عناصر الخطبة
1/لماذا الحديث عن عيد الحب؟ 2/قصة عيد الحب 3/الأعياد من خصائص الأديان ومميزاتها 4/سمو الحب في الإسلام وضوابطه وبعض الفروق بينه وبين ما يُسمَّى: \"زواج الحب\" 5/أرقام وإحصائيات حول تفشي ظاهرة الفساد الأخلاقي في الدول الغربية 6/تنكب بعض المسلمين عن الدين وتأثرهم بعادات الغرب حسب دراسة قامت بها \"الجمعية المغربية لتنظيم الأسرة\" 7/تنبَّه بعض الغربيين إلى خطورة الوضع الأخلاقي وسنهم للقوانين التي تحدُّ من ذلك 8/العلاج الربَّاني للفساد الأخلاقياهداف الخطبة
اقتباس
في دراسة أجرتها جامعة القاهرة، في مقارنةٍ بين ما سَمَّوه: "الزواج التقليدي"، المبني على شرع الله، وبين ما يُسمَّى: "زواج الحب"، الذي يُسْبَق بقصص غرامية، وبعلاقات قد تكون غير شرعية - كانت النتيجة أن الزواج الذي يأتي بعد قصة حب تنتهي 88% من حالاته بالفشل؛ أيْ: بنسبة نجاح لا تتجاوز 12%. وأما الزواج التقليدي فقد...
الخطبة الأولى:
في إطار سلسلة مكارم الأخلاق، تستوقفنا مناسبة يفرحُ بها عدد كبير من البشر على وَجْه هذه البسيطة، مِمَّن زُيِّن لهم رخص عملهم وهوانه، فرَأَوه حسنًا.
أمَّا موعدُها، فهو الرابعَ عشرَ من كلِّ شهر فبراير.
وأما المناسبة، فهي عيدٌ يحتفل به الغربيون وكنائسهم في كل مكان، ويُرمَز له باللَّون الأحمر؛ حيث يلبسون فيه الأحمر، يتبادلون فيه الرسائل والهدايا ذات اللون الأحمر، خاصَّة الورود التي يغلو ثَمنها هذه الأيام ليقاربَ مائتي درهم؛ ليصير كلُّ ما له لون أحمر باهظَ الثمن، إلاَّ دماءَ المسلمين، التي صارت أرخصَ من الماء، وأهون من ذُباب تحت أديم السماء، إنَّه ما يُسمَّى عندهم: "عيد الحب" أو "عيد العشَّاق" أو "فالنتاين".
وما كان لنا أن نذكر هذا اليوم لولا انتشارُ أمره بين شباب المسلمين في شتَّى البقاع، وقد فوجئتُ قبل أربعة أيام، حين وقفت على رسائل تنشر عَبْر الهاتف المحمول، من طرف شركات تِجارية تُخفِّض مَبيعاتِها بمناسبة هذا اليوم، وحين رأيتُ على صفحات "الإنترنت" رسائل التَّهاني، وتبادل عبارات العِشق والغرام، تحت غطاء الوُد والمحبة.
وقِصَّة هذا اليوم أنَّ إمبراطورًا رومانيًّا -في أواخر القرن الثالث الميلادي- حَرَّم الزَّواج على الجنود؛ حتى لا يشغلهم عن خَوْض الحروب، لكن القديس "فالنتاين" تصدَّى لهذا الحكم، وكان يُتم عقودَ الزواج سرًّا، ولكن افتضح أمرُه ودخل السجن، فافتتن ببنت السجَّان؛ ليحكم عليه بالإعدام، أو يرجع عن النَّصرانية إلى دين الرُّومان، فأبى ذلك، ونُفِّذَ فيه الحكم، وكان ذلك في 14 من فبراير سنة 270 ميلادية، فعَظُم أمره، وسطع نَجمه؛ باعتباره أنه قد فَدَى الكنيسة بنفسه، فاعتُبِرَ ذلك اليوم عيدًا للمحبِّين والعشَّاق، وسبيلاً لربط العلاقات المشبوهة بين الرجال والنِّساء؛ حيثُ صار من مظاهره أن يجتمع الفتيان والفتيات، فتكتبُ أسماءُ الفتيات على وُرَيقات، وتوضع في صندوق، ثُمَّ يأخذ كلُّ فتًى وُريقة، فالتي يَطلُع اسمها يصطحبها إلى حيث يشاءان، فصارت المناسبة مناسبة جنسيَّة بامتياز، حتَّى إن المدارس الثانويَّة والجامعات تستعدُّ لهذا اليوم بتأمين الأكياس الواقية؛ خوفًا من انتشار الأمراض الجنسية.
ولا شكَّ أن الأعياد من خصائص الأديان التي تَميَّز بعضُها عن بعض، وقد أَمَرنا شرعُنا بالتزام أعيادنا، وعدم التشبُّه بغيرنا في الاحتفال بأعيادهم؛ قال تعالى: (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُم نَاسِكُوهُ)[الحج: 67].
وقال تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُم شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)[المائدة: 48].
وفي قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ)[الفرقان: 72].
قال ابن سيرين: "هو الشَّعانين"؛ عيدٌ من أعياد النصارى.
وقال مجاهد: هو "أعياد المشركين".
وفي حديث عائشة: "إن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا أبا بكر، إنَّ لكلِّ قومٍ عيدًا، وهذا عيدنا"[متفقٌ عليه].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يوم عرفة، ويوم النَّحر، وأيام التشريق - عيدُنا أهلَ الإسلام، وهي أيام أكل وشرب"[صحيح أبي داود].
وعن أنسٍ قال: "قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما؛ فقال: "ما هذان اليومان؟" قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يومَ الأضحى، ويومَ الفطر"[صحيح أبي داود].
وقال صلى الله عليه وسلم: "ليس منَّا مَنْ تشبَّه بغيرنا"[الترمذي، وهو حديثٌ حسنٌ].
ليس الحب في الإسلام نزوةً زائلةً، تحرك الشهوات، وتثير في القلوب الأمراض، وليس مقصورًا على يوم بعينه؛ بل هو عاطفة تجمع المتحابِّين على الدوام، ما دامت مقيَّدة بشرع الله؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أوثق عُرَى الإسلام: أنْ تُحب في الله، وتبغض في الله"[صحيح الجامع].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذَا أحبَّ الرجلُ أخاهُ؛ فليخبره أنه يحبه"[صحيح ابن ماجة].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنَّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنون حتى تحابوا، أوَلا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم"[مسلم].
فقال: "أفشوا السلام بينكم" ولم يقل أفشوا الرَّذيلة والفساد بينكم.
وليس المقصود بالسلام معناه المادي وحسب، وإنما -أيضًا- السلام النفسي، والسلام الرُّوحي، والسلام الخُلُقي؛ قال البخاري: "وقال عمار: ثلاثٌ مَنْ جمعهنَّ فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار".
وفي إطار العلاقة الزوجية، يقول ربنا -جل وعلا-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنْ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21].
ففي دراسة أجرتها جامعة القاهرة، في مقارنةٍ بين ما سَمَّوه: "الزواج التقليدي"، المبني على شرع الله، وبين ما يُسمَّى: "زواج الحب"، الذي يُسْبَق بقصص غرامية، وبعلاقات قد تكون غير شرعية - كانت النتيجة أن الزواج الذي يأتي بعد قصة حب تنتهي 88% من حالاته بالفشل؛ أيْ: بنسبة نجاح لا تتجاوز 12%.
وأما الزواج التقليدي فقد حقق 70% من حالات النجاح؛ أي ستة أضعاف زواج العلاقات قبل الزواج.
فكيف ننتظر بعد هذا أن يُلقننا الغربيون دروسَ العلاقات الزوجية، ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يضرب لنا أرْوَع الأمثلة في معاملة الأزواج بعضهم مع بعض؛ حيث كان صلى الله عليه وسلم يحرص أن يشربَ من الموضع الذي تشرب منه زوجته عائشة -رضي الله عنها- وفي مرض موته يستاك بسواكها، ويَموت صلى الله عليه وسلم على صدرها، بين سَحْرها ونحرها؛ ليقولَ لنا بعد ذلك: "خيركم، خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"[صحيح ابن ماجة].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخر"[مسلم].
وتقول عائشة -رضي الله عنها-: "ما ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا قطُّ بيده، ولا امرأة ولا خادمًا، إلا أن يُجاهد في سبيل الله"[مسلم].
فانظر -رعاك الله- إلى ما يجري في الدول المتحضِّرة، التي تريد أن نحتفل معها بعيد الحب:
- جاء في دراسة في إحدى أكثر الدول تقدمًا عام 1998م، أن 79% من الرجال يقومون بضرب النساء، خاصَّة إذا كانوا متزوجين.
- وفي دراسة أعدَّها "المكتب الوطني للصحة النفسية" في تلك الدولة المتقدِّمة، أن 17% من النساء اللاَّتي يدخلن غرف الإسعاف - من ضحايا ضرب الأزواج أو الأصدقاء.
- ونشرت مجلة غربية مشهورة جدًّا: "إنَّ قرابة 4000 زوجة من ستة ملايين زوجة مضروبة - يَمُتْنَ نتيجة ذلك الضرب.
- وجاء في دراسة أخرى في بلد أوربي متحضر جدًّا: "إنَّ ما لا يقل عن 100 ألف امرأة، يتعرَّضْن سنويًّا لأعمال العُنف الجسدي أو النَّفسي، التي يمارسها عليهن الأزواج أو الأصدقاء.
- ويكفي أن تعلم أن في دولة أوربية قريبة منا، توزع حبوب الإجهاض في المدارس؛ لتسهيل عملية الرذيلة، وخوفًا من الوقوع في الحرج بسبب الممارسات غير الشرعية، فماذا كانت النتيجة؟ 300 ألف مولود سنويًّا بلا أب شرعي، وفي دولة أخرى يولد طفل من كل عشرة من مراهقة؛ لنصل - حسب الأمم المتحدة - إلى40 مليون حالة إجهاض في العالم، تموت 70 ألف امرأة من هؤلاء المجهضات، وأكثر من 30 مليون حالة منهن غير قانونية، ونسبة المراهقات منهن 60%.
غير أن المؤسف أنْ نَجد بعض شبابنا في بلدنا قد تأثروا بهذه الصيحات، واقتَفَوا أَثَر هؤلاء في ضلالهم، وازْورُّوا عن هَدْي كتاب الله، وتنكبوا عن سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فكانت النتيجة مهولة جدًّا -حسب الدراسة الميدانية التي أشرفت عليها الجمعية المغربية لتنظيم الأسرة، وأعلنت عن نتائجها بداية سنة 2008-: ما يقرب من 1000 حالة حمل غير مرغوب فيه يوميًّا، وما يقرب من 600 حالة إجهاض يوميًّا، من طرف أطباء متخصصين وغير متخصصين "21 طبيبًا منهم يقبعون الآن في السجن؛ بسبب الإجهاض غير الشرعي، منذ سنة وثلاثة أشهر من الآن"، تشكل النِّساء المتزوجات منهن 52 %، في حين تشكل العَزَبَاتُ 42 %، و المطلقات والأرامل 6 %.
فاتقوا الله في أنفسكم، واتقوا الله في أبنائكم وبناتكم.
مَرَرْتُ عَلَى الْفَضِيلَةِ وَهْيَ تَبْكِي *** فَقُلْتُ: عَلامَ تَنْتَحِبُ الْفَتَاةُ؟
فَقَالَتْ: كَيْفَ لا أَبْكِي وَأَهْلِي *** جَمِيعًا دُونَ خَلْقِ اللهِ مَاتُوا
الخطبة الثانية:
لقد تنبَّه بعضُ هؤلاء الغربيين الذين نتحدث عنهم إلى خطورة الوضع الأخلاقي عندهم، فصاروا يبحثون عن مخرج لأزمتهم، فلم يجدوا إلا سَنَّ قوانين تحدُّ من هذه الميوعة والتفسخ:
- فقد أعلنت السلطات الصينية عن إغلاقِ 1250 موقع إنترنت غير مشروع، غالبيتها تتضمن موادَّ إباحية ومُخلة بالآداب العامة، ومَسْحِ ما يزيد عن ثلاثة ملايين مادَّة، وذلك خلال حملة انطلقت في 5 يناير الماضي.
- وفي دولة مُتقدمة، أنشئت منظمة مكوَّنة من 30 فتاة عذراء، تحمل اسم: "الخاتم الفضي"، قُمْنَ بمهمة لنصح المراهقات بأنَّ السبيل الوحيد لتحقيق الأمان في حياتهن، هو المحافظة على العِفَّة، ويدعونَهُن إلى وضْعِ خاتم فِضِّي في أُصْبعهن؛ لتأكيد تمسكهن بعفتهن حتى الزواج.
- وتقول وزيرة إحدى الدول الغربية، مكلفة بشؤون التعليم المدرسي، بعد أنْ سمحت للممرضين والأطباء العاملين في المدارس بتوزيع حُبُوب الإجهاض على المراهقات- تقول بنبرة من الحزن والأسى: "المراهقات عندنا يُعانين إحباطًا كبيرًا، لاسيما بسبب الحمل المبكر؛ إذ سُجِّلت أكثر من 10 آلاف حالة، وأريد معالجة هذا الوضع المُلِحِّ".
دَوَاؤُكَ فِيكَ وَمَا تَشْعُرُ *** وَدَاؤُكَ مِنْكَ وَمَا تُبْصِرُ
إنَّ العلاج الربَّاني ليس بحبوب منع الحيض، ولا بالعازل الطبي، ولا بحبوب الإجهاض، إنَّه بالرجوع إلى كتاب الله، وسنة رسوله: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا * وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقْد كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليْوَمْ تُنْسَى)[طه:123-126].
التعليقات