عناصر الخطبة
1/ تأملات في حديث الشاب الذي طلب الإذن بالزنا 2/ دور المربي الأعظم في توجيه الشباب 3/ الثبات على العفة في زمن الفتن 4/ العفة عن الزنا ومقدماته من وسائل النجاة في الدنيا والآخرة.اقتباس
نقاشٌ عقليٌّ يُحرَّرُ العقلَ المَسلوبَ.. وحوارٌ عاطفيٌّ يصلُ إلى شَغافِ القلوبِ.. فكلُّ من ستزني بِها إما أن تكونَ أُمَّاً أو بنتاً أو أختاً أو عمَّةً أو خالةً لرجلٍ مُثلكَ غَيورٍ.. يأبى أن يُدنَّسَ عِرضُه ولو أن يُوسَّدَ في القبورِ.. ولكم أن تَستشعروا ذلك الإحساسَ الذي أحسَّه ذلكَ الشَّابُّ العربيُّ المسلمُ الشَّهمُ.. وهو يتخيَّلُ فداحةَ هذا الجُرمِ لو فعلَهُ أحدُ المُجرمينَ مع محارمِه.. فما أقبَحَها من صورةٍ.. لا يرضى القلبُ السَّليمُ حتى مُجردَ تخيُّلِها.. فكيفَ بحدوثِها واقعاً أليماً مُرَّاً.. يكونُ معهَا باطنُ الأرضِ خيراً من ظاهرِها.. إنقاذٌ من التَّهلكةِ وعلاجٌ وشِفاءٌ.. ودواءٌ وقعَ على مواطنِ الدَّاءِ.. حنانٌ ونِقاشٌ وإقناعٌ ودُعاءٌ.. ففي مجلسٍ لم يستمر إلا دقائقَ معدودةً.. يخرجُ من جاءَ والزِّنا أحبُّ شيءٍ إلى قلبِه.. وقد أصبحَ أبغضَ شيءٍ إلى قلبِه.. فسبحانَ مُقلبِّ القلوبِ.. وصلى اللهُ وسلمَ على طبيبِ القلوبِ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ بالله مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ.
(يَا أَيُّهاَ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَاْلأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71]..
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيْثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُوْرِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
يُحدِّثُنا أَبُو أُمَامَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عن موقفٍ عجيبٍ.. وطلبٍ غريبٍ.. حدثَ في مجلسٍ من مجالسِ النَّبيِّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-.. والصَّحابةُ قد التفُّوا حولَ خيرِ البشرِ.. كأنَّهم النُّجومَ قد أحاطتْ بالقمرِ.. يتعلمونَ منه الدِّينَ والأخلاقَ والإحسانَ.. ويأتيهم خبرُ السَّماءِ بالهُدى والرَّحمةِ والإيمانِ.. ويُحدِّثُهم عن الجنَّةِ والنَّارِ كأنَّهم يرونَها رأيَ عِيانٍ.. فإذا بشابٍّ يدخلُ عليهم فيقولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا.. سُبحانَ اللهِ.. ما أكملَ أخلاقَ النَّبيِّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلام-.. وما أعظمَ إيمانَ هذا الشَّابِّ.
أمَّا أخلاقُ النَّبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-.. فهي ظاهرةٌ في تواضعِه ورأفتِه ورحمتِه بالخَلقِ كافةً.. حتى أنَّ الشَّابَّ يستطيعُ أن يقفَ أمامَه ويطلبُ منه هذا الطَّلبَ دونَ تردُّدٍ أو حياءٍ.. وصدقَ اللهُ تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159].. فكم نحتاجُ نحنُ الآباء والمُربّينَ والدُّعاة إلى مثلِ هذه الصِّفاتِ في أخلاقِنا.. لأنَّه يوجدُ مثلُ من التَّساؤلاتِ في عُقولِ الكثيرِ من أبنائنا.
وأما إيمانُ الشَّابِّ.. فهو ظاهرٌ في شَيئينِ:
الأولُ: حذرِه من الحرامِ.. وبُعدِه عن الآثامِ.. فهو لا يُريدُ أن يقعَ في الزِّنا حتى يأذنَ له رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- ويكونَ حلالاً.. وأنَّى له ذلك وقد قالَ اللهُ تعالى عنه: (وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) [الإسراء: 23].
والثَّاني: أنَّه جاءَ يبحثُ عن علاجٍ لقلبِه عندَ طبيبِ القُلوبِ.. ففي قولِه: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا".. كأنَّه يشتكي للنَّبيِّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- حالَه بقولِه: لقد بلغَ بي حبُّ الزِّنا حتى أنَّه لا يطفئُ لهيبَه في قلبي حتى يكونَ حلالاً كشُربِ الماءِ.. وأُريدُ الحلَّ منكَ قبلَ أن يُفسدَ عليَّ دِيني ودُنياي.
فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ. مَهْ. –أيْ اكْفُفْ-.. ولكنَّ الرَّفيقَ الشَّفيقَ بأبي هو وأُمي قالَ: "ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا"، قَالَ: فَجَلَسَ.
أدناهُ ليأمنَ.. وأجلسَه ليطمئنَ.. وهذا أولُ وسائلِ العِلاجِ.. فهو للشَّفقةِ والرَّحمةِ مُحتاجٌ.
ثُمَّ قَالَ لَه: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟"، قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ".
قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟"، قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ".
قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟"، قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ".
قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟"، قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ".
قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟"، قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ".
لا إلهَ إلا اللهُ.. نقاشٌ عقليٌّ يُحرَّرُ العقلَ المَسلوبَ.. وحوارٌ عاطفيٌّ يصلُ إلى شَغافِ القلوبِ.. فكلُّ من ستزني بِها إما أن تكونَ أُمَّاً أو بنتاً أو أختاً أو عمَّةً أو خالةً لرجلٍ مُثلكَ غَيورٍ.. يأبى أن يُدنَّسَ عِرضُه ولو أن يُوسَّدَ في القبورِ..
ولكم أن تَستشعروا ذلك الإحساسَ الذي أحسَّه ذلكَ الشَّابُّ العربيُّ المسلمُ الشَّهمُ.. وهو يتخيَّلُ فداحةَ هذا الجُرمِ لو فعلَهُ أحدُ المُجرمينَ مع محارمِه.. فما أقبَحَها من صورةٍ.. لا يرضى القلبُ السَّليمُ حتى مُجردَ تخيُّلِها.. فكيفَ بحدوثِها واقعاً أليماً مُرَّاً.. يكونُ معهَا باطنُ الأرضِ خيراً من ظاهرِها.
قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ"، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ – أيْ مِن الزِّنا-.
إنقاذٌ من التَّهلكةِ وعلاجٌ وشِفاءٌ.. ودواءٌ وقعَ على مواطنِ الدَّاءِ.. حنانٌ ونِقاشٌ وإقناعٌ ودُعاءٌ.. ففي مجلسٍ لم يستمر إلا دقائقَ معدودةً.. يخرجُ من جاءَ والزِّنا أحبُّ شيءٍ إلى قلبِه.. وقد أصبحَ أبغضَ شيءٍ إلى قلبِه.. فسبحانَ مُقلبِّ القلوبِ.. وصلى اللهُ وسلمَ على طبيبِ القلوبِ.
أيُّها الشَّابُّ..
وإذا كانَ ذلكَ الشَّابُّ يقولُ هذا الكلامَ مع قلةِ دواعي الزِّنا في زمانِه.. فماذا عساكَ أن تقولَ في هذا الزَّمانِ الذي عَظُمتْ فيه دواعي الزِّنا عن أيِّ وقتٍ مضى.. فها هو البِغاءُ بِضاعةٌ مُنتشرةٌ عَلَناً في كثيرٍ من المُدنِ السِّياحيَّةِ.. ودِقَّةُ ووضوحُ تصويرِ وانتشارُ المَقاطعُ الإباحيَّةِ.. وكَشفُ المرأةِ لوجهِها وإبداءُ زينتَها واختلاطٌ وسُفورٌ.. وضَعفُ إيمانٍ وتشبُّهٌ بأهلِ الكُفرِ والفُجورِ.. وتأخرُ زواجٍ ومغالاةٌ في تكاليفِ العُرسِ والمُهورِ.. والشَّبابُ والفتياتُ يصطلونَ بنارِ الشَّهوةِ كأنَّهم في قُدورٍ تفورُ.. "فَالْعَيْنُ تَزْنِي وَزِنَاهَا النَّظَرُ، وَالْيَدُ تَزْنِي وَزِنَاهَا اللَّمْسُ، وَالرِّجْلُ تَزْنِي وَزِنَاهَا الْخُطَى، وَاللِّسَانُ يَزْنِي وَزِنَاهُ الْمَنْطِقُ، وَالْفَمُ يَزْنِي وَزِنَاهُ الْقُبَلُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ".. ولسانُ حالِهم يصرخُ: أيُّها العُقلاءُ.. ما الحلُّ؟
أعانَكم اللهُ يا شبابَنا.. إنَّ المسئوليَّةَ عليكم ثقيلةٌ.. وإنَّ المهمَّةَ لديكم جليلةٌ.. فاحفظْ اللهَ يحفظْكَ.. راقبْ ربَّكَ.. غضَّ بصرَكَ.. واحفظْ فرجَكَ.. تزوَّجْ إن استطعتْ الزَّواجَ.. وصمْ إن استطعتْ الصِّيامَ.. فرِّغْ طاقتَكَ في رياضةٍ نافعةٍ.. ولا تجعلْ لك أوقاتَ فراغٍ واسعةٍ.. إيَّاكَ وأماكنَ الفِتنِ والخطايا.. واحذر صديقَ السُّوءِ والرَّزايا.. واعلم أن من يَستعففْ يُعفُّه اللهُ –تعالى-.
فالعِفَّةُ من أسبابِ تفريجِ الكُروبِ.. فمنَ الثَّلاثِة الذين أطبقتْ عليهم الصَّخرةُ في الغارِ.. رجلٌ قالَ: "اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَأَنِّي رَاوَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ إِلَّا أَنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَطَلَبْتُهَا حَتَّى قَدَرْتُ فَأَتَيْتُهَا بِهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا فَأَمْكَنَتْنِي مِنْ نَفْسِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، فَقَالَتْ: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَقُمْتُ وَتَرَكْتُ الْمِائَةَ دِينَارٍ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا، فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَخَرَجُوا".
وإذا رأيتَ إعانةً من اللهِ تعالى على حفظِ الشَّهوةِ.. فاعلم أنكَ من عبادِ اللهِ –تعالى- الذينَ اختارَهم واصطفاهم.. (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف: 23- 24].
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المؤمنينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ العفو الغفورِ، الرَّؤوفِ الشَّكورِ، الذي وفَّقَ من شاءَ من عبادِه لمحاسنِ الأمورِ، وما فيه عظيمُ الأجورِ، فعملوا له أعمالاً صَالحةً، يَرجونَ تجارةً لن تبورَ، ليوفِّيَهم أجورَهم، ويزيدَهم من فضلِه، إنه غَفورٌ شَكورٌ..
وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه ومصطفاه، الذي بَعثَه اللهُ بين يدي السَّاعةِ داعياً إلى هُداه، فبشَّرَ بكلِّ خيرٍ، وأنذرَ من كلِّ شرٍّ، صلى اللهُ وسلمَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه إلى آخرِ الدَّهرِ..
أما بعد: عبادَ اللهِ.. ومن المعاني الخطيرةِ في هذا الحِوارِ الصَّريحِ.. أن من وقعَ في الزِّنا.. فإنَّه يُبتلى بأهلِه ولا بدَّ.. فالزِّنا دَيْنٌ.. فكما أنكَ لا تُحبُه لأمِّكَ ولا لابنتِك ولا لأختِكَ ولا لعمتِك ولا لخالتِكَ.. فإيَّاكَ والوقوعَ في أعراضِ النَّاسِ.. فيقعونَ في عرضِكَ.. كما قالَ الشَّافعيُ -رحمَه اللهُ-:
عفّوا تَعُفُّ نِساؤُكُم في المَحرَمِ *** وَتَجَنَّبوا ما لا يَليقُ بِمُسلِمِ
مَن يزنِ ببيتٍ بألفيْ درهمٍ *** في بَيْتهِ يُزنَا بِغَيْرِ الدِّرهَمِ
مَن يَزنِ يُزنَ بِهِ وَلَو بِجِدارِهِ *** إِن كُنتَ يا هَذا لَبيباً فَاِفهَمِ
إِنَّ الزِنا دَينٌ فَإِن أَقرَضتهُ *** كانَ الوَفا مِن أَهلِ بَيتِكَ فَاِعلَمِ
تخيَّلْ نفسَك أيُّها الشَّابُّ.. وأنتَ ترى مقطعاً من مقاطعِ التَّحرُّشِ التي تحدثُ في الأسواقِ والحدائقِ والشَّوارعِ.. فَتكتشفُ أن المُتَحَرَّشَ بها هي أختُكَ.. ما هو شُعورُكَ؟!
أترضاهُ لأختِك؟.. فكما أنكَ لا ترضاهُ لها.. فالجميعُ لا يرضونَه لأخواتِهم.. حتى وإن كانتْ مُتبرِّجةً.. فأنتَ مأمورٌ بالصَّبرِ والعِفَّةِ.. وقد يكونُ وليُّها غافلاً عنها.. فاحفظْ أخاكَ.. وصُنْ نفسَك.. وأنقذْ عِرضَك.. قال أبو الدرداءِ -رضيَ اللهُ عنه-: "البِرُّ لا يَبْلَى، والإثْمُ لا يُنسَى، والدَّيَّانُ لا يَنامُ، فكُنْ كَما شِئْتَ، كَما تَدينُ تُدانُ".
اللّهم ارزُق شبابَ المُسلمينَ عِفَّةَ يوسفَ عليه السَّلامُ.. وبَناتَ المسلمينَ طهارةَ مريمَ عليها السَّلامُ.. واحفظ نِساءَ المسلمينَ من شرِّ خَلقِكَ أجمَعين..
اللّهم اهدِنا فيمَن هَديْتَ.. وعافِنا فيمَن عافيْتَ.. وتَوَلَّنا فيمَن تَوَلَّيْتَ.. وبارِك لَنا فيما أَعْطَيْتَ.. وقِنا واصْرِف عَنَّا شَرَّ ما قَضَيتَ.. فَلَكَ الحَمدُ عَلى ما قَضَيْتَ.. وَلَكَ الشُّكرُ عَلى ما أَنْعَمتَ بِهِ عَلَينا وَأَوْلَيتَ.. نَستَغفِرُكَ يا رَبَّنا مِن جمَيعِ الذُّنوبِ والخَطايا ونَتوبُ إليك..
اللّهم أَحسِن عاقِبتَنا في الأُمورِ كُلِّها.. و أجِرْنا من خِزيِ الدُّنيا وعذابِ الآخرةِ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم