عناصر الخطبة
1/ الأذان نداء الإسلام العظيم 2/تميز الأمة عن الأمم بالأذان 3/الأذان درس في الدقة والنظام 4/رسائل الأذان الإعلامية 5/سبب مشروعية الأذان 6/ألفاظ الأذان ومعانيها

اقتباس

يجب علينا دائماً أن نتأمل في ألفاظ العبادات ومعانيها، ومن ذلك معاني الكلمات التي نقولها في استفتاح الصلاة، وفي الركوع والسجود، وكذلك الأذان والإقامة، وغيرها..؛ لأن من أسوء ما ابتلينا به اليوم هو تجريد شعائر الدين من معانيها، وتفريغها من دلالتها، فتتحول إلى رسوم وأسماء، دون تدبر لمعانيها، وتأمل في حقائقها ومضمونها...

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي شرع الشرائع وسن الأحكام، وجعل الأذان شعيرة ظاهرة من شعائر الإسلام، وبيّن لعباده الحِكم والأحكام، وعلمهم الحلال والحرام، أحمده -سبحانه- على جزيل الإنعام, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العلام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الأنام، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه البررة الكرام.

 

أما بعد:

 

عباد الله: نتكلم اليوم عن أمر عظيم يتكرر على مسامعنا كل يوم، ويرن في آذاننا بكلماته العبقة وعباراته الجميلة خمس مرات في اليوم والليلة، ويردد في كل المآذن في كل البلدان الإسلامية بل وغير الإسلامية.

 

إنه الأذان الذي نسمعه في حياتنا بشكل متكرر أكثر من أي شيء آخر، ويعرف نداءه كل مسلم، ويحفظ كلماته حتى أطفال المسلمين وصبيانهم، بل يمكن القول أن عدد المرات التي يسمع فيها المسلم الأذان في حياته يفوق أي كلمات أخرى تتكرر على سمعه.

 

إنه الأذان ذلك النداء الذي يعد شعيرة من شعائر الإسلام العظيمة، وعبادة من عباداته الجليلة، أمر الله به المسلمين وفرضه عليهم في السنة الأولى بعد هجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.

 

أيها المسلمون: لما فرضت الصلاة في بداية التشريع الإسلامي لم يكن هناك مسجد يجتمع فيه المسلمون للصلاة، فلما هاجروا من مكة إلى المدينة وبنوا هنالك مسجداً فرض الأذان ليكون الأداة التي تجمعهم للصلاة. شرعه الله كرامة لهذه الأمة وخاصية لها، لأن الأمم التي قبلنا كانت صلواتهم ينادى لها بأصوات خرساء وأشياء صماء لا ألفاظ لها ولا كلمات تحتويها، وإنما هي طقوس عادية، فاليهود كان لهم النفخ في البوق، والنصارى كان عندهم الضرب على الناقوس، والمجوس كانوا يشعلون النيران.

 

إن هذا التميز في الإعلام للصلاة لهذه الأمة عن سائر الأمم له دلالات وإشارات، من أهمها مخالفة تلك الأمم في عباداتهم، وعدم التشبه بهم في شعائرهم، وتعمد مخالفتهم حتى لا يكون بين المسلمين وبينهم شبه في طقوسهم.

 

إن للأذان معاني عظيمة ودلالات سامية، ويحمل في ألفاظه مقاصد كبيرة، تهدف إلى التركيز على أصول الإسلام الكبرى وحقائقه العظمى التي تتضمنها كلمات الأذان، كالتكبير، والتوحيد، والدعوة إلى الصلاة، وغيرها.

 

وفوق ذلك فهو يُعلم المسلمين النظام بكلماته المرتبة وأوقاته المختارة التي يؤدى فيها، وهذا الاختيار في الكلمات والترتيب في الوقت مقصود لأمر يتجاوز مجرد الإعلام بدخول وقت الصلاة، إنه تعليم المسلمين الدقة والنظام والمحافظة على المواعيد.

 

كما أن الإعلام في الأذان لم يقتصر على مجرد هذه الكلمات مع عظمتها، وإنما هناك دلالات إعلامية كثيرة فيه منها: الجهر به بأقصى غاية، ومد الصوت بألفاظه حتى يصل إلى أطول مسافة، وأكبر عدد من الناس، وأيضاً تكراره مع دخول وقت كل صلاة، وعدم الاقتصار على أذان واحد للصلاتين معاً  كالظهر والعصر مثلاً، أو المغرب والعشاء.

 

كما أن في الأذان رسالة إسلامية إعلامية هامة جداً إلى غير المسلمين، لأن الأذان حين ينادى به يسمعه كل من يسمع، سواء كان من المسلمين أو من غيرهم من أهل الأديان الأخرى، لذلك يعد الأذان دعوة لهم للدخول إلى الإسلام وقد أسلم بعض السياح الذين قدموا إلى البلاد الإسلامية بسبب الأذان.

 

ومن الدلائل السامية في الأذان: أن الإسلام قد أمر أن يختار له المؤذن الأندى صوتاً، أي صاحب الصوت  الحسن القوي، الواضح الجميل، حتى يفهم الناس عنه ما يقول، فإذا كان صاحب الصوت منفّراً فإن ذلك يؤثر على هذه الغاية ويضعفها، وبالتالي فإن الناس لن يعقلوا معاني الأذان، ولن يفهموا غايته، كما هو واقع كثير من مساجدنا اليوم والله المستعان، يختار للأذان في الغالب رجل مسن، ضعيف الصوت، عديم التأثير والتبليغ. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابي الذي رأى في منامه من يعلمه الأذان: "فَقُمْ مَعَ بِلاَلٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ فَقُمْتُ مَعَ بِلاَلٍ، فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ، وَيُؤَذِّنُ بِهِ" [ أبو داود (499)].

 

بل رغّب الإسلام  في المؤذن الذي لا يأخذ على أذانه أجراً، وفضّله على الذي يأخذ على ذلك أجرة، ليمتزج إخلاص القلب مع كلمات اللسان، فيكون لذلك أثره في نفس السامع وتأثيره عليه.

 

أيها المسلمون: هل تعلمون كيف شرع الأذان وكيف تم؟ إن السبب رؤيا رآها الصحابي الجليل عبد الله بن زيد -رضي الله عنه-،:قَالَ : "لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّاقُوسِ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ فِي الْجَمْعِ لِلصَّلاَةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: مَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: فَقُلْتُ  نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلاَةِ، قَالَ: أَفَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى ، قَالَ: تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ, أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ, أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ, أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ, أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ, حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ, حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ, حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ, حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ, اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ, لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.

 

ثُمَّ اسْتَأْخَرَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ: تَقُولُ: إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ, اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ, أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ, أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ, حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ, حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ, قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ, قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ, اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ, لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ, فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ, فَقَالَ: إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ, فَقُمْ مَعَ بِلاَلٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ, فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ, قَالَ: فَقُمْتُ مَعَ بِلاَلٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ بِهِ, قَالَ: فَسَمِعَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ يَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ, لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي أُرِيَ, قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ" [أحمد (16477)].

 

وهذا يدل على أن الأذان فُرض برؤيا حق، والرؤيا الصالحة جزء  من النبوة، وهذا معناه أن الأذان لم يكن مجرد اقتراح أو رأي أو فكرة، وإنما هي فريضة ربانية وشريعة إسلامية، شرعت برؤيا قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ".

 

(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) [النور 36: 37].

 

قلت ما سمعتم واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه وسلم.

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: من السنن المستحبة التي رتب النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها الأجور العظيمة متابعة المؤذن في الأذان، وهذا يقتضي أن يُقْبِل المسلم على الأذان، وكلما سمع منه جملة رددها بلسانه، فتتاح لقلبه فرصتان لتدبر معانيه: الأولى: عندما يسمع ألفاظه، والثانية: عندما يقولها بنفسه، فيكون ذلك أثبت في التأمل والفائدة. يقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:" إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ" [مسلم (384)].

 

لقد افتتح الأذان بالتكبير، لأن في التكبير تعظيم الله وإجلاله فهو -سبحانه- (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) [الرعد: 9] وحيث أن الصلاة دعوة منه -سبحانه- ينقلها المؤذن عبر الأذان، ناسب افتتاحها بالتكبير، ليعلم الناس أن الله تعالى أكبر من كل شيء يَصدّهم عن دعوته، أو يشغلهم عن إجابة ندائه.

 

وكان لصيحة (الله أكبر) وهي من كلمات الأذان هيبتها عبر التاريخ الإسلامي، فقد كانت تزلزل قلوب الأعداء، وتلقي الرعب في قلوب الكفار، فهي كلمة الثبات وكلمة النصر، فإذا غزا المسلمون قالوا: "الله أكبر", وإذا فتح الله عليهم ونصرهم أذنوا فقالوا: "الله أكبر".

 

ويأتي بعد التكبير وإعلان عظمة الله شهادة الحق "شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله" ولهذا صار سماع الأذان في قرية علامة على إسلام أهلها؛ فإذا سمعه المسلمون كفّوا عنها، وميزوها عن غيرها من القرى الكافرة.

 

وأما "حي على الصلاة" "حي على الفلاح" فهاتان الجملتان تعقبان الشهادتين في الأذان، وذكر الصلاة عقب الشهادتين يوافق الترتيب الذي رتبت به أركان الإسلام الخمسة. إن معنى حي على الصلاة: أي تعالوا إلى الصلاة وأقبلوا إليها، ومعنى حي على الفلاح أي هلموا إلى الفوز والنجاة.

 

وحيث إن الإنسان مجبول على تقديم العاجلة على الآجلة، وتفضيل النقد على النسيئة، فالذي يحدث غالباً هو انشغال الإنسان بما يرى عما يسمع، والإقبال على العرض الحاضر، والغفلة عن الوعد الصادق، فيأتي في الأذان "حي على الصلاة، حي على الفلاح" لينادي على الناس في أسواقهم وبيوتهم أن ينهضوا للصلاة وهم مستشعرون أن فيها فلاحا لهم في دنياهم وآخرتهم، وفي دينهم ودنياهم. يقول الله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المنافقون: 9].

 

عباد الله: يجب علينا دائماً أن نتأمل في ألفاظ العبادات ومعانيها، ومن ذلك معاني الكلمات التي نقولها في استفتاح الصلاة، وفي الركوع والسجود، وكذلك الأذان والإقامة، وغيرها..؛ لأن من أسوء ما ابتلينا به اليوم هو تجريد شعائر الدين من معانيها، وتفريغها من دلالتها، فتتحول إلى رسوم وأسماء، دون تدبر لمعانيها، وتأمل في حقائقها ومضمونها.

 

فلنركز في ألفاظ الأذان، ولنحرص على متابعة المؤذن وتدبر ما يقول، فإنه يدعونا إلى أصول الدين وأركان الإسلام.

 

صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل كريم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

 

اللهم ارزقنا التأمل والتدبر في أحكامك وشرائعك، واجعلنا من المعتبرين بحكمك وآياتك، وارزقنا فهم ألفاظ الأذان وتدبر معانيه وحقائقه.

 

 

 

 

المرفقات
وقفات مع الأذان.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life