عناصر الخطبة
1/مكانة الضعفاء في الإسلام ودورهم في نصر الأمة 2/لماذا كان الضعفاء من المسلمين بهذه المنزلة؟ 3/انو الخير وإن لم تقم به.اقتباس
وهؤلاء الصالحون المستضعفون ليسوا أهلَ رياء حتى يُجاهروا بما فعلوا، بل كتموا ذلك بينهم وبين الله، فلا يعرفهم إلا الله، ولا يُجازيهم إلا هو، ويوم القيامة سيُكرَّمون بحسنات كالجبال، وسيتبَوّؤون منازلَ رفيعةً لم ينالوها بأعمالهم، بل بصدق نيّاتهم، وصالح دعواتهم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله المحمود على ما له من الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العظيمة العليا، وعلى آثارها الشاملة للأُولى والأخرى، والصلاةُ والسلامُ على نبيّنا محمدٍ، أجمعِ الخلق لكلّ وصفٍ حميد، وخلقٍ رشيد، وقول سديد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه من جميع العبيد.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أنّ الضعفاء بدنيًا أو ماليًا ليس لهم شأن يذكر عند عامة الأمم، ولكن في الإسلام لهم منزلة وشأن؛ فنبيّنا الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- نبّه صحابته الكرام -رضي الله عنهم- إلى علو منزلة هؤلاء الضعفة وعِظَمِ قدرهم وأثرهم على الأمة الإسلامية، وهذا مما اختصت به شريعة الإسلام؛ فأمة الإسلام أمة عظيمة متعاضدة متكاملة، وكل فرد من أفرادها الصادقين له أثرٌ وشأن في نصرتها، وتماسك بنيانها وتلاحم أفرادها؛ فالعالم وطالب العلم الشرعي لهما أثر في نشر العلم وتعليم الناس تعاليم دينهم، وبيان ما ينفعهم، وتحذيرهم مما يضرهم من البدع والمعاصي، والقائد المحنّك له دور في التخطيط والقيادة، والشجاع المقدام له دور عظيم في خوض المعارك ومقارعة الأعداء والدفاع عن ثغور البلاد، والغني الباذل له دور الإنفاق في وجوه الخير ونفع المجتمع، وكذلك الضعيف الصالح له دور مهم جدا يتجلى في إخباته ودعائه واهتمامه بشأن أمته؛ فدعاؤه حريٌّ بالإجابة لصدق توجهه وإقباله على الله، مع تواضع نفسه وانكسار قلبه وسلامته من الكبر، فدورُه في الأمة كبير وأثره عظيم؛ لأنه من أعظم أسباب النصر والتمكين للأمة، ومن أسباب الأرزاق التي يفتحها الله بفضله على من يشاء من عباده، فهو سرٌّ وسببٌ قد يغفل عنه كثير من الناس، فدعاء المستضعفين من الصالحين، الذين طهرت قلوبهم من غش المسلمين وحسَدهم وعداوتهم، وامتلأت بمحبة دين الله ونصرته، ولكن لضعفهم ما استطاعوا أن ينصروه بأنفسهم، ولفقرهم ما استطاعوا أن ينصروه بأموالهم، ولا جاه لهم ينصرونه به، فنصروه بصدق دعائهم ليلا ونهارًا، سرًّا وجهارًا.
جاء في صحيح البخاري أنّ سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- رأى أنَّ له فضلاً على من دونه، أَي: ظنّ أنّ له مزيّةً ومنزلةً على غيره بِسَبَب شجاعته وجهاده وَكَثْرَة إنفاقه في سبيل الله، وهو أول من رمَى بسهمٍ في سبيل الله؛ فلَفَت النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْتباهه إلى أنّ هناك من له فضلٌ عليه وعلى المجاهدين وغيرهم؛ فقال: "هَلْ تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟"؛ أي: بدعائهم وإخلاصهم يرحمُكم الله، فيُنْزل عليكم النصر، ويوسّع عليكم في الرزق.
قال الطاهر ابن عاشور -رحمه الله-: "الاستفهام هنا في معنى النفي؛ فالصيغة صيغة حصر، مقصودٌ به المبالغة في الإخبار عن عناية الله -تعالى- بالضعفاء من المسلمين؛ ليعلم الناسُ أنّ للضعفاء الحظَّ الأوفر في تيسير الله النصرَ والرزقَ لسائر الأمة.
والمراد من الضعفاء هنا الفقراء والمرضى والصبيان والأرامل ونحوهم.
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "إنْ كان القويُّ يترجّح بفضل شجاعته، فإنّ الضّعيف يترجّح بفضْل دعائه وإخْلاصِه".
وقال العلماء: "إنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك لئلا يقع في نفوس المجاهدين شيء من تقاعد أولئك وتخلّفهم عن الجهاد، ولئلا يتكبروا عليهم، فأعلمهم صلى الله عليه وسلم بأنهم معذورون في تخلُّفهم لضعفهم، وقلوبهم مع المجاهدين يدعون لهم بالنصر والتمكين؛ فالمجاهدون منصورون ببركة دعائهم، والضعفاء لهم مثلُ أجر المجاهدين والمنفقين، بصدق نيّاتهم ودعواتهم".
وكم من مظلوم نصره الله بسبب دعوة ضعيف أحسن إليه! وكم من مريض شفاه الله بسبب دعوة ضعيف أحسن إليه! وكم من مدينٍ قضى الله دينَه بسبب دعوةِ ضعيف أحسن إليه! وكم من فقير أغناه الله ووسّع عليه بسبب دعوةِ ولده الضعيف المريض الذي أحسن إليه وقام عليه!
وإنّ المستضعفين المنفَقَ عليهم يدعون الله بصدق -إن قاموا وقعدوا، وفي كلّ أحوالهم- لمن قام بكفايتهم، وكان سببًا في غناهم وسعادتهم، ودعاءُ هؤلاءِ لا يكاد يرّد؛ قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، وربما كان دعاؤهم له أعظمَ من دعائهم لأنفسهم.
فاعرفوا قدر ضعفاء المسلمين وأحسنوا إليهم، واعتنوا بهم لوجه الله -تعالى-، ومن رُزق بولد مريض أو معاقٍ فلْيحمد الله، فقد يكون سببَ غناه وسعادته وبركةِ وقتِه وحياتِه.
قال العلامةُ ابن عثيمين -رحمه الله-: "إنّ الضعفاء سببٌ للنصر وسببٌ للرزق، فإذا حنَّ عليهم الإنسان وعطف عليهم وآتاهم مما آتاه الله -عز وجل-؛ كان ذلك سبباً للنصر على الأعداء، وكان سبباً للرزق".
فهنيئًا للمسلمين بهم، فهذه الخيرات التي ساقها لهم، وهذا النصر الذي أنزله عليهم، ليست من عملهم فحسب؛ فهم أحد الأسباب، وهناك سببٌ عظيم خفيّ، وهو دعاء ضعفاء المسلمين، فاستجاب الله دعاءهم، فوسّع الله للمسلمين الأرزاق، وأنزل النصر على الأعداء.
وهنيئًا لهم بأجورٍ مثل أجور المجاهدين الفاتحين، فقد كانوا السبب في النصر والتمكينِ.
وهؤلاء الصالحون المستضعفون ليسوا أهلَ رياء حتى يُجاهروا بما فعلوا، بل كتموا ذلك بينهم وبين الله، فلا يعرفهم إلا الله، ولا يُجازيهم إلا هو، ويوم القيامة سيُكرَّمون بحسنات كالجبال، وسيتبَوّؤون منازلَ رفيعةً لم ينالوها بأعمالهم، بل بصدق نيّاتهم، وصالح دعواتهم.
نسأل الله -تعالى- أن يفتح لنا خزائن رحمته، ويُعطينا من واسع فضله، إنه على كل شيء قدير.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: أخي المسلم: إن عجزت عن القيام بأعمال عظيمة تشق عليك ولا تطيقها، فاصدُقِ الله في رغبتك وعزمِك في القيام بها، واسأله الإعانة عليها، وأكثر من الدعاء للمسلمين بالنصر والفتح والرزق والهداية، فإن استجاب الله دعوتك فنصر أمةً بسبب دعوتك فلك مثل أجر المجاهدين الفاتحين، وإن استجاب الله دعوتك فهدى أناسًا بسبب دعوتك فلك أجر هدايتهم التي هي خير من حمْر النَّعم من عتاق الإبل وأصايل الخيل.
ويا لفرحتك يوم القيامة وأنت ترى أعمالاً صالحة عظيمة كُتبت في صحيفتك لم تنَلْها بعمل عملته، لكنك نلتها بحبك الخير للمسلمين بملازمة الدعاء لهم بصدق وصلاح نية.
اللهم اجعلنا من عبادك الصادقين، وألْهِمْنا الإلحاح بالدعاء للمسلمين.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى، وإمام الورى فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات، اللهم فرِّج همومهم، واقض ديونهم، وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم