عناصر الخطبة
1/بداية النجاح وأساسه 2/أهمية غرس الآمال في نفوس الناس 3/تتبُّع أماني الصغار وآمالهم وتوجيهها 4/نماذج وقدوات صالحة من سلف الأمة 5/أولادنا أمانة في أعناقنا 6/مما يعين على استخراج الآمال والأمنيات وتحقيقها.اقتباس
اجلس مع ولدك، وارفع سقف طموحاته، واجعله ينظر لمستقبل دينه ودنياه وآخرته، فأول النجاح أمنية وأمل ثم تغرس هذه الأمنية والأمل، فتغذى، فتكون مشروعًا، فيكون ذخرًا لك بإذن الله، بل أقول: يجب أن يجلس كل واحد منا مع نفسه ليرفع من أملها وآمالها...
الخُطْبَة الأُولَى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأوَّلين والآخرين وقيُّوم السماوات والأرَضين، أرسل رسله حجةً على العالمين ليحيا من حيي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة.
وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، البشير النذير، والسراج المنير، ترك أمته على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات ربي وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما غفل عن ذكره الغافلون، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واستنَّ بسُنَّته إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله: اتقوا الله وأطيعوه، وابتدروا أمره ولا تعصوه، واعلموا أن خير دنياكم وأخراكم بتقوى الله -تبارك وتعالى-؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2، 3]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق: 5]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا)[الأنفال: 29]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
عباد الله: أيها الأب الفاضل والمربي الناجح، يا مريد النجاح، أبعث إليك بكلماتي، إن بداية النجاح خاطرة تغذى فتكون فكرةً، وتقوى فتصبح أملاً، فيعزم الإنسان -بعون الله وتوفيقه- فيكون مشروعًا يخطط له وينظّم له وقته، فيجعله أولوية، ويبدأ وعينه على هدفه حتى لا تؤثر فيه العقبات، ولا تتخطفه بنيات الطريق، فطريق النجاح ليس مفروشًا بالورود، ولن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر، ولكن حلاوة النجاح والتوفيق ولذته عظيمة يعرف طعمها الناجحون.
فيا من عزم وخطط، استعن بالله ولا تتردد في البداية، ولا تتطلب الكمال الكبير، فلربما تكامل مشروعك في أثناء الطريق، المهم المهم أن تبدأ.
وإن مما يعين على رفع آمالنا وسقف طموحاتنا وطموحات من تحت أيدينا زراعة الآمال في نفوس الناس وتتعرف على طموحات الناس إمَّا بكلامهم أو بمنجزاتهم، فابنة صغيرة تكمل حفظ كتاب الله -جل وعلا-، وهي في الثامنة من عمرها وتُكرَّم في حفل بهيج، مشروع صلاح فتاة، ما أجمل أمنيتها! وما أكرم من رباها ورفع سقف طموحاتها! فحفظت كتاب ربها وهي ابنة الثامنة من عمرها.
تُذكّرك بأسلاف الأمة؛ فالشافعي الإمام -عليه رحمات الله متتابعة- حفظ القرآن في السابعة، وحفظ موطأ الإمام مالك في العاشرة، لتبرهن لنا هذه الفتاة الفاضلة أن أمة الإسلام أمة وَلُود، فاللهم ارض عنها وارض عمن ربَّاها وغرس فيها حبّ كتاب الله -جل وعلا- وثبِّتها يا ربنا، واحفظها من بين يديها ومن خلفها.
وهذا مثال من أمثلة وخبر من أخبار.
عبد الله، إن تتبُّع أماني الصغار وآمالهم وتوجيهها هو سبيل من سُبُل رسم المستقبل، هل تعرفون المرأة الكريمة العالية بنت شريك بن عبدالرحمن الأسدية التي حبَّبت لابنها الإمام مالك العلم صغيرًا، فألبسته لباس العلماء وحُلَّتَهم، وذلَّلت له الصعاب، واختارت شيخه المناسب وهو الإمام ربيعة بن عبدالرحمن، وقالت: "اذهب إلى مجلس ربيعة انظر سمته وأدبه"؛ فكان شغوفًا بالعلم؛ فحفظ القرآن وأخذ الحديث حتى أصبح إمام دار الهجرة.
جلس للفتوى وهو ابن سبع عشرة سنة، بعد أن شهد له سبعون عالمًا أنه للفتوى أهل، هذا دور الوالد والوالدة والمربي يُحْسِن التوجيه لترتفع سقف الطموحات والأمنيات.
واسمع لخبر أم زيد بن ثابت -رضي الله عنها وعن ابنها وعمن ترضَّى عنها-؛ عاد زيد مرة حزينًا فقد ردّه حبيبه -صلى الله عليه وسلم- عن الجهاد لصغر سنه، عاد حزينًا إلى أمه؛ لأنه لم يكن في مصافِّ الرجال فيكون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتأتي أمه فتفتح له آفاقًا جديدة في مجال آخر يحسنه، وقلما يحسنه غيره، وهو العلم والقراءة والنبوغ فيه، فوجَّهته لذلك، فكان من كَتَبة الوحي، وحين أراد أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- جَمْع القرآن أوكل لهذه المهمة الصعبة زيد بن ثابت، وكان عمره ثلاثًا وعشرين سنة.
وإني لأتساءل -وحُقَّ لي ولكم أن تتساءلوا-، وإني لأتساءل عن أسامة بن زيد، وماذا غُرس فيه من الشجاعة والرجولة حتى أصبح مؤهلاً لقيادة جيش فيه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو ابن سبع عشرة سنة والذي اختاره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
يا مريد النجاح لنفسه ولولده ولمن تحت يده كما يجب أن ترعى هذه الأماني بعد غرسها في نفوس الأولاد وفي نفوس أنفسنا ونذلل الصعاب قدر ما نستطيع ونوجّه للصبر، فهذا ابن عباس -رضي الله عنه- وعن أبيه سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير المربين الدعوات الصادقة: "اللهم فقِّهْه في الدين وعَلِّمْه التأويل"، فجعل ذلك منهج حياة له، فحرص على العلم وتعلُّمه وقت وفرته، ولم يُؤثِر الدعة والراحة.
واسمع ما يقول عن نفسه وحرصه على طلب العلم، قال: لما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت لرجل من الأنصار: يا فلان، هلمَّ فلنسأل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبًا لك يا ابن عباس، أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ترى!
هؤلاء المُثبِّطون موجودون في كل زمان، فتركه -رضي الله عنه- وأقبل على المسألة يقول: فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائل، فأتوسَّد ردائي على بابه، فتسفي الريح على وجهي التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله، ما جاء بك؟ ألا أرسلت إليَّ فآتيك؟! فأقول: أنا أحق أن آتيك، فأسأله عن الحديث قال: فبقي الرجل حتى رآني، وقد اجتمع الناس عليَّ فقال: "كان هذا الفتى أعقل مني".
ما أجمل أن يُورث في الصغار إجلال أهل العلم وعدم التكبر أو ازدراء الناس! فالعلم لا يناله مستحٍ ولا مستكبر.
إن من الأخطاء التي نمارسها باستمرار حين يأتي الولد شاكيًا لمعلمه أن يحقر المعلم أمام الولد، فبالله عليك كيف سيأخذ الولد ممن يحقره؟
ومما يعين على استخراج الآمال والأمنيات وتوجيهها أن تطرح سؤالاً على نفسك وتطرحه على جلسائك، وخصوصًا ذريتك وزوجك، ففي دار من دور المدينة جلس عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى جماعة من أصحابه فقال لهم: تمنوا؛ لأن الأماني تخرج ما في النفوس، فقال أحدهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبًا وفضة فأنفقه في سبيل الله، ثم قال: تمنوا، فقال آخر: أتمنى لو أنها -أي الدار- ملئت لؤلؤ وزبرجد فأنفقه في سبيل الله وأتصدق به، ثم قال تمنوا، فقالوا ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين، فقال عمر: ولكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله.
ما أعظمها من تربية سماع للأمنيات وطلب للاستزادة! مما يجعل الجالس يشعر بمنزلته، فالإنسان إذا شارك في المجلس شعر بمنزلته، وهو ما نحتاج إليه اليوم؛ أن نُشعِر أولادنا بأهميتهم، فنسمع كلامهم، ثم نشاركهم ونتمنى مثل ما تمنوا.
فبالله عليك اجلس مع ولدك وارفع سقف طموحاته، واجعله ينظر لمستقبل دينه ودنياه وآخرته، فأول النجاح أمنية وأمل ثم تغرس هذه الأمنية والأمل، فتغذى، فتكون مشروعًا، فيكون ذخرًا لك بإذن الله، بل أقول يجب أن يجلس كل واحد منا مع نفسه ليرفع من أملها وآمالها، والبعد كل البعد عن مواطن الراحة، فالإنجاز له طعم فريد، فلا يصح لعاقل يكون يومه مثل أمسه، ولا يخطط لغده ليكون أفضل من يومه لا سيَّما ونحن نعلم علم اليقين أن كل يوم نصبح فيه يباعدنا من الدنيا ويُقرِّبنا للآخرة، فلا نغفل عن هذه الحقيقة.
وهذا صنيع الناجحين، فهذا ربيعة الأسلمي -رضي الله عنه- كان يقوم على خدمة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال له النبي مرة: "سَلْني يا ربيعة أعطِك؟"؛ فقال: أنظرني أنظر في أمري يا رسول الله، فنظر في الدنيا فإذا هي زائلة ولا تستحق أن يكون فيها الأمنية، ثم سأله النبي مرةً أخرى فقال: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: "أو غير ذلك؟" قال: بل هو ذلك، قال: "فأعني على نفسك بكثرة السجود".
توجيه للأمنية، فلما كانت غالية لزم أن يكون لها عمل، فكان التوجيه النبوي الكريم "أعِنِّي على نفسك بكثرة السجود".
وهذا عمر بن عبدالعزيز خامس الخلفاء الراشدين ما الذي أوصله لما أوصله إليه؟! فها نحن نذكر اسمه بعد سنين من وفاته، اسمع لوصفة النجاح التي يحتاج إليها كل مريد للنجاح من قوله -رحمه الله- قال: "إن لي نفسًا توَّاقة، وما حققت شيئًا إلا تاقت لما هو أعلى منه"؛ هذه سمة الناجحين هم ينتقلون من نجاح إلى نجاح، يقول: "تاقت نفسي إلى الزواج من ابنة عمِّي فاطمة بنت عبدالملك فتزوجتها، ثم تاقت نفسي إلى الإمارة فوليتها، وتاقت نفسي إلى الخلافة فنلتها، والآن تاقت نفسي إلى الجنة؛ فأرجو أن أكون من أهلها".
آمال متدرجة يسعى الإنسان في تحصيلها.
يا عبد الله، إلى كل مسلم تاقت نفسه إلى الجنة: ابدأ الآن ولا تتردد، ولا تقل: فات القطار، وكبرت السن، وكثرت الأشغال، فإليك مجموعة من الأخبار علَّها تحفزنا جميعًا، وهذه الأخبار في زماننا، ليست في زمان الصحابة وإن كانوا قدواتنا لنقول أولئك الصحابة ومن يصل إلى ما وصلوا إليه، وهذا خطأ كبير فلا بُدَّ أن تكون أعيننا على فعل الصحابة وأعمالهم حتى نرتقي كما ارتقوا ولكن تنزلاً أقول: رجل كريم يخبر عن جدته يقول: حفظت كتاب الله وهي ابنة ستين سنة، وهي لا تعرف القراءة والكتابة مستعينة بربها -جَلَّ جلاله- ثم بالوسائل الحديثة، فأين الشباب والشابات؟!
وهل سمعت بأكبر خاتمة كان من المفترض أن تكرم في حفل الخاتمات؛ بلغت من العمر 76 سنة؛ كابدت وصبرت وصابرت حتى تحقق مُناها فكرت وقررت وعزمت وتوكلت واجتهدت وحفظت واختبرت فتجاوزت وبعد شهرين انتقلت إلى جوار ربها ليكون- بإذن الله وتعلقًا برحمة ربنا وحسن ظن بالله تبارك وتعالى ولا نزكي على الله أحدًا- تكريمها هناك كأعظم تكريم وأجلّ ذاك الموقف العظيم ويا ليتني ويا ليتك تصغي سمعك علّك تسمع نفسك أو تحاول أن تسمع ذاك النداء العظيم حين يُقال لقارئ القرآن: "اقرأ ورتِّل وارتَقِ كما كنت تُرتِّل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها".
والمقصود -والله أعلم- أن في هذا تكريمًا لصاحب القرآن وبيان علو منزلته، فمن كان مع القرآن في الدنيا قريبًا كان القرآن له أقرب، ومن كان بالقرآن في الدنيا حفيًّا كان القرآن له في الآخرة حفيًّا، فهو الشفيع الذي لا يخذل صاحبه يوم القيامة.
وامرأة كريمة ترسل رسالة لأصحاب الشغل والهموم فهي أخصائية في أورام الأطفال وكذا أكاديمية في أحد الجامعات ترسل رسالةً واضحةً؛ ألا شيء أعظم من كتاب الله -جل وعلا-، فتخطط لحفظه فتحفظه، رسالة لمن يقول: كبرنا في السن فكيف نحفظ كتاب الله -جل وعلا-!
وصدق من قال: اشتغلنا بالقرآن فغمرتنا البركات والخيرات في الدنيا، ونرجو به عفو الله ومغفرته والقرب منه -جَلَّ جلاله- في الآخرة.
وأدعوك إلى أن تسمع هذه الأمنية العظيمة من فتاة في الحادية عشرة من عمرها.. آمال الصغار ترسم حياتهم بل حياة الناس من بعدهم.
إن تعجب فاعجب لفتاة لم تجاوز الحادية عشرة من عمرها تتكلم عن آمالها وأمانيها فتقول بصوت مرتفع مرتعد يملأه الخشوع والهيبة: "أريد أن أحفظ القرآن كاملاً" تحرك مع كلماتها كل ساكن فانتفضت، ما أعجب من همتها وأمنيتها إلا سببها! فتقول عن سبب أمنيتها: قد رباني أبي وأمي أحسن تربية وتعبا عليَّ كثيرًا وهما لا يحتاجان إليَّ في شيء، ولا بد من رد الجميل أن أحفظ القرآن الكريم كاملاً كي أُلبس والدَي تاج الوقار فأدخلهما الجنة.
يا الله!! ماذا غُرس في هذه الفتاة في صغرها لترتقي بأمانيها وآمالها؟! نعم التربية ونعم الطموح، في رسالة إلى كل والد احرص على ولدك؛ فهو ذخر لك في دنياك وآخرتك، وأنت أنت، هل فكرت في رد جميل والديك؟! لا تعتذر بشيء، وأعظم رد للجميل هو صلاحك "أو ولد صالح يدعو له".
وابنتان صغيرتان في المرحلة الابتدائية توفي أحد والديها ثم بعد زمن لحقه الآخر فتتعجَّب معلمتهما من حرصهما ومحافظتهما للحضور في دور التحفيظ فتسأل عن سبب حضورهما مع أن لا والد ولا والدة تجبرهم على الحضور، فتجيب تلك الفاضلة المربَّاة على كتاب الله وسنة رسول الله: تريدين أن يُعذب أبي في قبره أن لم يحسن تربيتنا!
وأُمّ كريمة تسكن في شمال الرياض تذكرنا بأم الإمام أحمد -رحمه الله ورحمها-؛ تخرج والديها لصلاة الفجر فهي تخاف عليهما ثم تعود وعلى قرب نهاية الفجر تعود مرة أخرى إلى المسجد لتأخذهما، ما أجمل هذا الغرس! والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
أولادنا أمانة في أعناقنا؛ فأجملوا الغرس -عباد الله-؛ فوالله إن أولادكم سيحمدون شدتكم عليهم إذا كبروا وتذكروا.
وأخيرًا أقول وأذكركم بالمعتصم لم ينل من التعليم مثل ما نال أخواه، قال له أبوه مرة يسأله عن صديقه قال: مات واستراح من الكُتَّاب، فجعل الوفاة أرحم من جلوسه في الدرس مع الكُتاب فترك له الحبل على غاربه، وجعل له ما أراد، ولما كبر كان يلحن في الكلام، وكان هذا معيبًا لكنه بم تذكر أباه؟! قال: أضرّ بنا حبّ هارون.
عَلِّم ولدك القرآن والقرآن يعلمه كل شيء (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)[ص: 29].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله: كل يوم جديد يُقرّبنا للقاء الله -جل وعلا- فأحسن الاستعداد للقاء، وتجمَّل بزين الأعمال، وارفع سقف الطموحات، علَّك أن نكون من الفائزين.
اللهم اجعلنا مُعظِّمين لأمرك، مؤتمرين به، واجعلنا معظمين لما نهيت عنه منتهين عنه، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تعز الإسلام والمسلمين، وأن تذل الشرك والمشركين، وأن تدمّر أعداء الدين، وأن تنصر من نصر الدين، وأن تخذل من خذله، وأن توالي من والاه بقوتك يا جبار السماوات والأرض.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى.
اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود، وجازهم خير الجزاء، اللهم اقبل من مات منهم، واخلفهم في أهليهم يا رب العالمين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واجمع كلمتهم على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم بواسع رحمتك وجودك وإحسانك يا ذا الجلال والإكرام اجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحومًا، وتفرُّقنا من بعده تفرُّقًا معصومًا.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وجازهم عنا خير الجزاء، اللهم من كان منهم حيًّا فأطل عمره وأصلح عمله وارزقنا بره ورضاه، ومن سبق للآخرة فارحمه رحمةً من عندك تغنيهم عن رحمة من سواك.
اللهم ارحم المسلمين والمسلمات، اللهم اغفر لأموات المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، اللهم جازهم بالحسنات إحسانًا، وبالسيئات عفوًا وغفرانًا، يا رب العالمين.
اللهم احفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك، ووفِّقْنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك.
اللهم أصلحنا وأصلح ذريتنا وأزواجنا وإخواننا وأخواتنا ومن لهم حقٌّ علينا يا رب العالمين.
اللهم ثبتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين، اللهم كن لإخواننا المسلمين في كل مكان، اللهم كن لهم بالشام وكل مكان يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الصمد تصمد إليك الخلائق في حوائجها لكل واحد منا حاجة لا يعلمها إلا أنت، اللهم بواسع جودك ورحمتك وعظيم عطائك اقضِ لكل واحد منا حاجته يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا في جمعتنا هذه أجمعين يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وجازهم عنا خير ما جزيت والدًا عن والده، اللهم كان منهم حيًّا فأطل عمره وأصلح عمله وارزقنا بره ورضاه، ومن كان منهم ميتًا فارحمه برحمتك التي وسعت كل شيء وجميع أموات المسلمين يا أرحم الراحمين.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180 - 182]؛ وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم