يوم التعليم العالمي

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/التعليم في الإسلام قرار ملزم وواجب محتم 2/خيرية المهنة، ونبل الرسالة 3/فضل العلم.. وشرف التعلم 4/التعليم صلب التنمية وعمود البناء 5/عواقب الجهل ونتائج الأمية.

اقتباس

فالعلم هو أساس النهوض، وسر التقدم، وركن التنمية؛ فلا تقاس قوة الشعوب بعديد جيوشها، ولا بكثرة سكانها، وإنما تقاس بمدى اهتمامها بالتعليم، وحرصها على التعلم...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، أما بعد:

 

عباد الله: يحتفي العالم بعد أيام ويحتفل باليوم العالمي للتعليم، يؤكد فيه العالم على أهمية التعليم، ومكانة العلم في نهضة الأمم والشعوب، ورفاه الحياة، والقضاء من المشاكل التي تجوس العالم وتعبث به، من فقر وحروب ومجاعات وغيرها، والسير في ركاب الدول المتقدمة.

ولم يأتِ هؤلاء ببدع من القول، ولا بسابقة في الأمر؛ فلقد سبقهم الإسلام في الحرص على هذا الجانب، والتأكيد عليه، والاهتمام به؛ فدين تبدأ نبوته بـ "اقرأ" كأول كلمة تنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- من ربه دليل على مكانة العلم والتعلم عنده، والشواهد على ذلك ظاهرة، والأدلة بينة باهرة، فقد تواترت الآيات والأخبار، وتكاثرت الأحاديث والآثار الدالة على منزلة العلم وفضله، ووجوب تحصيله، والاجتهاد في طلبه وتعليمه؛ قال الله -تعالى-: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ)[الزمر: 9]، وقال -تعالى-: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً)[طه: 114]، وقال -تعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ)[فاطر: 28]، وقال -تعالى-: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ)[المجادلة: 11]، والآيات في هذا المعنى متوافرة وكثيرة.

وقد أخرج ابن ماجة من حديث  أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "طلب العلم فريضة على كل مسلم . . . "؛ قال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "كل عمل كان عليك فرضاً، فطلب علمه فرض، وما لم يكن العمل به عليك فرضاً، فليس طلب علمه عليك بواجب ".

 

وقال الإمام القرطبي -رحمه الله- معلقًا على قوله -تعالى-: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)[التوبة: 122]؛ قال: "هذه الآية أصل في وجوب طلب العلم".

 

فأخذ العلم فرض؛ وذلك لأنه به قوام الدين، وصلاح الدنيا؛ فلا يصلح حال الأمة وهي ترفل في ثياب الجهالة، والمتأمل في حال جميع الأمم التي تسنمت معالي الريادة، وأخذت بزمام القيادة، يجد أنها لم تبلغ ما بلغته إلا بالعلم، والاهتمام بتعليمه ونشره، أما الأمم المتأخرة في ركب الحضارات، القابعة في قعر الدركات فأبرز صفاتها الجهل، وأكبر مزاياها الأمية.

 

وإن تعليم العلم  للناس من أنبل المهن، وأشرف العمل، وخير الوظائف، كيف لا؛ والمشتغل به يدل الناس على ربهم، ويقودهم إلى سبيل فوزهم، ويرشدهم إلى ما ينفعهم في دنياهم وأخراهم؛ فعن أبي أمامة الباهلي قال: "ذكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلان: أحدهما عابد، والآخر عالم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم. ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير"(أخرجه الترمذي).

 

فأي منزلة أعظم وأجل وأكبر من هذه المنزلة التي يحضى بها معلم الناس الخير؛ فالله في عليائه، وأهل أرضه وسمائه، وما دق وخفي من مخلوقاته كلهم يصلون على العالم العامل المعلم.

 

قال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "عالم عامل معلم يدعى كبيراً في ملكوت السموات". 

 

قالوا: المُعلِّمُ، قلتُ: أشرفُ مهنةٍ *** بضيائِها ليلُ الجهالةِ يَنجَلي

هي مهنةُ الرُّسُلِ الكرامِ سَمَوْا بها *** عَنْ كلِّ ذي وَهْمٍ وكلِّ مُضلِّلِ

 

فلتعلم العلم وتعليمه فضل عظيم، وشرف كبير يؤتيه الله من يشاء، ويختص به من يريد، ومن أوتيه فقد أوتي خيرا كبيرا، قال القرطبي -رحمه الله-: "طلب العلم فضيلة عظيمة ومرتبة شريفة لا يوازيها عمل".

 

وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم؛ فمن أخذه أخذ بحظ وافر"(أخرجه أبو داود بسند حسن).

 

فانظروا كيف أعلى العلم منزلة صاحبه، ورفع قدره؛ فتسامت منازله، وتعاظمت درجاته، فما أعظم فضله، وما أوفر أجره، وما أجزل ثوابه وقدره، قال معاذ بن جبل -رضي الله عنه- فقال: "تعلموا العلم فإن تعلُّمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه صدقة، وبذله لأهله قربة".

 

فإذا كان هذا هو فضل العلم ومكانة أهله، ومرتبة معلمه كان لزامًا علينا أن نوليه كل الاهتمام، وأن نحرص كل الحرص على أن نسعى وراء طلبه طلبًا حثيثًا، ونحث عليه أبناءنا، ونوجه إلى تحصيله أحبابنا، وأن يكون العلم هو المطلب الأول، والغاية الأسمى، والهدف الأعظم، فلا نجاح ولا فلاح، ولا تنمية ولا تطور إلا بالعلم.

 

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب وخطيئة؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:

 

أيها المسلمون: إن المتأمل في حياة الشعوب المتقدمة، والأمم الرائدة يجد أن سبب ما هم عليه من تقدم وازدهار هو اهتمامهم بالعلم وتقديسهم له، وتخصيص المليارات في سبيله، وكذا احترامهم للمعلم وخدمتهم للمتعلم، فقد أيقنوا أنه لا توجد حضارة على مر التاريخ نهضت وسادت لم يكن العلم أساسها والثقافة معيارها.

 

والمتأمل في ديننا الحنيف يجده حرصه على العلم والمعرفة وكيف أولاه عناية فائقة، وحث أتباعه عليه؛ وتشجيعه على كل ما يأمن العبد في دنياه ويسعده في أخراه، ودلائل ذلك كثيرة؛ منها:

تكريمه لأهل العلم وتشريفه لهم؛ (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ(؛ فالآية هنا عامة بلفظها ومعناها؛ فالإسلام يحث على كل علم نافع، سواء كان علمًا شرعيًّا، أو علمًا دنيويًّا ينتفع به المؤمنون، ويرتفع به شأنهم. وكذا تفريقه بين من يعلم وبين من لا يعلم؛ (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ).

 

دعوته إلى إعداد العدة للعدو، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال العلم والمعرفة والقراءة، والتي تتحصل من خلال الوسائل المتعددة؛ في الجامعات والمعاهد والدورات وغيرها؛ قال تعال: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ ...)؛ قال السعدي  -رحمه الله-: "(وَأَعِدُّوا) لأعدائكم الكفار الساعين في هلاككم وإبطال دينكم؛ (مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) أي: كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة ونحو ذلك مما يعين على قتالهم؛ فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات ... ".

 

ومنها: أمره -صلى الله عليه وسلم- زيد بن ثابت -رضي الله عنه- بتعلم لغة يهود، لإدراكه أنه لا يمكن لمن يجهل لغتهم أن يدرك مكرهم وحقدهم وكيف له أن يعرف تدابيرهم وخططهم! وهذا دليل على مكانة العلوم الدنيوية في الإسلام، وأن الأخذ بها واجب -أيضًا-، إذ ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب.

  

وكذلك: حث القرآن إلى النظر إلى ما في السموات والأرض من الآيات البيانات، ومن لم يكن لديه أثرة من علم كيف له أن يصل إلى ما في هذا الكون من معجزات وحقائق ودلائل تثبت وجود الله وعظمته وقوته؛ (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ)[يونس: 101]، وقوله: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ)[الرحمن: 33].

 

عباد الله: إن أمتنا اليوم بحاجة كي تنهض إلى التكامل بين العلوم الشرعية والعلوم الدنيوية في جميع التخصصات، ولن يكون التمكين والقوة إلا بذلك الاقتران والتكامل؛ ذلك أن العلم أساس النهوض، وركن التنمية، فلا تقاس قوة الشعوب بعديد جيوشها، ولا بكثرة سكانها، وإنما تقاس بمدى اهتمامها بالتعليم، وحرصها على التعلم، فذلك الضمان المهم لديمومتها وبقائها واستمرارها، وما التجربة اليابانية والكورية عنا ببعيد.

 

ومن تجارب الشعوب الرائدة التي تبين أن العلم هو السبيل الأوحد لرفاه الشعوب ونهضتها دولة ماليزيا الشقيقة المسلمة، فقد وصلت إلى مرتبة عليا على مستوى العالم اقتصاديًّا، ونقشت اسمها بين أسماء دول العالم المتقدم، وكل ما وصلت إليه من مكانة وما بلغته من رفاهية إنما كان بسبب اهتمامها بالتعليم كركيزة مهمة للتطور.

 

أيها المؤمنون: إن الجهل هو المصيبة الكبرى؛ بل هو الآفة التي تأتي على المجتمعات فتدمرها، وتحيط بالشعوب فتهلكها؛ فمتى ما حل الجهل  بأمة كان قائدها إلى الدمار، وحاديها إلى الهلاك.

 

والأمية والجهل عقبتان لتقدم الشعوب، وازدهار الأمم، يمثلان حجر عثرة أمام رقي الأمم وحضارة الشعوب؛ وهما أساس المشكلات الاجتماعية، والمعضلات الاقتصادية؛ بل هما مظهران من مظاهر التخلف، وسمتان من سمات الرجعية.

 

اعلموا -رحمكم الله- أن حق التعليم مطلب أقرته الأديان السماوية، وحثت عليه الشريعة الإسلامية، وكفلته القوانين البشرية، وحرمان الفرد من حقه في التعليم صورة من صور الظلم؛ لأنه بالتعليم فقط يتشكل عقل الإنسان، وينمو فكره، ويزداد وعيه؛ لهذا توجب علينا أن نوليه مزيد اهتمام وأكثر عناية، حتى نأخذ بيد أمتنا إلى بر الأمان، وننقذها من دركات الجهل، ومستنقعات الأمية.

 

وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب:56].

 

المرفقات
MSJ2NQkIuOBcGeJBX8JJJ36oD2NdfwihtRHAKPMb.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life