عناصر الخطبة
1/ العبادة في الهرج 2/ أحوال المسلمين في الشام 3/ حاجتهم للإغاثة 4/ غفلة شبابنا.اقتباس
فالله يمتحننا أيضاً: ماذا فعلنا؟ ماذا قدمنا لشعب مسلم بيننا وبينهم روابط قربى ووشيجة رحم ودم، وقبله رابطة الدين واللغة والتاريخ والحضارة والجيرة؟ ماذا قدمنا ونحن نراهم يعانون أبشع أنواع الظلم والتعدي والقتل والفتك والتنكيل والاغتصاب والسرقة وإتلاف الممتلكات وحرق الحرث والزرع؟...
الحمد لله ذي القوة المتين، ناصر المظلومين، ومجيب دعوة المضطرين، ومغيث المستغيثين، فارج الهمِّ، وكاشف الكرب، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ يُثَبِّتُ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ فَلاَ يَزِيدُهُمْ عِظَمُ البَلاَءِ إِلاَّ تَعَلُّقًا بِهِ، وَإِخْلاَصًا لَهُ، وَتَوَكُّلاً عَلَيْهِ، وَإِنَابَةً إِلَيْهِ؛ (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم:27].
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَمَرَ بِنُصْرَةِ المَظْلُومِ، وَفَكِّ الأَسِيرِ، وَإِطْعَامِ الجَائِعِ؛ وَبَيَّنَ أَنَّ "المُؤْمِن لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا"، وَأَنَّ "المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ كَالْجَسَدِ الوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ"، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تعالى- وَأَطِيعُوهُ، وَعُوذُوا بِهِ مِنَ الفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَوَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الصَّبْرِ فِي البَلاَءِ، وَالثَّبَاتِ عَلَى الدِّينِ؛ فَإِنَّ الظُّلْم فِي الأَرْضِ عَظِيمٌ، وَالبَلاَءَ كَبِيرٌ، وَالاعْتِدَاءَ كَثِيرٌ، وَقَدْ قَادَ العَالَمَ الْيَوْمَ قَوْمٌ لَا خَلاَقَ لَهُمْ؛ فَلاَ يُقِيمُونَ عَدْلاً، وَلاَ يَمْنَعُونَ ظُلْمًا، وَلاَ يَرْحَمُونَ امْرَأَةً وَلاَ طِفْلاً، يُسَعِّرُونَ الحُرُوبَ لِمَصَالِحِهِمْ، وَيَزِيدُونَ رَفَاهِيتَهُمْ بِعَذَابِ غَيْرِهِمْ، وَيَقْتَاتُونَ عَلَى دِمَاءِ ضَحَايَاهُمْ، وَلاَ ثَبَاتَ إِلاَّ لِمَنْ ثَبَّتَهُ اللهُ -تعالى-.
وَالإِقْبَالُ عَلَى العِبَادَةِ سَبَبٌ لِلثَّبَاتِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "العِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
إخوة الإيمان: كلنا اليوم في آلام الشام، وكلنا اليوم في الأحزان، في أحزان حمص والحولة وحماة وحلب ودمشق.
مآذنُ الشَّامِ تَبْكِي إذْ تُعانِقُنِي *** وللمآذنِ كالأشجــارِ أرواحُ
فاللهم ارحم وتقبل أرواح الشهداء، واحفظ اللهم أرواح الأحياء، والطف اللهم بالرضع والخدج الأبرياء، اللهم رحماك بالثكالى والعجائز والنساء.
لا إله إلا الله! إذ أصبحت الشعوب مغلوبةً على أمرها، ولا تملك إلا أن تنتظر حتفها ومصيرها! لا إله إلا الله! إذ طغى طغيان الطغاة، وانقلبوا على شعوبهم قتلاً وسفكاً وعداء، وأسرفوا في قتل الأنفس ومص الدماء، (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) [الفجر:11-14].
فمنذ سنتين تقريباً آلاف القتلى، منهم النساء والصغار، وعشرات الآلآف من الجرحى والمشردين، وآلاف من المعتقلين والمضطهدين، وطوال هذه المدة ونحن لا يمر يوم إلا والقتلى بالمئات، ونتناقل مشاهد وفظائع وجرائم النظام البعثي النصيري السوري، بعد مباركة الغرب الكافر والشرق الملحد، وبدعم ومشاركة من النظام الرافضي الفارسي.
اجتمع هذا الثالوث الضال على جسد الشعب السوري المنهك المسكين، يقطع الكهرباء والماء عن الأحياء السكنية والمشافي، ويتفنن بكل صور الإجرام القمعي، وبجميع الأسلحة الثقيلة من دبابات وصواريخ وراجمات، تدك المدن والأحياء والبيوت، وعلى رؤوس أهلها أطفالاً ونساء، ومرضى وجرحى وأبرياء، ومن تمكنوا منه تفننوا بذبحه بالسكين، رضيعاً كان أم امرأة أم من المسنين، ففي كل يوم مئات الشهداء والثكالى، وعلى يد مَن يُفترض أنهم القائمون على حمايتهم، وعلى حفظ أمنهم وأرواحهم.
كفرٌ يُريدُ لِأُمَّتِي أَنْ لَا تَرَى *** نُوراً وَأَنْ لَا يُرْفَعَ التَّسْبِيحُ
بل وصل الاستهتار بالشبّيحة وجنود الميليشيات إلى استعراضهم بتصوير اللقطات، وكأنهم بفيلم سينمائي دموي، وهي بكل حسرة حقائق ووقائع من الميدان، فها نحن منذ عامين لا نملك سوى الآهات والدموع، وتناقل مقاطع وصور، دُبجت بتحذير للقلوب الضعيفة ألّا تَرى أو تُشاهد، فكيف بالضحايا؟! كيف بالضحايا؟ ألا يشعرون؟ ألا يتألمون؟.
لا إله إلا الله! مَن لآلامهم ومعاناتهم؟ لا إله إلا الله! من لمشاعرهم وأوجاعهم؟! لا إله إلا الله! من لشعب أعزل مسالم يواجه كل لحظة مجازر جماعية، تُقتلع حناجرهم، وتُقطع أيديهم وأرجلهم، ويُنكل بهم بما لا يتصوره عقل، ولم تره عين في تاريخ الإجرام والتعذيب.
ولو نطق طفل لقال:
إنّا نصيحُ ولا مجيب..
إنا نئنُّ ولا طبيب..
كم من عجوز عاجز لم يرحموه..
كم من رضيع يتّموه..
إن لم يكونوا مزقوه..
كم من صغير من بقايا حقدهم قد عوقوه..
فأين أين المسلمون؟
بل أين بعض المسلمين؟
بل أين أهل الفضل منهم من بقايا الصالحين؟
ما بالكم لا تسمعون؟
ما بالكم لا تنظرون؟
إنا نصيح ولا مجيب..
إنا نصيح ولا مجيب
إنه ليس لهم مجيب، ليس لهم مغيث، إلا واحد. إن المجيب هو وحده الرحيم القريب، هو الذي بيده تصاريف الأمور، إن المجيب هو الله ذو القوة والجبروت، الحي الذي لا يموت، هو الله القاهر الجبار الذي يسمع ويرى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) [إبراهيم:42].
أيها المؤمنون: إن الله -تعالى- يبتلي العباد ليمتحن إيمانهم وصدقهم: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [هود:7، الملك:2]، ومثل هذه الأحداث ليست ابتلاء لأهلنا في سوريا فقط والذين أظهروا صبراً عجيباً؛ إنها سنة الابتلاء لنا نحن أيضاً، ابتلاء لكل مسلم ينبض قلبه بالإيمان الصادق وهو يرى ويسمع حال إخوانه في الشام.
فالله يمتحننا أيضاً: ماذا فعلنا؟ ماذا قدمنا لشعب مسلم بيننا وبينهم روابط قربى ووشيجة رحم ودم، وقبله رابطة الدين واللغة والتاريخ والحضارة والجيرة؟ ماذا قدمنا ونحن نراهم يعانون أبشع أنواع الظلم والتعدي والقتل والفتك والتنكيل والاغتصاب والسرقة وإتلاف الممتلكات وحرق الحرث والزرع؟.
إننا نرى اليوم شام العزة والكرامة تتنفس هواء التوحيد النقي، بعد أن كانت منذ أربعين سنة تئن تحت ظلم الشقي، أبطال سوريا اليوم يعاهدون الله بفك أسرها من عربدة المفسدين، وطغيان المستكبرين، وهذا الدور ليس واجبًا عليهم فقط بل على كل المسلمين.
فإلى جميع المسلمين، إلى كل من في قلبه ذرة من إيمان، إلى أصحاب الأيادي البيضاء: إن إخوانكم في الشام يحتاجون إلى عونكم ومساعدتكم، فهم في أمسّ الحاجة إلى إغاثة عاجلة, وخاصة مع خذلان العالم لهم.
اتقوا الله في إخوانكم، ومدوا لهم يد العون بالمال, ولا تخذلوهم, فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من امرئ مسلم يخذل امرأ مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موضع يحب فيه نصرته, وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وتنتهك فيه حرمته إلا نصره الله في موضع يحب فيه نصرته".
أتراكم مللتم من الحديث عن مصائب المسلمين في بلاد الشام؟ إن كنتم تعبتم من السماع فقد تعبوا هم من التشريد والضياع، وإن تكرر عليكم السماع فقد تكرر عليهم الصراع.
أوَتظنون أنكم لن تسألوا عن هذه الدماء التي تسيل؟ أم تظنون أنكم لن تسألوا عن أعراض تنتهك، وعن طفل صغير يتيم؟ هل شاهدتم المجازر المروعة للنساء والأطفال؟ تضرب رؤوسهم بالفؤوس وتقطع أيديهم وأرجلهم، شبابهم يدفنون وهم أحياء، وآخرون يحرقون بالنار، وآخرون تقطع رؤوسهم بالمناشير بكل وحشية وهمجية.
إننا لا نلوم الغرب [أو] نطالبه بنصرة قضايانا؛ لأن الله قد أخبرنا في القرآن [عنهم]، ولكن؛ مَن يوقظ النيام؟ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [الأنفال:73].
كفرٌ يريد لأمَّتي أن لا ترى *** نُوراً وأن لا يُرفعَ التَّسْبِيحُ
إِنَّ إِخْوَانَنَا فِي الشَّامِ فوق ما هم يعانونه من شِدَّةٍ وَكَرْبٍ وَحَاجَةٍ وَجُوعٍ وَخَوْفٍ لَا يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللهُ -تعالى-، هم يعانون كذلك من برد شديد, برد قتل أطفالهم، وقد رأيتم صورهم في الفضائيات، اجتمع عليهم خوف وجوع وبرد وتشريد؛ فَأَكْثِرُوا لَهُمْ مِنَ الدُّعَاءِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَمُدُّوا لَهُمْ يَدَ العَوْنِ بِمَا تَسْتَطِيعُونَ؛ فَإِنَّ اللهَ -تعالى- سَائِلُنَا عَنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ.
إن مكاتب هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية تستقبل التبرعات من البطانيات فقط، ويشترطون أن تكون البطانيات جديدة، ولها مكتب في خميس مشيط مقابل مركز الشبلي بعد إشارة "هايبر بنده" للقادم من السراة، وفي أبها قبل إشارة سد أبها للقادم من منتزه "أبو خيال".
فبادروا -أيها الإخوة- بمد يد العون لإخوانكم, وَالله إِنَّهُمْ فِي رِقَابِنَا وَنَحْنُ نَرَى صُوَرَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ.
فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ أَنْ تَرْحَمَهُمْ، وَتَجْبُرَ كَسْرَهُمْ، وَتُفَرِّجَ كَرْبَهُمْ، وَتَنْصُرَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ.
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
فاتقوا الله -تعالى- عباد الله.
أيها المؤمنون: حقيقٌ بالأمة أن تعي حالها وتنظر في واقعها لمستقبلها، لقد حقق الأعداء من جراء تخاذلنا كثيرًا من مراداتهم, إن الناشئة في كثير من بلاد المسلمين يزودون عن كتاب الله, دينهم تُعكَّر منابعه, وتاريخهم تُشوَّه مصادره, لا زال هناك وقت ومال وجهد، كثير من شباب الأمة [همّهم] متابعة الكرة, وإقامة الحفلات الغنائية البائسة التي ترقص على جراح الأمة, يضحكون ولا يبكون, ينطلقون إلى المنتديات يلعبون ويتجمعون في أماكن اللهو يعبثون.
أيها المؤمنون: يقول ربكم -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [الصف:10-12]. وإن دعم إخواننا بالمال من الجهاد كما ذكرت الآية.
نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم، ويجعل بذلكم وجهدكم في ميزان حسناتكم.
وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على محمد بن عبد الله...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم