إلى قبره، بسكينة وأدب وعدم رفع صوت لا بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان" قيل: وما القيراطان؟ قال: " مثل الجبلين العظيمين". متفق عليه.
ويسن توسيع القبر وتعميقه، ويوضع الميت فيه موجهًا إلى القبلة على جنبه الأيمن، ويسد اللحد عليه سدًّا محكمًا، ثم يُهال عليه التراب. ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر، ويكون مسنمًا، أي: محدبًا، وذلك ليرى فيعرف أنه قبر فلا يوطأ، ولا بأس أن يجعل علامة عليه، بأن يوضع عليه حجر ونحوه ليعرفه من يريد زيارته للسلام عليه والدعاء له.
ولا تجوز الكتابة على القبور، لا كتابة اسم الميت ولا غيرها، ولا يجوز تجصيصه ولا البناء عليه، ولا تجوز إضاءة المقابر بالأنوار الكهربائية ولا غيرها، لحديث جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصّص القبر، وأن يُقعد عليه، وأن يُبنَى عليه. رواه مسلم.
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد، وإيقاد السرج عليها، واشتد نهيه في ذلك حتى لعن فاعله، ونهى عن الصلاة إلى القبور، ونهى أمته أن يتخذوا قبره عيداً، ولعن زوارات القبور، وكان هديه أن لا تُهان القبور وتوطأ، وألا يجلس عليها ويتكأ عليها، ولا تعظم بحيث تُتخذ مساجد فيصلى عندها وإليها، أو تتخذ أعيادًا وأوثانًا.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا زار قبور أصحابه يزورها للدعاء لهم والترحم عليهم والاستغفار لهم، وهذه هي الزيارة التي سنّها لأمته وشَرع لهم وأمرهم أن يقولوا إذا زاروها: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية.
وكان هديه أن يقول ويفعل عند زيارتها من جنس ما يقوله عند الصلاة على الميت من الدعاء والترحم والاستغفار. فأبى المشركون من بعض الفرق الضالة إلاّ دعاء الميت والإشراك به والإقسام على الله به وسؤال الحوائج والاستعانة به والتوجه إليه، بعكس هديه صلى الله عليه وسلم فإنه هدي توحيد وإحسان إلى الميت، وهدي هؤلاء شرك وإساءة إلى نفوسهم والى الميت.
أيها المسلمون: هناك بعض البدع تحصل من بعض الناس إذا مات لهم ميت، فمن هذه البدع المحدثة القراءة عند الجنائز، أو عند القبور، قراءة الفاتحة أو قراءة شيء من القرآن. يزعمون أن ذلك ينفع الميت، وهذا بدعة لأنه لم يكن من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن بدع الجنائز بل من عوائد الكفار ومن يقلدهم من جهلة المسلمين إلقاء أكاليل الزهور على القبور، ومن عوائد الكفار ومن يقلدهم من جهلة المسلمين اليوم إعلان الإحداد على الأموات، ولبس السواد، وتنكيس الأعلام، وتعطيل الأعمال الرسمية من أجل ذلك، والوقوف والصمت بضع دقائق لروح الميت وما أشبه ذلك من عوائد الجاهلية الباطلة، فيجب على المسلمين الحذر من تقليدهم والتشبه بهم.
ومن البدع ما يسمى بإحياء ذكرى الأربعين، وهو أنه بعد ( 40 ) يوم من وفاة الميت، تحيا هذه الليلة وربما تم توزيع بعض الصدقات ونحو ذلك وهي بدعة سيئة فرعونية الأصل، لا أصل لها في دين الإسلام.
أيها المسلمون: إن الذي ينفع الميت بعد موته هو ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم من المبادرة بقضاء ديونه، فإن المسلم مرتهن بدَيْنِه حتى يقضى عنه وتنفيذ وصاياه الشرعية، والدعاء له والتصدق عنه والحج والعمرة عنه، قال صلى الله عليه وسلم: " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له ". رواه مسلم.
ومما يجب أن يعلم أنه يحرم على النساء اتباع الجنائز وزيارة القبور؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: " نُهينا عن اتباع الجنائز ". والنهي يقتضي التحريم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور. رواه الخمسة وصححه الترمذي. فالمرأة لا تزور القبور لا قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا قبر غيره، وإنما زيارة القبور خاصة بالرجال. فاتقوا الله عباد الله ولا تنسوا الموت فتغفلوا عن العمل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون: 9- 11].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم …
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له. خلق الخلق ورزقهم ولم يتركهم هملاً بل أنزل عليهم الكتب، وأرسل إليهم رسلاً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين تمسكوا بسنته ولم يرتضوا بها بدلاً. وسلم تسليمًا كثيرًا..
أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله شرع الصبر عند المصائب، ووعد الصابرين بجزيل الثواب، ونهى عن التسخط والجزع، وتوعد على ذلك بأليم العقاب، فنهى سبحانه عن عادة الأمم التي لا تؤمن بالبعث والنشور، من لطم الخدود، وشق الجيوب، وحلق الرؤوس، ورفع الصوت بالندب والنياحة، وتوابع ذلك.
أما البكاء الذي لا صوت معه وحزن القلب فلا بأس بهما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب"، رواه البخاري.
وتستحب تعزية المصاب بالميت، وحثه على الصبر والاحتساب، ولفظ التعزية أن يقول: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك، وغفر لميتك. قال ابن القيم رحمه الله: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تعزية أهل الميت، ولم يكن من هديه أن يجتمع للعزاء ويقرأ له القرآن لا عند قبره ولا غيره، وكل هذا بدعة حادثة مكروهة، وكان من هديه السكون والرضا بقضاء الله، والحمد لله والاسترجاع. ويبرأ ممن خرق لأجل المصيبة ثيابه، أو رفع صوته بالندب والنياحة، أو حلق لها شعره.
وكان من هديه أن أهل الميت لا يُكلفون الطعام للناس، بل أمر أن يصنع الناس لهم طعامًا يرسلونه إليهم، وهذا من أعظم مكارم الأخلاق والشيم والحمل عن أهل الميت، فإنهم في شغل بمصابهم عن إطعام الناس.
ثم اعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها … إلخ.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات..
اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم