عناصر الخطبة
1/ وسطية الإسلام 2/ من صور الغلو الذي ابتليت به الأمة 3/ نتائج هذا الغلو 4/ أسبابه 5/ دور الآباء والعلماء والدعاة في تحصين الشباب منه 6/ من فضائل رمضان 7/ التشمير لاستقبالهاهداف الخطبة
اقتباس
وأنتُم تعلمونَ في وقتِنَا الحاضرِ ما طالَ أمتنَا من فواجعَ ومآسٍ من أصحابِ الفكرِ الضالِ والغالين في الدينِ، وما وصلوا إليه من انحرافٍ عن الطريقِ القويمِ، وما وقعوا فيه من مخالفاتٍ جسيمةٍ وخطيرةٍ من الإفسادِ والتخريبِ والقتلِ للأنفسِ المعصومةِ؛ وكلُّ ذلكَ بسببِ بعدهِم عن منهجِ القرآنِ العظيمِ، وتأثرِهم بالأفكارِ المنحرفةِ والهدامةِ، وسيرِهم وراءَ كلِ ناعقٍ وصاحبِ هوى، فأفرزَ ذلكَ خروجاً عن منهجِ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ، ومخالفة وليِّ الأمرِ.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشْهدُ أنْ لا إِله إِلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له، وأشْهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آله وأصحابِه والتابعينَ لهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليماً مزيدا.
أما بعدُ: فأوصيكم -عبادَ اللهِ- ونفسي بتقوى اللهِ -جل وعلا-، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
عباد الله: القرآنُ الكريمُ هدايةُ اللهِ للعالمين، وهو المصدرُ الأساسُ لتربيةِ الأمةِ، وهو الطريقُ القويمُ الذي يسمو بالإنسانِ إلى أكرمِ الصفاتِ وأعاليها، وينظِّمُ حياتَه من جميعِ أبعادِها، بصلتِه بربِه، ومجتمعِه، وأمتِه، والناسِ أجمعين.
وقد تضمَّنَ هذا القرآن العظيم منهجاً كاملاً وشافياً لكلِ ما يحتاجُه المسلمُ في أمرِ دنياه وآخرتِه، وصدق الله العظيم: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة:3].
وجاءتْ السنةُ النبويةُ المطهرةُ شاملةً كاملةً لما فيه مصلحةُ العبادِ والبلادِ، فمن خرجَ عنهُما ضلَّ وأضلَّ.
ومما جاءَ بهِ الشرعُ الكريمُ الحرصُ على الوسطيةِ في الأمورِ كلِّها، والبعدُ عن الغلوِّ والتشدِّد، قال -جل وعلا-: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ) [المائدة:77]، وقد نبَّهنَا نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- إلى أهميةِ اليسرِ والوسطيةِ واستمالةِ قلوبِ الناسِ بقولِه: "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا" رواه البخاري ومسلم.
قال بعضُ السلفِ: "ما أمرَ اللهُ -تعالى- بأمرٍ إلا وللشيطانِ فيهِ نزعتانِ، فإمَّا إلى غلوٍ وإمَّا إلى تقصيرٍ، فبأيِّهمَا ظَفرَ قَـنِعْ".
ونحنُ نعرفُ قصةَ الثلاثةِ الذين تقالُّوا أعمالَهم فحاولوا الغـلوَّ، أي: الزيادة على أفعالِ الرسولِ -صلى الله عليه وسلم-، فقـال أحدُهم: أنا أصلّي الليلَ أبداً، وقال الثاني: وأنا أصومُ الدهرَ ولا أفطر، وقال الثالثُ: وأنا أعتزلُ النساءَ فلا أتزوجُ أبدا. فقال الرسولُ -صلى الله عليه وسلم-: "أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" رواه البخاري.
وأنتُم تعلمونَ في وقتِنَا الحاضرِ ما طالَ أمتنَا من فواجعَ ومآسٍ من أصحابِ الفكرِ الضالِ والغالين في الدينِ، وما وصلوا إليه من انحرافٍ عن الطريقِ القويمِ، وما وقعوا فيه من مخالفاتٍ جسيمةٍ وخطيرةٍ من الإفسادِ والتخريبِ والقتلِ للأنفسِ المعصومةِ؛ وكلُّ ذلكَ بسببِ بعدهِم عن منهجِ القرآنِ العظيمِ، وتأثرِهم بالأفكارِ المنحرفةِ والهدامةِ، وسيرِهم وراءَ كلِ ناعقٍ وصاحبِ هوى، فأفرزَ ذلكَ خروجاً عن منهجِ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ، ومخالفة وليِّ الأمرِ.
إن تلكَ الممارساتِ التي تؤسّس لها تلك الجماعاتُ المتشددةُ ذاتُ أثرٍ سلبيٍ على بلادِ الإسلامِ باعتبارِ أنَّها ترسمُ صورةً مغايرةً له، وهو ما يضرُّ به وبأهلِه في المقامِ الأولِ، والمسلمُ الحقُّ لا يرضى بذلك أبداً؛ لعلمه بسماحةِ الإسلامِ، ونبذِه للعنفِ.
عباد الله: إن للغلوِّ صوراً كثيرةً عند هذه الجماعاتِ لا يعلمُها كثيرٌ من الشباب، ومن ذلك: تفسيرهم لنصوصِ الكتابِ والسنةِ تفسيراً متشددًا، مع التكلُّفِ والتعمُّقِ في معاني التنزيلِ، والغلوّ في الأحكامِ وذلك بإلزامِ النفسِ أو الآخرين بما لم يوجبه اللهُ -عزَّ وجلَّ-، تعبداً وترهباً، وتحريمهم الطيباتِ التي أباحَها اللهُ -تعالى- على وجهِ التَّعبدِ، مع تركهِم الضرورياتِ أو بعضِها.
وخطورةُ هذا الغلوِّ تكمنُ في اعتقادِ أصحابهِ بأنَّهم على الحقِّ، وأنَّ جميعَ من يخالفُونهُم هم على الباطلِ، وهذا هو انتكاسُ الفكرِ والعقلِ.
ويعملُ هذا الفكرِ -أيضاً- على تفريقِ كلمةِ المسلمين وإضعافِ شوكتهِم، وقتلِ المسلمينَ وتكفيرهِم، وهو من أعظمِ أسبابِ الفُرقةِ والشتاتِ والنزاعِ والشقاقِ.
عباد الله: ومن أسبابِ وجودِ الغلوِ في شبابِ الأمةِ اليوم ما يلي:
أولا: تَفرُّق الأمةِ الإسلاميةِ وتشعبُها إلى فرقٍ وأحزابٍ ومسمياتٍ لا تمتُّ إلى الدينِ بصلة. ومعلومٌ أنَّ قوةَ الأمةِ تكمنُ في وحدتِها، واجتماعِ كلمتِها، وسلامةِ منهجها.
ثانياً: قلةُ العلمِ الشرعيِ، والبعد عن تعاليمِ الدينِ القويمِ، مما جعلَ لتلكَ الجماعاتِ تأثيراً قوياً على كثيرٍ من المسلمين، وخاصةً الشبابَ؛ فانحرفوا بهم عن الجادِة.
ثالثا: تلقي العلم أو بعضِه من صغارِ الأسنانِ، ودعاةِ السوءِ والفتنةِ، والزهد في العلماءِ الربانيين وعدم الرجوعِ إليهِم في كثيرٍ من الملماتِ والأحداثِ والشبهاتِ، مما مكَّن دعاة الباطلِ من بثِّ الشبهاتِ التي جرَّت إلى الوقوعِ في براثنهِم.
رابعا: التعالي والغرورُ، والتكبر على العلماءِ، واحتقار عوامِّ الناسِ، والقدح في إيمانهِم وإسلامهِم، مع أنَّ أكثرَهم لا يعرفُ بديهياتِ العلمِ، فضلاً عن بعضِ الأحكامِ الشرعيةِ وقواعدِ الدينِ الأصيلة.
خامسا: التنطُّعُ والتشدّدُ والخروجُ عن منهجِ الاعتدالِ في الدينِ، وهذه من أبرزِ سماتهِم.
سادسا: ضعفُ جانبِ الحكمةِ في الدعوةِ لدى كثيرٍ من الشبابِ المسلمِ المتدينِ، مع قلةِ مراعاتهِم لقاعدةِ: درء المفاسدِ مقدمٌ على جلبِ المصالحِ.
سابعا: الخللُ في بعضِ مناهجِ الدعواتِ المعاصرةِ؛ حيثُ إن أغلبها تعتمدُ على الشحنِ العاطفيِ، وتربيةِ الأتباعِ على الاهتمامِ بالأمورِ والغاياتِ الدنيويةِ البحتةِ، وحشوِ أذهانهِم بأفكارٍ ومفاهيمَ لم تؤصَّل شرعاً.
ثامنا: عدمُ الحرصِ على الجماعةِ، وتحقيقِ الأمنِ، والتجردِ من الهوى والعصبيةِ، وفقدانُهم لفقهِ التعاملِ مع المخالفِين.
تاسعا: تصدُّرُ حدثَاءِ الأسنانِ وسفهاء الأحلامِ للدعوةِ بلا علمٍ ولا فقهٍ، فأفتوا بغيرِ علمٍ، وحَكَمُوا في الأمورِ بلا فقهٍ.
عباد الله: كلُّ ما ذكرتُه لكم يُبينُّ خطورةِ هذا الفكر الضَّال، وأثرَه على شبابِ الأمةِ، وأنتم ترونَ ما عاد به هذا الفكر على بلادِنا، وبلادِ المسلمينَ عامةً.
فالواجبُ على أولياءِ الأمورِ المحافظةُ على أبنائِهم من تأثيرِ هذا الفكرِ الخطيرِ؛ استجابة لقول الله -جل وعلا-:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم:6]. وقولِ رسولِه -صلى الله عليه وسلم-: "أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ" متفق عليه، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ" متفق عليه. وخاصةً في هذا الوقتِ العصيبِ الذي اختلطَ فيهِ الحقُ والباطلُ، وانحرفتْ أفهامُ كثير من الناسِ عن الصوابِ.
وعلى أولياءِ أمورِ الناشئةِ تحذيرهم من هذا الصنفِ الخطيرِ الذين هم من بني جلدتِنا، ويتكلمونَ بألسنتِنا، ويعيشُونَ في أوساطِنَا، ممنَ يزيِّنونَ للشبابِ التكفيرَ، وأعمال التفجيرِ، والقتلَ، باسمِ الجهادِ في سبيلِ اللهِ؛ وتحصينُهم بالعلمِ الشرعيِ المبنيِ على الكتابِ والسنةِ وفهمِ علماءِ الأمةِ، وتوجيههم إلى طريقِ سلفِ الأمةِ الصالحِ في التعاملِ مع القضايَا والمستجداتِ. يقولُ حذيفة بن اليمانِ -رضي الله عنه-: "لا تضرُّكَ الفتنةُ ما عرفتَ دينَك، إنما الفتنةُ إذا التبسَ عليكَ الحقُّ بالباطل". ويقولُ الحسنُ البصريُّ -رحمه الله-: "الفتنةُ إذا أقبلتْ عَرفَها كلُّ عالمٍ، وإذا أدبرتْ عرفها الجاهلُ".
وعليهم توجيههم إلى الأخذِ عن العلماءِ الراسخينَ المعتبرينَ المعروفينَ بسلامةِ المنهجِ والرأيِ السديدِ، وتحذيرهم من المتعالمينَ والمتسرعينَ في الأمورِ أو المتجاسرِينَ على الفتيا، خاصةً فيما يتعلقُ بالأمورِ العامةِ ومصيرِ الأمةِ.
وعليهم توجيههم لانتقاء الصحبةِ، فإنَّ لهَا أثراً كبيراً في تكوينِ فكرِ النشءِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "الرجلُ على دينِ خليلِه، فلينظرْ أحدُكم من يخالل" رواه أبو داود والترمذي.
وعلى العلماءِ والدعاةِ والمربينَ تقويةُ جانبِ التوجيهِ والتثقيفِ بالحوارِ مع الشبابِ، عن طريقِ المحاضراتِ والدروسِ واللقاءاتِ، وأن تتسعَ صدورُهم للحوارِ الهادفِ، وقبولِ النقدِ البنَّاءِ، واستيعابِ الآراءِ واحترامِها.
وصدق الله العظيم:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون) [آل عمران:102- 103].
بارك اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ. أقولُ ما سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفرْ لي ولكم؛ إنه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على فضلِه وإحسانِه، والشُّكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له تعظيماً لشأنِه، وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه الداعي إلى جنتهِ ورضوانِه، صلى الله عليه وآله وصحبِه ومن سارَ على نهجِه إلى يومِ الدينِ، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله -جل وعلا-، واعلموا أنَّ الطريقَ إلى الجنَّةِ يحتاجُ إلى إخلاصٍ وعملٍ.
عباد الله: غداً أو بعد غدٍ يحلُّ علينا أعظمُ شهورِ العامِ وأكرمُها، وأحبُّها إلى القلوبِ، إنه شهرُ رمضانَ المباركِ، شهرُ الصيامِ، والقيامِ، والعتقِ من النيرانِ، شهرُ زيادةِ الإيمانِ، وسلامةِ الأبدانِ، شهرُ البذلِ والجودِ والعطاءِ، شهرُ التسامحِ والتصافِي بين القلوبِ، شهرُ التوبةِ والأوبةِ والاستغفارِ، شهرُ التصالحِ مع اللهِ والرجوعِ إليهِ، شهرُ غفرانِ الذنوبِ ومحوِ السيئاتِ ورفعِ الدرجاتِ، شهرُ الدعاءِ والتضرعِ والبكاءِ من خشيةِ اللهِ، شهرٌ تفتحُ فيهِ أبوابُ الجنانِ، وتغلقُ فيهِ أبوابُ النيرانِ، وتصفدُ فيه مردةُ الشياطينِ والجانّ، شهرٌ تسمُو فيهِ أرواحُ المؤمنينَ إلى أعالي السماءِ، وتتعلَّقُ فيهِ القلوبُ بسعةِ رحمةِ اللهِ، شهرٌ يعودُ فيهِ المسيئُونَ والمقصرون إلى كنفِ مولاهم وخالقِهم يستعينون به -سبحانه- على طاعتِه ومرضاتِه، ويتداركُونَ ما فاتَ من تهاونٍ طوته سنون أعمارهِم، ويستفيقُ فيهِ المذنبونَ من غفلتهِم وإعراضِهم، فيقلعونَ عمَّا كانُوا يقعونَ فيه من ذنوبِهم.
فهلموا يا عباد الله! إنها فرصةٌ عظيمةٌ أن يمنَّ اللهُ علينا ببلوغِ شهرهِ المباركِ، فلا أقلَّ من أن نشكرَ هذه النعمة العظيمة بتغير حالِنا، وأن نسألهَ -سبحانَه- الإعانةَ على كلِّ ما يرضيه عنا، إنها فرصةٌ ربما لا نبلُغها مرةً أخرى، فبادرُوا وسارعُوا وشمروا عن ساعدِ الجدِّ، واجتهدوا في هذا الشهرِ الفاضلِ، وقدِّموا لأنفسكم ما يثقِّلُ بهِ موازينَكم يوم تلقونَه. قال الحسنُ البصريُّ -رحمه الله-: "إنَّ اللهَ جعل رمضانَ مضماراً لخلقِه، يستبقون فيه إلى مرضاتِه، فسبقَ قومٌ ففازُوا، وتخلَّف آخرونَ فخابُوا. فالعجبُ من اللاعبِ الضاحكِ، في اليومِ الذي يفوز فيه المحسنونَ، ويخسرُ فيه المبطلون!".
فعلى كلِّ واحدٍ منَّا أن يعقدَ العزمَ على اغتنامِه وعمارِة أوقاتِه بالأعمالِ الصالحةِ، بالمحافظةِ على الصلواتِ في بيوتِ اللهِ، والإكثارِ من النوافلِ، وخاصةً صلاةَ التراويحِ، وتلاوةِ القرآنِ، والصدقةِ، وإفطار الصائمين، والسعي في حاجاتِ المسلمين، والدعاء، والذكر، والتوبة، والاستغفار، وغير ذلك من أبوابِ الطاعاتِ الكثيرةِ التي يسَّرها اللهُ لعبادِه. واعلموا أنَّ من صدقَ مع اللهِ صدقهُ اللهُ، وأعانَه على طاعتهِ، ويسَّر لهُ سبلَ الخيرِ.
أسألُ اللهُ -جل وعلا- كما منَّ علينَا ببلوغِ شهرهِ أن يباركَ لنا فيه، وأن يعيننا على كلِّ عملٍ صالحٍ يرضيهِ عنَّا، وأن يتقبَلهُ منا؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى، فقد أمركم الله بذلك فقال جلَّ من قائل عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
التعليقات