عناصر الخطبة
1/مكانة الحب في الله 2/السبيل إلى الحب في الله 3/آثار الحب في الله 4/خطر المحبة لغير اللهاقتباس
وَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ هَذِهِ الأَبْرَاجَ وَسِيْلَةٌ لِمَعْرِفَةِ الغَيْبِ، ويَسْتَدِلّ بِحَرَكَاتِهَا السَّمَاوِيَّةِ، عَلَى الأَحْدَاثِ الغَيْبِيَّة؛ كَأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ هَذَا الإِنْسَانَ سَتَكُوْنُ حَيَاتُهُ كَذَا، أو شَخْصِيَّتُهُ كَذَا...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ، وَتَمَسَّكُوا بِهُدَاه؛ فَالتَّقْوَى تَدْفَعُ السُّوْءَ والبَلْوَى! (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
عِبَادَ الله: إِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ القُرُبَات، وَأَشْرَف العِلَاقَات، وَلَا يَجِدُ رَجُلٌ طَعْمَ الْإِيمَانِ -وَإِنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ- حَتَّى يَذُوْقَ طَعْمَهَا؛ إِنَّهَا المَحَبَّةُ في اللهِ! قال -صلى الله عليه وسلم-: “ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ؛ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ”، وذَكَرَ مِنْهَا: “أَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لله!”(رواه البخاري ومسلم).
وَالمَحَبَّةُ في الرَّحْمَن مِنْ أَقْوَى عَلَامَاتِ الإِيْمَان؛ فَفِي الحَدِيْثِ: “أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ: الْحَبُّ فِي اللهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللهِ”(رواه أبو داود وصححه الألباني).
والمُتَحَابُّوْنَ في الله عُمْلَةٌ نَادِرَة تَجْمَعُهُم الآخِرَةُ، وَلَا تُفَرِّقُهُم الدُّنْيَا الفَانِيَة، قال ابْنُ عَبَّاس -رضي الله عنهما-: “وَقَدْ صَارَتْ عَامَّةُ مُؤَاخَاةِ النَّاسِ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ لَا يُجْدِي عَلَى أَهْلِهِ شَيْئًا!”.
وَإِذَا أَقْبَلَ العَبْدُ بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ أَقْبَلَ اللهُ بِقُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِ؛ حَتَّى يَرْزُقَهُ مَحَبَّتَهُمْ، قال -عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا). قَالَ مُجَاهِدٌ: “يُحِبُّهُمُ اللهُ، وَيُحَبِّبُهُمْ إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ”.
وَقَرَنَ اللهُ بَيْنَ الْمُتَحَابّيْن في طَاعَةِ اللهِ فِي الْجَنَّةِ، وَقَرَنَ بَيْنَ الْمُتَحَابّيْن في طَاعَةِ الشَّيْطَانِ فِي الْجَحِيمِ؛ فَالْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبّ: شَاءَ أَوْ أَبَى، قال -صلى الله عليه وسلم-: “لَا يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمًا؛ إِلَّا حُشِرَ مَعَهُمْ!”(رواه الطبراني).
وَالمُصَارَحَةُ بِالمَحَبَّةِ في اللهِ أَبْقَى لِلْأُلْفَةِ، وَأَثْبَتُ لِلْمَوَدَّةِ! قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؛ فَلْيُعْلِمْهُ إِيَّاهُ”(رواه الترمذي وحسَّنه الألباني). وعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: مَرَّ بِالنَّبِيِّ رَجُلٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: “إِنِّي لَأُحِبُّهُ فِي اللهِ!” فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: “أَأَعْلَمْتَهُ؟” قَالَ: “لَا” قَالَ: “فَأَعْلِمْهُ” قَالَ: “فَلَقِيتُ الرَّجُلَ فَأَعْلَمْتُهُ” فَقَالَ: “أَحَبَّكَ اللهُ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ!”(رواه الحاكم).
وَالمَحَبَّةُ في اللهِ شَجَرَةٌ طَيِّبَة؛ أُكُلُهَا دَائِمٌ، وَظِلُّهَا مُمْتَدٌّ في الآخِرَةِ! قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: “أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي، الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي“(رواه مسلم).
وَالزِّيَارَةُ في الله أَثَرٌ مِنْ آثَارِ المَحَبَّةِ فِيْهِ، قال -عز وجل-: “حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَزَاوِرِيْنَ فِيَّ”(رواه أحمد وصحّحه الألباني). وفي الحَدِيْثِ: أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى؛ فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا! فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: “أَيْنَ تُرِيدُ؟” قَالَ: “أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ” قَالَ: “هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا” قَالَ: “لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ” قَالَ: “فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ؛ بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ!”(رواه مسلم).
والمَحَبَّةُ في اللهِ رَابِطَةٌ رَاسِخَةٌ إِيْمَانِيَّةٌ؛ أَقْوَى مِنْ رَوَابِطِ القَرَابَةِ النَّسَبِيَّةِ، وَالمَصَالِحِ المَادِّيَّةِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ!” قَالُوا: “يَا رَسُولَ الله، تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟” قَالَ: “هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللهِ، عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا!”.
وَمَحَبَّةُ الصَّالِحِيْنَ في اللهِ تَبْعَثُ على الاِقْتِدَاءِ بِهِمْ، واللَّحَاقِ بِرَكْبِهِمْ! فَعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: “مَتَى السَّاعَةُ؟” قَالَ: “وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟” قَالَ: “لاَ شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ” فَقَالَ: “أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ!”. قَالَ أَنَسٌ: “فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ!”. قال العُلَمَاء: “فِيهِ حَثٌّ عَلَى مَحَبَّةِ الصُّلَحَاءِ وَالْأَخْيَارِ؛ رَجَاءَ اللَّحَاقِ بِهِمْ، وَالْخَلَاصِ مِنَ النَّارِ”.
أُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلَسْتُ مِنْهُمْ *** لَعَلِّي أَنْ أَنَالَ بِهِمْ شَفَاعَة
وَأَكْرَهُ مَنْ تِجَارَتُهُ المَعَاصِي *** وَإِنْ كُنَّا سَوَاءً في البِضَاعَة!
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
أَمَّا بَعْدُ: كُلُّ مَحَبَّةٍ لِغَيْرِ اللهِ تَنْقَلِبُ حَسْرَةً وَعَدَاوَةً، وَكُلُّ مَنْ اجْتَمَعَ مَعَ مَحْبُوْبِهِ عَلَى غَيرِ طَاعَةِ الله جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُمَا في النَّارِ، وَعُذِّبَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ! (الأَخِلَّاءُ يَوْمَئذٍ بَعْضهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلا المُتَّقِينَ).
وَالمُتَحَابُّونَ في اللهِ؛ قَومٌ تَصَاحَبُوا للهِ، فَالأَيَّامُ واللَّيَالي مَرَاحِلُهُمْ إلى سَفَرِ الجَنَّةِ! (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا).
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.
عِبَادَ الله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم