عناصر الخطبة
1/ اهتمام الشريعة الإسلامية بتكوين الأسرة المسلمة وإصلاحها 2/ آثار العزوف عن الزواج 3/ أسباب ذلك العزوف 4/ حفاظ الشرع على الأسرة وتنفيره من الطلاق 5/ ارتفاع نسبة الطلاق مؤخرا 6/ وسائل ناجعة لعلاج هذه الظاهرةاهداف الخطبة
اقتباس
إِنَّ مِنَ الْمِنَنَ التِي يَعِيشُهَا الْإِنْسَانُ وُجُودَ الْأُسْرَةِ مِنْ زَوْجَةٍ وَأَوْلادٍ، فَإِنَّ الْمَرْءَ لَا يَطْمَئِنُّ إِلَّا فِي بَيْتِهِ وَلا يَسْكُنُ وَيَرْتَاحُ إِلَّا مَعَ زَوْجَتِهِ وَأُسْرَتِهِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا) [النحل:80]، وَقَالَ: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ الْوَاحِدِ الأَحَدِ، الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوَاً أَحَدٌ، الْحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَقَدَّرَ فَهَدَى.
أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الذِي خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى، مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْرِفُوا مَا تَفَضَّلَ اللهُ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنَ النِّعَمِ، وَاشْكُرُوهَا بِطَاعَتِهِ بِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيْهِ؛ فَإِنَّهُ بِالشُّكْرِ تَدُومُ النِّعَم وَبِالْمَعَاصِي تَحلُّ النِّقَم، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنَ الْمِنَنَ التِي يَعِيشُهَا الْإِنْسَانُ وُجُودَ الْأُسْرَةِ مِنْ زَوْجَةٍ وَأَوْلادٍ، فَإِنَّ الْمَرْءَ لَا يَطْمَئِنُّ إِلَّا فِي بَيْتِهِ وَلا يَسْكُنُ وَيَرْتَاحُ إِلَّا مَعَ زَوْجَتِهِ وَأُسْرَتِهِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا) [النحل:80]، وَقَالَ: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].
وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ الْعَظِيمَةُ بِالاهْتِمَامِ بِالْأُسْرَةِ وَالْحِرْصِ عَلَى تَكْوِينِهَا وَإِصْلَاحِهَا، فَجَاءَ الْأَمْرُ بِالزَّوَاجِ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
وَجَاءَ التَّرْغِيبُ فِيهِ بِأَنَّهُ سُنَّةُ أَعْظَمِ الْبَشَرِ وَهُمُ الرُّسُلُ -عَلَيْهِم الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، فَقَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً) [الرعد:38]، وَحَثَّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عَلَى تَكْثِيرِ النَّسْلِ، فَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ الْأَلْبَانِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ صُورِ اهْتِمَامِ شَرِيعَتِنَا بَأَمْرِ الزَّوَاجِ التَّرْغِيبُ فِي قِلَّةِ الْمَهْرِ وَتَيْسِيرِهِ، فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرُهُ" أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ والألباني.
وعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: "لا تُغَالُوا فِي صَدَاقِ النِّسَاءِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوًى عِنْدَ اللَّهِ كَانَ أَوْلاكُمْ وَأَحَقَّكُمْ بِهَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مَا أَصْدَقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُثَقِّلُ صَدَاقَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ، وَيَقُولُ: قَدْ كَلِفْتُ إِلَيْكِ عَلَقَ الْقِرْبَةِ" رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ فِي كَلامِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- تَنْبِيهاً مُهِمّاً جِدَّاً لِمَا يَحْصُلُ عِنْدَنَا الْيَوْمَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: "وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُثَقِّلُ صَدَاقَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ، وَيَقُولُ: قَدْ كَلِفْتُ إِلَيْكِ عَلَقَ الْقِرْبَةِ"، يَعْنِي: أَنَّ الزَّوْجَ قَدْ يَكْرَهُ زَوْجَتَهُ بِسَبِبِ كَثْرَةِ مَهْرِهَا، وَهَذَا وَاقِعٌ عِنْدَنَا الْيَوْمَ فَإِنَّ الشَّبَابَ صَارُوا يُثْقِلُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالاسْتِدَانَةِ مِنَ الْبُنُوكِ أَوْ غَيْرِهَا بِسَبَبِ تَكَالِيفِ الْمَهْرِ الْبَاهِظَةِ ثُمَّ يَبْقَى الْوَاحِدُ مِنْهُمْ السَّنَواتِ يُقَسِّطُ الْبَنْكَ لِسَدَادِ دَيْنِهِ، فَيَذْهَبُ رَاتِبُهُ وَالذِي هُوَ قَلِيلٌ فِي الْغَالِبِ، وَيحسُّ بِضِيقِ الْعَيْشِ، وَيُقَلْقِلُهُ الدَّيْنُ، فَإِذَا تَفَكَّرَ فَإِذَا الزَّوْجَةُ هِيَ سَبَبُ ذَلِكَ فَيَكْرَهُهَا وَرُبَّمَا تَطَوَّرَ الْأَمْرُ لِلطَّلَاقِ، كَمَا حَصَلَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْحَالَاتِ، بَلْ إِنَّهُ سَبَّبَ لَدَى بَعْضِ الشَّبَابِ الْعُزُوفَ عَنِ الزَّوَاجِ، وَتَأْجِيلَ التَّفْكِيرِ فِيهِ لِسَنَوَاتٍ حَتَّى يُكَوِّنَ نَفْسَهُ، مِمَّا أَدَّى إِلَى كَثْرَةِ الْعَوَانِسِ وَازْدِحَامِ الْبُيُوتِ بِهِنَّ، وَهَذَا أَمْرٌ ظَاهِرٌ.
بَلْ إِنَّ مِمَّا يُحَذَّرُ مِنْهُ وَبِشِدَّةٍ: أَنَّ الْعُزُوفَ عَنِ الزَّوَاجِ قَدْ سَبَّبَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْحَالَاتِ الْعِلَاقَاتِ الْمُحَرَّمَةَ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا الْخَطَرِ، وَخَاصَّةً بَعْدَ انْتِشَارِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْحَدِيثَةِ التِي تَعَرِضُ الْفَاحِشَةَ مُبَاشَرَةً وَتُسَهِّلُ وُصُولَ الشَّبَابِ لِلشَّابَّاتِ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ! لِأَنَّ هَذِهِ الْوَسَائِلَ تَعْرِضُ الْفَاحِشَةَ بِدُونُ تَحَفُّظٍ، بَلْ هُنَاكَ مَوَاقِعُ كَثِيرَةٌ مُتَخَصِّصَةٌ لِبَثِّ الْفَاحِشَةِ وَتَزْيِينِهَا، ثُمَّ يَقَعُ مَا لا تُحْمَدُ عُقْبَاهُ.
وإنَّ مِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ تَكَالِيفَ الزَّوَاجِ وَالْمُغَالَاةَ فِيهِ، سَوَاء فِي الْمَهْرِ أَوْ فِي الْوَلائِمِ أَوْ فِي قُصُورِ الْأَفْرَاح، ِأَوْ حَتَّى فِي كَثْرَةِ الْمُنَاسَبَاتِ قَبْلَ الزَّوَاجِ وَبَعْدَهُ، حَيْثُ تَكُونُ هُنَاكَ وَلائِمُ عِنْدَ الْخِطْبَةِ ثُمَّ وَلائِمُ عِنْدَ عَقْدِ الْقِرَانِ ثُمَّ وَلائِمُ عِنْدَ الدُّخْلَةِ، ثُمَّ ثُمَّ ثُمَّ...، وَمَعَ الْأَسَفِ! إنَّ النَّاسَ يُقَلِّدُ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً فِي الْمُبَاهَاةِ وَلا يُقَلِّدُونَ غَيْرَهُمْ فِي الاقتصاد!.
أَيُّهَا الْأَوْلِيَاءُ: إِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَاوَنَ فِي حِمَايَةِ أَهَالِينَا وَأُسَرِنَا مِنْ خَطَرِ الانْحِرَافِ بِتَرْكِ الزَّوَاجِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].
وَكَذَلِكَ نُحَذِّرُ مِنَ الْإِسْرَافِ فِي أَمْرِ وَلائِمِ الْعُرْسِ أَوْ مَا يَصْحَبُهُ مِنْ مُنَاسَبَاتٍ، وَنَقْتَصِدُ فِي ذَلِكَ، وَرَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَ- يَقُولُ: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّهُ مِمَّا يُوصَى بِهِ أَنَّ الْمَسْؤُولَ عَنِ الْوَلِيمَةِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَوَاصَلَ مَعَ الْجَمْعِيَّةِ الْخَيْرِيَّةِ فِي الْبَلَدِ وَيُخْبِرَهُمْ بِمَكَانِ الْعُرْسِ وَبِوَقْتِ انْتِهَاءِ الْعَشَاءِ حَتَّى يَحْضُرُوا وَيَأْخُذُوا مَا تَبَقَّى مِنَ الْأَكْلِ وَيُوَزِّعُوهُ عَلَى الْمُحْتَاجِينِ وَالْأُسَرِ الْفَقِيرَةِ، فَهَذَا خَيْرٌ وَأَحْسَنُ مِنْ وَضْعِهِ فِي صَنَادِيقِ الْقمَامَةِ أَوْ رَمْيِهِ فِي الْمَزَابِلِ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغِفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الطَّلَاقَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُفَتِّتُ الْأُسْرَةَ وَيَهْدِمُ بَيْتَ الْأُمِّ وَأَوْلَادِهَا وَيُشَتِّتُ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ؛ وَلِذَلِكَ جَاءَتِ الْأَدِلَّةُ بِالتَّحْذِيرِ مِنْهُ، حَتَّى جَعَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبْغَضَ الْحَلَالِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ كَسْرٌ لِلْمَرْأَةِ، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَبْغَضُ الْحَلَالِ عِنْدَ اللَّهِ الطَّلَاقُ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَوَّاهُ الشَّيْخُ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، وَفي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: "فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا".
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ ظاَهِرَةَ الطَّلَاقِ فِي مُجْتَمَعِنَا السُّعُودِيِّ مُخِيفَةٌ جِدَّاً، فَاقَتْ مَا يَقَعُ فِي دُولِ الْخَلِيجِ الْعَرَبِيِّ أَجْمَع، فَفِي عَامَيْ أربعة وثلاثين وخمسة وثلاثين وأربعمائة وألف للهجرة، فِي الْإِحْصَائِيَّاتِ الصَّادِرَةِ عَنْ وَزَارَةِ الْعَدْلِ، زَادَتْ حَالاتُ الطَّلاقِ عَلَى حَالاتِ الزَّوَاجِ بِثَلاثَةِ أَضْعَافٍ تَقْرِيبَاً حَسْبَ مَا أَوْرَدَتْهُ بَعْضُ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُفْزِعٌ وَمُقْلِقٌ؛ وإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ نَتَعَاوَنَ فِي عِلَاجِ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ وَهَذَا الْمَرْضِ الْخَطِيرِ الذِي يَهْدِمُ مُجْتَمَعَنَا.
وَإِنَّ مِنَ الْعِلَاجِ الْمُجَرَّبِ تَثْقِيفَ الشَّبَابِ والشَّابَّاتِ قَبْلَ الزَّوَاجِ فِي الْعَلَاقَةِ الزَّوْجِيَّةِ وَمَا تَتَطَلَّبَهُ مِنْ كُلٍّ مُنْهُمَا، وَقَدْ قَامَتْ بَعْضُ الْجَمْعِيَّاتِ الْخَيْرِيَّةِ بِعَقْدِ دَوْرَاتٍ لِلْجِنْسَيْنِ مِمَّنْ يُرِيدُونَ الزَّوَاجَ وَاشْتَرَطَتْ لِمُسَاعَدَتِهِمْ مَالِيَّاً أَنْ يَدْخُلُوا هَذِهِ الدَّوْرَاتِ التِي تُعْقَدُ لِذَلِكَ، وَقَدْ أَثْبَتَتْ نَجَاحَهَا بِحَمْدِ اللهِ، مَعَ أَنَّ مُدَّتَهَا لا تَتَجَاوَزُ أُسْبُوعَاً، لَكِنْ صَارَ لَهَا مَرْدُودٌ وَاضِحٌ وَأَثَرٌ فَعال فِي إِنْجِاحِ الْأُسْرَةِ، وَبَعْدَ مُتَابَعَةِ الذِينَ تَزَوَّجُوا بَعْدَ دُخُولِ هَذِهِ الدَّوْرَاتِ اتَّضَحَ قِلَّةُ حَالاتِ الطَّلَاقِ فِيهِمْ.
وَمِنَ الْعِلَاجِ: وُجُودُ جِهَّاتٍ مُخْتَصَّةٍ تُعْنَى بِحَلِّ الْمَشَاكِلِ الزَّوْجِيَّةِ، وَهَذِهِ مَوْجُودَةٌ فِي الْمَحَاكِمِ الشَّرْعِيَّةِ غَالِبَاً، لَكِنْ يَنْبَغِي تَفْعِيلُهَا بِشَكْلٍ أَكْبَر، وَتَثْقِيفُ الْمُجْتَمَعِ بِالتَّوَاصُلِ مَعَهَا.
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ أَحْوَالَنَا وَأَنْ يَجْعَلَ بُيُوتَنَا مُطْمَئِنَّةً، رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْم، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرّ، وَالْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ، وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ.
اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَاهْدِنَا سُبَلَ السَّلامِ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنْ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأْبَصَارِنَا وَقُلُوبِنَا، وَأَزْوَاجِنَا، وَذَرِّيَاتِنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَاجْعَلْنَا شاَكِرِينَ لِنِعَمَكِ، مُثْنِينَ بِهَا عَلَيْكَ، قَابِلِينَ لَهَا، وَأَتْمِمْهَا عَلَيْنَا. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ. وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين.
التعليقات