أبشروا أيها المصلون

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2021-10-01 - 1443/02/24 2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/إقامة الصلاة نور وهداية 2/ظلمات ترك الصلاة وتضييعها 3/أنوار المؤمنين المصلين يوم القيامة وخذلان المنافقين 4/ملاحظات مهمة للمصلين.

اقتباس

وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ والمتهاونونَ بِالصَّلَاةِ الْمُتَعَمِّدُونَ تَرَكَهَا؛ فَإِنَّهُم يُساقونَ إلَى الصِّرَاطِ الْمَنْصُوبِ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ، وَأمَامَهُم بَصِيصُ نُورٍ مِنْ بَعِيدٍ، فَإِذَا تَوَسَّطُوا مِنْ الصِّرَاطِ وَالنَّارُ تَحْتِهِم تَزْفِرُ. وفجأةً!....

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ كما خلقْتَنا ورزقْتَنا وهديتَنا، لكَ الحمدُ بالإسلامِ والقرآنِ والإيمانِ، بسطْتَ رزقَنا، وأظهرْتَ أمنَنا، وجمعْتَ فُرقتَنا، ومِنْ كلّ -واللهِ- ما سألناكَ ربَنا أعطيتَنا. أشهدُ ألا إلهَ إلا أنتَ، وأشهدُ أن محمداً عبدُك ورسولُك. فصلى اللهُ وسلمَ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعينَ.

 

أما بعدُ: فاتقوا اللهَ -رحمكمُ اللهُ- واستعدُوا للرحيلِ فقد جدَّ بكم، فالأجلُ فاجعٌ، والأملُ خادعٌ.

 

أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رجلاً يَمْشِي بِسَيَّارَتِه وحيدًا فِي ظَلَامِ اللَّيْلِ وهدأتِهِ، وَإِذ بِه يَطْرُدُه قُطَّاعُ طَرِيقٍ، فَهرَبَ مِنْهُم مسرِعًا، وَبَيْنَمَا هُوَ خَائِفٌ هَارِبٌ إذْ بِهِ يَتَعَطَّلُ نُورُ سَيَّارَتِه، فَلَا يَكَادُ يُمَيِّزُ جَنَبَاتِ طَرِيقهِ! فَمَا ظَنُّكُمْ بِهِ هَلْ سينجُو أَم سَيَهْلِكُ فِي هَذَا الظَّلَامِ والمطارَدةِ؟

 

إنَّ هَذَا الْمِثَالَ يَنْطَبِقُ عَلَى أُنَاسٍ بَيْنَنَا هم في ظُلماتٍ مطارَدونَ، أَنَّهُمْ قَوْمٌ ضَاعُوا. فـ(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)[مريم:59].

 

مضيِعُو الصَّلَوَاتِ فِي ظُلُمَاتٍ، والمحافظونَ عَلَيْهَا فِي أَنْوَارٍ تُحِيطُ بِهِمْ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ؛ ألمْ يَقُلِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "بَشّر الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ).

 

وَالْمَشَّاؤُونَ هُمْ كَثِيرُو الْمَشْيِ إِلَى الْمَسَاجِدِ، يُبَشَّرونَ بِالنُّورِ التَّامِّ الَّذِي يُحِيطُ بِهِمْ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِمْ فِي حَيَاتِهِمْ وعَلَى الصِّرَاطِ، فلَمَّا قَاسَوْا مَشَقَّةَ الْمَشْيِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ جُوْزُوا بِنُورٍ يُضِيءُ لَهُمْ وَيُحِيطُهُمْ(شرح الجامع الصغير للمناوي: 1/433).

 

فَالصلاةُ نُورٌ فِي قُلُوبِهِمْ وقُبُورِهِمْ، وَقِيَامَتِهِم؛ (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[الحديد:12].

 

وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ والمتهاونونَ بِالصَّلَاةِ الْمُتَعَمِّدُونَ تَرَكَهَا؛ فَإِنَّهُم يُساقونَ إلَى الصِّرَاطِ الْمَنْصُوبِ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ، وَأمَامَهُم بَصِيصُ نُورٍ مِنْ بَعِيدٍ، فَإِذَا تَوَسَّطُوا مِنْ الصِّرَاطِ وَالنَّارُ تَحْتِهِم تَزْفِرُ. وفجأةً! (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ)[البقرة:17].

 

فيَستغيثون بِأَهْلِيهِم الْمُؤْمِنِين، وَبِمَن يَعْرِفُون، ويصرُخونَ قَائِلِينَ: (انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ)؛ فيُخادَعونَ جزاءً وفاقًا كما كانوا همْ يخادِعونَ، ويُقال لهم: تريدونَ النورَ؟! (ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا)؛ فيَرجعونَ بظلامهمْ وبظُلمهمْ، وينفصلونَ عن المؤمنينَ؛ (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)[الحديد: 13].

 

فَإِذَا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْمُنَافِقِينَ وَتَارِكِي الصَّلَاةِ مَحْجُوبِينَ، ويسمعونهمْ فِي النَّارِ يَتَسَاقَطُونَ، فينتهزونَ الْفُرْصَةَ فَيَدْعُونَ رَبَّهمْ: (رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا)[التحريم:8].

 

فيا تُرى: (هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ)[الرعد:16]؛ فَليُبشِرْ "مَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي جَمَاعَةٍ، أَنَّهُ يَمُرُّ عَلَى الصِّرَاطِ كَالْبَرْقِ اللَّامِعِ، وَوَجْهُهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ"(جامع العلوم والحكم: 2/21).

 

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "فَيُعْطَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَيَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ فَيُقَالُ: انْجُوا عَلَى قَدْرِ نُورِكُمْ.. فَإِذَا خَلَصُوا قَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنْكِ بَعْدَ الَّذِي أَرَانَاكِ لَقَدْ أَعْطَانَا اللَّهُ مَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا"(فتح الباري لابن حجر: 11/ 452).

 

أرأيتمْ كيفَ أن الصلاةَ نورٌ في الحياةِ وبعد المماتِ: (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ)[النور:40].

 

أيُها المحافظونَ على الصلاةِ: احمدوا ربَكم كثيرًا أن كنتمْ من أهلِ الصلاةِ، وردِّدوا كما ردَّدَ نبيكمْ: "اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا" (صحيح البخاري 3034).

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ الذي هدَانا للإسلامِ والسنةِ والصلاةِ والصلاحِ، والصلاةُ والسلامُ على داعينا إلى الفلاحِ.

 

أما بعدُ: فكما أن المرءَ مأمورٌ أن يحافظَ على صلاتِهِ؛ فهو مأمورٌ بشيءٍ آخرَ، ألا وهوَ أن يُتقنَ أداءَها، ويُناصِحَ برفقٍ من يتهاوَنُ بها أو بصفةِ أدائِها.

 

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رحمه الله-: "لَوْ أَنَّ رجلاً أَحْسَنَ الصَّلَاةَ فَأَتَمَّهَا وَأَحْكَمَهَا، ثُمَّ نَظَرَ إلَى مَنْ أَسَاءَ فِي صَلَاتِه وَضَيَّعَهَا فَسَكَتَ عَنْهُ وَلَمْ يُعْلِمْهُ فِي إسَاءَتِهِ فِي صَلَاتِه وَلَمْ يَنْصَحْهُ شَارَكَه فِي وِزْرِهَا وعارِها، فَالْمُحْسِن فِي صَلَاِتِه شَرِيكُ الْمُسِيءِ فِي إسَاءَتِه إذَا لَمْ يَنْهَهُ وَلَم يَنْصَحْه".(طبقات الحنابلة: 1/ 352).

 

أيها المصلونَ: وهذِهِ ملحوظاتٌ تَهُم الْمُصَلِّينَ أئمةً ومأمومينَ:

أمَّا الْإِمَام فليَحْذَرِ الْعَجَلَةَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ بِنَفَسٍ أو نَفَسَينِ، وأشدُّ مِنْه الْعَجَلَةُ في أداءِ الأركانِ والواجِبَاتِ، وسُرْعَةُ التَّسْلِيمِ وَلَمْ يَتْرُكْ وَقْتًا لِلدُّعَاءِ فِي آخِرِ التَّشَهُّدِ.

 

وأمَّا الْمَأْمُومُ؛ فليَحْذَرْ مسابقةَ إمامِهِ والتَّأَخُّرَ عَنْه، وليَجْتَنِبْ كَثْرَةَ الْحَرَكَةِ، ولا يُسْرِعْ في الِانْصِرَافِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَيتَرَكَ الذِّكْرَ الْوَارِدَ.

 

فاللهم رَبَّنا اجْعَلْنَا مُقِيمينَ للصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا، (رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ). اللهم لكَ الحمدُ كالذي تقولُ وخيرًا مما نقولُ. اللهم إنا عاجزونَ عن شُكركَ، فنُحيلُ إلى عِلمكَ وفضلِكَ.

 

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا أغَنْى خَلْقِك بك، وأفْقَرَ خَلْقِك إليْك، اللَّهُمَّ صُبَّ عَليْنا الخَيْر صَبًّا صَبًّا، ولا تَجْعَل عَيْشَنَا كَدًّا كَدًّا.

 

اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا خَيْرَ ما عِنْدَكَ بِشَرِّ ما عِنْدَنَا. اللهمَّ وارحمْنا ووالدِينا، وهبْ لنا من أزواجِنا وذرياتِنا قرةَ أعينٍ.

 

اللهم احفظْ علينا دينَنا وأمنَنا وتعليمَنا وصحتَنا وحدودَنا وجنودنا. واحفَظْ ثرواتِنا وثمراتِنا، واقتصادَنا وعتادَنا.

 

اللهم صُد عنا غاراتِ أعدائنا المخذولينَ وعصاباتِهِم المتخوِنينَ. اللهم وفقْ وسدِّدْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِه لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ. واجزِهما على التيسيرِ على المسلمينَ، وعلى خدمةِ الحرمينِ.

 

اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ. وأقمِ الصلاةَ إنَّ الصلاةَ تَنهَى عنِ الفحشاءِ والمنكرِ، ولَذِكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعونَ.

 

المرفقات

أبشروا أيها المصلون.doc

أبشروا أيها المصلون.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات