عناصر الخطبة
1/ آيات الله التي تتجلى في الأرض 2/ الاستدلال على صفات الخالق من آياته في الأرض 3/ شهادة الأرض يوم القيامة 4/ هداية الخلق للانتفاع بالأرض 5/ رفْض الأرض بجبالها حمل الأمانةاقتباس
فاتسعت الحبة وربت وانتفخت، وانفلقت عن ساقين: ساق من فوقها وهي الشجرة، وساق من تحتها وهو العرق، ثم عظم ذلك الولد حتى لم يبق لأبيه نسبة إليه، ثم وضع من الأولاد بعد أبيه آلافا مؤلفة، كل ذلك صنع الرب الحكيم، في حبة واحدة، لعلها تبلغ في الصغر إلى الغاية، وذلك من البركة التي وضعها الله –سبحانه- في هذه الأم. فيا لها من آية! آية تكفي وحدها في الدلالة على وجود الخالق، وصفات كماله وأفعاله، وصدق رسله..
الحمد لله الذي نصب الكائنات على وحدانيته دليلا، رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حث على التفكر في آياته المسموعة، وعلى التفكر في آياته المشهودة.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتفكرين، وقدوة العاملين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة دائمة إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله، أكثرَ الله تعالى في كتابه الكريم من ذكر (الأرض)، ودعا عباده إلى النظر فيها، والتفكر في خلقها؛ والنظر هو التفات القلب إلى المنظور فيه، فقال سبحانه: (وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) [الذّاريَات:20].
فآيات الأرض أنواع كثيرة جدًا، منها خَلقها وحدوثها بعد عدمها، وشواهد الحدوث والافتقار إلى الصانع عليها لا تُجحد؛ فإنها شواهدُ قائمةٌ بها؛ ومنها بروز هذا الجانب من الأرض فيها عن الماء، مع كون مقتضى الطبيعة أن يكون مغمورًا به؛ ومنها سعتها وكبر خلقها؛ ومنها تسطيحها، كما قال تعالى (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) [الغَاشِيَة:20]، ولا ينافي ذلك كونها كروية، فهي كرة في الحقيقة لها سطح يستقر عليه الحيوان، ومنها أنه جعَلها فِراشًا؛ لتكون مقرًا للحيوان ومساكنه.
وجَعَلَها الله مهادًا ذلولاً توطأ بالأقدام، وتضرب بالمعاول والفؤوس، وتحمل على ظهرها الأبنية الثقال، فهي ذلول مسخرة لما يريد العبد منها، وجعلها بساطًا، وجعلها كِفاتا للأحياء تضمهم على ظهرها، وللأموات تضمهم في بطنها؛ وطحاها فمدَّها وبسطها ووسعها، ودحاها فهيأها لما يراد منها، بأن أخرج منها ماءها ومرعاها، وشق فيها الأنهار، وجعل فيها السبل والفجاج؛ ونبَّه بجعلها مهادًا وفراشًا على حكمته في جعلها ساكنة واقفة، وذلك آية أخرى، إذ لا دعامة تحتها تمسكها، ولا علَّاقة فوقها، ولكنها، لما كانت على وجه الماء، كانت تكفأ كما تكفأ السفينة، فاقتضت العناية الأزلية، والحكمة الإلهية، أنْ تضع عليها رواسي تثبتها لئلا تميد، ليستقر عليها الأنام والحيوان، والنبات والأمتعة، وليتمكن الحيوان والناس من السعي عليها في مآربهم، والجلوس لراحاتهم، والنوم لهدوئهم، والتمكن من أعمالهم.
ولو كانت رجراجة مهتزَّةً لم يستطيعوا على ظهرها قرارًا ولا هدوءًا، ولا ثبت لهم عليها بناء، ولا أمكنهم عليها صناعة ولا تجارة، ولا حراثة ولا مصلحة؛ وكيف كانوا يتهنَّون بالعيش والأرض ترتج من تحتهم؟ واعتبِر بما يصيبهم من الزلازل على قلة مكثها، كيف تضطرهم إلى ترك منازلهم والهرب عنها؟! وقد نبه الله تعالى على ذلك بقوله: (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ)، وقوله: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا) [غَافر:64] وقوله: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا) [طه:53].
في جامع الترمذي، وغيره، من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لما خلق الله الأرض جعلت تميد، فخلق الجبال عليها فاستقرت، فتعجبت الملائكة من شدة الجبال، فقالوا: يا رب! هل من خلقك شيء أشد من الجبال؟ قال: نعم، الحديد، قالوا: يا رب! هل من خلقك شيء أشد من الحديد؟ قال: نعم، النار. قالوا: يا رب! فهل من خلقك شيء أشد من النار؟ قال نعم: الريح. قالوا: يا رب! فهل من خلقك أشد من الريح؟ قال: نعم، ابن آدم، يتصدق صدقة بيمينه يخفيها عن شماله".
ومن آياتها أن جعلها مختلفة الأجناس والصفات والمنافع، مع أنها قطع متجاورات متلاصقات، فهذه سهلة، وهذه حَزنةٌ تجاورها وتلاصقها؛ وهذه طيبة تُنبت، تلاصقها أرض لا تنبت، وهذه تربة تلاصقها رمال، وهذه صلبة تلاصقها أرض رخوة، وهذه سوداء تليها أرض بيضاء، وهذه حصاً كلُّها تجاورها أرض لا يوجد فيها حجر، وهذه تصلح لنبات كذا وكذا، وهذه لا تصلح له بل لغيره، وهذه سبخة مالحة، وهذه ضدها، وهذه ليس فيها جبل ولا معلم، وهذه مسجرة بالجبال، وهذه لا تصلح إلا على المطر، وهذه لا ينفعها المطر، بل لا تصلح إلا على سقي الأنهار، فيمطر الله سبحانه الماء على الأرض البعيدة ويسوقه إليها على.
وانظر قطعها المتجاورات، وكيف ينزل عليها ماء واحد فتنبت الأزواج المختلفة المتباينة في الشكل، واللون، والرائحة، والطعم، والمنفعة، كما قال سبحانه: (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ) [الرعد:4]؛ فكيف كانت هذه الأجنة المختلفة مودعة في بطن هذه الأم؟ وكيف حملها من لقاح واحد؟ صنْع الله الذي اتقن كل شيء، لا إله إلا هو؛ ولو لا أن هذا من أعظم آياته، لما نبَّه عليه عباده، ولما دعاهم إلى التفكير فيه.
وقال سبحانه: (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً) ميتة، (فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ) فتحركت، (وَرَبَتْ): ارتفعت واخضرَّت، (وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [الحَجّ:5]، فأخرجت عجائب النبات، في المنظر والمخبر، "بهيج" للناظرين، "كريم" للمتناولين، فأخرجت الأقوات على اختلافها، وتباين مقاديرها وأشكالها وألوانها ومنافعها، والفواكه، والثمار، وأنواع الأدوية، ومراعي الدواب والطير.
وجعلها ذلولاً في أن لم تكن في غاية الصلابة والشدة كالحديد والحجر؛ فيمتنع حفرها وشقها، وشق أنهارها، والبناء فيها، والغرس والزرع؛ ونبَّه بكونها "قرارًا" على الحكمة في أنها لم تخلق في غاية اللين والرخاوة، والدماثة والطين، فلا تمسك بناء، ولا يستقر عليها الحيوان، ولا الأجسام الثقيلة؛ وكذلك لم يجعلها شفافة لا يستقر عليها النور، ولا تقبل السخونة، فتبقى في غاية البرد؛ فلا يستقر عليها الحيوان، ولا يتأتى فيه النبات؛ وكذلك لم يجعلها صقيلة براقة لئلا يحترق ما عليها بسبب انعكاس أشعة الشمس؛ بل جعَلها كثيفة غبراء، فصلحت أن تكون مستقرًا للحيوان والأنام والنبات.
فلو سألتَها: مَن نوَّعها هذا التنوع؟ ومَن فرَّق أجزاءها هذا التفريق؟ ومَن خصَّ كل قطعة منها بما خصها به؟ ومَن ألقى عليها رواسيها، وفتح فيها السبل، وأخرج منها الماء والمرعى؟ ومَن أمسكها عن الزوال؟ ومَن بارك فيها وقدَّر فيها أقواتها، وأنشأ منها ماءها، وحيوانها، ونباتها؟ ومَن وضع فيها معادنها، وجواهرها، ومنافعها؟ ومَن هيأها مُستقرًا للأنام؟ ومَن يبدأ الخلق ثم يعيده إليها، ثم يخرج منها؟ ومَن جعَلها ذلولاً غير مستعصية ولا ممتنعة؟ ومَن أوطأ مناكبَها، وذلَّل مسالكها، ووسَّع مخارجها، وشقَّ أنهارها، وأنبت أشجارها، وأخرج ثمارها؟ ومَن صدعها عن النبات، وأودع فيها جميع الأقوات؟ ومن بسَطها، وفرشها، ومهَّدها، وذللها، وطحاها، ودحاها، وجعل ما عليها زينة لها؟ ومَن الذي يمسكها أن تتحرك، فتتزلزل؛ فيسقط ما عليها من بناء ومعلم، أو يخسفها بمن عليها، فإذا هي تمور؟!.
ومَن الذي أنشأ منها النوع الإنساني الذي هو أبدع المخلوقات، وأحسن المصنوعات؟ بل أنشأ منها آدم ونوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى، ومحمدًا، صلى الله عليهم وسلم، وأنشأ منها أولياءه وأحباءه وعباده الصالحين، ومَن جعلها حافظة لما استودع فيها من المياه والأرزاق، والمعادن والحيوان؟ ومَن جعل بينها وبين الشمس والقمر هذا المقدار من المسافة؟ فلو زادت على ذلك لضعُف تأثرها بحرارة الشمس، فتعطلت المنفعة الواصلة إلى الحيوان والنبات بسبب ذلك، ولو زادت في القرب لاشتدت الحرارة والسخونة، كما نشاهده في الصيف، فاحترقت أبدان الحيوان والنبات؛ وبالجملة، كانت تفوت هذه الحكمة التي بها انتظام العالم.
ومَن الذي جعل فيها الجنات، والحدائق، والعيون؟ ومن الذي جعل باطنها بيوتًا للأموات، وظاهرها بيوتًا للأحياء؟.
ومَن الذي يحييها بعد موتها، فيُنزل عليها الماء من السماء، ثم يرسل عليها الريح، ويطلع عليها الشمس، فتأخذ في الحبل، فإذا كان وقت الولادة مخضت للوضع، واهتزَّت، وأنبتت من كل زوج بهيج، فسبحان من جعل الماء كالأب، والأرض كالأم، والقطر كالماء الذي ينعقد منه الولد! فإذا حصل الحب في الأرض، ووقع عليه الماء، أثرت نداوة الطين فيه، وأعانتها السخونة المختفية في باطن الأرض، فوصلت النداوة والحرارة إلى باطن الحبة، فاتسعت الحبة وربت وانتفخت، وانفلقت عن ساقين: ساق من فوقها وهي الشجرة، وساق من تحتها وهو العرق، ثم عظم ذلك الولد حتى لم يبق لأبيه نسبة إليه، ثم وضع من الأولاد بعد أبيه آلافا مؤلفة، كل ذلك صنع الرب الحكيم، في حبة واحدة، لعلها تبلغ في الصغر إلى الغاية، وذلك من البركة التي وضعها الله –سبحانه- في هذه الأم!.
فيا لها من آية! آية تكفي وحدها في الدلالة على وجود الخالق، وصفات كماله وأفعاله، وصدق رسله فيما أخبروا به من إخراج مَن في القبور، يوم البعث والنشور.
فتأمل اجتماع هذه العناصر الأربعة، وتجاورها وامتزاجها، وحاجة بعضها إلى بعض، وانفعال بعضها ببعض، وتأثير بعضها في بعض، بحيث لا يمكنه إلا الاتباع من التأثر والانفعال، ولا يستقل الآخر بالتأثير، ولا يستغني عن صاحبه، وفي ذلك أظهر دلالة على أنها مخلوقة مصنوعة، مربوبة، مدبَّرة، حادثة بعد عدمها، فقيرة إلى موجِد غني عنها، مؤثر فيها، غير متأثر، قديم غير محدث، تنقاد المخلوقات كلها لقدرته، وتجيب داعيَ مشيئته، وتلبي داعي وحدانيته وربوبيته، وتشهد بعلمه وحكمته، وتدعو عباده إلى ذكره وشكره، وطاعته، وعبوديته، ومحبته؛ وتحذرهم من بأسه ونقمته، وتحثهم على المبادرة إلى رضوانه وجنته.
فإذا كان يوم الوقت المعلوم، وقد ثقلها حملها، وحان وقت الولادة ودنو المخاض، أوحى إليها ربها وفاطرها أن تضع حملها، وتخرج أثقالها، فتخرج الناس من بطنها إلى ظهرها، وتقول: يا رب! هذا ما استودعتني؛ وتخرج كنوزها بإذنه تعالى، ثم تحدِّث أخبارها، وتشهد على بنيها بما عملوا على ظهرها من خير وشر.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ) [الزّلزَلة:1]... إلى آخر السورة.
الخطبة الثانية:
وبعد: فقد قال سبحانه: (وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا) [النَّازعَات:32] وقال بعد ذكْر الأمر بالنظر إلى الإبل والسماء: (وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) [الغَاشِيَة:19].
ثم انظر كيف أحكم جوانب الأرض بالجبال الراسيات الشوامخ، الصم الصلاب، وكيف نصبها فأحسن نصبها، وكيف رفعها وجعلها أصلب أجزاء الأرض؛ لئلا تضمحل على تطاول السنين، وترادف الأمطار والرياح.
هذه الجبال التي يحسبها الجاهل فضلة في الأرض لا حاجة إليها، فيها من المنافع ما لا يحصيه إلا خالقها وناصبها؛ وفي حديث ضمام بن ثعلبة، قوله للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "بالذي نصب الجبال، وأودع فيها المنافع، آلله أمرك بكذا وكذا؟ قال: اللَّهم نعم".
فمن فمنافعها أن الثلج يسقط عليها فيبقى في قللها حاملاً لشراب الناس إلى حين نفاده، ومن منافعها ما يكون في حصونها وقللها من المغارات والكهوف والمعاقل التي هي بمنزلة الحصون والقلاع، أكناناً للناس والحيوان، ومن منافعها ما ينحت من أحجارها للأبنية على اختلاف أصنافها، ومن منافعها ما يوجد فيها من المعادن على اختلاف أصنافها من الذهب، والفضة، والنحاس، والحديد، والرصاص، والزبرجد، والزمرد، وأضعاف ذلك من أنواع المعادن التي يعجز البشر عن معرفتها على التفصيل، ثم هدى تعالى الناس إلى استخراج تلك المعادن منها، وألهمهم كيف يصنعون منها النقود والحلي، والزينة، واللباس، والسلاح، وآلة المعاش، على اختلافها؛ ولولا هدايته –سبحانه- لهم إلى ذلك لما كان لهم علم شيء منه.
ومن منافعها أنها ترد الرياح العاصفة وتكسر حدتها، فلا تدعها تصدم ما تحتها؛ ومن منافعها أنها ترد عنهم السيول إذا كانت في مجاريها فتصرفها عنهم ذات اليمين وذات الشمال، ولولاها خربت السيول ما مرت به؛ ومن منافعها أنها أعلام يستدل بها في الطرقات، ولهذا سماها الله أعلامًا، فقال: (وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ) [الشّورى:32]، فالجواري السفن، والأعلام الجبال؛ ومن منافعها ما ينبت فيها من العقاقير والأدوية التي لا تكون في السهول والرمال، كما أنَّ ما ينبت في السهول والرمال لا ينبت مثله في الجبال؛ وفيها من المنافع ما لا يعلمه إلا خالقها ومبدعها –سبحانه-.
وإذا تأملت خلقة الجبال العجيبة البديعة وجدتها في غاية المطابقة للحكمة؛ فإنها لو طالت واستدقت كالحائط لتعذر الصعود عليها، والانتفاع بها، ولسترت عن الناس الشمس والهواء، فلم يتمكنوا من الانتفاع بها؛ ولو بسطت على وجه الأرض لضيقت عليهم المزارع والمساكن، ولملأت السهل؛ ولو جعلت مستديرة كالكرة لم يتمكنوا من صعودها، ولما حصل لهم بها الانتفاع التام؛ فخلقها ومنافعها من أكبر الشواهد على قدرة بارئها وفاطرها، وعلمه، وحكمته، ووحدانيته.
هذا، مع أنها تسبح بحمده، وتخشع له، وتتشقق وتهبط من خشيته، وهي التي خافت من ربها وفاطرها وخالقها على شدتها وعظم خلقها، من الأمانة التي عرضها عليها، وأشفقت من حملها.
هذا، وإنها لتعلم أن لها موعدًا ويومًا تنسف فيه نسفًا، وتصير كالعهن من هوله وعظمه، فهي مشفقة من هول ذلك الموعد، منتظرة له؛ كانت أم الدرداء -رضي الله عنها- إذا سافرت فصعدت على جبل تقول لمن معها: أسمعَتْ الجبال ما وعدها ربها؟ فيقال: ما أسمعها؟ فتقول: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا) [طه:105- 107].
فهذا حال الجبال، وهي الحجارة الصلبة، وهذه رقتها وخشيتها وتدكدكها من جلال ربها وعظمته، وقد أخبر عنها فاطرها وبارئها أنه لو أنزل عليها كلامه لخشعت وتصدعت من خشية الله.
فيا عجبًا من مضغة لحم أقسى من هذه الجبال! تسمع آيات الله تتلى عليها، ويُذكر الرب -تعالى- فلا تلين، ولا تخشع، ولا تنيب؛ فليس بمستنكَر على الله عز وجل، ولا يخالف حكمته، أن يخلق لها نارًا تذيبها، إذا لم تلن بكلامه وذكره، وزواجره ومواعظه؛ فمَن لم يلن الله في هذه الدار قلبَه، ولم يُنِب إليه، ولم يُذبْه بحبه، والبكاء من خشيته، فليتمتع قليلاً، فإن أمامه المليِّن الأعظم! وسيُرد إلى عالم الغيب والشهادة فيرى ويعلم إن أحسن.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم