آمنوا وعملوا

الشيخ زيد الشريف

2022-02-18 - 1443/07/17 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/خطورة بدعة الإرجاء 2/حقيقة الإرجاء 3/خطورة إخراج العمل من الإيمان 4/الإيمان قول وعمل 5/الإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة 6/آثار الإرجاء على أمة الإسلام 7/العلم النافع والعمل الصالح أساس النجاة.

اقتباس

إنَّ هذَا المبدأَ الإرجائيَّ سيَنْشُرُ بينَ المسلمينَ إيمانًا وإسلامًا بِلَا هُوِيَّةٍ، إسلامًا يَقُولُ لكَ: إنَّ الصيامَ يُعَطِّلُ الإنتاجيةَ، والزَّكاةَ تُعَارِضُ الحرِّيَّةَ الماليَّةَ، والحدودَ وحشيَّةٌ، والحجَّ همجيَّةٌ، والجهادَ إرهابٌ، والتَّحاكُمَ إِلَى الشَّريعةِ تخلُّفٌ!!! إنَّ هذَا المبدأَ الإرجائيَّ سيَنْشُرَ بينَ الناسِ إسلامًا ممسوخًا، ليسَ لهُ علاماتٌ ولاَ مُرتكزاتٌ....

الخطبة الأولى:

 

أمَّا بعدُ: عبادَ اللهِ: منَ البدعِ الَّتِي تهدِّدُ الأمةَ منْ داخلهَا، وتُقوِّضُ حصونَهَا الراسياتِ: بدعةُ الإرجاءِ، فمَا إنْ أطلَّ الإرجاءُ علَى أُمةِ الإسلامِ؛ إلَّا وفتحَ علَى هذِهِ الأُمَّةِ أبوابًا منَ الانسلاخِ عنْ هذَا الدينِ.. حتَّى لَمْ يَعُدْ يُمَيِّزُ المؤمنَ مِنَ الكافرِ، والحقَّ منَ الباطلِ، وأصبحَ الإسلامُ والإيمانُ لبوسًا فضفاضًا لاَ جوهرَ لهُ، ولاَ حقيقةَ لهُ سوَى التصديقِ باللهِ.

 

عبادَ اللهِ: إنَّ الإرجاءَ يُخْرِجُ مُسمَّى العملِ منَ الإيمانِ، وهذَا مخالفٌ لمقتضَى النصوصِ. وإنَّ مِمَّا يُميِّزُ الشريعةَ أنَّهَا دينُ عملٍ، دينٌ يخاطبُ الروحَ والبدنَ؛ فالإسلامُ والإيمانُ فُرْقَانٌ بينَ الحقِّ والباطلِ، فُرْقَانٌ فِي الاعتقادِ، فُرْقَانٌ فِي الفِكْرِ، فُرْقَانٌ فِي العملِ.

 

لقدِ امتلأَ الكتابُ والسُّنَّةُ بتأصيلِ هذِهِ العقيدةِ السليمةِ: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)[الأنفال 2- 4].

 

وَقَالَ -تعالَى-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا علَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ علَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)[المؤمنون 1- 9].

 

وَقالَ الرسولُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناهَا إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ"(رواه مسلم: 35).

 

إنَّ هذِهِ الآياتِ والأحاديثَ تدلُّ علَى أنَّ الإسلامَ ليسَ نظريَّةً تُدَرَّسُ فقطْ، بلْ إنَّ الإسلامَ والدينَ منهجٌ للحياةِ، فإذَا كانَ الإسلامُ والإيمانُ منهجًا للحياةِ؛ فشرطُ تحقيقِهِ العملُ.

 

إنَّ الإيمانَ بمعناهُ الحقيقيِّ، والذِي هوَ بالقلبِ واللسانِ والأركانِ، إيمانٌ شموليٌّ يبنِي الإنسانَ بناءً متكاملاً، فهوَ يُهذِّبُ الروحَ، ويُقَوِّمُ اللسانَ والجوارحَ والأركانَ.

 

الإسلامُ ليسَ إشراقياتٍ ولا روحياتٍ، وليسَ هذَا الدينُ فقطْ تنظيمًا لصلةِ العبدِ باللهِ، بلْ كمَا أنَّهُ يُنظِّمُ صلةَ العبدِ بربِّهِ، فإنَّهُ يُنظِّمُ صلةَ الإنسانِ بالإنسانِ فِي نفسهِ، فِي أسرتِهِ فِي مجتمعِهِ، بلْ هوَ مُنظِّمٌ لجميعِ شؤونِ الحياةِ، فكيفَ يتجاسرُ القومُ ليجعلُوا هذَا الإيمانَ مجرَّدَ معرفةٍ وعلمٍ واعتقادٍ بالقلبِ.

 

عبادَ اللهِ: لَمَّا أطلَّ الإرجاءُ لَمْ يَعُدْ الدينُ عندَ أصحابِهِ منهجًا للحياةِ، ولاَ أحكامُهُ فرقانًا بينَ الحقِّ والباطلِ.

 

الإرجاءُ فِي أولِ أمرِهِ حينمَا ظهرَ يُعَرِّفُ الإيمانَ بأنَّهُ مُجردُ التصديقِ باللهِ؛ فيُخْرِجُونَ عملَ الإنسانِ منْ مسمَّى الإيمانِ، حتَّى إنهمْ جعلُوا إيمانَ أفسقِ الفُسَّاقِ كإيمانِ أبِي بكرٍ!!

 

فلكَ أنْ تتخيلَ أنَّ الرجلَ إذَا صدَّقَ أنَّ اللهَ رَبُّهُ مُؤمنًا بذلكَ، ونطَقَ بالشهادةِ عندَ بعضِهِمْ، -وإلَّا فإنَّ طوائفَ منهُمْ لَا يشترطونَ حتَّى القولَ باللسانِ-، ولَا يُصلِّي وَلَا يُزكِّي أوْ يَحُجُّ أوْ يصومُ؛ بحيثُ تَرَكَ الفرائضَ بالكليَّةِ، بلْ وفعَلَ الكبائرَ -مِنْ غيرِ استحلالٍ- كالزِّنَا وشُربِ الخَمْرِ والسّرقةِ، وأتَى بالفواحشِ كلِّهَا، فإنَّهُ مُؤمِنٌ، بلْ عَدَّ بَعْضُهُمْ أنَّ إيمانَهُ كإيمانِ أبِي بكرٍ.

 

فإنْ قالَ قائلٌ: ومَا أثَرُ ذلكَ علَى أُمَّةِ الإسلامِ اليومَ؟ فالجوابُ أنَّهُ فَتَحَ أبوابَ شَرِّ عَرِيضٍ علَى الأُمَّةِ، وعلَى شبابِ المسلمينِ بالأخصِّ؛ فهذَا الفكرُ الإرجائيُّ يُؤدِّي إلَى إحداثِ تَمَرُّدٍ علَى الدِّينِ عندَ الشَّبابِ والشَّاباتِ؛ لأنَّهُ يَصْنَعُ فِي عَقليَّةِ المُتمرِّدِ أنَّ تمرُّدَهُ وآثامَهُ لَا تُنْقِصُ مِنْ إيمانِهِ، وَلَا تُخْرِجُهُ عنْ مُسمَّى الإيمانِ. فقطْ يَكْفِي أنْ يُوجَدَ إيمانٌ بالقلبِ!! ماذَا سيجنِي الشابُّ حينمَا يسمعُ هذِهِ المقولةَ بأنَّ الإيمانَ فِي القلبِ، ستكونُ مُحفِّزًا لهُ لولوجِ أبوابِ الشرِّ والمنكراتِ.

 

ويُحْدِثُ الإرجاءُ أبوابًا منَ الطغيانِ والظلمِ، فيُبِيحُ الناسُ لأنفسهمْ التَّحاكُمَ إلَى غيرِ شرعِ اللهِ؛ لأنَّ الإيمانَ بالقلبِ!!

 

ويُحْدِثُ الإرجاءُ فِي الأُمَّةِ أبوابًا منَ الوهنِ والضَّعفِ والذوبانِ؛ فلا فُرْقَانَ عندَ الناسِ بينَ الحقِّ والباطلِ؛ مِمَّا يُسَهِّلُ لَهُمْ أنْ يَذُوبُوا فِي أُمَّةٍ منَ الأُمَمِ، ولقدْ سمعتُ بعضَهُمْ مِمَّنْ يَدَّعِي الإسلامَ يقولُ بِمِلْءِ فِيهِ: "إنَّ المثليةَ لَا تُعارِضُ الإسلامَ"!!، ومَنْ يقولُ: "إنَّ العلمانيةَ لَا تُعارِضُ الدِّينَ"!!. ومَنْ يقولُ: "إنَّ الدِّينَ هوَ المعامَلَةُ فقطْ"!!، فيرَى بعينِ الإرجاءِ أنَّ مَا علَيْهِ أُمَمُ الغربِ هوَ الإسلامُ والدِّينُ!!

 

إنَّ هذَا المبدأَ الإرجائيَّ سيَنْشُرُ بينَ المسلمينَ إيمانًا وإسلامًا بِلَا هُوِيَّةٍ، إسلامًا يَقُولُ لكَ: إنَّ الصيامَ يُعَطِّلُ الإنتاجيةَ، والزَّكاةَ تُعَارِضُ الحرِّيَّةَ الماليَّةَ، والحدودَ وحشيَّةٌ، والحجَّ همجيَّةٌ، والجهادَ إرهابٌ، والتَّحاكُمَ إِلَى الشَّريعةِ تخلُّفٌ!!!

 

إنَّ هذَا المبدأَ الإرجائيَّ سيَنْشُرَ بينَ الناسِ إسلامًا ممسوخًا، ليسَ لهُ علاماتٌ ولاَ مُرتكزاتٌ، إسلامًا نظريًّا لاَ يُكَوِّنُ واقعًا، وَلَيْسَ لهُ أيُّ وُجودٍ سوَى أنْ يقولَ العبدُ: اللَّهُ رَبُّنَا.

 

أَلَمْ يعِ هؤلاءِ أنَّ اللهَ قالَ فِي كتابِهِ: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[الزُّخْرف:72]، وَقَالَ -تعالَى-: (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ)[سَبَأ: 37].

 

باركَ اللهُ لِي ولكمْ..

 

 

الخطبةُ الثانيةُ:

 

عبادَ اللهِ: إنَّ مُرجئةَ العصرِ أخذُوا يتساهلونَ فِي المعاصِي والذنوبِ؛ كبائرِهَا وصغائرِهَا، بلْ إنَّ بعضَ مَنْ يُظْهِرُ الصلاحَ يتساهلُ بذلكَ غايةَ التَّساهُلِ، يفعلُ المعاصِيَ والذُّنوبَ ويتوسَّعُ فيهَا؛ فإذَا نُصِحَ وذُكِّرَ باللهِ؛ قالَ: "نحمدُ اللهَ معنَا التوحيدُ ومعنَا الصلاةُ، لا يضرُّنَا شيءٌ"!!.

 

فمَا أقبحَ هذَا الإرجاءَ!، وهذَا -واللهِ- ليسَ مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ باللهِ، بلْ هذَا منَ الاغترارِ باللهِ، هذَا منَ الجرأةِ علَى محارمِ اللهِ. قالَ ابنُ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنهُ-: "أكبرُ الكبائرِ الإشراكُ باللهِ، واليأسُ منْ روحِ اللهِ، والأمنُ منْ مكرِ اللهِ".

 

وهؤلاءِ همُ الآمنونَ منْ مكرِ اللهِ، لوْ صحَّ توحيدُهُ مَا تجرَّأَ علَى معاصِي اللهِ، ولبَادَرَ بالتوبةِ والاستغفارِ، ولوْ قُبِلَتْ صلَاتُهُ لنَهَتْهُ عنِ الفحشاءِ والمنكرِ، قالَ ابنُ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنهُ-: "المؤمنُ ذنبُهُ علَى رأسِهِ كأنَّهُ جبلٌ يخشَى أنْ يسقُطَ عليْهِ"؛ يخافُ عاقبةَ الذنبِ، "والمنافقُ ذنبُهُ كذُبابٍ وقَعَ علَى أنفِهِ؛ فقالَ بِهِ هكذَا فَطارَ، لَا يُبالِي بالذَّنْبِ".

 

عبادَ اللهِ: فتنةُ المرجئةِ هيَ دينُ المُتْرَفِينَ، دينُ أهلِ الدُّنيَا، إنْ أردتَ ألَّا تَعمَلَ فَلاَ تَعْمَل، وأنتَ مؤمنٌ!!، إنْ أردتَ ألَّا تُصلِّي فلَا تُصلِّي، وأنتَ مؤمنٌ!!، إنْ أردتَ ألَّا تُوحِّدَ فَلَا تُوحِّد، وأنتَ مُؤْمِنٌ!!، مَا أخبثَ هذَا المذهبَ علَى الإسلامِ وأهلِهِ.

 

نحنُ فِي سنينَ خدَّاعَةٍ تَسْبِقُ الدَّجَّالَ، يُصَدَّقُ فيها الكاذبُ، ويُكَذَّبُ فيها الصَّادقُ، ويُخَوَّنُ فيها الأمينُ، ويُؤتَمَنُ فيها الخائنُ، ويَنطِقُ فيها الرُّوَيْبِضَةُ؛ وهُوَ الرَّجُلُ التَّافِهُ الجاهلُ السَّفِيهُ يتكلَّمُ فِي الأمورِ الكبارِ فِي أمرِ العامَّةِ، وَلَا يَتَّبِعُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وأصحابَهُ والتَّابِعِينَ لَهُمْ بإحسانٍ، وَلَا يقتنعُ بِمَا رَضُوا بِهِ لأنفسِهِمْ.

 

فطُوبَى لعبدٍ تَعلَّمَ الإسلامَ، فإنَّهُ كمَا قالَ حذيفةُ: "لنْ يَنْجُو مِنَ الفتنِ إلَّا مَنْ كَانَ يَعْرِفُهَا قبلَ ذَلِكَ"؛ لأنَّهَا مُشتبهةٌ كوُجُوهِ البَقَرِ، تأتِي مِنْ كُلِّ مكانٍ كرياحِ الصَّيْفِ، فِتَنٌ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ، لَمْ يَسْلَمْ منهَا وَمِنَ الغرقِ فيهَا إلَّا مَنْ كَانَ يَعرفُهَا قبلَ ذَلِكَ، وَأحياهُ اللهُ بالعِلْمِ ونفَعَهُ اللهُ بالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ، واشتَرَى الآخرةَ، وَزَهِدَ فِي الدُّنيَا وأَقْبَلَ علَى مَا يَنْفَعُهُ، وَتَقَلَّلَ منَ الفُضُولِ والمُخَالَطَاتِ وَالقِرَاءَاتِ، وَأَقْبَلَ علَى كتابِ رَبِّهِ، وَلَزِمَ عبادةَ رَبِّهِ؛ فهذَا حَرِيٌّ بِهِ أنْ يَنْجُوَ.

المرفقات

آمنوا وعملوا.pdf

آمنوا وعملوا.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات