عناصر الخطبة
1/من سنن الله أن الفرج يعقب الشدة 2/دعاء النبي على قريش بالشدة والقحط 3/تفريج الله عنهم بعد اليأس والقنوط 4/وجوب التعلق بالله واللجوء إليهاقتباس
فَالْجَأْ إِلَى اللهِ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُ- حَقَّ اللُّجُوءِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَا مِنْ كُرْبَةٍ أَوْ شِدَّةٍ إِلَّا وَبِيَدِ اللهِ مِنَ الرَّحَمَاتِ وَالْبَرَكَاتِ مَا يُبَدِّلُ بِهِ الْأَحْوَالَ، وَيَمُنُّ بِهِ مِنَ الْبَشَائِرِ، فَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِكَ، وَشِفَاءِ مَرِيْضِكَ، وَإِسْعَادِ قَلْبِكَ، وَإِصْلَاحِ زَوْجِكَ وَوَلَدِكَ، فَالْجَأْ إِلَيْهِ، وَعَلِّقْ قَلْبَكَ بِهِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أما بعد: اتَّقُّوا اللهَ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ-، وَأَكْثِرُوا مِنْ دُعَائِهِ، وَتَلَمَّسُوا رَحَمَاتِهِ، (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[الأعراف: 56].
أَيَّهَا الْمُسْلِمُونَ: تَضِيقُ بِالْإِنْسَانِ أَحْوَالٌ، وَتَشْتَدُّ عَلَيْهِ خُطُوبٌ، وَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ اللهِ فِي خَلْقِهِ أَنَّ الْفَرَجَ يَعْقُبُ الشِّدَّةَ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا.
يَرْكَبُ جَمْعٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْفُلْكِ، حَتَّى إِذَا هَاجَ بِهِمُ الْبَحْرُ فِي لَيْلٍ دَامِسٍ، وَصَارَتْ أَمْوَاجُهُ مُوحِشَةً كَالْجِبَالِ، وَرَأَوُا الْمَوْتَ وَالْهَلَاكَ بَيْنَ أَعْيُنِهِم، دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّيْنَ فَأَنْجَاهُمْ، أَنَجَاهُمْ بَعْدَ يَأْسٍ وَقُنُوطٍ، وَشِدَّةٍ وَكُرْبَةٍ، لَكِنَّهَا رَحْمَةُ اللهِ إِذَا أَدْرَكَتِ الْكَافِرَ مِنْ خَلْقِهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ وَحَّدَهُ وَرَضِيَ بِهِ رَبًّا؟!.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ قُرَيْشًا تَأَخَّرُوا عَنِ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، وَعَانَدُوا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَدَعَا عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِم بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ"، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ، وَهِي الشِّدَّةُ وَالْقَحْطُ؛ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا، وَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ، وَيَرَى الرَّجُلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرَضِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنْ ضَعْفِ بَصَرِهِ بِسَبَبِ الْجُوعِ، أَوْ لِأَنَّ الْهَوَاءَ يُظْلِمُ عَامَ الْقَحْطِ؛ لِقِلَّةِ الْأَمْطَارِ وَكَثْرَةِ الْغُبَارِ.
فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ صَخْرُ بْنُ حَرْبٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، جِئْتَ تَأْمُرُنَا بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا -أَيْ: مِنَ الْجَدْبِ وَالْقَحْطِ وَالْجُوعِ بِدُعَائِكَ عَلَيْهِمْ- فَادْعُ اللهَ لَهُمْ أنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ، فَإِنْ كَشَفَ عَنَّا بِدُعَائِكَ آمَنُوا بِكَ، قَالَ: فَقَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ * أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ * إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ)[سورة الدخان: 10 - 15]، فَكَشَفَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْغَيْثَ وَالْمَطَرَ، وَهُوَ قَوْلُهُ -جَلَّ وَعَلَا-: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)[سورة الشورى: 28].
نَشَرَ اللهُ رَحْمَتَهُ، وَرَفَعَ الشِّدَّةَ عَنْهُمْ بَعْدَ أَنْ كَانُوا فِي بُؤْسٍ شَدِيدٍ، كَيْفَ وَهُوَ الْوَلِيُّ الَّذِي يُحْسِنُ إِلَى مُوَالِيِهِ، وَالْحَمِيدُ الَّذِي يُعْطِي مَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ، قَالَ مُقَاتِلٌ: "حَبَسَ اللهُ الْمَطَرَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ سَبْعَ سِنِيْنَ حَتَّى قَنِطُوا، ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ الْمَطَرَ فَذَكَّرَهُمُ اللهُ نِعْمَتَهُ".
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ رَحْمَةً بِالْكَافِرِ، وَرَفْعًا لِلشِّدَّةِ عَنْهُ، فَكَيْفَ بِمَنْ وَحَّدَ اللهَ وَرَضِيَ بِاللهِ رَبًّا؟!.
أقول هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِذَا أَيْقَنْتَ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُ- الْمُوَحِّدُ، بِأَنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى تَبْدِيلِ الْأَمْرِ، وَتَغْيِيرِ الْحَالِ، فَإِلَى مَنْ تَلْجَأُ، وَهُوَ الَّذِي يَنْشُرُ رَحْمَتَهُ؟ وَإِلَى مَنْ تَلُوذُ وَهُوَ مَنْ بَدَّلَ الْحَالَ بَعْدَ قُنُوطٍ؟ فَإِنَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- إِذَا أَصَابَتْ رَحْمَتُهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ جَاءَ الْفَرَحُ وَعَمَّتِ الْبُشْرَى.
وَإِنَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- إِذَا جَاءَ فَرَجُهُ، فَاسْتَبْشَرَ بِهِ عَبْدُهُ بَعْدَ قُنُوطٍ وَيَأْسٍ، فَلَا غَرَابَةَ أَنْ تَرَى مِنْ آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ مَا تَقَرُّ بِهِ الْعُيُونُ وَتَطْمَئِنُّ لِأَجْلِهِ النُّفُوسُ، يَتَغَيَّرُ الْحَالُ وَيَتَبَدَّلُ الْمَآلُ، فَالْمَيِّتُ يَحْيَى وَلَا عَجَبَ؛ (إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[سورة الروم: 50].
أَلَا فَالْجَأْ إِلَى اللهِ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُ- حَقَّ اللُّجُوءِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَا مِنْ كُرْبَةٍ أَوْ شِدَّةٍ إِلَّا وَبِيَدِ اللهِ مِنَ الرَّحَمَاتِ وَالْبَرَكَاتِ مَا يُبَدِّلُ بِهِ الْأَحْوَالَ، وَيَمُنُّ بِهِ مِنَ الْبَشَائِرِ، فَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِكَ، وَشِفَاءِ مَرِيْضِكَ، وَإِسْعَادِ قَلْبِكَ، وَإِصْلَاحِ زَوْجِكَ وَوَلَدِكَ، فَالْجَأْ إِلَيْهِ، وَعَلِّقْ قَلْبَكَ بِهِ، فَهُوَ الْمَلِكُ بِيَدِهِ خَزَائِنُ كُلِّ شَيْءٍ، لَا تَفْنَى خَزَائِنُهُ، وَلَا تَنْفَدُ أَرْزَاقُهُ.
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)[سورة الروم: 48].
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ، لَا غِنَى لَنَا عَنْ بَرَكَتِكَ وَجُودِكَ، أَسْبٍغَ عَلَيْنَا نِعَمَكَ، اِشْرَحْ صُدُورَنَا، وَيَسِّرْ أُمُورَنَا، اللَّهُمَّ كَمَا أَغَثْتَ الْبِلَادَ بِالْقَطْرِ وَالْمَطَرِ، فَأَغِثِ الْقُلُوبَ بِحُبِّكَ وَطَاعَتِكَ، وَحُسْنِ الظَّنِّ وَجَمِيلِ التَّعَلُّقِ بِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ مَا تَقِرُّ بِهِ عُيُونُنَا وَتَنْشَرِحُ بِهِ صُدُورُنَا إِنَّكَ وَاسِعُ الْفَضْلِ وَالْعَطَايَا وَالْمَغْفِرَةِ.
اللَّهُمَّ صِلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180 - 182].
التعليقات