عناصر الخطبة
1/اسمه ونشأته 2/إسلامه وأثره على الإسلام 3/مناقبه رضي الله عنه 4/توليه الخلافة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم 5/وفاته رضي الله عنهاقتباس
ولقد أجمع أهل السنة والجماعة، سلَفاً وخلَفاً، على أن أحقَّ الناس بالخلافة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه- لفضله وسابقته، ولتقديم النبي -صلى الله عليه وسلم- إياه في الصلوات على جميع الصحابة؛ وقد فهم أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، مراده من تقديمه في الصلاة، فأجمعوا على ..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- هو سيِّدُ الصِّدِّيقين، وخير الصالحينَ بعد الأنبياء والمرسلين، فهو أفضل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأعلمُهم وأشرفُهم على الإطلاق، فقد قال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو كنتُ مُتَّخِذًا خليلاً لاتَّخَذْتُ أبا بكر، ولكنْ أخي وصاحبي"؛ وقال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي عمر أيضاً: "اقتدوا بالذين من بعدي: أبي بكر وعمر"؛ وشهد له عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بقوله: "أنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-". وقال عنه علي بن أبي طالب لما سأله ابنُه محمد بن الحنفية: "أيّ الناس خير بعد رسول الله؟ قال: أبو بكر".
أيها المسلمون: إن حياة أبي بكر -رضي الله عنه- صفحة مشرقة من التأريخ الإسلامي الذي بهَر كلَّ تأريخ وَفَاقَه، والذي لم تَحْوِ تواريخ الأمم مجتمعةً، بعضَ ما حوى من الشرف والمجد والإخلاص والجهاد، والدعوة لأجل المبادئ السامية.
اسمه: عبد الله بن عثمان بن عامر القرشي التَّيْمي، ويلتقي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في النسب في الجد السادس مرة بن كعب، ويكنى بأبي بكر، لقبه النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعتيق، فقد قال له -صلى الله عليه وسلم-: "أنت عتيق الله من النار"، ولقبه أيضاً بالصدّيق؛ ففي حديث أنس -رضي الله عنه- أنه قال إن النبي -صلى الله عليه وسلم- صعد أحُداً، وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال: "اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصدّيق وشهيدان".
وقد لُقِّب بالصدّيق لكثرة تصديقه للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وقد أجمعت الأمَّةُ على تسميته بالصدّيق؛ لأنه بادر إلى تصديق الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولازمه الصدق.
ولد بعد عام الفيل، ونشأ نشأة كريمة طيبة في حضن أبوين لهما الكرامة والعزُّ في قومهما، مما جعل أبا بكر ينشأ كريم النفس، عزيز المكانة في قومه.
كان أبو بكر الصدّيق في الجاهلية من وُجَهاء قريش وأشرافهم، وأحد رؤسائهم، وكان من خيارهم، يستعينون به فيما نابهم، وكانت له بمكةَ ضيافات لا يفعلها أحد، وقد اشتهر بالعلم بالأنساب والتجارة، وارتحل بين البلدان، وكان ينفق من ماله بسخاء وكرم، وكان موضع الألفة بين قومه وكانوا يحبونه ويألفونه، ويعترفون له بالفضل العظيم، والخلق الكريم، لم يشرب الخمر في الجاهلية، ولم يسجد لصنم قط، فلا عجب على من كانت هذه أخلاقه أن ينضم لموكب دعوة الحق ويحتل فيها الصدارة.
عباد الله: وعندما نزل الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخذ يدعو الأفراد إلى الله، وقع أول اختياره على الصدّيق -رضي الله عنه - فهو صاحبه الذي يعرفه قبل البعثة بدماثة خلقه، وكريم سجاياه، كما يعرف أبو بكر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- بصدقه وأمانته وأخلاقه التي تمنعه من الكذب على الناس؛ فكيف يكذب على الله؟ فعندما فاتحه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدعوة الله أسلم الصدّيق ولم يتلعثم، وتقدّم ولم يتأخر، ولهذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حقه: "إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبتَ، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله"، وبإسلام أبي بكر عمَّ السرور قلب النبي -صلى الله عليه وسلم-.
كانت أول ثمار الصدّيق الدعوية دخول صفوة من خيرة الخلق في الإسلام، وهم: الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعثمان بن مظعون، وأبو عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمة بن عبد الأسد، والأرقم ابن أبي الأرقم-رضي الله عنهم-؛ وجاء بهؤلاء الصحابة الكرام فرادى فأسلموا بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
واهتم الصدّيق بأسرته فأسلمت أسماء وعائشة وعبد الله وزوجته أم رومان وخادمه عامر بن فهيرة، لقد كانت الصفات الحميدة، والخلال العظيمة، والأخلاق الكريمة، التي تجسدت في شخصية الصدّيق، عاملاً مؤثِّرا في الناس عند دعوتهم للإسلام.
أيها المسلمون: إن الصدّيق -رضي الله عنه- أول من أوذي في سبيل الله بعد رسول الله، وأول من دافع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأول من دعا إلى الله، وقد أوذي أبو بكر -رضي الله عنه- وحُثي على رأسه التراب، وضُرِبَ في المسجد الحرام ضربًا شديدًا حتى ما يُعرف وجهه من قفاه.
وكان الصدّيق -رضي الله عنه- الذراع اليمنى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتفرّغ للدعوة وملازمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان له شرف صحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- في رحلة الهجرة المباركة، تلك الرحلة التي بكى فيها أبو بكر من شدة الفرح؛ فالصدّيق -رضي الله عنه- يعلم أن معنى هذه الصحبة أنه سيكون وحده برفقة رسول رب العالمين بضعة عشر يومًا على الأقل، وهو الذي سيقدم حياته لسيده وقائده وحبيبه؛ فأي فوز في هذا الوجود يفوق هذا الفوز؟ أن ينفرد الصدّيق وحده من دون أهل الأرض، ومن دون الصحب جميعًا، برفقة سيد الخلق وصحبته كل هذه المدة!
ولقد قام بعدها بتسخير جميع أفراد أسرته لخدمة النبي -صلى الله عليه وسلم-في هجرته، فكان لابنه عبدالله دور، ولعائشة دور، ولأسماء دور، بل حتى خادمه ومولاه عامر بن فهيرة كان له دور في الهجرة.
فرضي الله عن الصديق أبي بكر.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:
عباد الله: شهد الصدِّيق مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بدرًا والمشاهد كلها، ولم يفُتْه منها مشهد، وثبَت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحُد حين انهزم الناس، ودفع إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- رايته العظمى يوم تبوك، وجعله النبيُّ -صلى الله عليه وسلم - أميرًا على الحجِّ سنة تسع من الهجرة.
أيها المسلمون: لما علم الصحابة -رضي الله عنهم- بوفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة في اليوم نفسه، ولحق بهم المهاجرون وتداولوا الأمر بينهم في اختيار من يلي الخلافة من بعده، وانتهى لقاء السقيفة باجتماع الصحابة وإجماعهم على أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- خليفة للمسلمين.
ولقد أجمع أهل السنة والجماعة، سلَفاً وخلَفاً، على أن أحقَّ الناس بالخلافة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه- لفضله وسابقته، ولتقديم النبي -صلى الله عليه وسلم- إياه في الصلوات على جميع الصحابة؛ وقد فهم أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، مراده من تقديمه في الصلاة، فأجمعوا على تقديمه في الخلافة ومتابعته، ولم يتخلف منهم أحد؛ ولم يكن الرب -جلَّ وعلا- ليجمعهم على ضلالة، فبايعوه طائعين، وكانوا لأوامره ممتثلين، ولم يعارض أحد في تقديمه.
لقد تسلّم الصدّيق -رضي الله عنه- الخلافة، وضرب أمثلة في الصبر والثبات والرحمة وكبح جماح المرتدين وحسن معاملة المسلمين يعجز المرء عن تصورها، ورأى الصحابة ضرورة تفريغ الصدّيق للخلافة، ففرضوا له جزءًا معلومًا من بيت مال المسلمين.
أيها المسلمون: وفي شهر جمادى الآخرة من العام الثالث عشر للهجرة النبوية، مرض الخليفة أبو بكر -رضي الله عنه- واشتد به المرض، فلما ثقل واستبان له من نفسه، كتب عهدًا لعمر بن الخطاب وأوصاه بالمسلمين خيرًا.
وقد استمر مرض أبي بكر خمسة عشر يوماً، وتوفي يوم الاثنين الثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة للهجرة، وكان آخر ما تكلم به الصدّيق -رضي الله عنه- في هذه الدنيا قول الله تعالى: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِين)[يوسف:101].
لقد ارتجت المدينة لوفاة أبي بكر الصديق، ولم تر المدينة منذ وفاة الرسول يوما أكثر فيه باكيًا وباكية من ذلك المساء الحزين.
هذا، وقد توفي الصديق -رضي الله عنه- وهو ابن ثلاث وستين سنة، مجمع على ذلك في الروايات كلها، استوفى سن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وغسلته زوجه أسماء بنت عميس، وكان قد أوصى بذلك، ودفن بجانب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد جعل رأسه عند كتفي رسول الله، وصلى عليه خليفته عمر بن الخطاب، ونزل قبره عمر وعثمان وطلحة وابنه عبد الرحمن، وألصق اللحد بقبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وهكذا خرج أبو بكر الصديق من الدنيا بعد جهاد عظيم، في سبيل نشر دين الله في الآفاق، وستظل الحضارة الإنسانية مدينة لهذا الشيخ الجليل الذي حمل لواء دعوة الرسول بعد وفاته، وحمى غرسه، وقام برعاية بذور العدل والحرية، وسقاها أزكى دماء الشهداء، فآتت من كل الثمرات عطاء جزيلاً.
حقق أبو بكر -رضي الله عنه- عبر التاريخ تقدمًا عظيمًا في العلوم والثقافة والفكر، وستظل الحضارة مدينة للصديق؛ لأنه بجهاده الرائع، وبصبره العظيم، حمى الله به دين الإسلام في ثباته في الردة، ونشر الله به الإسلام في الأمم والدول والشعوب، بحركة الفتوحات العظيمة، التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً.
نسأل الله أن يتقبل أبا بكر في الصالحين ويرفعه في عليين، ويغفر لنا أجمعين، ونسأله سبحانه أن يعز الإسلام وينصر المسلمين.
هذا؛ وصلوا وسلموا على رسول الله ..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم