عناصر الخطبة
1/ نعم الله من حولنا 2/ وجوب شكر النعم 3/ من صور شكر النعم 4/ الأركان الثلاثة لشكر النعماقتباس
ليتذكر صاحب السمع -مثلاً- من فقد سمعه، وصاحب البصر من فقد بصره، وصاحب المال والغنى ذوي العوز والفاقة الذي تفيض أعينهم من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون؛ ليتذكر الكل قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها"
الحمد لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون، وبعدله ضل الضالون، سبحانه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه الكريم (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) [البقرة:152] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق المأمون، صلى الله عليه وآله وعلى أصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فإن الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بنعم كبرى، وأسدى علينا ألواناً من الخيرات العظمى، أنعم علينا بالإسلام نستظل بظله الوافر في الدنيا، وننعم بآثاره الكريمة في الآخرة.
أنعم علينا بعقل نميز به الطيب من الخبيث والنافع من الضار، ندرك به من آلاء الله فينا ما يعرفنا بعظيم صنعه، وجلالة قدره، وضعف الخلق، وحاجاتهم إليه سبحانه: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الذريات:21]؛ فلقد أخرجنا تعالى من ظلمات الأرحام (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ) [الزمر:6]
(وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) [الجاثـية:13] ما في السماوات، من نجوم يهتدي بها وقمر يستضاء به وشمس ينعم بها، وما في الأرض من بحار وأنهار وثمار وأشجار.
وحملنا في البر والبحر والجو وسخر لنا الليل والنهار (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:34] وإن الله سبحانه وتعالى قد آذننا بأن هذه النعم التي أنعم بها علينا كثيراً ما تتضاعف وتربو وتستقر إذا شكرت، وأنّها تضعف وتنقص وقد تزول كلياً إذا كفرت، بقوله سبحانه: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7]
فاتّقوا الله -أيها الأخوة المؤمنون-، واشكروا نعم الله إجمالاً وتفصيلاً، اشكروها ابتداءً ولدى تجدد أي نعمة أو إزالة نقمة؛ فإنه لا زوال لها أبداً إذا شكرت، بل ولا بقاء لها إذا جحدت.
إشكروها فكلما شكرت نعمة؛ تجدد بشكرها أعظم منها، إشكروها فخير ما تحلى به أنبياء الله فأتباعهم بإحسان؛ شكر نعم الله، يقول سبحانه -عن نبيه نوح عليه السلام-: (إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً) [الإسراء:3]
وعن نبيه -سليمان عليه السلام-: (وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ) [النمل:19] ويقول نبيه محمد -عليه الصلاة والسلام-: "أفلا أكون عبداً شكوراً"، ويقول سبحانه -في عموم الصالحين-: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ) [الاحقاف:15]
وإن من شكر النعم -أيها الأخوة- التحدث بها على وجه الاعتراف بها لله، لا تطاولاً وفخراً على من حرمها (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى:11]، إن من شكرها أن يرى أثرها على الإنسان في إنفاقه ووصله وبره وإحسانه وعفافه واستغنائه بها؛ ففي الأثر: "إن الله يحب إذا أنعم على عبد أن يرى أثر نعمته عليه".
إن من شكرها تذكرها، قال عمر بن عبد العزيز -رضي الله تعالى عنه-: "تذكروا النعم فإن من شكرها تذكرها".
فليتذكر كل منا -أيها الأخوة- ما به من نعمة قد حرمها غيره، ليتذكر من كان معافى مَنْ يتقلب على ظهره وبطنه -من شدة الألم-.
ليتذكر صاحب السمع -مثلاً- من فقد سمعه، وصاحب البصر من فقد بصره، وصاحب المال والغنى ذوي العوز والفاقة الذي تفيض أعينهم من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون؛ ليتذكر الكل قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها".
وليحذر كل صاحب نعمة كل الحذر أن يقر بها، وأن ينسبها إلى غير المنعم بها، فإنها وإن كانت في حد ذاتها نعمة، إلا أنها ابتلاء واختبار يظهر بها الله تعالى مدى تقبل المنعم عليه للنعم، ومدى شكره وعقله لها؛ فكم نعمة كانت على الحر نقمة، وكم مغنم يعتده الحر مغرماً.
فشكر النعم الحقيقي لا بد فيه من أركان ثلاثة: الإقرار بالنعمة للمنعم، ونسبتها إليه، وبذلها فيما يحب.
فأما من نسب النعم التي خولها إلى نفسه كمن يقول -إذا تجددت له نعمة مال أو غيره-: "هذا بعملي وأنا محقوق به، وذلك على علم مني بوجوه المكاسب، أو على علم من الله أني له أهل".
(فَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ * قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الزمر:49-52]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأسأله بأسمائه الحسنى أن يجعلنا شاكرين لنعمه مثنين بها عليه، إنه تعالى حسبنا ونعم الوكيل.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم