عناصر الخطبة
1/أهمية الدعوة إلى الله وبعض فضائلها 2/الدعوة إلى الله تكون عن علم وبصيرة 3/الدعوة إلى الله مسؤولية الجميع حسب الاستطاعة 4/أثر القرآن على الكفار وبعض القصص في ذلكاقتباس
إذا كانت الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه، بل لا بد في كمال الدعوة من البلوغ في العلم إلى حد يصل إليه السعي، ويكفي هذا في شرف العلم أن صاحبه يحوز به هذا المقام والله يؤتي فضله من يشـاء..
الخطبة الأولى:
اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، لك الحمد بالإسلام ولك الحمد بالإيمان ولك الحمد بالقرآن، بسطت أمننا، وكبت عدونا، وجمعت فرقتنا، ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا، فلك الحمد على ذلك كثيرا. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتُها.
معاشر المسلمين: هل علمتم ما أجل كلمة تقال بعد الإيمان، وما هي أعظم مقولة في هذه الحياة؟! يقول تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ)[فصلت: 33].
هل يفكر أحدنا في دعوة أهله؟ هل نصحت جارك المقصر أو زميلك المذنب؟ لماذا لا يتجاوز إيماننا بهذا الدين قضية الانتماء له فحسب؟!
لنكن من اليوم دعاةً إلى الله منقذين لهم، صيّنين لحياتهم وأوقاتهم. وايم الله إن المرء ليحزن عندما لا يرى جاره شهراً في المسجد، وإنه ليحزن عندما يشاهد شباب الإسلام يجرون وراء السفاهات ويلتقطون التافهات! إن تكلموا تكلموا في المضار، وإن تنافسوا تنافسوا في المنكرات، أين هم من المعاني الجادة ومن القيم العالية في الحضارة الإسلامية؟!
إذا رأيت شبابَ الحي قد نشأوا *** لا يعرفون قلالَ الحِبر والورقا
ولا تراهم لدى الاشياخ في حلقٍ *** يعونَ من صالح الأخبار ما اتسقا
فذرهمُ عنك واعلم أنهم همجٌ *** قد بدلوا بعلو الهمةِ الحُمقا
الدعوة الى الله قيمة عالية، وقربة عظيمة، هي وظيفة الأنبياء: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي)[يوسف: 108].
ألم تسمع بفضائل الدعوة؟ "فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمر النَّعم". وقال صلى الله عليه وسلم: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله".
ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- له أجور أمته لأنه مرشدهم وهاديهم وداعيهم.
الآن كم تخرج الجامعات؟ وكم تبث المعاهد من معلمين وأساتذة لديهم إلمام عام بقضايا الإسلام؟ ولكن لا يؤدون دورهم ولا ما أراده الله منهم؟!
لما سمع الجن القرآن ماذا قال الله؟ قال: (فلما قُضي ولو إلى قومهم منذرين)[الأحقاف: 29].
عندما تسمع المحاضرة أو تـقرأ كتاباً لماذا لا تبثه على أصدقائك، وتحدث به أبناءك، وتحذر منه أضرابك؟! وتؤدي "وظيفة النذير العريان" من يخشى على أمته، ويبكي على أمجادها، ويسعى في إقامة حضارتها: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آل عمران: 110].
وهذا نوع من الدعوة، إصلاح الناس، والشفقة عليهم، التحزن على سيئاتهم.
ادع بالقرآن وبالسنة، وكن سلفياً على الجادة لا حزبية، ولا طائفية، ولا تعقد لها الولاء إلا الكتاب والسنة، واستعصم بمنهج رسول الله، وبما فهمه السلف: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[الأحزاب: 21]، وادع على علم وبصيرة.
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "وإذا كانت الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها، فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه، بل لا بد في كمال الدعوة من البلوغ في العلم إلى حد يصل إليه السعي، ويكفي هذا في شرف العلم أن صاحبه يحوز به هذا المقام والله يؤتي فضله من يشـاء".
وتأمل كيف غيّر رسول الله الأمة؟ وكيف حوّل خامات الجاهلية إلى عجائب الإنسانية؟
كان داعية جادا، ومثابراً صبوراً، قال فيه تعالى: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً)[الكهف: 6] أي كأنك قاتل نفسك عليهم غما، ولا تزال تطمع في هدايتهم.
جدّ وتعب، وبلغ ونصح، وحتى كادت نفسه تذهب حسرات، فهل ذهبت نفس أحدنا حسرات على واقع الأمة، وعلى قلة الخير وانتشار الجهل والشر؟
خمس صلوات في اليوم والليلة نرددها ونجهل كثيراً من أحكامها، فهبوا أهل الإسلام للدعوة والإصلاح، واجعلوا من انتسابكم لهذا الدين انتسابا صادقاً،… بالعمل والدعوة والمشاركة، فهي أجل وظيفة، وخير عمل وامتثال.
فجدّوا وسارعوا وتأملوا كيف يجدّ مبشرو النصارى، في أماكن شاسعة من الحياة، لينصّروا الناس، ويعبّدوهم بالضلالة والانحراف.
اللهم وفقنا للخيرات، وجنبنا الغفلة والحسرات.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيرا طيبا مباركا فيه...
إخوة الإسلام: إنه ليقبح بالمسلم أن ينتسب لهذه الأمة ولا يقوم بحق الانتساب، ولا يحمل هم الدين، وقد قدر لله أن لا يظهر هذا الدين، ولا ينتصر إلا بقيام أهله به، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)[محمد: 7]، وقال تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحج: 40].
إن الدعوة إلى الله من أهم الواجبات، ويستطيعها كل إنسان حسب دوره ومسئوليته، وما من مسلم إلا يستطيع أن يخدم دين الله ولو بشيء يسير، أما أن يعيش المسلم هكذا بلا قيمة، ولا اعتبار، فهذا مالا يُقبل ولا يُستساغ؟
الدعوة بالقرآن العظيم، وبآياته ومواعظه، ودروسه وبيناته! من منا طبقها ومارسها مع الناس؟
إن لهذا القرآن أثرا كبيراً في الدعوة على الناس، بل يمتد أثره حتى الكفار الأعاجم. وقد ذكر بعض الأدباء قصة بيّن فيها كيف أن هذا الكتاب له أثر بمجرد سماعه على بعض الكفار يقول: كنا مسافرين في البحر فحضرت الجمعة فتذكرنا نحن المسلمين، فرأينا أن نقيم الجمعة على ظهر السفينة، فأقمناها وكنت خطيبهم، فلما فرغنا، هنأنا النصارى على نجاح القُداس، ثم يقول جاءتني امرأة يوغوسلافية وقالت: إن هناك كلاما عجيباً رددته في الخطبة، فقال: ليس ثمة كلام، ذلك كله كلامي، أنا صنعته! قالت: لا، هناك كلام ليس ككلام الناس يقول: فرجعت وكررت.. فعرفت أنها تقصد هذا القرآن العجيب.
فيا يا مسلمون: إنه لكتاب عجيب: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ من ربكم)[يونس: 57]، (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)[الإسراء: 9]، وقال تعالى: (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)[الأنبياء: 10].
إن تلاوة القرآن وتدريسه وتبليغه في الناس يملكه كل أحد، فأين الدعاة به؟ وأين المذكّرون بمواعظه؟ وأين الناصحون بأسراره؟
لقد هان وقصّر كثير منا حول القرآن، أفلحنا في تلاوته وهجرنا العمل به والدعوة إليه!
وتأملوا –يا عباد الله- كيف جد رسولكم بهذا الكتاب؟ وكيف إذا نزل على أحياء العرب بدأ أولاً بالقرآن، وعظهم وذكرهم به، فينجذب إليه النفوس ويعجبون؟
كما قد صنع مع عتبة بن ربيعة رسول قريش إليه بالإغراءات والأمنيات، فتلى عليه صدر سورة فُصلت؛ حتى انصدع الرجل، وجاء لملأ قريش بغير الوجه الذي ذهب به، وكان مما تلى: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ)[فصلت: 13].
فاقرؤوا القرآن وادعوا به وانشروه في الناس، وتعلموا من رسولكم صبره وجده في هذه الدعوة، وكيف أنه تحمل المشاق دونها، وتجاسر على الأهوال، وحطم كل التحديات رغم صعوبة العيش، وقلة ذات اليد، ولكن كانت نفسه كبيرة، وهمته عالية، وعزيمته خارقة.
أين فضلي إذا قنعتُ من الدهر *** بعيش معجل التنكيدِ؟!
ولعلي مؤمل بعض ما أبلغ *** باللطف من عزيز حميدِ
عش عزيزا أو مت وأنت كريم *** بين طعن القنا وخفق البنودِ
فاجتهدوا -معاشر المسلمين- في الدعوة والإصلاح: "بلغوا عني ولو آية" قل خيراً، انشر مطوية، أدع مقصراً، وتبسم وتودد ولا تكن من القاسين.
اللهم آت نفوسنا تقواها...
وصلوا وسلموا...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم