عناصر الخطبة
1/توبة المؤمن قبل الموت 2/التحذير من الغفلة 3/وجوب ترك المعاصي والابتعاد عنه 4/الأعمال بالخواتيم 5/وجوب التوبة على جميع أفراد الأمةاقتباس
تَصَوَّرِ المَلَكَينِ عِندَمَا تُوَسَّدُ في قَبرِكَ وَحِيدَاً فَرِيدَاً، ويَسأَلانِكَ مَن رَبُّكَ؟ وما دِينُكَ؟ ومَن نَبِيُّكَ؟ تَصَوَّرْ حَالَكَ هل سَتَرَى هذينِ المَلَكَينِ بأجمَلِ صُورَةٍ أم بأقبَحِ صُورَةٍ؟ تَصَوَّرْ هل سَيُثَبِّتُكَ اللهُ -تعالى- بالقَولِ الثَّابِتِ أم سَيَكِلُكَ إلى نَفسِكَ؟ تَصَوَّرْ هل سَيُقَالُ لَكَ: اُنظُرْ إلى مَقعَدِكَ من النَّارِ قد أبدَلَكَ اللهُ عِوَضَاً عَنهُ مَقعَدَاً في الجَنَّةِ, أم العَكسُ؟..
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيَا عِبَادَ اللهِ: العَبدُ المُؤمِنُ الحَقُّ هوَ الذي يَغتَنِمُ أنفَاسَ عُمُرِهِ في التَّوبَةِ للهِ -عزَّ وجلَّ-, قَبلَ أن تَقَعَ رُوحُهُ في الغَرغَرَةِ, لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ"(رواه الإمام أَحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عنهُما-).
فالمُؤمِنُ الحَقُّ فِينَا مَن جَعَلَ المَوتَ نُصبَ عَينَيهِ, واستَعَدَّ لِلِقَاءِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-, وتَفَقَّدَ نَفسَهُ مِنْ قِبَلِ الصَّلاةِ هَل هوَ مُحَافِظٌ عَلَيهَا أم لا؟ ومِنْ قِبَلِ الصِّيَامِ هَل هوَ مُحَافِظٌ عَلَيهِ أم لا؟ ومِنْ قِبَلِ الزَّكَاةِ هَل أَدَّاهَا كَامِلَةً أَم لَا؟ ومِنْ قِبَلِ حُقُوقِ العِبَادِ هَل أَبرَأَ ذِمَّتَهُ أَم لَا؟ ومِنْ قِبَلِ أمَانَاتِهِ هَل أَدَّى الأمَانَاتِ إلى أهلِهَا أَم لَا؟
يَا عِبَادَ اللهِ: قُولُوا للعَبدِ الغَافِلِ عنِ اللهِ -تعالى- المُفَرِّطِ في حَقِّ اللهِ -تعالى-, وَحَقِّ العِبَادِ: يا أَيُّهَا الغَافِلُ المُفَرِّطُ:
أولاً: تَصَوَّرْ ظُهُورَ مَلَكِ المَوتِ أَمَامَكَ ومَعَهُ المَلائِكَةُ, إمَّا أن يُسْمِعُوكَ البُشرَى, وإمَّا أن يُسْمِعُوكَ الإِنذَارَ.
أَهلُ الاستِقَامَةِ يَسْمَعُونَ البُشرَى من المَلائِكَةِ: (أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ)[فصلت: 30 - 32].
وأمَّا أَهلُ الانحِرَافِ والضَّلالِ فَيَسمَعُونَ الإنذَارَ: (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا * وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا)[الفرقان: 22 - 23].
ثانياً: تَصَوَّرِ المَلَكَينِ عِندَمَا تُوَسَّدُ في قَبرِكَ وَحِيدَاً فَرِيدَاً، ويَسأَلانِكَ مَن رَبُّكَ؟ وما دِينُكَ؟ ومَن نَبِيُّكَ؟ تَصَوَّرْ حَالَكَ هل سَتَرَى هذينِ المَلَكَينِ بأجمَلِ صُورَةٍ أم بأقبَحِ صُورَةٍ؟ تَصَوَّرْ هل سَيُثَبِّتُكَ اللهُ -تعالى- بالقَولِ الثَّابِتِ أم سَيَكِلُكَ إلى نَفسِكَ؟ تَصَوَّرْ هل سَيُقَالُ لَكَ: اُنظُرْ إلى مَقعَدِكَ من النَّارِ قد أبدَلَكَ اللهُ عِوَضَاً عَنهُ مَقعَدَاً في الجَنَّةِ, أم العَكسُ؟
ثالثاً: تَصَوَّرْ نَفسَكَ عِندَمَا يَنشَقُّ قَبرُكَ وتَخرُجُ مُغبَرَّاً من غُبَارِ قَبرِكَ قَائِماً على قَدَمَيكَ, شَاخِصَاً بَصَرَكَ, حَافِيَاً عَارِيَاً, فلا تَسمَعُ في أرضِ المَحشَرِ إلا هَمسَاً, هل سَتُكسَى وتُقَادُ إلى ظِلِّ عَرشِ الرَّحمنِ, أم سَتَبقَى في أرضِ المَحشَرِ تَخُوضُ في عَرَقِكَ بِسَبَبِ ذُنُوبِكَ وخَطَايَاكَ؟
يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَكُفَّ عن المَعَاصِي والمُنكَرَاتِ والذُّنَوبِ قَبلَ أن نَمُوتَ؛ لأنَّ الذُنَوبَ والمَعَاصِيَ قَسَّتْ قُلُوبَنَا, وأنسَتِ الكَثِيرَ من النَّاسِ اللهَ -عزَّ وجلَّ- والدَّارَ الآخِرَةَ, ولأنَّهَا مَحَقَتِ البَرَكَةَ, وجَعَلَتِ الحَيَاةَ شَقَاءً وضَنكَاً, وأبعَدَتنَا عن السَّعَادَةِ.
يَا عِبَادَ اللهِ: الأُمُورُ بِخَوَاتِيمِهَا, فَلا يَغتَرَّ أَهلُ الطَّاعَةِ بِطَاعَتِهِم, ولا يَقنَطْ أَهلُ المَعَاصِي بِمَعَاصِيهِم, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى لَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ, وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا"(رواه الشيخان عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-).
يَا عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "المُؤمِنُ وَاهٍ -مُذنِبٌ -رَاقِعٌ -تَائِبٌ مُستَغفِرٌ-, فَسَعِيدٌ من هَلَكَ على رِقعِهِ"(رواه البَزَّارُ والطَّبَرَانِيُّ في الصَّغِيرِ والأوسَطِ).
يا من سَفَكَ الدِّمَاءَ: تُبْ إلى اللهِ -تعالى- قَبلَ مَوتِكَ.
يا من أَكَلَ أَموَالَ النَّاسِ بالبَاطِلِ: تُبْ إلى اللهِ -تعالى- قَبلَ مَوتِكَ.
يا من حَرَّضَ على إشعَالِ نَارِ الفِتنَةِ في هذا البَلَدِ: تُبْ إلى اللهِ -تعالى- قَبلَ مَوتِكَ.
يا من فَرَّقَ بَينَ الأَحِبَّةِ: تُبْ إلى اللهِ -تعالى- قَبلَ مَوتِكَ.
يا أَيُّهَا الشَّبَابُ: تُوبوا إلى اللهِ -تعالى- من المُخَالَفَاتِ الشَّرعِيَّةِ التي وَقَعتُم فِيهَا من خِلالِ الجَوَّالاتِ والكُمبيوتَرَاتِ والمَوَاقِعِ الالكِترُونِيَّةِ والشَّبَكَةِ العَنكَبُوتِيَّةِ قَبلَ أن تَمُوتُوا.
يا أَيُّهَا الأزوَاجُ: تُوبُوا إلى اللهِ -تعالى- قَبلَ أن تَمُوتُوا.
يا أَيُّهَا التَّجَّارُ: أَدُّوا زَكَاةَ أمَوالِكُم قَبلَ أن تَمُوتُوا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التحريم: 8].
اللَّهُمَّ ارزُقنَا تَوبَةً صَادِقَةً قَبلَ المَوتِ، آمين.
أقُولُ هَذا القَولَ, وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم, فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
التعليقات