آداب وضوابط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-12 - 1444/03/16

اقتباس

ولاشك أن ميدان وسائل التواصل الاجتماعي عالم مليء من الاحتكاك بالناس بمختلف الأذواق والأديان والألوان والأفكار، وهي من أهم الوسائل والأدوات القادرة على مخاطبة الناس وربط بعضهم بعضا

 

بقلم: د. سعد الله المحمدي

 

الإسلام دينُ الخلُق الرفيعِ والأدبِ العالي، يستمدّ قوّته من الوحي.. ونضارته من السّماءِ.. وضعَ أسسًا متينة.. وقواعد واضحة للتعامل مع الناس بمختلف أطيافهم وشرائحهم، وبيّن أن الكلمة أمانةٌ ومسؤوليةٌ.. واهتمّ بتحرّي الصدق.. والتّحلي بالفضيلة.. ونشر القيم والاعتدال، وحثّ على الرحمة والرفق.. والرأفة واللين حتى مع أشدّ المخالفين وأكثرهم عداوة، كما منع من المبالغات في الحديث والتكلّف في الكلام، والتفاخر بين الناس في الأنساب.. والعصبية القبليّة، وحذّر من الرياء والسّمعةِ، ومواطن الشُّبَهِ والزّلل.. والتحريض وإثارةِ الفِتَنِ.. ودعا إلى قبول النّصيحة وغضّ البصر عن الحرام، ووضع ثوابت للاحترام المتبادل بين الناس، وحرّم التشهير بالآخرين وإشاعة الجرائم والفواحش في المجتمع.

 

ولاشك أن ميدان وسائل التواصل الاجتماعي عالم مليء من الاحتكاك بالناس بمختلف الأذواق والأديان والألوان والأفكار، وهي من أهم الوسائل والأدوات القادرة على مخاطبة الناس وربط بعضهم بعضا، وهناك آداب وضوابط.. وأصول وقواعد مستوحاة من الشريعة الإسلامية الغراء يلزم مراعاتها خلال استخدام هذه الوسائل والشبكات التي أصبحتْ الشّغل الشاغل للناس في العصر الحاضر، ليتمّ استثمارها في مجالات الخير والصلاح وتماسك الأسرة والأمة والحفاظ على أمنها واستقرارها، ومن هذه الآداب:

 

1- مراعاة أمانة الكلمة واستحضار مراقبة الله تعالى عند النشر، والتغريد، لأن الكتابة مسؤولية وأمانة، يقولُ الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّم» صحيح البخاري: 6478

ويقول الشاعر:

وللصمتُ خيرٌ من كلامٍ بمأثمٍ

فكنْ صامتًا تسلمْ وإِن قلتَ فاعدلِ

 

2- تحرّي الصّدق في الكتابة والدّقة في نقل المعلومة، لأن المعلومةَ عبر هذه الوسائل تصلُ إلى الناس بسرعة البرقِ، قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدًى، كان له من الأجرِ مثلُ أجورِ من تبِعه،لا يُنقِصُ ذلك من أجورِهم شيئًا. ومن دعا إلى ضلالةٍ، كانَ عليهِ من الإثمِ مثلُ آثامِ من تبِعه، لا يُنقِصُ ذلك من آثامِهم شيئا» صحيح مسلم: 2674

 

3- التأكد من الأحكام الشرعية وصحّة الأحاديثِ قبل نَشْرها بالرجوع إلى أهل العلم أو المواقع الموثوقة والمتخصّصة، مثل موقع هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، ومواقع لبيان درجة الحديث كالدرر السّنية الحديثية، وملتقى أهل الحديث وغيره من المواقع المعتمدة.

 

4- الاجتناب عن المبالغات وتضخيم الأحداث، حيث إن بعض الناس من عادتهم تضخيمُ الشيء وتكبير الحدث البسيط من دون تأكيد من جهة مسؤولة، وذلك حرصا على السبق الإعلامي كما يقولون، وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك في قوله: «كفى بالمرءِ كذبًا أنْ يحدِّثَ بكلِّ ما سمِعَ» الألباني، صحيح الجامع:4482

 

5- التجنب من الوقوع في الرياء والسُمعة والتفاخر وتمجيد النّفس خلال استخدام هذه الوسائل، وعدم الاغترار والتباهي بالتعليقات المادحة، والثناء المبالغ فيه، والمدح الكاذب، أو كثرة المتابعين فكلّهم سيكونون شهداء لك أو عليك.

 

6- عدم الانشغال عن أداء الطاعات والعبادات باستخدام هذه الوسائل خلال مناسك العمرة والحج وغيرهما من العبادات، فمثلا يرى مجموعة من الحجاج في يوم عرفة حيثُ يعتق الله الرقاب من النار، منشغلين بالتصوير والتغريدات ومشاركة صورهم عبر الفيس بوك والتويتر والانستغرام والتليغرام وأخواتها، كما أنه يُرى وللأسف كثير من الشباب في المساجد منشغلين عن المصاحف بالأجهزة الذكية أو الغبيّة إن صحّ التعبير.

 

7- مراعاة الستر على المسلمين، والاجتناب عن نشر خصوصياتهم، لحديث: «مَن سترَ مُسلِمًا سترَهُ اللَّهُ في الدُّنيا والآخِرةِ» الألباني، صحيح ابن ماجة: 2078

 

8- اغتنام الأجر والثواب عند الله تعالى بتوظيف هذه الوسائل في نشر الخير والتعاون على البر والتقوى وتبليغ الناس الأحاديث الصحيحة ودعوتهم إلى التأسي بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي يقول: «بلِّغوا عنِّي ولو آيةً» صحيح البخاري: 3461.

 

9- التوبة إلى الله تعالى، والتراجع عن نشر الخطأ على نفس المجموعات والوسائل التي تم نشر المشاركة عليها، وإخلاص النية لله تعالى في كل ما تنشره على صفحاتك لأن النية أساس قبول العمل.

 

10- التدرج في النصيحة وهي: أن تبدأ نصيحتك في السرّ وعلى الخاص، فإن عاد من نصحته إلى المنكر فانصحه علنًا بأدبٍ وموعظةٍ حسنة، ولا تحاول كسب كلّ المواقف دائما.

 

11- نسبة الفضل إلى أهل الفضل في حالة النشر، ومراعاة احترام الملكيّة للمحتوى الرقمي وهو وإن كان شيئا غير ملموس لكن ملكيته تعود إلى شخص ما، فمن الآداب أن تشير إليه ولا تبخسه حقّه.

 

12- عدم النشر أو التغريد في حالة الانفعال والغضب والتوتر والقلق لأنها تعكّس صورة سلبية عنك، وربما تنشر شيئا وتندم عليه بعد قليل، واعلم أن كلّ تعليق من تعليقات الإنسان يمثّل شخصيته ومستوى ذوقه وخلقه وأسلوبه وتعامله مع الآخرين.

 

13- غض البصر، وقبول النصيحة، واحترام الآراء، ودعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، وعدم نشر شيء يكون سببا في النيل من أمن واستقرار البلدان والديار، أو مدخلا للفوضى وإثارة الشكوك والبغضاء.

 

14- عدم الانشغال بهذه الأجهزة أثناء قيادة السيارات، حيث تسبب ذلك في حوادث كثيرة بين الناس، وإتلاف السيارات والممتلكات العامة وذهاب الأرواح البريئة وإعاقة النفوس، وقد أثبتت الدّراسات الميدانية أنَّ القيادة أثناء استخدام الهاتف تُعادل القيادة تحت تأثير المُسكِرات.

 

15 - الاجتناب عن الدخول إلى مواقع الجرائم والمحرمات والهاكرز والعصابات.. وتعليم الإرهاب والتطرف ووسائله وأجهزته.. ومواقع الفساد والسحر والشعوذة والتجسس.. ففي الحديث: «من سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً، فعُمِل بها بعده، كُتِبَ له مثلُ أجرِ مَن عمل بها، ولا ينقصُ من أجورِهم شيءٌ، ومن سنَّ في الإسلام سُنَّةً سيئةً، فعُمِل بها بعدَه، كُتب عليه مثلُ وِزرِ من عمل بها، ولا ينقصُ من أوزارِهم شيءٌ» صحيح مسلم: 12882.

 

16 - مراعاة الاحترام وآداب البحث خلال المناقشات، وعدم الاهتمام بالتعليقات الإيجابية فقط، فلا تظنّ أن عملك خالٍ من الانتقادات أو التعليقات السلبية، ناقشْ الآراء بأسلوبٍ مهذّبٍ واحترام، وانتظر ردود الأفعال، وحفزّ الناس على التفاعل مع محتواك بلباقة وفنّ.

 

17 - عدم الكتابة باسماء مستعارة أو مبهمة، أو انتحال شخصية وهمية مفترضة بعيدة عن الواقع، فمهما تستّر الإنسان عن أعين البشر، فإن هناك ربا يراه.

ومهما تكن عند امرئ من خليقة

وإن خالها تخفى على الناس تعلم.

 

18-عدم إكثار المشاركات على الناس، فإن النفوس تفتر عن صاحب المشاركات الكثيرة، فكثيرا ما نلاحظ الأحبة على الواتساب يرسلون رسائل جماعية بعد كلّ ساعةٍ، وآخرون يضيفونك إلى مجموعات من دون إذن منك.. وهو ما يسبّب الإحراج لدى الآخرين، وضياع أوقاتهم، قال أبوتمام:

طولُ مقامِ المرءِ في الحي مخلقُ

لديباجتيه فاغترب تتجدد

فإني رأيْتُ الشَّمسَ زيدتْ مَحَبَّةً

إلى النَّاس أَن ليْسَتْ عليهمْ بِسرْمَدِ

 

 أهم المصادر:

محاضرة بعنوان: آداب التواصل الاجتماعي، للشيخ محمد صالح المنجد، موقع صيد الفوائد.

 

مقال: التواصل الاجتماعي ضوابطه وأصوله، للدكتور بسام الشطي، مجلة الفرقان، دولة الكويت.

 

مقال بعنوان: الضوابط الشرعية لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، مجلة الهداية، الناشر: وزارة العدل والشئون الإسلامية، مملكة البحرين.

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات