أثر الخطابة الدينية في المجتمع المعاصر

 

الدكتور عبد الباسط أحمد على حمودة

 

الخطابة فن أدبي له جلاله وشأنه وخطره في كل عصر ومجتمع وهو من الفنون القديمة في الأدب العربي .. ومن خلال رحلته الطويلة في العصور المختلقة ظهر قدره وأثره بين العلماء والأدباء والساسة وأرباب الدعوات .. وإن قد اعتراه بعض الكساد والفتور في بعض العصور فإنما ذلك يرجع إلى ظروف لا تتصل بهذا الفن الرفيع .

 

وقد عرف العرب في القديم مكانة الخطيب وأقروا له بالفضل والتقدم على الشعراء لأنه يقصد بالخطابة أشراف الناس وعلية القوم ... وينأى عن الهجو والشتم والإسفاف والسوقية ... ويتسامى عن التكسب العاجل أو الآجل ... قال أبو عمرو بن العلاء : كان الشاعر في الجاهلية يقدم على الخطيب لفرط حاجتهم إلى الشعر الذي يقيد عليهم مآثرهم ويفخم شأنهم .. ويهول على عدوهم ومن غزاهم .. ويهيب من فرسانهم ويخوف من كثرة عددهم .. ويهابهم شاعر غيرهم فيراقب شاعرهم . فلما كثر الشعر والشعراء واتخذوا الشعر مكسبة ورحلوا إلى السوقة وتسرعوا إلى أعراض الناس صار الخطيب عندهم فوق الشاعر ([1]) .

 

واهتم الإسلام بالخطابة وأعلى من قدرها فجعلها ركنا في صلاة الجمعة لا تصح إلا به .. ورفع من قدر صلاة الجمعة وثوابها لأنها توحد بين المسلمين وتجمع أخوتهم وتذكرهم بما فيه خيرهم وتحذرهم مما فيه شرهم من خلال موعظتها الإسبوعية .. وكذلك في صلوات العيدين والكسوف والخسوف والاستسقاء .. والخطابة معلم هام في مناسك الحج عندما يجمع المسلمون الظهر والعصر قصرا في عرفات اقتداء برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي ألقى خطبة الوداع لتكون منهجا وسلوكا ينير طريق المسلمين في حياتهم من بعده .. والتزم الخلفاء والأمراء بالخطابة بعد بيعتهم .

 

ومن هنا حفلت كتب التاريخ والأدب بالكثير والكثير من أعلام الخطباء وأفردت صفحات عديدة لتسجيل هذه النصوص . ويكفي أن نشير في هذا المجال إلى كتب البيان والتبيين للجاحظ وعيون الأخبار لابن قتيبة .. والعقد الفريد لابن عبد ربه .. فتحدثوا عن صفات الخطيب التي تسهم في إنجاح الخطابة ومنها عدم التلكف والتشادق وحشد الغريب من الألفاظ وتجاهل حالة السامعين ـ لأن الخطابة تلخيص المعاني والترفق في إيصالها عن طريق الطبع والدربة وتخير الألفاظ التي تعرب عما في نفس الخطيب ويستوعبها الجمهور ويفهمها .

 

ومما يذكر في هذا المجال أن بشر بن المعتمر مر بإبراهيم بن جبلة بن مخرمة السكوتي " الخطيب " وهو يُعلّم فتيانهم الخطابة فوقف بشر يستمع فظن إبراهيم أنه إنما وقف ليستفيد أو يكون رجلا من النظارة . فقال بشر : أضربوا عما قال صفحا .. واطووا عنه كشحا .. ثم دفع إليهم صحيفة من تنميقة وتحبيره منها قوله : وإياك والتوعر فإن التوعر يسلمك إلى التعقيد ـ والتعقيد هو الذي يستهلك معانيك ويشين ألفاظك .. ومن أراد معنى كريما فليلتمس له لفظا كريما فإن حق المعنى الشريف اللفظ الشريف .. وكن في ثلاث منازل : وإن أولى الثلاث أن يكون لفظك رشيقا عذبا وفخما سهلا .. ويكون معناك ظاهرا مكشوفا وقريبا معروفا .. وما يجب لكل مقام من المقال .. فإن أمكنك أن تبلغ من بيان لسانك وبلاغة قلمك ولطف مدخلك واقتدارك على نفسك على أن تفهم العامة عن الدهماء ولا تجفو عن الأكفاء فأنت البليغ التام ([2]) .

 

وهذه الأمور مستلهمه من هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو القائل : " إياي والتشادق " وقوله " أبغضكم إلىّ الثرثارون المتفيهقون " . وقال أيضا " من بدا جفا " .. والمقصود من ذلك ترك المبالغة والتكلف والتوسع في الكلام بما يخرجه من المألوف إلى التنطع ومجاوزة الحد . وقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمعاذ ـ رضى الله عنه ـ حين طول الصلاة بالجماعة " أفتان أنت يا معاذ " . وعن علي ـ رضى الله تعالى عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال " حدثوا الناس بما يعرفونه .. أتحبون أن يكذب الله وسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . ([3])

 

ولا يعني ذلك أن تكون الخطابة بلغة سوقية أو عامية مبتذلة لأن الخطابة وخاصة الدينية لها جلالها النابع من لغة القرآن الكريم فإذا نزلت إلى العامية سقطت وفقدت المهابة والجلال .. ويمكن إدراك هذه الغاية بسعة الاطلاع والتزود بكل ألوان الثقافة الخاصة والعامة والاستعانة بالقصص وروايات التاريخ القديم والحديث ومحفوظ كلام الشعراء والحكماء فإن ذلك يكسب قوة البيان وطلاقة اللسان .

 

ويحسن بالخطيب أن يلم بعلم النفس والاجتماع ليحيط بنفسيات المستمعين ويتعرف على مشاكلهم حتى لا يكون في وادٍ غير واديهم وعصر غير عصرهم وعندئذ لا يصل إلى قلوبهم ولا تجليه قوة البيان وكثرة المحفوظ وأنواع الثقافات .. وإذا ألم المتحدث بنفسياتهم وعرف مشاكل مجتمعهم وصل إلى مكنون قلوبهم بالإيماءة والإشارة اللتين تشتركان من اللفظ وتعينان عليه وتملك ناصية البيان .

 

والخطيب لابد له من موهبة تعينه إلى جانب شخصيته السوية الجامعة للصفات الخلقية والخلقية وفي مقدمة ذلك سلامة النطق : فهي من المؤثرات الخارجية في الخطابة ، فالصوت وقوته وحسن مخارج الحروف وهيئة الخطيب وسمته .. والارتياح إلى منظره .. والتوقيت في استخدام الحركات الجسمية باليدين أو الرأس أو غيرها من لوازم الفن الخطابي لأن الخطيب ـ في عصرنا الحديث ـ قريب الشبه بالممثل الذي يتحرك أمام الناظرين فيؤثر بحركاته كما يؤثر بكلماته والأمثلة كثيرة لخطباء شهدهم العصر الحاضر ونشاهدهم في أجهزة الإعلام يؤدون أدق المعاني عن طريق الحركات وقد قال الشاعر ([4]) :

 

     أشارت بطرف العين خيفة أهلها            إشارة مذعور ولم تتكلــم

     فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبا             وأهلا وسهلا بالحبيب المتيم

 

وقال الآخر :

 

       وللقلب على القلـــــب                      دليل حتى يلقــاه

       وفي الناس من النـــاس                   مقاييس وأشــاه

       وفي العين غنى للمـــرء                   أن تنطق أفواه

 

وقال آخر حول هذا المعنى :

 

     العين تبدي الذي في نفس صاحبها         من المحبة أو بغض إذا كانا

     والعين تنطق والأفواه صامتــة               حتى ترى ضمير القلب تبيانا

 

ومن النصوص التي اعتمد الخطيب فيها على الإشارة وأدت المعاني التي يريدها خطبة مصعب بن الزبير حين قدم العراق فصعد المنبر ثم قال : " بسم الله الرحمن الرحيم : ﭽ ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ   ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥ    ﮦ  ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ     ﮬ  ﮭ  ﮮ   ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗ      ﯘ  ﯙ  ﯚ  ﯛ  ﯜ  ﯝﯞ  ﯟ  ﯠ            ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﭼالقصص: ١ – ٤وأشار بيده نحو الشام ، ﭽ ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩ      ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ   ﭼالقصص: ٥وأشار بيده نحو الحجاز ، ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ    ﭙ  ﭚ  ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭼالقصص: ٦واشار بيده نحو العراق .

 

وتسامح القدماء في بعض العيوب التي تبدو في أجسام وأشكال الخطباء مما قد ينفر السامعين فيقطع حبل الاتصال بهم والانسجام والتعاطف فيما بينهم ومن ذلك دقة الرأس واعوجاج الأنف واسترخاء الأذن .. وتراكب الأسنان وسعة الفم .. وميل الذقن وبروز الوجنة وعور العين .. واعوجاج الأنف واسترخاء الأذن .. وتراكب الأسنان وسعة الفم .. وميل الذقن وبروز الوجنة وعور العين .. واعوجاج الرجلين وغير ذلك .. ولكنهم عابوا بعض الصفات التي تتصل بالنطق ومخارج الحروف وتعطل ملكة الخطابة وآلة البيان مثل : نزع الثنايا فقد قال عمر ـ رضى الله تعالى عنه ـ في سهيل بن عمرو الخطيب " يا رسول الله انزع ثنيته حتى يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا أبدا " وإنما قال ذلك لأن سهيلا كان أعلم من شفته . ولما شد عبد الملك أسنانه بالذهب قال : لولا المنابر والنساء ما باليت متى سقطت ([5]) .

 

ومن عيوب البيان ما يؤثر على مخارج الحروف كالصفير واللثغ والتتعتع والتلجلج والفأفأة والتهيب .. وكثرة النظر والتطلع في أعين الجماهير .. وخفض الصوت وإهمال مظهره الخارجي .. وإلقاء الكلمات جزافا دون تخير وعناية بما يقوله لإقناعهم وأهم ما يكره في الخطيب أن يكون قوالا متناقضا في أفعاله مع قوله .

 

وثبت من الروايات أن خطب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان أكثرها يبدأ بقوله " الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ونستغفره ونتوب إليه .. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا .. من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له " ووجد في بعضها " أوصيكم عباد الله بتقوى الله ، وأحثكم على طاعته " . وفي خطبة أخرى بعد حمد الله والثناء عليه : " أيها الناس : إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم .. وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم .. الخ " وكانت خطب العيد تفتتح بالتكبير وتكبير الإمام قبل أن ينزل عن المنبر أربع عشرة تكبيرة ([6]) .

 

وتقوم خطب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على إصلاح الوازع الديني وتنقيته وسلامة العقيدة .. وعلاج المجتمع من الخلل في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم وغير ذلك ـ فإن الخلل يأتي من نسيان الجزاء والعقاب في الآخرة وإقامة الحدود والزواجر في الدنيا . ولعل ما روى عن أول خطبة لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المدينة المنورة ما يؤيد ذلك فقد جاء فيها : " أما بعد أيها الناس فقدموا لأنفسكم تعلمن ـ والله ـ ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع ثم ليقولن له ربه ـ ليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه ـ ألم يأت رسولي فبلغك ؟ وآتيتك مالا وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك ؟ فينظر يمينا وشمالا فلا يرى شيئا ثم ينظر قدامه فلا يرى غير جهنم . فمن استطاع أن يقى وجهه من النار ولو بشق تمرة فليفعل ومن لم يجد فبكلمة طيبة فإنها بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف " .

 

فدعائم الإرشاد في خطب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تقوم على الترغيب والترهيب وعرض صور الموقف في الآخرة حيث ما من دار إلا الجنة أوالنار وما مقام الإنسان في الدنيا إلا بمثابة راع يرعى غنمه ويموت فجأة ويدعها ثم يواجه مصيره في الآخرة .. وما أصعب الموقف حين يخاطبه ربه ويسأله فيما مَنَّ عليه من النعم وفضله بالعلم والعقل فماذا قدم لمثل ذلك الموقف ؟ .. وصورة الإنسان وهو ينظر يمينا وشمالا فلا يرى شيئا ثم ينظر أمامه ويفتح عينيه على الحقيقة وهي جهنم ، صورة مفزعة .

 

ويرغب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في فعل الخير ولو كان قليلا بمقدار شق تمرة ، فإذا لم يجد فبكلمة طيبة فإنها حسنة والحسنة بعشر أمثالها .

 

ولو علم الناس قيمة الكلمة ووزنوها بميزانها الصحيح في شريعة الله لقوي شأنها وشأن أصحاب النتاج الأدبي والعلمي في المجتمع الإسلامي وخاصة المتأدبين بالثقافات الملتزمة بكتاب الله وأدب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم .

 

ولا يظن أحد أن المنبر قاصر على أصحاب الوعظ الديني .. فهو في المقام الأول لوليّ الأمر يوجه الناس والأمة ويقدم لهم النصح والإرشاد في دينهم ودنياهم بكل ألوانها السياسية والاجتماعية .. ويخطط لجهاد الأعداء ومسالمتهم إذا كان في ذلك مصلحة الجماعة .

 

والخطابة الدينية نتاج أدبي رائع له وزنه وقيمته الخالدة لاشتماله على شريف المعاني والأفكار ، وتدفق العواطف وصدقها وتخير الألفاظ وجمالها ، مما يرفع من قدره ويعلي من شأنه في الحاضر والمستقبل . . ولذلك جعل الإسلام للخطابة أهمية في انتشال البشرية من ضعفها أمام الماديات وتذكيرها بالباقيات الصالحات والمثل العليا التي ترفع البشرية وتسمو بها إلى ما فيه تطوير الحياة وازدهارها ولذلك قيل : " الأدب والفن المنبثق من التصور الإسلامي أدب وفن موجه بحكم أن الإسلام حركة تطوير مستمر للحياة " ([7]) .

 

وقد خطت الخطابة في العصر الحديث خطوات واسعة وتعددت أغراضها نتيجة للعوامل والظروف التي جاءت بها النهضة والحضارة في هذا العصر ـ فكانت الخطابة القضائية والنيابية والسياسية والاجتماعية والعلمية والدينينة وغيرها . وبرز دور الخطابة الدينية بسبب تصديها لتيارات الفساد والإلحاد التي ارتدت أثواب المدنية والحضارة والمذاهب التقدمية فكان لابد من نشر التوعية والثقافة والدفاع عن الأخلاق والدين من فوق المنبر . وغدت الخطبة المسجلة تنتقل بين الخاصة والعامة بسرعة أكثر من الكتاب المطبوع وأقيمت لها المكتبات في كل مكان .

 

ومما ساعد على ذلك الاقتناع من خلال التجارب أن الدين أداة فعالة لردع الرذيلة ومقاومةالمذاهب الاجتماعية والسياسية الهدامة ، أو الهيمنة والدجل باسم الدين ومقاومة أطماع المستعمرين والتصدي للطغيان السياسي والاستبداد الرأسمالي وغير ذلك مما حواه النظام الإسلامي .. ومن هنا كان أعداء الإسلام يحاولون طمس هذه الجوانب ويقللون من شأن الخطابة الدينية ويعزلونها عن الفنون الأدبية الرفيعة .

 

وفي الحياة المعاصرة ظهرت أهمية المحاضرات والخطب والأحاديث والتوعية الدينية ، وبدت كسلاح يؤرق كل من يحيد عن جادة الصواب واتخاذ غير سبيل المؤمنين وأصبح بعض الدعاة ـ ممن ألهموا فن الإلقاء والتحدث إلى الناس لخصائصهم الفنية والثقافية لا يرضون بأرقى المناصب وأعلاها بديلا عن دعوتهم لأنها بوأتهم مكانة أدبية وروحية لم يحققها الجاه والسلطان وأصبح لبعضهم جمهور يستمع إليهم ويتابع نتاجهم يزيد عن عشرات الملايين ويستمع إليهم في خطبة الجمعة أكثر من ثلاثين ألفا من المصلين .

 

والخطابة الدينية تشرق بأفكارها وموضوعاتها التي تجتث الفساد الاجتماعي وتسعى إلى خير الناس جميعا دون التركيز على حزب أو طائفة مما يعطيها المثل الأعلى في التجرد عن المظاهر الكاذبة والعصبية الممقوتة .. وبهذا أيضا تتميز عن ألوان الخطب الأخرى كالسياسية والاجتماعية لأنها تعنى مصالح المسلمين في كل مكان . بل لا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا إنها تعنى صلاح الإنسانية جمعاء ([8]) .

 

والخطيب الناجح هو الذي يختار موضوعه ويجدده بما يتلاءم مع نفسياتالمستمعين وواقع زمانهم ومكانهم حتى لا يملونه أو ينصرفون عنه بأذهانهم وعقولهم ـ أو يبتعدون عنه بأجسامهم لأنهم لا يتوقعون منه جديدا أو إضافة إلى معلوماتهم ونشير في هذا المجال إلى كلمات لأمير الشعراء أحمد شوقي ([9]) يقول فيها لخطيب الجمعة : " إنما نبت للوعظ والإرشاد وتعليم العلية والسواد .. فماذا عندك للأتقياء من الأغنياء . وماذا أعددت للتاجر من الوعظ الزاجر ؟ وما الذي بذلت للعامل والصانع من لفظ رائع ووعظ جامع ؟ وهل ذكرت للعامة أن ضرب النسوة من القسوة ؟ وأن البغي بالطلاق يمقته الدين والأخلاق ، وأن الطفل من حقه أن يهذب لا أن يضرب ويعذب .. أم أنت كما زعموا ببغاء لم تحفظ غير صوت تردده إلى الموت .. كلمات محفوظة " في كل ملفوظة .. سيف من خشب وخطوب في صورة خطب " .

 

تلك هي ملامح الخطابة وما ينبغي أن تكون عليه في المجتمع المعاصر . فهي رسالة غالية إذا أمكن الاستفادة بها في المناسبات الدينية والاجتماعية والسياسية وغيرها .. وليس من قبيل الصدف أن يجعلها الإسلام منسكا إسلاميا تتجدد بها الحياة وتنمى الثقافة الرفيعة .. وتدعم القيم والأخلاق وتكبح جمح الفساد والرذيلة ـ فيسود الأمن والاستقرار والحق والخير والفضيلة .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

([1]) الجاحظ : البيان والتبيين جـ 1 ص 241 .

([2])ابن عبد ربه : العقد الفريد جـ 4 ص 55 .

([3])النووي : الأذكار ص 286 .

([4])الجاحظ : البيان والتبيين جـ 1 ص 78 .

([5])الجاحظ : البيان والتبيين جـ 1 ص 55 - 60 .

([6])ابن قتيبة : عيون الأخبار المجلد الثاني ص 231 .

([7])سيد قطب : النقد الأدبي ص 100 .

([8])د. عبد الباسط حمودة : النثر الفني الحديث ص 173 .

([9])أحمد شوقي : أسواق الذهب ص 93 .