اقتباس
إن هؤلاء المفسدين دعاة الرذيلة لو مارسوا ما يدعون إليه في أنفسهم أو حتى أهليهم وصمتوا لكان الخطب أيسر، ولو تكلموا في حدود السؤال دون تآمر مع المفسدين والمفسدات، وتواطؤ مع قنوات العهر والرذيلة؛ لكان الأمر أهون، لكنهم ينشرون ما وسعهم النشر ويصرخون حتى تنقطع أصواتهم، ويُقبلون بالتحريض والإغراء للمراهقات دعوة لهن إلى التمرد على الآباء والأهلين، ولم بكتفوا بذلك حتى جازفوا بأثمن ما لدى...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ،،،،،، وبعد:
تشنّ هذه الأيام على الحجاب وغيره من شرائع الدين والعقيدة وأحكامهما حملة مسعورة غير مسبوقة؛ على حين فترة من العلماء، وخفوت من أصوات الدعاة، وتراخ من المحتسبين، إلا ما رحم ربك.
والجديد في هذه الحملة أن طليعتها شخصيات منسوبة للدين ومحسوبة على الشرع في الجملة؛ حسب ادعائهم وأحبابهم اللبرال على الأقل.
وينبغي في خضم هذه الحرب التي سخرت لها المكنة الإعلامية اللبرالية بكل ما تملكه من زخم ودعم سياسيين إقليمين ودوليين؛ أن لا نغفل عن مراعاة أمور:
الأول: لا ينبغي أن يؤخذ الأمر بسذاجة وسطحية؛ على أنها خلافات فقهية وأقوال لعلماء ينبغي أن تتسع لها الصدور، وأن لاتضخم الأمور؛ فهذا من قائله تسطيح للقضية وسذاجة متناهية، هذا إن أحسنا الظن بقائله، وذلك لما يأتي:
1/ أنه سبق وأن خالف علماء معتبرون - لهم مكانتهم ووزنهم في الحجاب - وصنفوا في ذلك الكتب، وكان الجدال والسجال معهم في حدود الخلاف الفقهي وأدبه مع احتفاظ كلٍّ بالود لكلٍّ واتساع الصدر والتماس العذر؛ لكن أولئك دافعهم الخير ورائدهم الحق وديدنهم الفضل والعلم والورع والتقى؛ أما أشخاص معركة اليوم، فلا زكاة لهم ولا كرامة، وفي كل يوم تنكشف لهم سوأة ويبرزون في العراء شاهدين على أنفسهم بالخبث والضلال، وابتغاء الفتنة، وقلة الأدب، وسوء السيرة والسريرة مع جمهور المجتمع علمائه ودعاته وعامته.
2/أن علاقة هؤلاء بأهل الريب والشك والنفاق لاتخفى؛ من خلال خدمة أهدافهم والانجرار إلى حبائلهم والتحدث في مراحضهم ومن عجب أن متبرجة في قناة ترعى العهر والاختلاط والتفسخ يجلس إليها ذو لحية ومشلح ليوضح حكم تغطية الوجه وغيره يقابلها النظرات ويبادلها الابتسامات؛ وكل هذا احتساب من هذا الفتان وتذمم من كتم العلم فيلجم بلجام من نار، وكأن الإسلام طبق في هذه القناة وخارجها بحذافير فلم يبق إلا هذه القضية، ألا ساء ما يحكمون !
3/ أن هذه ليست زلة عالم أو كبوة جاهل مريد للحق، بل هذا تعمد للفتنة وتقصّد للضلال والإضلال، وإمعان في الغي منهم ومن إخوان لهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون، وهم أرباب سوابق وأصحاب لجج وعناد، وخلال سنوات شغلوا المسلمين وأرجفوا وهموا بما لم ينالوا وأثاروا من الفتن والعواصف ما كان منه البلاء العريض والشر المستطير، وكم أربكوا الدعوة وأحرجوا الدعاة ومالؤوا أعداء الحق وبُغاة الفتنة وأعداء الشريعة، وفي كل عام يفتنون مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون، وما يزيدهم النصح إلا غرورا ولا التلطف إلا شرورا؛ فلاجرم أنهم شر مستطير وبلاء خطير وأن الواجب الإنكار عليهم بكل صلف، وأن لا تأخدنا فيهم لومة لائم، لأنهم طليعة جيش النفاق، وربيئة كتيبة الزنادقة، ومدد الملاحدة، شعروا بذلك أو لا، ولأنهم مراكب الفجرة، ومطايا اليهود والنصارى، وبغال أعداء الدين يمتطونهم ويقطعون بهم مرحلة، فإذا نفق واحدهم نبذوه نبذ الحذاء البالي، ونقلوا عتادهم إلى البغل التالي.
4/ أنه لا يعرف لهؤلاء المشاكسين جهد ولا جهاد ولا قضية إلا هذه القضايا، ولو أن لهم جهادا وبلاء وجهدا في إصلاح ومعالجة قضايا شرعية ومنكرات أخلاقية، وخدمات دنيوية إنسانية؛ وجعلوا قضية الحجاب والاختلاط في مكانهما اللائق أولوية، وناظروا بأدب وناقشوا باحترام بعيدا عن الاستقواء بقنوات المضلين وإعلام المفسدين لكان يكون منا شيء من التصديق بصدقهم، وأنى لهم ذلك، فهم أخلياء هموم، يرون الأمة تحترق وعدوها يخترق، ومراكبها تغرق وعواصمها تتساقط وأطفالها تموت وشعوبها تشرد ومقدساتها تنتهك؛ وشغلهم الشاغل - شغلهم الله في أنفسهم - هو حرب الحجاب، وفرض الاختلاط، عليهم من الله ما يستحقون.
ثانيا: من يلومنا - إلا بارد قلب - إذا أخذتنا الحمية على أعراضنا والغيرة على محارمنا؛ لأنها الضحية؛ ولو كان مالا وعرضا من الدنيا قريبا لكان أهون؛ أما والهدف محارمنا، والضحية أعراضنا فدونها الأنفس وما ملكت.
إن هؤلاء المفسدين دعاة الرذيلة لو مارسوا ما يدعون إليه في أنفسهم أو حتى أهليهم وصمتوا لكان الخطب أيسر، ولو تكلموا في حدود السؤال دون تآمر مع المفسدين والمفسدات، وتواطؤ مع قنوات العهر والرذيلة؛ لكان الأمر أهون، لكنهم ينشرون ما وسعهم النشر ويصرخون حتى تنقطع أصواتهم، ويُقبلون بالتحريض والإغراء للمراهقات دعوة لهن إلى التمرد على الآباء والأهلين، ولم بكتفوا بذلك حتى جازفوا بأثمن ما لدى الرجل الشهم الكريم فضحوا به ليضربوا بذلك مثلا ويكونوا قدوة؛ ولعمرو الله ما فعله العلمانيون واللبراليون، فإنا إلى الله راجعون.
ثالثا: أن الراصد - وخاصة في الخارج - لهذه المعارك المثارة والمفتعلة ليخيل إليه أن لدى كل باب ومسكن ومدرسة ومسجد ومعمل ومتجر رقيبا ومحتسبا حسيبا وأن كل امرأة في البلد قد فرغ لها جندي أو جلاد يسوطها كلما بان منها ظفر ويزجرها كلما طرفت لها عين، ويلطمها كلما ردت على مسلم سلاما، هذا تهويلهم وتضخيمهم، والواقع أن من البنات والنساء من تتراخى في أمر الحجاب وتكشف الوجه فما فوقه منذ سنين، إن لم يكن لها من خوف الله وازع، ومن وليها رادع، وهم يعلمون ذلك، فلا الحريات مصادرة ولا سلطان لمحتسب على سافرة ولا حتى متبرجة؛ وعسى أن يقدر المحتسبون على ردع أرباب الفواحش العظائم كقضايا الابتزاز والاستدراج والزنا، في ظل يحموم هذا التهويش والتهويل والحرب الباغية منهم!
فإذا لامعنى لتهويلهم وإرجافهم وحربهم القذرة إلا أمران أحدهما أو كلاهما:
1/محاولة صنع رأي عام ومطالبة مجتمعية تحمل السلطات على تحريم الحجاب والنقاب وتجريمهما، بحجة الأمن والتخفي وغيرهما وليفرض حجاب رسمي كما فعلت دول مجاورة أعاذ الله بلادنا وولاتنا ونساءنا من ذلك.
2/ تمريد البنات وتحريض الفتيات لنبذ الحجاب وطرحه والتمرد على البيت والراعي والمجتمع.
رابعا: ومما يدلك على أنهم أصحاب هوى وأرباب فتنة تجاسرهم - على قلة تحصيلهم وكساد بضاعتهم وخمول مواهبهم - على خوض قضايا ضخام ومسائل عظام، وتجرئتهم سفهاء اللبرال وسفيهاته على خوضها معهم، والعاقل فضلا عن التقي لو عرضت له نازلة تخصه وأهله لفكر وقدر وقدم وأخر واستنار واستشار واتهم رأيه ونظر في رأي المخالف قبل المؤالف؛ فكيف بقضايا تمس الأمة في أقدس ما لديها من حرمات وأعراض، ثم مع ذلك يتهمون جمهور الأمة وسوادها بالتهور والتهوّك، رمتني بدائها وانسلت.
خامسا: لابد أن نعي جيدا أن المنافقين والعلمانيين وعملاء الأعداء أفلسوا في حربهم، وخيب الله ظنونهم وما كان لهم لدى بنات المسلمين أقل ثقة، فعمدوا إلى فتح وكالات شرعية؛ كالسلع الخارجية التي تسوق في بلادنا عبر وكلاء ووكالات محلية، والتاريخ يتكرر، وما أشبه ليلتنا ببارحة مصر حينما استخدمت اللحى لحرب الحجاب فكان رفاعة طهطاوي وكتابه تخليص الإبريز في تلخيص باريز وكان قاسم أمين وكتابه تحرير المرأة.
وأخيرا: فلن ينضم لفريق هؤلاء المضلين ولن ينضوي تحت رايتهم ولن يدافع عنهم من المحسوبين على القرآن والحديث والدعوة إلا مريض قلب أظلم الحسد قلبه وأضل عقله، أو موتور في وظيفة، أو موجوع من عزلة هو من فرضها على نفسه بسبب آرائه الشاذة؛ فطفق يصفي حساباته بطريقة لا أخلاقية، وظنك ببعضهم أن الكفار الصرحاء والباطنيين العملاء لو دخلوا بلادا هم فيها ثم سألوهم الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا، كفانا الله شرورهم ورد كيدهم إلا نحورهم.
وهذه أبيات في الحجاب قيلت في مناسبة سابقة:
لمّا توارتْ بالحجابْ. . لمعَتْ كواكبها العِذاب
وتألّق القمر المفضّضُ فوق غُرّتها وذابْ
نجلاء ترمي من شهاب كامنٍ خلف النقابْ
إن غار منها أو أغارَ الحسنُ يرجمْه الشهابْ
هي كعبةُ الطهر التي خُفرت بديباج الثياب
وتلألأ السطر المذهّبُ في ترائبها الكَعابْ
في آيةٍ غرّاء تحكي الطهر من أمّ الكتاب
هي قبلةُ الحسن التي. . يهفو لنضرتها اللُباب
ويطوف باغي الطهر يخطب ودّها أسِفَ الخطاب
كم من بيوت نُمّقت. . جرداءَ كالقفر اليبابْ
لا طائفٌ فيها ولا. . عَين بها فُتنت صَباب
والقلب يهفو للمخفّرة المحصّنة الجناب
سوداءَ في حرمٍ يحيط بها يكلّلها المَهاب
أيريدها الأنذال عُريًا لا ثياب ولا حجاب ؟!
يا لَلبشاعة يالَقبح العُرْيِ ياشؤم استلاب
يا قبح لحم بارزٍ. . تعدو فتنهشه الكلاب
تسطو عليه بمخلبٍ. . عادٍ يمزقه ( وناب)
عجبي، كرائمُ في فرنسا قاتلت رغم الصعاب
كي يحتجبن، وفي بلادي ! ذلك الشيئ العُجاب
بنتَ العقيدة أحبطي. . كيد الجلاوزة الذئاب
ردي عليهم لا أبا. . لهمو وسفّيهم تراب
قولي: لهم أنا لست منكم يا أُذينِبة الذناب
أنا رأس كل فضيلةٌ. . أسمو وألتمس السحاب
علّي أكون مع المفضّلة المكرّمة الصِحاب
مع خولةٍ ونسيبةٍ. . ومع الرُّبيِّع والرباب
يا من خدعت بوسمهم. . فجريتِ في طلب السراب
عودي فلاماءُ به. . قبل الهلاك ولا شراب
عتبي عليكِ مضاعفٌ. . وعلى المؤمَلَة العتاب
أمّا العقيمُ فما بها. . أملٌ فيا ربّي المتاب
التعليقات