آداب الدخول المدرسي (1)

الشيخ عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت

2022-08-05 - 1444/01/07 2023-01-22 - 1444/06/29
عناصر الخطبة
1/حث الآباء والمعلمين والتلاميذ على إخلاص النية في التعليم وكيفية تحقيق ذلك 2/حث الآباء والمعلمين والتلاميذ على التحلي بتقوى الله والقيام بالعبادة

اقتباس

التقوى لها أهمية للأستاذ والمعلم والتلميذ وولي الأمر؛ لأن الأستاذ إذا كان من أهل التقوى يكون قدوةً لأبنائنا وبناتنا ولمتعلميه، فإذا كان الأستاذ مدخنًا مثلًا لا يمكنه أبدًا أن يلقن لأبنائنا درسًا في مضار التدخين أو المخدرات؛ لأن...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. نحمدك ربنا على ما أنعمت به علينا من نعمك العظيمة، وآلائك الجسيمة حيث أرسلت إلينا أفضل رسلك، وأنزلت علينا خير كتبك وشرعت لنا أفضل شرائع دينك، فاللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.

 

أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون: سبق وأن تحدثنا في الخطبة الماضية عن أهمية العلم وفضله، وذكرنا مجموعةً من النصوص من القرآن الكريم وأحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- الدالة على ذلك، وكان أول ما نزل على الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (اْقَرَأْ)، وتعجبنا من أن أمة اقرأ لا تقرأ، وذكرنا أن القراءة يجب أن تكون خالصة لوجه الله حتى تثمر نفعًا على الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة، ورأينا مآسي انتشار الجهل في الأمة، نعوذ بالله من الجهل.

 

وبمناسبة الدخول المدرسي أخصص هذه الخطبة لأدب الدخول المدرسي على أن نستكمل باقي الآداب في خطبةٍ لاحقةٍ -بإذن الله-.

وأنا هنا أخاطب كل أبٍ وكل أم وكل أستاذٍ وكل تلميذٍ وكل تلميذةٍ كل من موقعه فالكل معني بهذه الآداب، واكتفي في هذه الخطبة بأدبين اثنين: الأدب الأول: الإخلاص وإحضار النية، فإذا كنت مدرسًا أو تلميذًا أو أبًا ترعى أبناءك وتنفق عليهم، فأول ما يجب عليك أن تراعي الإخلاص في ذلك.

ربما البعض يقول قضية الإخلاص بسيطةٌ، الأمر ليس بالهين كما قد يظن البعض، الإخلاص صعبٌ وعزيزٌ وخطيرٌ؛ لأنه معترك الشيطان فغايته أن يوقع العباد في الشرك حتى يحبط أعمالهم، والإخلاص لا يكلف شيئًا في نفس الوقت، وهو سهلٌ ويسيرٌ على من يسره الله عليه. فإذا كنت معلمًا فاحذر أن تكون ذا نيةٍ فاسدةٍ وأنت تزاول عملك، فكم من معلمٍ لا يحب مهنته وهو لم يأتي إليها حبا وإخلاصًا؟

وإنما كما يقول البعض: جاء لأنه لم يجد غير التعليم، فهؤلاء نيتهم فاسدةٌ من أساسها، فغابت النية الصالحة، وإذا غابت غاب الحب للعمل، وإذا غاب الحب؛ لن يقدم ولن ينفع ولن يبدع ولن يصلح في فلذات أكبادنا شيئًا، وإذا صلحت النية نفع الله به وبارك في عمله، فينبغي أن نحرص على صلاح النية، فأي نيةٍ ينبغي أن يعتقدها الأستاذ؟

يعتقد أنه يُعلِّمُ لوجه الله بغض النظر عن الأجرة التي يتقاضاها، يعتقد أنه يعلم أبناء المسلمين ويرفع عنهم الجهل، يعتقد أنه يعرف الناس بربهم وخالقهم، بهذا الاعتقاد يبارك الله عمله وإن كان بمجهوداتٍ يسيرةٍ. وينبغي عليهم أن لا ينسوا أن التعليم مهمةٌ الأنبياء -عليهم السلام-، إبراهيم -عليه السلام- لما ترك هاجر وابنها إسماعيل عند البيت دعا قائلًا: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[البقرة: 129]، وفي سورة الجمعة: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[الجمعة: 2]، وللشباب المقبلون على مباريات التعليم نقول: صححوا نياتكم أولًا، هذا بالنسبة للمعلمين.

 

وبالنسبة لتلامذتنا أسألهم عن نياتهم في الدراسة، غالبيتهم يقول: اقرأ لأجل الحصول على الوظيفة، طيب؛ وماذا تريد بعد الوظيفة؟ الحصول على المال، طيب وبعد المال؟ أريد شهرةً ومكانةً في المجتمع، هل هذا صحيحٌ؟

بادئ ذي بدءٍ ليس بصحيحٍ؛ لأنك أنت تدرس ليس لهذه الأشياء وحسب، وإنما تدرس في المقام الأول؛ لأنك تعبد الله فالتعليم عبادةٌ، والعبادة تفتقر إلى النية، فإذا غابت النية غاب الأجر، قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[البينة: 5]، وتأملوا هذا الحديث العظيم الخطير، قال صلى الله عليه وسلم: "من طلب العلم، ليباهي به العلماء، ويماري به السفهاء، أو ليصرف وجوه الناس إليه؛ فهو في النار"(رواه البزار في مسنده، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب)، فمقصود هذا الطالب هو مباهاة العلماء والافتخار عليهم بتفوقه العلمي، ومقصوده الجدال، ومن هذا الذي يجادل؟ يجادل السفهاء والجهلاء فلا فائدة ترجى من هذا الجدال، وأنا أتذكر قصةً لأحد إعلام مدينة فاس جاءه أحد هؤلاء فقال له: تعال أناقشك في بعض المسائل. فقال له العالم: أتحفظ القرآن؟ قال لا، أتحفظ شيئًا من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: لا، أعندك شيءٌ من أصول النحو؟ قال: لا، أتعرف شيئًا في أصول الفقه؟ قال: لا، وكلما سأله عن علمٍ يقول: لا، فقال له: أنت في مقام السؤال لا في مقام المناقشة.

ومقصوده صرف وجوه الناس إليه والبحث عن الشهرة والحظوة عندهم، فهذه النوايا كلها فاسدةٌ، وعاقبتها -والعياذ بالله- خسران.

 

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله -تبارك وتعالى- إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمةٍ جاثيةٌ، فأول من يدعو به رجلٌ جمع القرآن، ورجلٌ قتل في سبيل الله، ورجلٌ كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال: إن فلانًا قارئٌ فقد قيل ذاك، ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحدٍ؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدق، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله -تعالى-: بل أردت أن يقال: فلانٌ جوادٌ فقد قيل ذاك، ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله، فيقول الله له: في ماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله -تعالى- له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال: فلانٌ جريءٌ، فقد قيل ذاك ثم ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ركبتي، فقال: يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة"(رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب)، فالمشكلة في نيتهم وقصدهم.

 

فاللهم أصلح قصدنا ونوايانا فلا نبتغي غير وجهك يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن اقتفى.

أما بعد: رأينا في الخطبة الأولى أهم أدبٍ يجب الحرص عليه، وهو: الإخلاص لله حتى يقبل عملنا عند الله، فقد تصل للوظيفة وللمال وللمكانة، لكن عند الله ليس لك شيءٌ.

 

ولا يفهم من كلامنا حرمة المقاصد الأخرى، ولكنها من قبيل المقاصد التبعية، فأنت أصلح نيتك بالقصد الأول، ولا يضرك بعد ذلك تحقق باقي المقاصد، والله الهادي إلى سواء السبيل.

 

وأختم بالأدب الثاني، وهو: تقوى الله، وهي أن تطيع الله -عز وجل- باتباع أوامره، واجتناب نواهيه.

التقوى أن يراك الله حيث أمرك، ويفتقدك حيث نهاك.

التقوى أن يطاع الله فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وإن يشكر فلا ينسى.

والتقوى لها أهميةٌ للأستاذ والمعلم، والتلميذ، وولي الأمر، لماذا؟

لأن الأستاذ إذا كان من أهل التقوى يكون قدوةً لأبنائنا وبناتنا ولمتعلميه، فإذا كان الأستاذ مدخنًا مثلًا لا يمكنه أبدًا أن يلقن لأبنائنا درسًا في مضار التدخين أو المخدرات؛ لأن كلامه يخالف فعاله، فإذا ابتلي الأستاذ على الأقل عليه أن يستتر.

 

ولا يمكن لأستاذةٍ لا تلبس الحجاب الشرعي أن تلقن بناتنا أصول الحشمة والحياء، فيجب عليها أولًا في نفسها إن تلتزم بما تدعو إليه. كما أنه لا يمكن لأم وهي تخرج سافرةً متبرجةً أن تلقن بناتها أصول الستر، ففاقد الشيء لا يعطيه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)[الصف: 2-3].

 

أتنهى عن خلقٍ وتأتي مثله *** عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

 

لا يمكن لأستاذٍ أو أبٍ أو أم يسمعه التلميذ أو الابن أو البنت ينطق بكلامٍ فاحشٍ أن يلقنه أصول الكلم الطيب، اسمع لغالبية أبنائنا وهم يلعبون أو يتشاجرون، قلَّ أن تمر ولا تسمع كلمةً نابيةً فيما بينهم، أو مع غيرهم، وكل إناءٍ بما فيه ينضح.

 

وبالمقابل إذا رأى أبناؤنا أستاذهم أو ولي أمرهم إذا حضر وقت الصلاة يفر إليها فإنه إنما يزرع فيهم حب الصلاة، ويجعلهم يقتدون به في هذه المنقبة العظيمة، ولذلك يستحب أداء النوافل في المنزل حتى ينظر الأبناء إلى أبيهم يصلي.

ونفس الكلام قله عن إماطة الأذى عن الطريق إذا رآك الأبناء تمطه؛ تكون غرست فيهم هذه القيمة الطيبة.

ونفس الكلام قله عن آداب الأكل، ونفس الكلام قله عن الصيام، إلى غير ذلك من الخصال الطيبة.

فالمهم يجب أن نكون قدوةً لأبنائنا في الخير، ولذلك الشافعي لما شكا إلى شيخه وكيع قلة حفظه لم يتعبه بأن يصف له أنواعًا من المأكولات التي تقوي الذاكرة، ولا دروسًا في خطوات وأصول المذاكرة -وإن كان هذا لا ينكر-، وإنما وصف له العلاج الحاسم، في قول الشاعر:

 

شكوت إلى وكيعٍ سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأخبرني بأن العلم نورٌ *** ونور الله لا يهدى لعاصي

 

فلنرشد أبناءنا إلى تقوى الله في السر والعلن بالحفاظ على صلواتهم في أوقاتها، وغيرها من الطاعات، وعدم التعدي على حدود الله، فمن يتق الله يرى العجب، قال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[البقرة: 282].

 

وللحديث بقيةٌ في الخطبة الموالية، فاللهم اجعلنا من عبادك المتقين، آمين.

 

المرفقات

آداب الدخول المدرسي (1).pdf

آداب الدخول المدرسي (1).doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات