عناصر الخطبة
1/سمات خير الأمم وسر تميزها 2/مسؤولية المسلم والأمة عن الدعوة إلى الإسلام 3/من للحيارى والضالين؟! 4/الدعوة إلى الإسلام مسؤولية جماعية.اقتباس
واليوم.. دعونا ننظرُ في حالِ المسلمينَ الذينَ أخرجَهم اللهُ -تعالى- للنَّاسِ، هل لازالوا على العهدِ والميثاقِ في الحرصِ على هدايةِ النَّاسِ؟، مَن للملياراتِ الذينَ هم على الأديانِ المُحرَّفةِ المَنسوخةِ؟، ومَنْ للملايينِ من عُبَّادِ البقرِ والتَّماثيلِ المَمسوخةِ؟، ومَن للملايينِ من العَلمانيينَ والمُلحدينَ؟، ومَنْ لعبَّادِ القُبورِ والمنحرفينَ عن الدِّينِ؟، مَنْ سَيُنقذُ هؤلاءِ من عَذابِ ربِّ العالمينَ؟!
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي أَعزنا بالإسلامِ، فمهما ابتغينا العزةَ بغيرِه أَذلنا اللهُ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له ولا نعبدُ إلا إياه، وأَشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه ومُصطفاهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِه وأصحابِه ومن والاهُ.
أما بعدُ: تأملوا طويلاً في هذه الآيةِ، فإنَّها تُخاطبُنا: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آل عمران:110]، فيخبرُ اللهُ -تعالى- أنَّ هذه الأمَّةَ هي خيرُ الأمَّمِ، وأنَّه أخرجَها للناسِ لينتشلوهم من الحَضيضِ إلى القِممِ؛ لأنَّها أمَّةٌ قد أكملتْ نفسَها بالإيمانِ، وتدعوا غيرَها إلى الخيرِ والإحسانِ.
ومن تأملْ سيرةَ النَّبيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، رأى إنساناً قد أوقفَ حياتَه للنَّاسِ، داعياً وناصحاً وموجِّهاً وبشيراً ونذيراً، ووجدَ حياةً مليئةً بالحرصِ على البشرِ، ليُنقذَهم من عبادةِ الأوثانِ والحَجَرِ، وقد قَالَ: "إنَّما مَثَلِي ومَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نارًا، فَلَمَّا أضاءَتْ ما حَوْلَهُ جَعَلَ الفَراشُ وهذِه الدَّوابُّ الَّتي تَقَعُ في النَّارِ يَقَعْنَ فيها، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ ويَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فيها، فأنا آخُذُ بحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وهُمْ يَقْتَحِمُونَ فيها".
فقامَ على الصَّفا، ودعا النَّاسَ إلى الهُدى، وطافَ على النَّوادي والأسواقِ، ليُنذرَ النَّاسَ يومَ التَّلاقِ، وهاجرَ وتركَ أحبَّ البلادِ، لينشرَ دعوتَه في البلادِ، وقاتلَ في سبيلِ اللهِ، لإعلاءِ كلمةِ اللهِ، وراسلَ القادةَ الرُّؤساءَ والملوكَ، ليَدخلوا في عبادةِ ملكِ المُلوكِ، وهكذا مع دعوةِ النَّاسِ إلى ما فيه صلاحُ دينِهم ودُنياهم حتى في آخرِ لحظةِ في الحياةِ، يُحذِّرُ النَّاسَ مِن اتِّخاذِ القبورِ مساجدَ ويأمرُهم بالصَّلاةِ، وصدق اللهُ -تعالى-: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة:128].
وهكذا كانَ الصَّحابةُ من بعدِه .. علموا أنَّ اللهَ أخرجَهم للنَّاسِ فتركوا مزارعَهم وتجارتَهم وأهلَهم وديارَهم، لينشروا دينَ اللهِ إلى النَّاسِ جميعاً، كما قَالَ رستمُ لرِبعي بنِ عامرٍ: ما جاءَ بكم؟، قَالَ: "اللهُ ابتعثنا لنخرجَ من شَاءَ من عبادةِ العبادِ إلى عبادةِ اللهِ، ومن ضيقِ الدنيا إلى سَعتِها، ومن جورِ الأديانِ إلى عَدلِ الإسلامِ، فأَرسَلَنا بدينِه إلى خَلقِه لندعوهم إليه، فمن قَبلَ ذلك قَبلنا منه ورَجعنا عنه، ومن أَبى قَاتلناه أَبداً حتى نُفضي إلى موعودِ اللهِ". قَالَ: وما مَوعودُ اللهِ؟، قَالَ: "الجَنةُ لمن مَاتَ على قِتالِ من أَبى، والظَّفرُ لمن بَقيَ".
وهكذا قضوا أعمارَهم على الخُيولِ في الجِهادِ، وليُوصلوا الإسلامَ إلى جميعِ البلادِ، فها هي قبورُهم في العراقِ والشَّامِ ومِصرَ والقسطنطينيةِ ومشارقِ الأرضِ ومغاربِها.
وهكذا كانَ المُسلمونَ على جميعِ المُستوياتِ، حتى التُّجارَ لم ينسوا الدَّعوةَ إلى الإسلامِ بأقوالِهم وأفعالِهم وأخلاقِهم، فها هي إندونيسيا وهي أكبرُ دولةٍ إسلاميةٍ من حيثُ عددِ السُّكانِ، يدخلُها الإسلامُ عن طريقِ تُجَّارِ المسلمينَ، وكذلكَ نشروا الإسلامَ في ماليزيا وبروناي والهندِ والصِّينِ، وفي إفريقيا من غربِ السُّودانِ والنَّيجرِ وتشاد ومالي إلى ساحلِ العاجِ، وصدقَ اللهُ -تعالى-: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)[النور:37].
واليوم.. دعونا ننظرُ في حالِ المسلمينَ الذينَ أخرجَهم اللهُ -تعالى- للنَّاسِ، هل لازالوا على العهدِ والميثاقِ في الحرصِ على هدايةِ النَّاسِ؟، مَن للملياراتِ الذينَ هم على الأديانِ المُحرَّفةِ المَنسوخةِ؟، ومَنْ للملايينِ من عُبَّادِ البقرِ والتَّماثيلِ المَمسوخةِ؟، ومَن للملايينِ من العَلمانيينَ والمُلحدينَ؟، ومَنْ لعبَّادِ القُبورِ والمنحرفينَ عن الدِّينِ؟، مَنْ سَيُنقذُ هؤلاءِ من عَذابِ ربِّ العالمينَ؟!
أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم، ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ أَعزَّ جُندَه، ونَصرَ عَبدَه، وهَزمَ الأحزابَ وَحدَه، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، رَفعَ السماءَ بغيرِ عَمدٍ، ولم يكن له كُفواً أحدٌ، وأَشهدُ أن سيدَنا وحَبيبَنا محمداً -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، المصطفى المختارُ وعلى آلِه وصحبِه الأطهارِ.
أما بعدُ: أيَّها المسلمُ: العالمُ كلُّهُ ينتظرُكَ اليومَ لتخرجَهُ من الظُّلماتِ إلى النُّورِ، العَالمُ يحتاجُ إليكَ ليعرفَ الغايةَ من الحياةِ، وليعلمَ الطَّريقَ الصَّحيحَ إلى النَّجاةِ، لا يَغرنَّكَ ما تراهُ في الغربِ والشَّرقِ من الأشكالِ والهيئاتِ، فهُم قد أترفوا الجسدَ ولكنَّ الرَّوحَ تُعاني الوَيلاتِ، فكيفَ لروحٍ أن تَعرفَ الرَّاحةَ بعيداً عن الإيمانِ، وكيفَ لقلبٍ أن يطمئنَ بعيداً عن القرآنِ، فيجبُ على أهلِ الإسلامِ اليومَ أن يُمسكوا بزمامِ العالمِ قبلَ فَواتِ الأوانِ، ويقودوا السَّفينةَ بالكتابِ والسُّنةِ إلى برِّ الأمانِ، فالكلُّ مُحتاجُ لكم، فلا تتركوا مكانَكم؟
يقول الشَّاعرُ المُسلمُ الهندي محمد إقبال: "إن المسلمَ لم يُخلقْ ليندفعَ مع التيارِ، ويُساير الرَّكبَ البَشريَّ حَيثُ اتَّجهَ وسَارَ، بل خُلقَ ليُّوجَّهَ العَالمَ والمجتمعَ، ويَفرضَ على البشريةِ اتِّجاهَهُ، ويُملي عليها إرادتَهُ؛ لأنَّه صَاحبُ الرِّسالةِ، وصَاحبُ العلمِ اليَقينِ، ولأنَّهُ المسؤولُ عن هذا العالمِ وسَيرِه واتجاهِه، فليسَ مَقامُه مَقامَ التَّقليدِ والاتِّباعِ، إنَّ مَقامَه مَقامُ الإمامةِ والقِيادةِ، ومَقامُ الإرشادِ والتَّوجيهِ، ومَقامُ الآمرِ النَّاهي".
وصدقَ -رحمَه اللهُ-، فكلُّكم على ثَغرٍ من ثُغورِ الإسلامِ، فهناكَ الدَّاعي بلسانِه، وهناكَ الدَّاعي بقلمِه، وهناكَ الدَّاعي بمالِه، وهناكَ الدَّاعي بأخلاقِه، وهناكَ الدَّاعي بثباتِه على دينِه، لأنَّكم خيرَ أمَّةٍ أُخرجتْ للناسِ.
اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأَذلَّ الشركَ والمشركينَ، اللهمَّ آمنا في أوطانِنا، وأصلحْ أئمتَنا وولاةَ أمورِنا، واجعلنا وإيَّاهم هُداةً مُهتدينَ، اللهمَّ أصلحْ حَالَ المسلمينَ، واجمع كلمتَهم على الحقِّ، ورُدَّهم إلى دِينِك رَداً جميلاً، اللهمَّ أبرمْ لهذهِ الأمةِ أَمرَ رُشدٍ، يُعزُّ فيه أهلُ طاعتِك، ويُهدى فيه أَهلُ مَعصيتِك، ويُؤمرُ فيه بالمعروفِ ويُنهى فيه عن المنكرِ، اللهم اغفر للمؤمنينَ والمؤمناتِ والمسلمينَ والمسلماتَ، الأحياءِ منهم والأمواتِ إنك يا ربَّنا سَميعٌ كَريمٌ مُجيبُ الدَّعواتِ.
التعليقات