آيات الزلازل فاعتبروا يا أولي الأبصار

سعد بن سعيد الحجري

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: الأحداث العامة
عناصر الخطبة
1/نعمة التفكر والاعتبار 2/ فوائد التذكير 3/ الأمر بالتذكير في الكتاب والسنة 4/ الزلازل من آيات الله 5/ العبر و الدلائل في الزلازل 6/ من أسباب الزلازل 7/ أثر الدعاء .
اهداف الخطبة
بيان أهمية التفكر والاعتبار / التذكير بوجوب الاعتبار بوقوع الزلازل .
عنوان فرعي أول
زلزال الدنيا
عنوان فرعي ثاني
فاعتبروا
عنوان فرعي ثالث
الدعاء الدعاء

اقتباس

المطلوب عند وقوع الزلزلة أن نعلم أنها آية يخوف الله بها عباده فينبغي التوبة الصادقة فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة

 

 

 

 

الحمد لله الكبير المتعال أنعم على المؤمنين بصلاح الأعمال وعذب العصاة بسوء الأحوال وجعل من عقوباتهم الزلزال وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله جميل الخصال وطيب الأقوال وحسن الأفعال صلى الله عليه وسلم كُلّما اهتدى الضُّلال وصلحت الأعمال.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور وراقبوا الله في السراء والضراء فإنه عليم بذات الصدور ولا تتبعوا خطوات الشيطان فإنه القائد إلى الشرور ولا يغرنكم حلم الله عليكم فإليه تصير الأمور واعلموا أنه يمهل ولا يهمل فإذا أخذ فإن أخذه أليم شديد وانظروا في أحوال غيركم ممن جعلهم الله عبرة للمعتبرين وعظة للمتعظين وتذكرة للمتذكرين فكم في القرآن من قوله: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [يوسف: من الآية109] وكم في القرآن من قوله (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الرعد: من الآية3] وكم في القرآن من قوله (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الرعد: من الآية4]

وكم في القرآن من قوله (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ) [السجدة: من الآية26] وكم في القرآن من قوله تعالى: (أَفَلا يُبْصِرُونَ) [السجدة: من الآية27] وما ذاك إلا للتدبر والتأمل والتفكر والاتعاظ والاعتبار قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ) [يوسف: من الآية111] وقال: (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ) [العنكبوت: من الآية43] وقال: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) [الحشر: من الآية2] 

ونهى صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يشربوا أو يتوضئوا من ماء ثمود ونهاهم أن يأكلوا من الطعام الذي عجن بمائهم وأعطاه البهائم مع أنهم في عسرة وضيق شديد وقال: "لا تدخلوا ديار قوم ظلموا أنفسهم إلا وأنتم باكون" وأسرع حتى تجاوز أماكن العصاة.

وهذا من تأديبه لأصحابه ومن تعليمه لأمته لئلا يبقوا في أماكن المعصية فيصيبهم ما أصاب العصاة, والتذكير بأحوال الغير مطلوب بل هو نعمة من النعم إذ به تحيا القلوب لتسمع الحق وتعيه وتعمل به وتحبه ولا تصبر عنه ولا تفارقه وبه تستيقظ من غفلتها لتغتنم الحق وتعيه وتعمل به وتحبه ولا تصبر عنه ولا تفارقه، وبه تستيقظ من غفلتها لتغتنم الحياة قبل الموت والعمل قبل الفوت والشباب قبل الهرم والصحة قبل السقم والغنى قبل الفقر والفراغ قبل الشغل، وبه تلين لتداوم على الذكر و العمل الصالح وتتأثر بالآيات ولا تشبع من الحسنات وتتطهر من السيئات وتسلم من القسوة إذ إن أبعد القلوب القاسية والويل والثبور للقلوب القاسية قال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الزمر: من الآية22]، وبالتذكير تسلم القلوب من الأمراض التي تفتك بها والتي كانت سبباً في ظلامها فلا تعرف حقاً ولا ترغب في طاعة وتنتكس بها حتى تكون كالكوز مجخياً وتتبع الأهواء والشهوات والشبهات والسيئات والمضلات.

والتذكير هو أمر الله تعالى الذي أمر فقال: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات:55]، وهو أمر رسوله القولي إذ يقول: "بلغوا عني ولو آية" وهو أمره الفعلي إذ ذكر في البيوت وفي الأسواق وفي المجتمعات وفي السفر وعلى الموائد وفي الفرش وعلى فراش الموت بل وكان يجمع الناس ثم يذكرهم وهو أسلوب القرآن الكريم إذ ذكر بالتوحيد وبالعبادات وبالمعاملات وبالعلاقات وبالملائكة وبالرسل وبالكتب وبالقدر وباليوم الآخر وقد سمي القرآن الكريم ذكراً فقال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9] وقال: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) [يّـس:69]

والتذكير واجب الأمة لقوله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" ولو لم يكن من فوائد التذكير إلا امتثال أمر الله تعالى وطلب رضوانه والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم والعمل بالقرآن وأداء شكر النعمة ونيل الخيرية والسلامة من العذاب والسلامة من اللعنة وأداء حق الأخوة الإيمانية والسلامة من الغفلة.

وإن مما ذكرنا الله تعالى به الآيات الكونية التي نشاهدها بأبصارنا رأي العين فتكون يقيناً بالعين وهذا هو عين اليقين ونسمعها بأسماعنا لتكون علم يقين وهذه الآيات تذكر بها الرسل فازدادوا بها عبودية إلى عبوديتهم وتذللاً إلى تذللهم وخوفاً إلى خوفهم.

ومن ذلك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى السحاب في السماء أو سمع الريح تغير لونه وقعد وأقبل وأدبر وعرف ذلك في وجهه وفي حاله حتى تقول عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله أراك تفزع للريح والسحاب والناس يفرحون؟ قال: "وما يؤمنني أن يكون ذلك عذاباً من عند الله فإن الله أهلك قوماً بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا".

وهذه الآيات موعظة لأهل الإيمان الذين وصفوا بعباد الرحمن قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً) [الفرقان:73] وهي ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد يقول تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [قّ:37]

ومن هذه الآيات ما سمعناه ونسمعه في كثير من البلاد من وقوع الزلازل المدمرة التي دمر الله بها العشرات من المدن والقرى أو دمر بها الآلاف من المنازل حتى أصبحت خاوية على عروشها وكانت قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا وجعلها خراباً بعد عمران وأثراً بعد عين ليس فيها أنيس ولا حسيس وليس فيها من مظاهر الحياة شيء وقتل الله بها العشرات الآلاف من الأنفس فأصبحوا خامدين لم يستطيعوا أن يدفعوا عن أنفسهم العذاب بل أخذهم وهم في غفلة معرضون وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون وفارقوا أولادهم وأهليهم وعشيرتهم في لحظة من اللحظات كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون وقعد بها الآلاف على فرشهم محبوسين فقدوا أبصارهم وفقدوا أقدامهم وفقدوا عقولهم وفقدوا الكثير من جوارحهم التي كانوا يحاربون الله بها فحيل بينهم وبين ما يشتهون، وشرد الله بها عشرات الآلاف الذين هربوا بأنفسهم وتركوا أموالهم وأولادهم فأصبحوا غرباء عن أوطانهم وعن أهلهم لا مأوى لهم يأوون إليه بل يعيشون كما تعيش الوحوش ولا قرار يستقرون عليه بل في ذعر وهم وغم وقلق.

 

وسمع الكثير من المسلمين هذه الأخبار ومنهم من شاهدها وتلقوها بالغفلة والإعراض وعدم التدبر والتأمل فلا قلوب وجلت ولا أجساد اقشعرت ولا أعين دمعت ولا توبة أحدثت ولا مسارعة إلى العمل الصالح ولا خوف من الله ولا خشية له وما كأن شيئاً قد حصل بل وقال البعض ممن لا فقه في الدين عنده ولا معرفة لحكمة الله لديه أن هذه الزلازل ظواهر طبيعية ليسندوا كل شيء للطبيعة ولينزعوا خوف الله من القلوب وليجعلوا مع الله شريكاً في التدبر والتصرف ووالله لقد كذبوا في قولهم ذلك وافتروا على الله الكذب فإن الزلازل آيات من آيات الله التي تدل على قدرته إذ يقول للشيء كن فيكون قال تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يّـس:82].

وقال تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) [الأنعام: من الآية65] وتدل على أنه تعالى يفعل ما يريد لا ما تريده النفوس البشرية ولا ما تريده الطبيعة الجامدة المخلوقة قال تعالى: (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) [البروج:16]، و تدل على أن مقاليد السماوات والأرض بيده تعالى لا بيد غيره فهو المالك للوجود كله علويه وسفليه وهو المتصرف كيف يشاء قال تعالى: (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الشورى:12] وتدل على انقياد الأرض لله تعالى وطاعتها له وعملها بأمره وتركها لنهيه وغيرتها على محارمه وبغضها لأهل معصيته قال تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) [فصلت:11].

ويقول تعالى: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) [الدخان:29] ، قال ابن عباس: "وعلى مكان الطاعة في الأرض يبكي على الطائع ولا يبكي على العاصي بل يفرح بموته لكثرة أذاه".

وتدل على أن ما أصاب الإنسان من مصيبة فبما كسبت يده قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى:30]، وتدل على أنها آية من آيات الله يخوف بها عباده ليخافوه فيطيعوه فيما أمر ويجتنبوا عن ما نهى وزجر ويعبدوه حق العبادة قال تعالى: (وَمَا نُرْسِلُ بِالآياتِ إِلا تَخْوِيفاً) [الإسراء: من الآية59]، وتدل على هوان العصاة على ربهم ومن يهن الله فما له من مكرم.

قال الحسن البصري: "هان العصاة على ربهم فعصوه ولو عزوا عليه لحفظهم" , وعند الإمام أحمد: "لما فتحت قبرص وفرق بين أهلها وبكى بعضهم إلى بعضهم بكى أبو الدرداء فقال له جبير بن نفير: لماذا تبكي في يوم أعز الله فيه الإسلام؟ قال: ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله عز وجل إن هم أضاعوا أمره بينما كانت أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى..." وتدل على أن قرار الأرض نعمة من نعم الله نسيها الناس وبقرارها تستقر الأجساد وتستقر النباتات والدواب وتكون ذلولاً للإنسان في سيره وإقامته وفي زرعه وحصده وفي تعامله مع ربه قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَاراً ) [غافر: من الآية64]، وقال: (وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ) [الذاريات:48] ، وقال: (وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلانَامِ) [الرحمن:10] 

وقال: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك:15] وتدل على تذكر الآخرة والاستعداد لها والعمل لها وجعلها لهم قال تعالى: (إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجّاً) [الواقعة:4]، وقال: (يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً) [المزمل:14]، وقال (كَلا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً) [الفجر:21]، وقال (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا) [الزلزلة:1].

وتدل على و جوب مراقبة الله على الدوام يقول تعالى (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) [الملك:16]، ويقول (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ) [فاطر: من الآية45].

واعلموا عباد الله أن للزلازل أسباباً وردت في الكتاب والسنة منها الكبر والخيلاء والعجب بالنفس يقول صلى الله عليه وسلم: "بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة".

ويقول: "بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل جمته إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة"، وهذا عذاب القبر وأما عذاب الآخرة فجهنم وبئس المصير يقول الله تعالى (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) [الزمر:60].

ويقول صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" ويقول تعالى في الحديث القدسي: "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحداً منهما ألقيته في النار".

وقال: "احتجت الجنة والنار فقالت النار يدخلني الجبارون والمتكبرون" وأسوأ الكبر التكبر على الله بترك عبادته ثم التكبر على رسوله بمخالفته ثم التكبر على العباد.

ومن أسباب الزلازل كفران النعمة وجحود المنعم بها قال تعالى عن قارون: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) [القصص: من الآية78]، أي علم من الله بأحقيتي لذلك أو معرفة مني بطرق الكسب فجحد نعمة الله وأسند الرزق إلى نفسه فخسف الله به الأرض وبداره فهو يغوص كل يوم قامة إلى يوم القيامة واستبدل النعيم بالجحيم والأموال بالتراب والتعالي والكبر بالصغار والذلة إذ هو تحت الأقدام. والواجب للنعمة أن تشكر قال تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: من الآية7]، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها" وقد أدى شكر النعمة بقوله إذ كان إذا أكل أو شرب قال: الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجاً وسجد شكراً لله وصلى شكراً لله وصام شكراً لله تعالى.

ومن أسباب الزلازل أذية أولياء الله تعالى كما حصل من ذي نواس ملك نجران الكافر عندما نشر الراهب إلى نصفين ونشر الأعمى إلى نصفين وقال للغلام الصالح: أنا ربك وعبادتك لي قال الغلام له: لا، ربي وربك الله وعبادتي له، فقال للزبانية: خذوه إلى أعلى قمة جبل ثم ألقوه منها حتى يموت فأخذوه إلى قمة الجبل فقال الغلام: اللهم اكفنيهم بما شئت فتزلزل بهم الجبل حتى ماتوا وسلم الغلام...

وقد تكفل المولى لأوليائه ألا يخافوا ولا يحزنوا يقول تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس:62-63]، ويقول تعالى في الحديث القدسي: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب" ومن أسبابها ظهور المعازف والقينات واستحلال الخمر يقول صلى الله عليه وسلم: "سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ إذا ظهرت المعازف والقينات واستحلت الخمر".

وفي حديث عائشة: "يكون في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف" قال: قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا ظهر الخبث" وقال صلى الله عليه وسلم: "ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم فيقولون ارجع إلينا يوم غد فيبيتهم الله ويضع العلم عليهم ويمسخ آخرين إلى قردة وخنازير".

فبين صلى الله عليه وسلم أن أسباب الخسف والمسخ هو الغناء واستحلال الزنا والخمر والحرير ولذا حرم الله الغناء وسماه لهو الحديث وصوت الشيطان والسمود والزور والباطل والمكاء والتصدية وسماه الرسول صلى الله عليه وسلم الصوت الأحمق والصوت الفاجر واللهو واللعب ومزمار الشيطان والصوت الملعون.

وروي عن أنس أنه قال: دخلت على عائشة فقلت: حدثيني عن الزلزلة فقالت: "إذا استباحوا الزنا وشربوا الخمر وضربوا المعازف غار الله عز وجل في سمائه فقال للأرض تزلزلي بهم فإن تابوا ونزعوا وإلا أهدمها عليهم"، وتزلزلت الأرض على عهد عمر بن الخطاب فقال: "يا أهل المدينة لئن عادت لا أساكنكم فيها أبداً".

والمطلوب عند وقوع الزلزلة أن نعلم أنها آية يخوف الله بها عباده فينبغي التوبة الصادقة فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة ولقد تاب قوم يونس بعد معاينتهم للعذاب وظهوره لهم فتاب الله عليهم ورفع عنهم العذاب. وينبغي أن يفزع الإنسان إلى الصلاة لأن الله يكشف بها الهم والغم ويزيل بها الكرب ويعين بها على التغلب على متاعب الحياة يقول تعالى: (إِنَّ الأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلا الْمُصَلِّينَ) [المعارج:19-22].

ويقول تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة:45]، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى وقد صلى ابن عباس للزلزلة كصلاة الكسوف وصلى حذيفة بن اليمان كذلك.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم.

 

الخطبة الثانية :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المسلمون ومما ينبغي أن نلجأ إليه عند وقوع الزلازل الدعاء فإنه أمر الله تعالى إذ يقول (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: من الآية60]، وهو فعل رسله عند البلاء وها هو نوح يدعو فيقول: (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) [القمر: من الآية10].

وها هو إبراهيم يقول:  "حسبي الله ونعم الوكيل" وها هو موسى يقول: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص: من الآية24]، وها هو يونس يقول: (لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: من الآية87]، وها هو محمد عليه الصلاة والسلام وعلى جميع الأنبياء يقول: "اللهم منزل الكتاب ومنشئ السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم" والدعاء قربة العبادات إذ هو مع الصلاة ومع الصدقة ومع الصيام ومع قيام الليل ومن وفق للدعاء لم يحرم الإجابة.

وينبغي أن يكثر الاستغفار فإن الله تعالى يقول: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال: من الآية33] ، ويقول صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب". وورد في بعض الآثار أن الشيطان قال: "أهلكت بني آدم بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار".

وينبغي أن يكثر من ذكر الله فإن من ذكر الله ذكره الله قال الله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [البقرة: من الآية152]، وقال عن يونس: (فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الصافات:143-144]، وقال لموسى وأخيه لما أرسلهما لفرعون: (وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي) [طـه: من الآية42]، ويكثر من الصدقة لأنها تطفئ الخطيئة يقول صلى الله عليه وسلم: "والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار" ولأنها تطفئ غضب الرب وتقي مصارع السوء وفي الحديث: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء وصدقة السر تطفئ غضب الرب" ومن نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عنه في الدنيا والآخرة.

 

 

 

المرفقات

393

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات