عناصر الخطبة
1/ آيات الله تعالى في الخَلقِ والآفاق 2/ تناول القرآن الكريم المستفيض لآيات الغيث 3/ عِظَمُ هذه الآيات وضرورة التفكُّر والاعتبار بها 4/ سبب نزع بركة الغيث وكيفية السعي لاستزادتهاهداف الخطبة
اقتباس
والغيث المبارك الذي ينزله الله تعالى من السماء رزقا للعباد، وحياة للأرض وما عليها، ما هو إلا آية من آيات الله تعالى الدالة على ربوبيته وإلوهيته، ومظهر من مظاهر رحمته بعباده؛ وقد جاء في القرآن تأكيد هذا المعنى العظيم بأساليبَ متنوعةٍ في أكثرَ من ثلاثينَ موضعاً، مما يدل على عظيم هذه الآية الربانية الكونية، ولزوم التفكر فيها، والاعتبار بها ..
الحمد لله الخلاق العليم؛ خلق كل شيء بقدرته، ودبر ما خلق بحكمته، (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ) [الملك:14]، نحمده على نِعَمِهِ المتتابعة، ونشكره على آلائه المتواترة،لم يعامل عباده بخطئهم وإلا لأخذهم، فكلُ ابنِ آدم خطَّاء، ولم يحبس عطاءه عن الكافرين مع كفرهم، ولا أمسك رزقه عن العاصين رغم معصيتهم، بل نال رزقُه وخيرُه الناسَ كلهم، ووسع حلمه عباده مع جهلهم، (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) [الإسراء:20].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ دلَّ عبادَه عليه -سبحانه- بآياته السماوية والأرضية، ودلهم على عبادته بآياته الشرعية؛ فأرسل الرسل، وأنزل الكتب، وأبان السبيل، وأقام الحجة: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) [النساء:165].
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله تعالى حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلى الهل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعلموا أنه -سبحانه- غنيٌّ عنكم، وأنكم فقراء إليه، وأنه تعالى قادر عليكم، وأنتم عاجزون أمام قدرته، ولو عاملنا -سبحانه- بعدله لأهلكنا ولم يظلمنا، ولكنه يملي ويعفو: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ) [النحل:61]، وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لو يؤاخذني اللهُ وابن مريم بِما جنت هاتان -يعني الإبهام والتي تليها- لعذبنا ثم لم يظلمنا شيئا" صححه ابن حبان.
أيها الناس: عندما يتفكر المؤمن في الخلق والوجود يدرك عظيم نعمة الله تعالى عليه حين نصب الأدلة الدالة على وجوده وقدرته وعلمه وحكمته، ونوَّع البراهين القاطعة على ربوبيته وألوهيته؛ فكل المخلوقات صغيرها وكبيرها، حقيرها وجليلها، سفليّها وعلويّها، دلائل وبراهين على وجود الرب -جل جلاله- وعلى قدرته وربوبيته؛ ولذا كان إنكار ذلك من جحود المكابرة مع يقين النفس به، وليس مجرد جهل من المنكرين، (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) [النمل:14]، وقد ألزَمَهُم الله تعالى بالحجة الباهرة القاهرة حين قال -سبحانه-: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ) [الطُّور:35].
إن الله تعالى لما خلقنا زودنا بأدوات العلم والإدراك؛ لندرك بها حقائق الأشياء، ونتوصل به إلى العلم واليقين في أمورنا كلها، وأول ذلك وأعظمه معرفة ربنا -جل جلاله-، وما يجب له علينا من الإيمان والعمل الذي يوصلنا إلى مرضاته، فنواصينا بيده، وأرزاقنا عنده، ومصائرنا في الدنيا والآخرة إليه، لا ينفعنا أحد دونه، ولا يضرنا مخلوق إلا بقَدَره.
ووسائل العلم والإدراك هي الأسماع التي نسمع بها العلوم والمعارف من الوحي وغيره، والأبصار التي نبصر بها الدلائل والآيات، والعقول التي نفكر بها ونستنتج ونحلل، ونصل إلى النتيجة المهمة، وهي أن لهذا الخلق العظيم الكبير المتعدد في السماء والأرض خالقا أحدا أعظم وأكبر وأكمل مما خلق، وفي وسائل العلم هذه يقول ربنا تبارك وتعالى: (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:78].
وكل شيء في الوجود فهو آية على الموجِد، وكل مخلوق فهو دليل على الخالق، فآيات الله تعالى الدالة عليه لا يحصيها عدٌّ، ولا يحيط بها عقل؛ فكل ما في الوجود سواه تعالى آيات دالة عليه -سبحانه-، فمَن يحصي خلق الله تعالى وآياته عددا؟ ومَن يحيط بها علما سواه -سبحانه-؟! فويل لمن كفر بالله تعالى وهو يرى آياته -سبحانه- في كل شيء (وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَأَيَّ آَيَاتِ الله تُنْكِرُونَ) [غافر:81]، وفي آية أخرى: (كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ المَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [البقرة:73]، وفي آية ثالثة: (وَقُلِ الحَمْدُ لله سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا) [النمل:93].
والغيث المبارك الذي ينزله الله تعالى من السماء رزقا للعباد، وحياة للأرض وما عليها ما هو إلا آية من آيات الله تعالى الدالة على ربوبيته وإلوهيته، ومظهر من مظاهر رحمته بعباده؛ وقد جاء في القرآن تأكيد هذا المعنى العظيم بأساليبَ متنوعةٍ في أكثرَ من ثلاثينَ موضعاً، مما يدل على عظيم هذه الآية الربانية الكونية، ولزوم التفكر فيها، والاعتبار بها.
إنَّ في آيات القرآن الكريم تصريحاً بأن هذه العملية الكونية الكبيرة من إنشاء السحاب، وهطول الأمطار، وإنبات الأرض آية من آيات الله تعالى، قال الله -عز وجل-: (وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الرُّوم:24]، وفي آية أخرى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) [الرُّوم:46]، وفي آية ثالثة: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) [فصِّلت:39].
وأحيانا يخاطب الله تعالى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالنظر في هذه الآية الكونية العظيمة؛ لتثبيت قلبه، وتقوية عزمه أمام تكذيب المكذبين، وإنكار المنكرين: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) [الحج:63] وتكرر هذا المعنى في سورتي فاطرٍ والزمر.
وفي آيات أخرى يعيب الله تعالى على المكذبين تعطيل عقولهم وأسماعهم وأبصارهم عن رؤية هذه الآية العظيمة، كما في قوله -عز وجل-: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ المَاءَ إِلَى الأَرْضِ الجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ) [السجدة:27].
وتكرر هذا المعنى في سورة ق.
وفي آيات قرآنية أخرى تذييل بذكر وسائل تحصيل العلوم والمعارف وهي الأسماع والأبصار والعقول عند ذكر آية نزول الغيث، وإحياء الأرض به؛ مما يدل على أنها آية محسوسة تدركها الأسماع والأبصار والعقول، قال الله تعالى: (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) [النحل:65]، وفي البقرة: (لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة:164]، وفي النحل: (لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل:11]، وفي طه: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى) [طه:54]، وفي الزمر: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ) [الزُّمر:21]، وفي السجدة: (أَفَلَا يُبْصِرُونَ) [السجدة:27]، وكل هذه الآيات القرآنية المختومة بالتفكر والعقل والسمع والبصر جاء فيها آية إنزال الماء من السماء لإحياء الأرض، وإنبات الزرع.
بل جاء ذلك صريحا في قول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) [غافر:13].
وفي آيات أخرى يعيب الله تعالى على من أشركوا به -عز وجل- مع إقرارهم بأن الغيث لا ينزله إلا الله تعالى، وأن الأرض لا ينبتها إلا هو -سبحانه-، ويبين تناقضهم، وتهافت حجتهم، وخطأ مسلكهم، وضعف عقولهم: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الحَمْدُ لله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) [العنكبوت:63]، وفي النمل (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ الله بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل:60]. وتكرر هذا المعنى في الزخرف.
وفي آيات أُخَرَ يبين -سبحانه- لعباده ضعفهم وعجزهم وقلة حيلتهم أمام حاجتهم للغيث، فهو -سبحانه- الذي يملكه، وهو الذي ينزله، وهو الذي يمسكه لهم في الأرض ولو شاء -سبحانه- لذهب به، وهو الذي جعله عذبا فراتا، ولو شاء لجعله ملحا أجاجا: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) [الحجر:22]، وفي آية أخرى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) [المؤمنون:18]، وفي ثالثة: (أَفَرَأَيْتُمُ المَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ المُزْنِ أَمْ نَحْنُ المُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) [الواقعة:68-70]، وفي رابعة: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) [الملك:30].
ومن كذَّب بالله تعالى مع مشاهدته لآية الغيث فويل له! (وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [المرسلات:27-28].
وبهذه الآية البينة -آية إنزال الغيث، وإحياء الأرض به- حاجج موسى -عليه السلام- فرعونَ في مناظرته له في الخالق -سبحانه-، فقال موسى -عليه السلام- يصف ربه تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى) [طه:53-54].
فيا لها من حجة بالغة، وآية باهرة، تدل على ربوبية الله تعالى وإلوهيته وقدرته وعظمته، وافتقار الخلق إليه في كل شئونهم، فمن ذا الذي يغيثهم، ويرزقهم، ويكشف ضراءهم، إلا ربُّهم؟!.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ الله فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [لقمان:10-11].
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران:131-132].
أيها المسلمون: حاجة الأرض وما عليها لغيث السماء يدركه كل العقلاء، ولا ينكره إلا المبطلون؛ ولذا يخاف الناس حبس القطر، وجدب الأرض؛ لأن نتيجته الجوع والقلة والهلاك.
والأصل أن الغيث الذي ينزله الله تعالى قد باركه؛ لأن الله تعالى وصفه بالبركة في قوله -سبحانه-: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحَصِيدِ) [ق:9].
ولكن هذه البركة قد تُنزع منه فلا ينتفع الناس به ولو كان كثيرا عاما في سائر الأقطار؛ كما جاء في حديث أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَيْسَتْ السَّنَةُ بِأَنْ لَا تُمْطَرُوا، وَلَكِنْ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا ولا تُنْبِتُ الْأَرْضُ شيئا" رواه مسلم.
وسبب نزع البركة من الغيث المبارك أن يقابل العباد هذه النعمة العظيمة بكفرها، ويقصروا في شكر الله تعالى عليها؛ كما ذكر الله تعالى جملة من النعم في سورة إبراهيم منها نعمة إنزال الغيث، ثم ذيل -سبحانه- ذلك بقوله -عز وجل-: (وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:34].
بل جاء في القرآن صريحا أن بركة الغيث، وبركة النبات والزرع تُنال بالتقوى، والتقوى هي فعل الأوامر، واجتناب النواهي، ومقابلة النعم بالشكر لا بالكفر: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف:96]، وبركات السماء هي الغيث، وبركات الأرض هي النبات.
وبنو إسرائيل لما قصَّروا في شكر ربهم، وتثاقلوا عن إقامة دينهم؛ عُوقبوا بنزع البركة، وجدب الأرض، ونضوب الماء، فقَصَّ الله تعالى علينا ما حدث لهم؛ لئلا نقع فيما وقعوا فيه من التقصير في الشكر، وكثرة العصيان، فيصيبنا ما أصابهم: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) [المائدة:66].
فلْنَشْكُر الله تعالى على ما أعطانا، ولْنَسْأله البركة فيما أنزل علينا، والشكر يكون بالقول والفعل، واجتناب ما حرم الله تعالى في البراري والمتنزَّهات، والمحافظة على فرائضه التي فرضها؛ فإن الشكر سبب لزيادة النعم ومباركتها، كما أن كفر النعمة يزيلها ويمحق بركتها.
وقد قال موسى -عليه السلام- لبني إسرائيل: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7]، ولكن بني إسرائيل لم يشكروا نعمة الله تعالى عليهم فنزعت البركة منهم، وأضيفت لكم يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ونُقلت الخيرية والتفضيل منهم إليكم، فكونوا أهل الخيرية والتفضيل كما منَّ الله تعالى به عليكم، ولا تسيروا سيرة أهل الكتاب فتُنزع منكم إلى غيركم: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد:38].
وصلوا وسلموا...
التعليقات