عناصر الخطبة
1/منهج الإسلام في النهي عن الفساد والظلم والعدوان 2/تحريم جميع صور الفساد في الأرض 3/أهم صور الفساد المنتشرة في المجتمع 4/مواجهة الفساد مسؤولية جماعية.اقتباس
الفساد المالي الذي استشرى في بلادنا بانتشار الرّشاوي، واستغلال المناصب للمنافع الشخصية والذاتية وسرقة الأموال بطرق مختلفة عن طريق الانتداب الكاذب؛ كلّ ذلك يدخل في الفساد المالي الذي ينبغي أن نتعاون جميعاً لاجتثاثه من المجتمع،...
الخطبة الأولى:
الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلاّ على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وليّ الصّالحين، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله النبيّ الصّادق الوعد الأمين صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه والتّابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين.
أمّا بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فالتقوى سبيل النجاة والرشاد والفوز بجنّة ربّ العباد.
عباد الله: لقد خلق الله الخلق لعبادته، وفطَرَهم على توحيده وحبّه، وأسبَغ عليهم نِعَمه من أجل تيسير طاعته، ورفَع عنهم المشقّة والعَنَت، وجعل الدّين رحمة لخلقه، فللّه الحمد والمنّة على نعمة الإسلام، ونعمة الإيمان، ولله الحمد في الأولى والآخرة على كلّ حال.
أيّها النّاس: لقد جاء الإسلام آمراً بكلّ خير للعباد، ناهياً عن كلّ شرّ، فأمر بالرّحمة والعدل والإحسان، ونهى عن الفساد والظلم والعدوان، وجعل التعامل بين الخلق مبنياً على قوّة الإيمان بلقاء الله الواحد الدَّيان. يقول الحقّ -تبارك وتعالى- في كتابه العزيز: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم:41]؛ فالفساد كثر في البرّ والبحر بسبب ذنوب الخلق، فعاد عليهم ذلك بفساد معايشهم ونقصها، وحلول الآفات بها، كما قال -تبارك وتعالى-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى: 30].
معاشر المسلمين: لقد نهى الله -سبحانه- عن الفساد في الأرض بجميع صوره، بداية من الوقوع في الكفر والشّرك، ووصولاً إلى ظلم النّفس والعباد، قال -جلّ ثناؤه-: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[هود:116-117].
وجاءت رسُل الله -عليهم الصلاة والسلام- آمرةً بالإصلاح والنهي عن الفساد، وقد ذكر ذلك في كثير من الآيات: (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)[الأعراف:74]، (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا)[هود:85]، (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)[الأعراف:142]، وها هم الصّالحون من قوم قارون يحذّرونه من مغبة الفساد: (وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)[القصص:77]، فالفسادُ -يا عباد الله- خُلُق ذميم يُبغضه الله -تعالى-، ولا يرتضيه لخلقه.
والنّاظر لحال النّاس اليوم يرى بينهم كثيراً من صور الفساد، وهي تنذر بالخطر، وتبشر بسوء العاقبة للمفسدين، ومن تلك الصور:
1) الكفر بالله -جلّ وعلا-: قال -تعالى-: (الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ)[النحل:88].
2) الوقوع في الشّرك: قال -صلّى الله عيه وسلّم- عندما سُئل عن أيّ الذنب أعظم: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ"(رواه البخاري ومسلم).
3) صدّ الناس عن سبيل الله والمنهج الحقّ، قال -تعالى-: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ)[البقرة:11-12].
4) نشر البدع بين الناس، قال -صلّى الله عيه وسلّم-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ"(رواه البخاري ومسلم).
5) سفكُ الدّماء المعصومة من مسلمين ومعاهدين بغير حقّ وإخافة الآمنين، وهي كبيرةٌ من كبائر الذنوب قال -صلّى الله عيه وسلّم-: "لَزَوَالُ الدّنيا أهونُ على الله مِن قتل المسلم"(رواه الترمذي والنسائي)، وقال -صلّى الله عيه وسلّم-: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ"(رواه البخاري).
6) قطع الطريق، والاعتداء على الآمنين، وسرقة الأموال والممتلكات؛ (إنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم)[المائدة:33].
7) أخذ الرّشاوى، والتعامل بالرّبا، وأكل المال بالباطل، والغشّ، والتحايل، ومعاونة الظالم على المظلوم.
8) ترك الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، والسكوت عن الباطل والظلم وأهله والسّاكت عن الظلم شيطان أخرس.
9) محاربة العلماء والمصلحين والقدح فيهم لصرف النّاس عنهم.
10) عقوق الوالدين، وقطع صلة الرّحم، قال -تعالى-: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)[محمّد: 22-23].
11) نشر الأفكار السيئة المخالفة للشريعة، والتعاون على نشر الرذيلة والإباحية بين المسلمين.
12) الفساد المالي الذي استشرى في بلادنا بانتشار الرّشاوي، واستغلال المناصب للمنافع الشخصية والذاتية وسرقة الأموال بطرق مختلفة عن طريق الانتداب الكاذب؛ كلّ ذلك يدخل في الفساد المالي الذي ينبغي أن نتعاون جميعاً لاجتثاثه من المجتمع، وكم نادينا بذلك وحفزنا عليه!
وهناك كثير من صور الفساد، التي أصابت مجتمعنا المسلم الآمن، فليتّق الله -تعالى- كلّ مسلم ومسلمة من الوقوع في أيّ صورة من تلك الصور التي ذكرناها، ولا يكونوا مثل من سبقهم ممّن حادوا عن طريق الحقّ، وسلكوا طريق الفاسدين فنالهم الوعيد الشديد.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)[الرعد:25]، صدق الله العظيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه وجوده وإكرامه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمّداً عبد الله ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فاتقوا الله -تعالى- أيها المؤمنون، واعلموا أنّ التّقوى خير زاد ليوم المعاد، وأنّه يجب على المسلمين أن يَنْأَوْا بأنفسهم عن جميع صور الفساد، فقد رتّب الله -تعالى- عليه عقوبات عظيمة وخيمة: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَاد)[البقرة:204-206].
وبيّن -سبحانه- أن من أعان المفسدين أو رضي بأفعالهم فهو شريكٌ لهم في الإثم، وقد نهى الله -تعالى- عن ذلك بقوله: (وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[المائدة:2]، فاحذروا يا عباد الله أن تعينوا مفسدًا، أو أن ترضوا بعمل المفسدين؛ فإنّكم إن رضيتم بعملهم أصبحتم شركاء لهم في الإثم والعياذ بالله.
أيها المؤمنون: اعلموا أنّه لا نجاةَ لنا من عقوبات الله -تعالى- إلا إذا حارَبنا جميع صور الفساد، سواء كان هذا الفساد اعتقاديّاً، أو فكريّاً أو عمليّاً، أو ماليّاً، أو اجتماعيّاً، وكنّا ممّن قال الله -تعالى- فيهم: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ)[هود:116].
فعلينا التخلّص من كلّ صور الفساد بأن تتعاون جميع الجهات، وأن نتناصح فيما بيننا، وأن نأخذ على أيدي السّفهاء، وأن نحرص على طهارة النّفوس من أدران الذنوب والمعاصي، والبعد عن الحرام بشتّى صوره، وأن نرجع إلى الله -تعالى-، وأن نتوب إليه، وفي ذلك النجاة بإذن الله -تعالى- في الدنيا قبل الآخرة.
أسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وأن يرد المسلمين إلى دينهم ردّاً جميلاً.
اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد وعلى آل سيّدنا محمّد كما صلّيت وسلّمت وباركت على سيّدنا إبراهيم وآل سيّدنا إبراهيم في العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدّين ودمّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامّة يا ربّ العالمين. وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم