آفة المخدرات: الأسباب والمآلات وطرق العلاج

عبدالله الجهني

2023-05-05 - 1444/10/15 2023-05-06 - 1444/10/16
عناصر الخطبة
1/لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل 2/الدور المشرف لبلاد الحرمين الشريفين تجاه أهل السودان 3/من أعظم نعمة على الإنسان نعمة العقل 4/فساد وضلال من يغيب عقله بالمخدرات 5/الآثار المدمرة للمخدرات وعواقبها الوخيمة 6/ضرورة التكاتف لمحاربة المخدرات

اقتباس

إنَّ ممَّا يُساهِم في القضاء على هذه الآفة الخطيرة توعيةَ المجتمع بأضرارها، وحثّهم بعدم التساهل في الإبلاغ عن مُروِّجيها ومتعاطيها، وكذلك مراقَبة الآباء للأبناء بتوعيتهم وتحذيرهم من مرافقة أصدقاء السوء، وأن يكونوا متعاونين في الحد من انتشارها، بالتحذير وإبلاغ الجهات المختصَّة...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ نبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وأحسنَ الهديِ هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ مُحدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

 

وأوصيكم وإيَّاي بتقوى الله -عز وجل-؛ فما جاع مَنْ تزوَّد بزادها، ولا عَرِيَ مَنِ اكتسى بلباسها، ولا خاب مَنْ تجمَّل بجَمالها، ولا خَسِرَ مَنِ اتَّجَر ببضاعتها، فاتقوا الله في سركم وعلانيتكم؛ فإنَّه يراكم ويسمع كلامكم، ويعلم ما تُكِنُّه صدورُكم وما تعلنونه، واعلموا هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمَنْ عرَفَها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، وقد جعَلَها اللهُ دارَ بلوى، وجعَل الآخرةَ دار عُقبى، فجَعَل بلاءَ الدنيا لعطاء الآخرة سببًا، وجَعَل عطاءَ الآخرة من بلوى الدنيا عِوَضًا، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي.

 

أيها المسلمون: إِنَّ مِنْ محاسن دين الإسلام وفضائله العظيمة ومقاصده العالية، الاعترافَ بالفضل للمتفضِّل، وبالجميل لفاعله، والحثَّ على مجازاة الإحسان بالإحسان، ومقابَلةِ المعروفِ بالمعروف، كما يقتضي ذلك العقلُ القويمُ، والفطرةُ السليمةُ والشِّيَمُ الكريمةُ، وعلى مدار الأيام الماضية تجلَّت -بوضوحٍ- جهودُ حكومة المملكة العربيَّة السعوديَّة بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وسموّ وليّ عهدِه الأمينِ -حفظهما الله- وكلِّ الجهاتِ المعنِيَّةِ في البلاد بقيامهم بالدور الإنسانيّ والدبلوماسيّ تجاهَ الإخوة في السودان الشقيقة؛ ما انعكَس -بدوره- في النجاح الاستثنائيّ لعملية إجلاء رعايا عدد من الدول الإسلاميَّة والصديقة، وطواقم الدبلوماسيينَ والمسؤولينَ والعاملينَ في المنظَّمات الدوليَّة، واللهُ -عز وجل- يختار من عباده دعاةَ خير، وسعاةَ إصلاح، يَجمَع اللهُ بمساعيهم الكلمةَ، ويُؤلِّف بجهودهم القلوبَ، تَرجِع إليهم الأممُ في أزماتها، وتستعينُ بالله ثم بهم في محنتها، تأخذ منهم الرأيَ السديدَ والتوجيهَ الرشيدَ، والنصحَ المفيد، وهذه نعمةٌ من الله وفضلٌ يَهَبُها لمن يشاء من عباده، والإصلاح بين الناس من أجَلِّ الأعمالِ، وأكرمِ الخصالِ، وأشرفِ المقاماتِ، فجزى اللهُ خادمَ الحرمين الشريفين وسموَّ وليِّ عهدِه الأمينَ، عن بلادهما وعن شعبهما وعن الإسلام والمسلمين أجرًا عظيمًا وخيرًا كثيرًا، نتضرع إلى الله -عز وجل- أن يحمي السودان، وأن يوفق أهله ويحقن دماءهم، وينصرهم على من بغى عليهم؛ إنَّه ولي ذلك والقادر عليه.

 

أيها المسلمون: إن من أكبر نِعَم الله -عز وجل- على الإنسان، نعمة العقل الذي تُدرَك به الأمورُ وحقائقها، ومعرفة النافع منها والضار، وبالعقل تَميَّز الإنسانُ على كثير من المخلوقات، وعلى العقل مدارُ الأمور كلها، ولهذا تعلق به التكليف الشرعي؛ فبالعقل يعرف الإنسان الأمر من النهي، والحق من الباطل، وتدرك به عواقب الأمور، وأسبابها ومسبِّباتها ونتائجها؛ لذلك فإنَّه مطلوب من الإنسان أن يستعمل هذه المواهب الإلهية فيما خلقت له، وأن يستدل بها على ما ينفعه في الدنيا والآخرة، ويعرف بها من يضره فيجتنبه، والحقيقة أن العقل هو جوهر الإنسان، وأغلى ما عنده، تميز به عن الحيوان؛ فلو أن إنسانًا حصل عنده بعض الذهول في عقله في بعض الأحيان لبذل كلَّ ما يَملِكُ وكل ما في وسعه للعلاج؛ لإزالة ما ينتابه في عقله، ولو كان وقتًا قصيرًا، ولو انتاب عقله في السنة مرة واحدة؛ أليس هذا بصحيح؟! إِذَنْ فما بالُ أقوام يشترون لأنفسهم، ويستعملون بأنفسهم ما يُخِلّ بعقولهم؛ وذلك باستعمال المخدِّرات، أليس الإنسان إذا تعاطى غاب عن شعوره، وأصبح كالمجنون يهذي بالكلام القبيح، وقد يَسُبّ نفسَه أو يسبّ اللهَ -عز وجل-، أو يسبّ والديه أو محارِمَه أو أحدًا من المسلمين؟ أليس إذَا تعاطى المخدِّرات لا يدري ماذا يفعل، وقد يقع في المحرمات، ويُتلِف الأموالَ، ويقتل النفسَ المحرمةَ بدون حقٍّ، وقد يعتدي على أقربِ قريبٍ له، وأحبِّ حبيبٍ لديه، وهو لا يدري؛ لأنَّه قد غاب عن عقله وشعوره؟! أليس هذا المتعاطي للمخدرات يُعرِض عن ذِكر اللهِ -تعالى- وعن الصلاة فمتى ينتهي عن تعاطيه؟! وهذه كلُّها جرائمُ وآثامٌ وأخطارٌ تُسبِّبها هذه المخدِّراتُ؛ لذا حُرِّمت في كتاب الله -تبارك وتعالى-، وفي سُنَّة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، والجديد في هذا الشأن في عصرنا الحديث هو ما اكتشف من نوع جديد من أنواع المخدِّرات، يعرف بمخدر "الشبو"، أو بما يُعرَف بالكريستال، وهذا النوع يُسمَّى بـ"شيطان المخدِّرات"؛ لأنَّه أخطرُ صُوَر الإدمان التي انتشرت مؤخَّرًا، يقول المختصُّون: "إن سرعةَ إدمان مخدر الشبو تفوق سرعةَ إدمان الكوكايين أو الحشيش، أو غيرهما من المخدِّرات، وتؤثِّر على بِنيَةِ الجسمِ والنفسِ، حالَ تأثُّر الجهاز العصبيّ وباقي أجهزة الجسم، وأعداءُ الإسلامِ وضعافُ النفوسِ وأعوان الشيطان يحاولون إغراقَ الشعوب الإسلاميَّة بما يَفُتُّ في عَضُدِ شبابها، ويُبعدِهم عن جادَّة الصواب، وعن التمسُّكِ بدينهم الحنيف؛ لذا كانت جهودُ قيادة المملكة العربيَّة السعوديَّة، سبَّاقةً في محاربة المخدِّرات، والعمل على مكافحتها بكل الطُّرق والوسائل المساعِدة في مكافحتها وإضعافها، بل في جَعْل المجتمع خاليًا من هذه الآفة الخطيرة التي تُدمِّر الوطنَ ومكتسَباتِه، أجارَنا اللهُ وإيَّاكم منها.

 

ويظهر ذلك الاهتمامُ في مكافحة هذه المخدِّرات، والحدّ من انتشارها، من خلال رئاسة سمو ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان -نصَرَه الله- للجنة مكافَحة المخدِّرات، فإنَّنا نرى في هذه الأيام بدايةَ حملة أمنيَّة وطنيَّة كبيرة لمكافَحة المخدِّرات، بصلاحيتها الجديدة بمتابَعة وإشراف من مقام سمو ولي العهد -حفظه الله-.

 

وإنَّ ممَّا يُساهِم في القضاء على هذه الآفة الخطيرة توعيةَ المجتمع بأضرارها، وحثّهم بعدم التساهل في الإبلاغ عن مُروِّجيها ومتعاطيها، وكذلك مراقَبة الآباء للأبناء بتوعيتهم وتحذيرهم من مرافقة أصدقاء السوء، وأن يكونوا متعاونين في الحد من انتشارها، بالتحذير وإبلاغ الجهات المختصَّة، حفظ اللهُ الآباء والأمهات والأبناء من مُنكَرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء، ونسأل الله -عز وجل- بمنه وكرمه أن يجزي ولاة أمورنا خير الجزاء وأوفاه، على ما يقومون به من ضربات استباقيَّة، ومن جهود مباركة ملموسة من أجل الحفاظ على شبابنا، وبلادنا، من هذه الآفة الفتاكة، كما أسأله أن يحفظ بلاد المسلمين في مكان من الشرور والآثام.

 

قلتُ ما سمعتُم، وأستغفِر اللهَ العظيمَ لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفِروه، إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ لله ربِّ العالَمِينَ، والعاقبة للمتقين، ولا عُدوانَ إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسَلينَ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعدُ: فاتقوا الله -أيها المسلمون-، وانظروا ما حولكم وما في العالَم من فتن واضطرابات وزعازع، وتأمَّلوا أسبابَها وبواعثَها، ثم انظروا في واقع الفرد والجماعة فيما بينكم واتقوا الله في أنفسكم، وفي أمتكم، وفي أوطانكم؛ (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الْأَنْفَالِ: 25]، فسعادة الأمة وكرامتها وعزتها تعتمد على عقيدتها، وعلى أخلاقها وفضائلها.

 

عبادَ اللهِ: إن الله -تبارك وتعالى- أمرَنا بالصلاة والسلام على رسوله فقال قولًا كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلْيُصَلِّ عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا".

 

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارضَ الله عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين، الذين قَضَوْا بالحق وبه كانوا يعدلون؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية الصحابة أجمعينَ، وأهل بيته الطاهرين، وعن التابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارضَ عَنَّا معهم بمنكَ وإحسانك يا أرحم الراحمينَ.

 

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذِلَّ الشركَ والمشركينَ، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنا، وأيِّدْ بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقْه لهُداكَ، واجعل عملَه في رضاكَ، اللهم وفِّقْه ووليَّ عهده لما تحب وترضى، وخُذْ بناصيتهما للبر والتقوى، اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين، للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

اللهم أنتَ اللهُ لا إلهَ إلا أنتَ، أنتَ الغنيُّ ونحن الفقراء إليكَ، أنزِلْ علينا الغيثَ ولا تجعَلْنا من القانطينَ، اللهم اسقِنا وأغِثْنا، اللهم إنا نستغفركَ إنَّكَ كنتَ غفَّارًا، فأرسِلِ السماءَ علينا مدرارًا.

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمه يَزِدْكُمْ، ولذكرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعونَ.

 

 

المرفقات

آفة المخدرات الأسباب والمآلات وطرق العلاج.doc

آفة المخدرات الأسباب والمآلات وطرق العلاج.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات