عناصر الخطبة
1/ الحكمة من الأضحية 2/ شكر الله على شعيرة الأضحية 3/ مشروعية الأضحية 4/ أحكام وشروط الأضحية 5/ من الأحكام المتعلقة بالمضحياقتباس
وإذا كان حجاج بيت الله الحرام قد أكرمهم الله بهذه العبادة العظيمة -وهي الحج- فإن المسلمين في أرجاء الوطن لابد أن يكون لهم -كرمًا من الله ومنةً عليهم وتكريمًا لهم- عبادة يتقربون بها إلى الله وهي تشبه بعضًا من هذه العبادات التي يؤديها الحجاج والعمار، هذه العبادة هي الأضحية، والأضحية هي النسك التي تذبح يوم العاشر من ذي الحجة أي يوم عيد الأضحى ..
وبعد:
أيها المؤمنون: نحن على أبواب شهر ذي الحجة، حيث نرقب فيه بعد أيام قليلة وفود ذلك اليوم العظيم الذي تجتمع فيه وفود المسلمين من كل جوانب الأرض وفجاجها، تلبيةً للنداء الخالد الذي أذن به إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- استجابةً لأمر ربه إذ قال له: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) [الحج: 27، 28]، وإذا كان حجاج بيت الله الحرام قد أكرمهم الله بهذه العبادة العظيمة -وهي الحج- فإن المسلمين في أرجاء الوطن لابد أن يكون لهم -كرمًا من الله ومنةً عليهم وتكريمًا لهم- عبادة يتقربون بها إلى الله وهي تشبه بعضًا من هذه العبادات التي يؤديها الحجاج والعمار، هذه العبادة هي الأضحية، والأضحية هي النسك التي تذبح يوم العاشر من ذي الحجة أي يوم عيد الأضحى، وإنما شرعت لهذه الأمة تذكيرًا لها بتلك النعمة الجليلة التي أنجى الله بها أبانا إسماعيل -عليه الصلاة والسلام- كما قصها علينا القرآن الكريم، فقال تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) [الصافات: 102-107]، فكانت هذه الأضحية تذكيرًا لهذه الأمة بنعمة جليلة أبقت على وجودها في هذه الأرض لتحمل رسالة الإسلام وتكون خير أمة أخرجت للناس في هذه الدنيا، وهذه النعمة ينبغي لهذه الأمة أن تشكر الله عليها وتديم الشكر عليها، والشكر لا يكون مؤدى على وجهه إلا إذا تحقق فيه شرطان:
الأول: فهو أن يكون خالصًا لله وحده.
الثاني: بأن يكون عملاً موافقًا لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبذلك يتحقق الشكر الذي شرعه الله لهذه الأمة أداءً لحق الله عليها لكي تتقرب إلى الله بأجل الطاعات وأعظم النعم.
وإذا كنا نشارك حجاج بيت الله هذه الشعيرة العظيمة وهي الأضحية، فلابد أن نعلم بعضًا من أحكامها لنكون على بينة منها؛ لأن المسلم لا ينبغي أن يجهل حكمًا من أحكام الله التي فرضها وشرعها له، ولكي نتبين أحكام هذه الأضحية يجب علينا أن نعلم:
أولاً: أن الله -تبارك وتعالى- شرع هذه الأضحية أو النسك لهذه الأمة، به حكم كتابه وعلى لسان رسوله ، وأجمعت الأمة عليها من يوم أن شرعها النبي -صلى الله عليه وسلم- ولن تغيب مشروعيتها ما دامت تحيا على وجه الأرض، وفي ذلك يقول ربنا -سبحانه وتعالى-: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر: 1، 2]، فقد جاء ترتيب النحر -أي الذبح- بعد الصلاة، وهذا الترتيب فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عملاً، وعلمه أمته أيضًا قولاً وعملاً، ذلك من سنته الحكيمة المحكمة، فالله -سبحانه وتعالى- يقول: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، أي صل صلاة عيد الأضحى ثم انحر واذبح نسكك تعليمًا وإشهادًا لهذه الأمة أنها لن يغيب عنها حكم من الأحكام، وأن هذه الأحكام إنما شرعت بكتاب الله -عز وجل- وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
وأما من السنة فقد جاءت الآثار والأحاديث القولية والفعلية كثيرة، كثيرة جدًا، من ذلك ما يرويه لنا أنس بن مالك –رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى يوم الأضحى بكبشين سمينين أملحين، والأملح هو الأبيض الذي يخالطه بعض السواد، وكان -عليه الصلاة والسلام- إذا فعل أمرًا أشهد الناس عليه؛ لأنه يريد أن يشيع وأن يكون مشروعًا لهذه الأمة بقوله وفعله -صلى الله عليه وسلم-، ولذلك كان -عليه الصلاة والسلام- لا ينحر نسكه إلا في المصلى، ومن هنا ثبتت الحكمة التي من أجلها شرعت صلاة العيد في المصلى ولم تشرع في المساجد؛ ذلك لأن المساجد ليست محلاً لإراقة الدماء، وقد أجمعت الأمة على هذه الأضحية من غير نكير لها ولا مخالف لها، بحيث لا يستطيع أن يغيب عنها حكمها.
ثانيًا: وأما المسألة الثانية التي ينبغي أن نعلمها ألا وهي أن هذه العبادة -وهي الأضحية- إنما تكون من المال وليست من جهد البدن، وعليه فإن المسلم الذي يريد أن يضحي عليه أن يتخير مال أضحيته من طيب ماله وكسبه، ولذلك فلا تعمدوا -أيها المؤمنون- إلى المال المخلوط بالربا أو بشيء من الحرام لتشتروا به أضحيتكم؛ ذلك لأن الله أمرنا أن نخرجها وننفقها من طيب أموالنا إذ يقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) [البقرة: 267]، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا"، إذًا لا يليق بالمسلم أن يشتري أضحيته إلا من طيب وخالص ماله حتى تكون عبادته مقبولة.
ثالثًا: وأما المسألة الثالثة وهي أن الأضحية لا تقبل إلا بشروط، وقد أوضحها وبينها نبينا -عليه الصلاة والسلام- وهي:
أن تكون الأضحية مسنة، والمسنة هي الثنية من الضأن والبقر والإبل، فمن الضأن من تبلغ سنة فما فوق، ومن البقر سنتين وتدخل في الثالثة، ومن الإبل خمس سنوات وتدخل في السادسة، فإذا تعسرت المسنة أجزأت الجذعة من الضأن التي لم تبلغ سنة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن"، فعليكم أن تختاروا أنعم السن وأحسنها بدنًا، وأصفاها دمًا، وأنقاها من العيوب، كما قال -صلى الله عليه وسلم- مبينًا لنا الشروط الأخرى: "أربعة لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والعجفاء التي لا تنقي". والعجفاء التي لا تنقي أي الهزيلة الضعيفة التي ذهب مخ عظم ساقيها، ولأجل ذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتخير السمين من الكباش حتى تكون سليمة من العيوب، فضحى -عليه الصلاة والسلام- بكبشين سمينين أملحين. فعليكم -عباد الله- أن تختاروا الأضحية الحسنة المنظر، السليمة من العيوب، والتي أتمت السنة، وإلا فالأقرب إلى السُّنة. وفقني الله وإياكم لتعظيم شعائر الله -عز وجل-.
الخطبة الثانية:
وأما المسألة الرابعة، وهي حكم الأضحية هل هي مسنونة مندوبة بحيث إذا تركها القادر عليها لا يلام ولا يعاقب ولا يؤاخذ على تركها، أم أن حكمها الوجوب بحيث لو تركها عوقب وأثم على تركها، وإذا أردنا أن نعرف ذلك فعلينا أن نسوق الأدلة من الكتاب والسنة، فأما صريح الكتاب فقوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر: 2]، فقد أمر الله بالنحر وهو الذبح، والأمر هنا يفيد الوجوب إذا لم يأتِ ما يصرفه عن ذلك، بل النصوص من الآثار والأحاديث تدعم القول بأنها واجبة. وإن السلف لم يتخلفوا يومًا أو عامًا عن التقرب إلى الله بهذه الأضحية، ولا أدل على ذلك من قوله –صلى الله عليه وسلم-: "من ذبح قبل الصلاة فليعد"، وفي لفظ آخر: "من ضحى قبل الصلاة فليضح بأخرى مكانها"، فهذا الحديث صريح تمامًا في أن الأضحية واجبة على المسلم القادر، وأنه من تخلف عن الاستجابة لهذا الأمر، فإنه يأثم ويعاقب على عدم فعله، ولو كانت الأضحية غير واجبة لما طلب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من الذي ذبح قبل صلاة العيد أن يعيد الذبح بعد الصلاة بأضحية أخرى، فالأمر بالإعادة يدل على أن الأضحية واجبة، ولا يلتفت إلى ما كان من الذبح قبل الصلاة.
وأما المسألة الخامسة وهي وقت الأضحية: يبدأ وقت الأضحية بعد صلاة العيد من اليوم العاشر من ذي الحجة، وهذا ما جاء صريحًا في الحديث السابق، وأصرح منه ما جاء في رواية أخرى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كان ذبح قبل أن يصلي فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد أن يصلي فقد تم نسكه وأصاب سنة المرسلين"، ويستمر وقتها طيلة أيام التشريق الثلاثة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أيام التشريق كلها ذبح"، سواء أكان للأضحية أم الهدي للحاج المتمتع أو القارن، غير أن الهدي له مكان خاص وهو الحرم المكي، بينما الأضحية تذبح في كل بلاد المسلمين، وعلى المسلم أن يذبح بيده هو فإن ذلك من السنة، وإلا عليه أن يشهد ذبحها إذا وكَّل غيره للذبح؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- ذبح في حجة الوداع مائة من الإبل، ذبح هو بيده الشريفة ثلاثًا وستين منها، ووكل الباقي لعلي –رضي الله عنه- ليذبحها، ويجوز للمضحي أن يأكل ويتصدق ويدّخر من أضحيته ما شاء دون تعيين للقسمة، لا ثلث ولا غيره؛ لقوله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [الحج: 28]، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "كلوا وتصدقوا وتزودوا وادخروا"، وأعلم -أيها المسلم- أنه إذا دخلت العشر الأوائل من ذي الحجة وأردت أن تضحي فلا تأخذ من شعرك ولا من أظفارك شيئًا لما أخرجه مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من رأى هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره".
واعلم أيضًا أنه يستحب لك -يا من تريد أن يغفر الله لك- أن تصوم عرفة، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، فقد قال فيه -صلى الله عليه وسلم- حين سئل عن صوم يوم عرفة: "يكفر السنة الماضية والباقية"، فأي فضل كهذا؟! فاحرص -أخي المسلم- على أن لا يفوتك هذا الفضل العظيم.
فالله نسأل أن يوفقنا للعمل في هذه العشر الأول من ذي الحجة؛ فإن العمل الصالح فيها أحب إلى الله من العمل في غيرها، لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه -أي العشر من ذي الحجة- إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء". فاحرصوا -أيها المؤمنون- على فعل الخير في هذه الأيام. وفقني الله وإياكم لطاعته، وجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم