عناصر الخطبة
1/ كثرة الفتن وتلاطم أمواجها 2/ ذكر بعض العواصم المنجية من الفتن 3/ وجوب تعظيم حرمات المسلمين ودمائهم.اهداف الخطبة
اقتباس
إِنَّنَا فِي هَذَا الوَقْتِ نَمُرُّ بِجُمْلَةٍ مِنَ الأَحْدَاثِ وَكَثِيرٍ مِنَ الْمُتَغَيِّرَات، فَازْدَادَتِ الفِتَنُ وَأَجْلَبَ أَعْدَاءُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَتَنَادَوْا لِهَدْمِ دِينِنَا، وَاجْتَمَعُوا لِزَعْزَعَةِ مُجْتَمَعِنَا، وَعَاثَوْا لِتَفْرِيقِ صَفِّنَا، وَخَطَّطُوا لِتَغْيِيْرِ أَفْكَارِ شَبَابِنَا، وَلَابُدَّ حِيِنِئِذٍ لِلْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ مِنْ تَحْصِينٍ وَحِمَايَةٍ مِنْ هَذِهِ الفِتَنِ التِي تَلَاطَمَتْ أَمْوَاجُهَا، وَعَلا فِي الأُفُقِ غُبَارُهَا، وَأَوْجَعَتِ الْمُسْلِمِينَ آثَارُهَا. وَفِيمَا يَلِي جُمْلَةٌ مِنَ الْعَواصِمِ الْمُنْجِيَةِ -بِإِذْنِ اللهِ- مِنْ هَذِهِ الفِتَنِ لِمَنِ اسْتَمْسَكَ بِهَا...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا. مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَا.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنْ سُنَّةِ اللهِ فِي الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ أَنْ يَبْتَلِيَ مَا فِي صُدُورِهِمْ، وَيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ، بِأَنْوَاعِ الْفِتَنِ الْكَاشِفَةِ، وَالْمِحَنِ الْقَاهِرَة، لِيَعْلَمَ الذِينَ نَافَقُوا وَيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ. وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى (أَلم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت: 1- 3].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّنَا فِي هَذَا الوَقْتِ نَمُرُّ بِجُمْلَةٍ مِنَ الأَحْدَاثِ وَكَثِيرٍ مِنَ الْمُتَغَيِّرَات، فَازْدَادَتِ الفِتَنُ وَأَجْلَبَ أَعْدَاءُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَتَنَادَوْا لِهَدْمِ دِينِنَا، وَاجْتَمَعُوا لِزَعْزَعَةِ مُجْتَمَعِنَا، وَعَاثَوْا لِتَفْرِيقِ صَفِّنَا، وَخَطَّطُوا لِتَغْيِيْرِ أَفْكَارِ شَبَابِنَا، وَلَابُدَّ حِيِنِئِذٍ لِلْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ مِنْ تَحْصِينٍ وَحِمَايَةٍ مِنْ هَذِهِ الفِتَنِ التِي تَلَاطَمَتْ أَمْوَاجُهَا، وَعَلا فِي الأُفُقِ غُبَارُهَا، وَأَوْجَعَتِ الْمُسْلِمِينَ آثَارُهَا. وَفِيمَا يَلِي جُمْلَةٌ مِنَ الْعَواصِمِ الْمُنْجِيَةِ بِإِذْنِ اللهِ مِنْ هَذِهِ الفِتَنِ لِمَنِ اسْتَمْسَكَ بِهَا.
فَأَوَّلَاً: الاعْتَصَامُ بِاللهِ، قَالَ تَعَالَى: (وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [آل عمران: 101]، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: الاعْتِصَامُ بِاللهِ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ هُوَ الْعُمْدَةُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْعُدَّةُ فِي مُبَاعَدَةُ الْغِوَايَةِ، وَالْوَسِيلَةُ إِلَى الرَّشَادِ، وَطَرِيقُ السَّدَادِ، وَحُصُولِ الْمُرَادِ.
وَمِنَ الْاعْتِصَامِ بِاللهِ: الْفَزَعُ إِلَى الصَّلَاةِ، فَـالصَّلَاةُ نُورٌ. عَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ، صَلَّى. (رَوَاهُ أَبَو دَاوُدَ وَحَسَنَهُ الأَلْبَانِي).
ثَانِياً: مِنَ العَواصِمِ مِنَ الفِتَنِ: الاعْتِصَامُ بِكِتَابِ اللهِ: وَذَلِكَ بِتَعَلُّمِهِ وَتَفَهْمِهِ وَالعَمَلِ بِه، فَهَذَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ بِالنَّاسِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي الحَجِّ فَيَقُولُ: "وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللهِ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَوَصَفَ عَلَيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ- القُرْآنَ وَصْفاً عَجِيباً فقَالَ: "كِتَابُ اللهِ: فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ. هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ. مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللهُ. وَهُوَ حَبْلُ اللهِ الْمَتِينِ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتِقِيمُ. هُوَ الذِي لا تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلا تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، وَلا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ. هُوَ الذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنَاً عَجَبَاً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ".
ثَالِثاً: الاعْتِصَامُ بِسُّنَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَعَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ- قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولُ اللهِ: كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَأَوْصِنَا. قَالَ: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَعْشِ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافَاً كَثِيرَاً. فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وُسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ. وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتُ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ).
رَابِعاً: مِنَ العَوَاصِمِ مِنَ الفِتَنِ -بِإِذْنِ اللهِ- لُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ: وَهَذِهِ القَضِيَةُ قَضِيَةٌ كُبْرَى، وَمَعَ ذَلِكَ فقَدْ غَفَلَ عَنْها كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَخَاصَّةً الشَّبَابُ، قَالَ تَعَالَى (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) [آل عمران: 103].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمُ ثَلاثَاً وَيْسَخُطُ لَكُمْ ثَلاثَاً، يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئَاً، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً وَلا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ. وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاثَاً: قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَاعْلَمُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ اجْتِمَاعٌ لِكَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بِطَاعَةِ وَلِيِّ الأَمْرِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَة، وَلَمَّا كَانَ وَلِيُّ الأَمْرِ بَشْراً عُرْضَةً لِلْخَطَأِ وَالزَّلَلِ وَالنَّقْص، جَاءَتِ الأَدَلِّةُ بالتَّحْذِيرِ مِنَ الخُرُوجِ عَلَيْه، حَتَّى مَعَ وُجُودِ التَّقْصِيرِ مِنْه.
فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ-مَا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئَاً يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرَاً فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : "مَنْ خَلَعَ يَدَاً مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللهَ وَلا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ- قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، وُأُمُورَاً تُنْكِرُونَهَا"، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللهَ حَقَّكُمْ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
فَتَأَمَّلُوا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ فِي كَلامِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَيْفَ أَمَرَنَا بِأَدَاءِ حَقِّ وَلِيِّ الأَمْرِ حَتَّى لَوْ قَصَّرَ هُوَ فِي حَقِّنَا، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْمَصْلَحَةِ الكُبْرَى وَهِيَ الاجْتِمَاعِ وَاسْتِتْبَابِ الأَمْن.
وَعَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ- وَهُوَ مَرِيضُ قُلْنَا: حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنفَعُكُ اللهُ بِهِ، سَمْعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "دَعَانَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعْنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وُعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهَلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْ كُفْرَاً بَوَاحَاً، عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَإِنَّ مِنَ العَوَاصِمِ مِنَ الفِتْنَةِ: طَاعَةُ وَلِيِّ الأَمْرِ فِيْمَا رَأَى مِنَ التَّغْيِيِرَاتِ فِي الدَّوْلَةِ، لِأَنَّهُ يَنْظُرُ مِنْ جِهَةِ مَصْلَحَةِ الأُمَّةِ، فَيُغَيِّرُ وَيُبَدِّلُ فِي الْمَسْؤُولِيَّاتِ، وَيُوَلِّيِ مَنْ يَرَاهُ أَصْلَحَ لِإِدَارَةِ شُؤُونِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ مِنَ الدِّيْنِ وَلَا مِنَ العَقْلِ وَلَا الْحِكْمَةِ أَنْ يَتَدَخَّلَ عَامَةُ الشَّعْبِ وَآحَادُ النَّاسِ فَيُدْلِي بِرَأْيِهِ فِي هَذِهِ الأُمُور، وَإِنَّمَا عَلَيْنَا السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِي غَيْرِ مَعْصِيّةِ اللهِ.
أَسْأَلُ اللهَ بِمَنَّهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يَحْفَظَ دِينَنَا وَأَمْنَنَا وَأَنْ يُوَفِّقَ وُلاةَ أَمْرِنَا لِمَا يُحِبِّهُ وَيَرْضَاهُ وَأَنْ يَأْخُذَ بِنَواصِيهِمْ لِلْحَقِّ وَالصَّوَابِ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ!
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الخَامِسَ مِمَّا يَقِينَا مِنَ الفِتَنِ: تَعْظِيمُ حُرُمَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَدِمَائِهِمْ: قَالَ اللّهُ تَعَالَى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [النساء: 93]، وَعَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
فَإِيَّاكَ أَيُّهَا العَاقِلُ أَنْ تُولِجَ نَفْسَكَ فِي الْمَهَالِكِ فَتَمَسَّ مُسْلِماً بِغَيْرِ حَقٍّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ" (رواه مسلم).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنَ الْمُنْجِيَاتِ مِنَ الفِتْنَةِ بِإِذْنِ اللهِ: اعْتِزَالُهَا: فَلَا تُشَارِكْ فِيهَا بِيَدِكَ وِلَا بِلِسَانِكَ، وَلَا بِالسَّمَاعِ أَوْ قِرَاءَةِ أَخْبَارِ الفِتْنَةِ، وَالْزَمْ طَاعَةَ رَبِّكَ وَابْتَعِدْ عَمَّا لَا يَعْنِيْكَ.
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ، أَلَّا ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي فِيهَا، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي إِلَيْهَا، أَلَا فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ".
فَقَالَ رَجُلٌ يِا رَسُولَ اللهِ: أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلا غَنَمٌ وَلا أَرْضٌ؟ قَالَ: "يَعْمَدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ، ثُمِّ لَيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ. اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ! اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ! اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ!" فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقُ بِي إَلى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ أوْ إِحْدَى الْفِئَتَيْنِ، فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ، أَوْ يَجِئ َسَهْمٌ فيَقْتُلَنَي؟ قَالَ: "يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ، وَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
فَاللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقَّ حَقَّاً وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ، وَأَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلَاً وارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ، وَلا تَجْعَلْهُ مُشْتَبِهَاً عَلَيْنَا فَنَضِل. اللَّهُمَّ إِنَا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِالإِسْلَامِ قَائِمِينَ وَقَاعِدِينَ وَعَلَى جُنُوبِنَا، وَلا تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا وَلا إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ.
وَأَخِيراً: فَإِنَّنَا نُجَدِّدُ بَيْعَتَنَا لِخَادِمِ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيْفَيْنِ وَلِوَلِي عَهْدِهِ الأَمِيرِ مُحَمَّدِ بْنِ نَايِفٍ، وَلِوَلِيِّهِ الثَّانِي الأَمِيرِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمَانَ، حَفَظَهُمُ اللهُ جَمِيْعاً وَسَدَّدَ خُطَاهُمْ وَأَصْلَحَ الأُمَّةَ عَلَى أَيْدِهِمْ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ.
التعليقات