عناصر الخطبة
1/ النهي عن أن نبخس الناس أشياءهم وننقصهم حقوقهم 2/ المقصود ببخس الناس أشياءهم 3/ ظاهرة بخس الناس أشياءهم وبعض صور ومظاهر ذلك 4/ بعض الفوائد المستفادة من قوله: (وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ) 5/ حماية الله لدينه وحرماته 6/ عظم حق النبي -صلى الله عليه وسلمَ- وشناعة بخس حقهاهداف الخطبة
اقتباس
كم من إنسان بخس أشياؤه فسرقت فكرته! أو نسبت إلى غيره طريقته! أو شوهت حسدا سمعته! أو هدمت مجهوداته! أو عُوقت خطواته؟ كم من إنسان بخس الناس أشياءهم فترقى في المناصب بما لم تكسبه يداه، وإلى أعلى الدرجات بجهود سواه، فحمد بما لم يفعل، وارتفع بما لم يعمل على من يعمل، وكتم فضل أهل الفضل...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان: 33].
أما بعد:
فقد نهانا الله -سبحانه وتعالى- أن نبخس الناس أشياءهم وننقصهم حقوقهم، قال جَل جلاله في الكتاب المبين: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [هود: 85] بخسنا لأي إنسان أشياءه ظلم صريح، واعتداء عليه قبيح، ونشر لراية الخيانة، وطي لعلم الأمانة، وما الخيانة إلا نفاق وخسران، وما الأمانة إلا صدق وإيمان، وفي الحديث: "لا إيمان لمن لا أمانة له" -زين الله الإيمان في قلوبنا جميعا وجمله-.
(وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ) ليس في الكيل والوزن وحسب، ولا في مجال البيع والشراء فحسب، ولا في مجال القياس طولا وعرضا وارتفاعا وقطرا ومساحة وحسب، بل في كل شيء مما يمكن أن يكون للإنسان ولو كان في أعين الناس حقيرا أو أقل من القليل.
(وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ) ولو كان قرشا أو إبرة أو سواكا أو حكمة أو فكرة أو رأيا أو جهدا أو عملا، كم من إنسان بخس أشياؤه فسرقت فكرته، أو نسبت إلى غيره طريقته، أو شوهت حسدا سمعته، أو هدمت مجهوداته، أو عُوقت خطواته؟ كم من إنسان خبث الناس أشياءهم فترقى في المناصب بما لم تكسبه يداه وإلى أعلى الدرجات بجهود سواه، فحمد بما لم يفعل، وارتفع بما لم يعمل على من يعمل، وكتم فضل أهل الفضل، وما سئل عنه ونسب التقصير إليهم، وليس منهم نكرهم وهم معارف وأعلى وأخرهم مقدمون وأوائل، وحط أقدارهم وهم أهل أفضال وأسدل على فضلهم الحجاب والستار.
(وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ) تأنيب من الله للعباد يذم الغش والغاشين، والخيانة والخائنين، والخداع والمخادعين، والتلاعب والمتلاعبين.
(وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ) توجيه من الله -سبحانه- يعلمنا التورع عن كل شيء ليس لنا والتعفف عن كل ما ليس من حقنا واحترام أشياء الآخرين، يعلمنا أن نعدل ولو كنا كارهين وأن لا نظلم ولو كنا قادرين.
(وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ) توجيه رباني يعلمنا أن نقف في صف الناس حيث تضعنا أقدارنا وقدراتنا، حيث تضعنا مجهوداتنا وأعمالنا وخطواتنا ومستوياتنا، وأن نعرف قدرنا، وأن نحب للناس ما نحبه لنا.
(وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ) تأديب من الله يمسك حتى بزمام الألسنة، فكما لا يبخس الناس أشياءهم بفعال، كذلك لا يبخس أشياءهم بمقال.
أيها المسؤولون والمديرون: لا تبخسوا الموظفين في إدارتكم أشياءهم.
أيها المعلمون: لا تبخسوا الطلاب أشياءهم.
أيها الكفلاء: لا تبخسوا العمال والمكفولين أشياءهم.
أيها الأوصياء: لا تبخسوا من استوصيتم عليهم أشياءهم.
يا أصحاب الحرف: لا تبخسوا من تعملون له أي عمل أشياءهم.
أيها الإنسان في أي مكان تكون: لا تنس أنك مطالب أن لا تبخس الناس أشياءهم، لا تنس -أيها المبارك- أن لا تبخس الناس أشياءهم.
كم من إنسان تجاراته ونشاطاته قائمة على بخس الناس أشياءهم، وهو على ما فيه غير محسوب من الصالحين المصلحين، فهل ينتظر إلا حلول العقاب في أي حين؟ (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين: 4 - 6]؟
ألا فلنتق الله، ألا فلنتق الله، ألا فلنتق الله.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم فاستغفروه...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلمَ.
أما بعد:
فيا أخا الإسلام: ما دمت تريد حقك وافيا، فالناس يريدون حقوقهم وافية، وما دامت أشياءك عندك غالية فأشياء الناس عندهم غالية.
إن الله -عز وجل- لا يظلم الناس شيئا وهو القادر على كل شيء، إن ربك -سبحانه- قد جعل لأشياء الناس حرمة، وجعل لها من أي معتد حماية، فلم تنتهك الحرمات؟ بأي حق تبخس الناس أشياءهم؟ بأي حق تهضمهم حقوقهم؟ ألا لأنهم في نظرك صغار أو ضعاف أو جهال أو لا يفهمون؟ أم تراهم لا يهتمون؟ أم أنهم في نظرك لا يتجرؤون؟ أم هم في رأيك لا يحتاجون؟ أم أنهم لديك مفتقرون؟
اسمع ربك –سبحانه- الذي (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء: 23]، يقول جَل جلاله: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر: 92 - 93] أي الخيارين لديك أتملك المخرج والجواب أم تتحمل العقاب؟
والله لا هذا ولا ذاك، فاسمع ماذا قال ربك: (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ) لا تبخسوا الناس كل الناس، وأعظم الناس محمد -صلى الله عليه وسلمَ- ، وحقه: التصديق والطاعة، والإتباع، ثم الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين-.
(وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ) [الأعراف: 85] صغارا أو كبارا، عظيما أو حقيرا، إماما أو حكيما أو والدا أو ولدا أو إخوانا أو جيرانا، أو زوجات أو خادمات.
ما أعظم هذا الدين؟ ما أعظم الإنصاف والعدالة في هذا الدين؟ وما أحوجنا إليه في كل حين؟
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا".
اللهم صل وسلم وبارك...
التعليقات