عناصر الخطبة
1/ البحث عن السعادة 2/ من وسائل تحقيقهااهداف الخطبة
اقتباس
كلمةٌ يبحثُ عن تحقيقها الملايين، سهلةٌ أن تكتبَ حروفَها أو تُصيغها في سطُور، كلمةٌ فقدها أناس فتخلصوا من الحياةِ عبر الانتحار، فهذا يصعدُ أعلى برجٍ ثم يرمي بنفسهِ من فوق، وهذا يحرقُ نفسه، وهذا يعلقُ حبلاً ثم يقتلُ نفسهُ بيده، ورابعٌ.. وخامس.. يا ترى؛ لماذا ينتحر هؤلاء؟ هل هم فقراء؟... مرضى؟ لعلهم من مدمني المخدِرات! تعالوا معي لنتحدث عن السعادة.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي بيدهِ خزائنُ السعادة، يمنحها من يشاءُ من عباده. اللهم صل وسلم على أسعدِ الناس، نبي الهدى، حبيب القلوب، محمد بن عبد الله.
يا رب، اشرح صدورنا، وامنحنا حياةَ السعداء. يا رب، ارض عنا؛ فهذا هو غاية المنى. يا رب،
فليـتك تحلو والحـياةُ مـريـرةٌ *** وليتك ترضى والأنامُ غضابُ
وليــتَ الذي بيني وبينك عامــرٌ *** وبيـني وبيــن العالميـنَ خرابُ
إذا صحَ منك الود فالكلُ هينٌ *** وكلُ الذي فوقَ الترابِ ترابُ
أما بعد: كلمةٌ يبحثُ عن تحقيقها الملايين، سهلةٌ أن تكتبَ حروفَها أو تُصيغها في سطُور، كلمةٌ فقدها أناس فتخلصوا من الحياةِ عبر الانتحار، فهذا يصعدُ أعلى برجٍ ثم يرمي بنفسهِ من فوق، وهذا يحرقُ نفسه، وهذا يعلقُ حبلاً ثم يقتلُ نفسهُ بيده، ورابعٌ.. وخامس.. يا ترى؛ لماذا ينتحر هؤلاء؟ هل هم فقراء؟... مرضى؟ لعلهم من مدمني المخدِرات! تعالوا معي لنتحدث عن السعادة.
تلك الجملة الرائعة، التي يتمنى العالمُ أن يسكنَ في بساتينها، واخترت لكم خمسةً وعشرين طريقةً لتحقيق السعادة.
حتى تكون سعيداً: ارتبط بربك عبر مناجاته في الصلاة؛ إنها النور... قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-: "والصلاة نور". نورٌ لقلبك، وضياء لروحك من متاعبِ الحياةِ، ومآسي الزمن، نورٌ لقلبكَ من ظلماتِ الأحزان.
الصلاة اتصالٌ بينك، أيها العبد الفقير، وبين الملك الغني الحميد المجيد. يا من يتطلع للسعادة: اتجه إلى أبواب المساجد وزاحم أهلها، واتصل بمولاك لكي يمنحك السعادة.
يا تاركَ الصلوات، واللهِ لن تجد السعادةَ مادمتَ تاركاً لها أو مفرطاً فيها! هيا تعال وافتح قلبك لأنوار الصلاة.
حتى تكون سعيداً حقِّقِ البرَّ بوالديك؛ فهما من أسرار سعادتك وانشراح صدرك، والداك سببٌ لجلاء الهموم وانقشاع الغيوم عن ساحتك، (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانَاً) [الإسراء:23]، "وفيهما فجاهد". وليعلمَ العاقُ أن أعظمَ عقوبةٍ تنزلُ عليه وهو في دنياه هي قسوةُ القلب، وضيقُ العيش.
حتى تكون سعيداً: لا تفكر كثيراً في مشكلةٍ سابقة، واعمر يومك الذي أنت فيه بروح الأمل والتفاؤل بالله -تعالى-، انظر عبر نافذة الأمل لترى من خلالها اليسر الرباني: (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرَاً) [الطلاق:7].
حتى تكون سعيداً: كن حكيماً في إدارةِ المشكلةِ التي تجري عليك، ولا تحمِّلها حجماً أكبر مما هي عليه، واستشر في حلها من ترى فيه الحكمةَ والرسوخ؛ (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) [آل عمران:159].
حتى تكون سعيداً: ابتعد عن الذنوب، فهي دمارٌ للقلوب، وبوابةٌ للهموم، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) [طه:124].
رأيتُ الذنوبَ تميتُ القلو *** ب وقد يورِثُ الذلُ إدمـانُها
وتركُ الذنوبِ حياةُ القلو *** بِ وخيرٌ لنفسكَ عصيانُها
حتى تكون سعيداً: ازرعِ السعادةِ في نفوسِ الضعفاءِ والأيتامِ والمساكين، زرهم، ابتسم لهم، اخرج معهم في جلسةٍ برية أو بحرية، اقترب بعاطفتك من أولئك الضعفاء الذين لا يُلتفت لهم غالباً. كن رحيماً بهم؛ "والراحمون يرحمهم الرحمن". قال أحدهم: عشنا وكنا نظن أن السعادةَ في الأخذ، فاكتشفنا أنها في العطاء.
حتى تكون سعيداً: وزع ابتسامتك لأفراد أسرتك، وافرح حينما تدخل لبيتك، العب معهم، وتقاسم معهم عُلبة الحلوى.
غيركَ لا توجدْ لديه أسرة، وغيركَ ربما فقدَ أسرته في حادث، وثالثٌ خسرَ أسرتهُ بسببِ جريمتهِ فهو خلفَ أسوارِ الحديد. نعم، افرح بأسرتك مهما كانت ظروفهم.
حتى تكون سعيداً: ارض بالقدر الذي نزل بك ولو كان فيه نزغاتٌ من الألم، فأنت (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) [الطلاق:1].
ادخل في بستان الرضا، وقل: "رضيتُ بك يا رب"، واستشعر في كل لحظةٍ قولهُ -تعالى-: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء:19].
رُبما تتأخر معاملتُك، رُبما يتأخر زوَاجك، ربُما يتأخر علاجُك، ولكن لن يتأخر أجرُك، وبقدرِ صبـرك يأتي فرحُك، ودائماً تذكر: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرَاً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرَاً) [الشرح:5-6].
وحتى تكونَ سعيداً: لا تتطلع إلى ما عندَ غيرك، واقنع بما لديك، إن كان غيرك يملكُ سكناً وأنت تسكن في شقةٍ صغيرة فقل: الحمد لله؛ فلعلك أكثر سعادةً منه، ولعلك أنجح في علاقتك بأسرتك منه، ولعلك أكثر عافيةً في صحتك منه، ولعلك أقل هموماً منه.
لا ترفع رأسك كثيراً حتى لا تنكسر رقبتك، افرح براتبك، بسيارتك، بلباسك، بطبيعة عملك، بمنزلك المتواضع؛ افرح بكل ما يدور حولك، وحوِّل تفكيرك السلبي تجاههُ إلى نظرةٍ إيجابية.
حتى تكون سعيداً: مارس الترفيه مع زملائك، واسمح لنفسك أن تتمتع بالمباح لا بالحرام، وكما قال -صلى الله عليه وسلم-: "ساعةً وساعة".
إن ساعات الترفيه والرياضة والنزهة تُجدد الحياة، وتُزيل الهموم، وتُخففُ ضغوطَ الحياةِ -بلا شك- عند جميع أفرادِ المجتمع، كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً.
حتى تكون سعيداً: تعلّم أن تتغافل عن صيحاتِ الحمقى وكلماتِ الأغبياءِ، وسفاهاتِ الحساد، ولا يضر السحاب نباحُ الكلاب. (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) [الفرقان:63]، (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) [القصص:55].
ومما لاشك فيه أن في الحياةِ أناسا لا يحبون نجاحك ولا تميزك ولا تقدمك، وسوف يهمسون لك في حضورك أو في غيابك بكلماتِ التنقص والازدراء، فاثبت كالجبل، ولا تستمع لهم، وامضِ في طريق نجاحاتك، ودعهم يخوضوا ويلعبوا حتى يتعبوا، فسوف تبينُ لهم الأيام من الذي يفوز بالكأس.
حتى تكون سعيداً: لتكن لك أوقات تخلو فيها بكتابٍ نافع تطالعُ صفحاته وتقرأ سطوره، أنت تعلم أن أولَ آية نزلت: (اقْرَأْ)، فيا عبد الله: اقرأ؛ لتزيدَ من ثقافتك في دينك.
اقرأ التاريخ إذ فيه العبر *** ضلّ قومُ ليس يدرون الخبر
اقرأ العلوم الشرعية وازدد فيها علماً، (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه:114]. اقرأ لتصحح عقيدتك وعبادتك ومعاملتك. اقرأ لتنمي مهاراِتك وقدراِتك وتقوي جوانبَ الإبداعِ فيك. اقرأ لتكون شخصاً مؤثراً فيمن حولك، لأن أغنياءَ العلم هم السادة وفقراءَ العلم هو الفقراء على الحقيقة.
حتى تكون سعيداً: رتب إدارتك المالية، ولا تكلف نفسك الديون حتى لا تَضيقَ نفسك، كن قائداً لمالك، ولا تجعله يقودك للمهالك، ثم للقروض، ثم ربما كنتَ من روادِ السجون، بسببِ عدم القدرة على سداد الديون!.
اسعْ في الأرض: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا) [الملك:15]، (فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) [الجمعة:10].
المال يجلبُ لك سعادةَ العفاف، والبعد عن إذلال الوجهِ للآخرين، فاحرص على مالك ولا تصرفهُ في المحرماتِ، ولا فيما لا ينفعك.
استغن بمالك، واحرص على إيجادِ دخلٍ آخرَ لك؛ تحسباً لكل ظرفٍ ينزلُ بك، و"إنك إن تدعْ ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تتركهم عالةً يتكففون الناس".
ولا تكن عبداً للمال وتجعله غايتك التي تسعى للحصول عليها بأي وسيلة كانت من حلالٍ أو حرام.
حتى تكون سعيداً: أكثر من قراءة القرآن، كلام الرحمن، وموعظة المنان، شفاء القلوب، وسرور الروح: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28]. إن المسكين هو من لم يتمتع بالنظر في القرآن.
يا طالبَ السعادة، كتابُ السعادة أمامك، أقبل عليه، واتخذ القرآن صاحباً لك في هذه الحياة لعله يشفع لك بين يدي ربك، "اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه".
حتى تكون سعيداً: تواضع في حياتك، ولا تترفع بمنصبك ولا بمالك، تواضع لتسكن في قلوب الخلق. إن البساطةَ في الحياة، وسهولة العشرة تجلبُ لك محبةَ الناس ودعواتهم.
وهذا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- سيدُ المتواضعين، يزورُ المريض، ويسلمُ على الصغير، ويشتري حوائجهُ بنفسه، ويغسلُ ثوبهَ، ويخصفُ نعله؛ وما زاده ذلك إلا حباً من الناس، إنما مثل المتكبر كمثلِ رجلٍ على رأسِ جبل يرى الناسَ صغاراً وهم يرونه صغيراً.
حتى تكون سعيداً: ساهم في تفريج كربةٍ عن محتاج، ويسر على معسر، وكن في عون أخيك. كن دليلاً لبيوت الفقراء، وباباً للمساكينِ والضعفاء، وسوف تجد انشراحاً في صدرك، وتيسيراً في حياتك: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) [الرحمن:60].
حتى تكون سعيداً: كن في دراستك وعملك مجتهداً، تسعى للكمال، تبحث عن المراتب العالية، تنافس في التميز، اجعل هدفك بلوغ المجد والمعالي لتسعد، لا ترضى بالدون يا صاحب العلا.
ومن تكنِ العلياءُ همة نفسهِ *** فكلُ الذي يلقاهُ فيها محببُ
لقد فاز الأبطالُ وتأخرَ كلُ بطّال، لقد سارَ السادة لما تركوا الوسادة.
حتى تكون سعيداً: لا تفكر في المفقود، واستمتع بالموجود، وقل: الحمد لله. السعادة ليست بمقدار ما نملك من الأشياء, بل بمقدار ما نستمتع في حياتنا بما نملكه، فهذه هي السعادةُ الحقيقية.
اللهم ارزقنا سعادة لا شقاء بعدها يا قريب يا مجيب.
الخطبة الثانية:
الحمد لله. حتى تكون سعيداً: اختر الأصحاب الذين يقربونك من الله، و"المرءُ على دينِ خليله"، واجلس معهم بين فينةٍ وأخرى، وامرح معهم، واستفد منهم، وأفدهم.
أيها الكرام: إن مجتمعاتِ الصالحين والأبرار غذاء للنفوس، وسلوةٌ للقلوب.
حتى تكون سعيداً: ارفع يديك لرب العالمين، واسجد واقترب مِنَ الذي بيدهِ خزائنُ السعادة: (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ) [إبراهيم:39].
اطرق بابَ الكريم، وابكِ عند بابِ العزيز، وقل: يا رب اشرح لي صدري، واكشف عني همي. إن اللهَ يحبُ أصوات الداعين المضطرين، (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) [النمل:62].
يا مهموم، لا تقلق فهناك ربٌ قادر على كشفِ الهموم. يا أيها الحزين، لا تحزن مادمتَ تعرفُ باباً يوصلك بالرؤوفِ الودود. سوف تنقشعُ عنك سحبُ الأحزان، سوفَ تشرقُ عليك شمسُ السعادة.
حتى تكون سعيداً: اصبر على مآسي الحياة، والبس ثياب الصابرين. إن السعادةَ تتطلب مزيداً من الصبر: (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) [النحل:126].
هذا المرض، وذلك الفقر، وتلك الديون، تأخرت معاملتك، ضاق صدرك، تكالبت عليك ضغوط الحياة؛ ومع ذلك أنت الصابر الكبير.
لله درك يا من تتشبه بأيوب الذي صبرَ على البلاء ثمانية عشر عاماً حتى شفاه الله، وأنزل فيه: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرَاً) [ص:44]! إنها آيةُ الجلالِ والثناءِ والكمال: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرَاً).
إنه شبيه يعقوب الذي فقد يوسف، ثم فقد ابنه الثاني، فما كان منه إلا أن قال: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) [يوسف:82].
عجيبةٌ تلك النفوس، رائعةٌ تلك الأرواح التي كان زادُها وغذاؤها الصبر. وقديماً قال عمر: "وجدنا خيرَ عيشنا بالصبر".
حتى تكون سعيداً: كن صاحب قلبٍ كبير يعفو عن الآخرين، (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الزخرف:89]، واتخذ حفرةً لتدفن فيها أخطاء من تحب.
إن من طبع البشر صدور الخطأ منهم، والداك، أولادك، زوجتك، صديقك، مديرك، زملاء العمل... ومن الذي يسلم من العيب والنقص؟ وأنت، هل تسلم من الخطأ؟ كم تألمَ الناسُ منك! فاعف وسامح وتجاوز.
لا يحملُ الحقد من تعلو به الرتبُ *** ولا ينالُ العلا من طبعهُ الغضبُ
حتى تكون سعيداً: اعلم أن الكسل والنوم لا يحققان السعادة، بل هما نوافذ للقلق، قم وتحرك واعمل واجتهد، إن سعادتك في ساعاتِ عملك وحينما تمسحُ عرقك.
حتى تكون سعيداً: تعلّم فنون الاسترخاء والهدوء، وابتعد عن الجديةِ في بعض وقتك، عش حياتك أحياناً بعفويتك ومرحك ومزاحك.
حتى تكون سعيداً: تعلّم كيف تدير ضغوطَ الحياة حتى تتجاوزها بكل حكمة، واقرأ واستمع وشاهد واحضر لتنمية مهاراتك في إدارة تلك الضغوط.
وأخيراً: ارم بهموم الماضي في حاوية النفايات، وقم من جحيم الندم، وامش نحو بساتين الأمل، وخذ وردة الحياة وضمها لصدرك الكسير.
اللهم إنا نبحث عن السعادة فامنحنا إياها، اللهم املأ قلوبنا بمحبتك. اللهم كن لإخواننا المستضعفين المهمومين في كل مكان، اللهم رحماك بهم!.
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك.
اللهم صل وسلم على نبيك محمد.
التعليقات