أثر القرآن على المشركين

عبد العزيز بن عبد الله السويدان

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ نعمة تنزُّل القرآن 2/ تأثر المشركين بفصاحة القرآن وانذهالهم بسماعه 3/ شهادات من السيرة لذلك 4/ وسائل المشركين للحيلولة بين الناس وسماع القرآن 5/ محاولة اغتيال النبي الكريم لإسكات صوت القرآن 6/ استصحاب النبي للقرآن ونسْجه معالم حياته به

اقتباس

لقد كان تأثير القرآن عليهم بليغا جداً جداً، أذهلهم وحيرهم؛ ولكنَّ عنادَهُمْ وكِبْرَهُم كان أبلغ، دفعهم ذلك إلى أن يتعاهدوا بأن لا يسمعوا محمداً حتى لا يُسحروا بما جاء به، وأن يُحْدِثوا أصواتاً من صفير وتصفيق إذا شرع في قراءة القرآن، كما. ونحن في شهر القرآن نتذكر نعمة الله علينا بإنزاله القرآن، إن من رحمة الله بخلقه، وعلمه -جل وعلا- بما يصلحهم، إنزالَه القرآن على قلب رجل أميٍّ طاهرِ الأخلاق، نشأ على فطرة سليمة تمقت الأوثان، يكاد يكون وحيدا في عالم دنس، دنَّسَ...

 

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ له.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

ونحن في شهر القرآن نتذكر نعمة الله علينا بإنزاله القرآن، إن من رحمة الله بخلقه، وعلمه -جل وعلا- بما يصلحهم، إنزالَه القرآن على قلب رجل أميٍّ طاهرِ الأخلاق، نشأ على فطرة سليمة تمقت الأوثان، يكاد يكون وحيدا في عالم دنس، دنَّسَ فطرتَه رجسُ الشرك والوثنية.

 

وهبط هذا الحال بالإنسان إلى أسفل سافلين، فخرج هذا النبي الكريم على مجتمع لعبت به الأهواء، وتحكمت به الشهوات، واستذله قهر الرجال، وظلموهم، وجاءهم بقرآن كريم يهدي للتي هي أقوم، وينتشلهم من قاع الرذيلة؛ ليصعد بهم إلى معالي الفضيلة، ويحررهم من الرق الذي يرزحون في أغلاله، ويجعلهم أحرارا كراما لا يخضعون إلا لرب واحد، لا إله إلا هو.

 

لكن هذا القرآن العظيم الذي غير البشرية على وجه الأرض كان تأثيره في العرب على نوعين: تأثيره في المشركين المعاندين الذين أبوا أن يستجيبوا للحق، وتأثيره في المؤمنين الأطهار الذين تقبلوا الحق واستسلموا له.

 

أما الأول: فكان تأثيره تأثير بيان وبلاغة وروعة أسلوب، فالعرب هم أهل اللغة وعشاقها، والقرآن كان معجزا في بلاغته وبيانه اللغوي: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ) [الشعراء:193-195]، فلما سمعوه تعجبوا واندهشوا؛ فالكلام كلام العرب، لكنه عجيب معجز، لا قِبَل لأحدٍ بتحديه أو نقده، أو حتى الإتيان بمثله، ولو آية واحدة.

 

هذا التأثير هو الذي أنطق عتبة بن ربيعة بما أنكره أقرانه، ففي السيرة لابن إسحاق بسند حسَّنه الألباني: لما أسلم حمزة -وكان منعطفا كبيرا في مسار الدعوة- ورأى المشركون أصحابَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيدون ويكثرون، قام عتبة هذا يوما، وكان سيدا في قومه رزينا هادئا أهلا للمناقشة والمجادلة، فقال وهو جالس في نادي قريش ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس في المسجد وحده، قال لهم: "يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء، ويكف عنا؟"  فقالوا: بلى يا أبا الوليد، قم إليه فكلمه.

 

فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاقترب منه جداً، فقال بكل هدوء: يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السلطة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم، وسفّهتَ به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفّرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها؛ لعلك تقبل منها بعضها.

 

قال: فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قُلْ يا أبا الوليد، أَسْمَعْ".

 

قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد به شرفا سوّدناك علينا، حتى لا نقطع أمرا دونك، وإن كنت تريد به مُلْكَاً ملَّكناك علينا؛ وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه –أي: من الجن- لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع –أي: التابع من الجن-  على الرجل حتى يداوى منه، ولعل الذي يأتي به –أي: الجن- شعر جاش في صدرك؛ فإنكم -لعمري!- يا بني عبد المطلب تقدرون منه على ما لا يقدر عليه أحد.

 

حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستمع منه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما رآه قد سكت، قال: "أفَرَغْتَ يا أبا الوليد؟" قال: نعم، قال: "فاستمع مني" قال: أَفْعَل.

 

فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: بسم الله الرحمن الرحيم، (حم * تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) [فصلت:1-4].

 

فمضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرؤها عليه: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فصلت:9-12].

 

فلما سمعها عتبة أنصت له، وألقى بيده خلف ظهره معتمدا عليها يستمع منه، حتى انتهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى السجدة فسجد فيها، ثم قال: "قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعتَ، فأنت وذاك!".

 

فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعضٍ يحلف بالله -وهم يرونه قادماً عليهم-: لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به!.

 

فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ فقال: ورائي أني -والله!- قد سمعت قولا ما سمعت كمثله قط! والله! ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا الكهانة! يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي: خلُّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، واعتزلوه، فوالله! لَيكوننّ لقوله الذي سمعتُ نبأ؛ فإن تُصِبْهُ العرب فقد كُفِيتُموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فمُلْكُه ملككم، وعزّه عزكم، وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه! فقال: هذا رأي لكم؛ فاصنعوا ما بدا لكم!.

 

المستكبر لا يمكن أن تقنعه بشيء حتى لو جئت بالحق أمام عينيه، لقد كان كلام الله الذي نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- كلاماً لا يجارى من أهل اللغة والفصاحة؛ لكن الكبر والعناد إذا غطى على القلب فأنّى للإنسان أن يخضع للحق؟.

 

ولقد أسمع النبي -صلى الله عليه وسلم- سيداً آخر من سادات وعظماء قريش، وهو الوليد بن المغيرة، أَسْمَعَهُ آياتٍ من القرآن؛ لعل منها قوله -تعالى-: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، فما كان من الوليد، المعروف بفصاحته وبلاغته، إلا  أن طلب من النبي أن يعيد عليه ما قرأه من شدة إعجابه!.

 

ولما علم أبو جهل أن الوليد بن المغيرة ربما رق لِما أتى به محمد -صلى الله عليه وسلم- من عذب الكلام انزعج وخاف، فأتاه فقال: يا عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه، فإنك أتيت محمدا لتتعرض لما قبله -يعني لتطلب منه مالا-.

 

فرد قائلا بأنفته المعهودة: لقد علِمَتْ قريشٌ أني من أكثرها مالا.

 

قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر لما قال.

 

فقال: وماذا أقول؟! فوالله! ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني، ولا برجزه ولا بقصيده مني، ولا بأشعار الجن، والله! ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، والله! إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمرٌ أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته.

 

قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه. أي: تقول فيه سوءاً.

 

قال الوليد: فدعني حتى أفكر، يعني: أفكر في مخرج من هذا المأزق، فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر! يأثره عن غيره.

 

فأنزل الله -تبارك وتعالى- فيه آيات تهز الجبال هزا: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا) [المدثر:11]، أي: خَلِّ بيني وبين هذا، يقوله الجبار -جل وعلا-: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا)! متوعدا هذا الخبيث الذي أنعم عليه بنعم الدنيا ثم يجحد الحق ويفتري على آيات الله ويجعلها سحراً من قول البشر، (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا)! خلقته وأخرجتُه من بطن أمه طفلا ضعيفا وحيدا لا مال له ولا ولد.

 

(وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) [المدثر:12-30].

 

لقد كان تأثير القرآن عليهم بليغا جداً جداً، أذهلهم وحيرهم؛ ولكنَّ عنادَهُمْ وكِبْرَهُم كان أبلغ، دفعهم ذلك إلى أن يتعاهدوا بأن لا يسمعوا محمداً حتى لا يُسحروا بما جاء به، وأن يحدثوا أصواتاً من صفير وتصفيق إذا شرع في قراءة القرآن، كما في قوله -تعالى-: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت:26]. والغوا فيه -يقول مجاهد-: بالمكاء والصفير.

 

إلا أن وقع القرآن كان أقوى من كيدهم، وكان أقوى من صبرهم على سماعه، أتدرون ما فعلوا؟ لقد أخذوا يتسللون فرادى دون أن يشعر الواحد منهم بالآخر مستخفين حتى يسمعوا ذلك الكلام العجيب، فيحصل أن يتلاقوا في الطريق فيلوم بعضهم بعضا على نقض العهد، وينقلبوا عائدين!.

 

هذا التأثير هو الذي حملهم على منع أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- من الصلاة والتلاوة في المسجد الحرام ليلا؛ لِما كان لتلاوته وبكائه في الصلاة من تأثير جاذب، وعللوا ذلك بأنه يفتن عليهم نساءهم وأولادهم، فألجؤوه إلى الهجرة، فخرج مهاجرا إلى الحبشة، فلقيه ابن الدغنة، سيد القارة، قبيلة من قبائل كنانة، فقال: أين يا أبا بكر؟ قال: "أخرجني قومي فأسيح في الأرض أعبد ربي".

 

فقال ابن الدغنة: "إن مثلك يا أبا بكر لا يُخرج ولا يَخرج، تُكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتَقري الضيف، وتَحمل الكَلّ".

 

فلما كلمهم ابن الدغنة قالوا له أن يقتصر أن يعبد ربه في داره، فاتخذ أبو بكر له مسجدا في فناء داره، فطفق النساء والأولاد ينسلون إلى بيته ليلا لاستماع القرآن، فنهاه أشراف قريش حتى في فناء بيته، فكان ذلك قبيل هجرته مع صاحبه -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة.

 

يا لهذا القرآن! يا لعظمته! لقد أدرك أحد الفلاسفة الفرنسيين من عجائب القرآن ما لم يدركه كثير من المسلمين اليوم، فلما انتقص بعض دعاة النصرانية محمداً -صلى الله عليه وسلم- بأنه لم يأتِ بآية فاصلة لنبوته كآية موسى وعيسى -عليهما السلام-، أي: معجزة من المعجزات، قال الفرنسي في رده عليهم: "إن محمدا كان يقرأ القرآن خاشعا أواها متألها، فتفعل قراءته في جذب الناس إلى الإيمان به ما لم تفعله جميع آيات الأنبياء الأولين".

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونَفَعَنِي وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.

 

وبعد: فلم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطلب من قومه أكثر من أن يَدَعُوه يبلغ رسالة ربه بتلاوة القرآن على الناس، فأنزل -تبارك وتعالى-: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ) [الأنعام:19]، أي: أنذر به كل من بلغه من غيركم من الناس.

 

وقال -تعالى-: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ) [النمل:91-92].

 

ولكن المشركين، أيها الإخوة، قالوا: لا، لن نمكنك من ذلك!.

 

بل إنهم لما رأوا أنفسهم عاجزين أمام الآيات والسور لا يقدرون على التحدي ولا المنافسة ولا التشويه ولا منع التأثير، عزموا على قتل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأوحى الله -تعالى- إليه: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30].

 

وأذن له بالهجرة، وأمره ألا يبيت في مضجعه، هذه هي نهاية الطغاة! إذا لم يجدوا حلا قتلوا الذي أمامهم.

 

معاشر الإخوة: لم يكن القرآن للنبي -صلى الله عليه وسلم- مجرد تشريع أو قصص فيها العبر، بل كان القرآن مصاحبا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان رفيقا ناصحا، وخِلا وفيّا؛ ولهذا نسج النبي -صلى الله عليه وسلم- معالم حياته من آداب وأخلاق وقيم وأقوال وأفعال على هدي كتاب الله القرآن، فأصبح قرآنا يمشي على الأرض.

 

فيما تقدم -معاشر الأحبة- تبين لنا كيف كان أثر القرآن على المشركين؛ فكيف كان أثره على المؤمنين؟...

 

اللهم اجعل القرآن ربيع صدرونا، وجلاء أحزاننا، وذهاب غمومنا وهمومنا...

 

 

 

 

المرفقات

القرآن على المشركين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات