عناصر الخطبة
1/ الزواج من أعظم نعم الله تعالى للعباد 2/ طرق علاج عصيان الزوجات 3/ تدخل الأهل في حالة استمرار الشقاقاهداف الخطبة
اقتباس
إذا شعر الزوج بنفرة زوجته منه وبعدم انقيادها لحقه فقد أمره الله تعالى أن يعالج ذلك بالحكمة واتخاذ الخطوات المناسبة والمأمور بها شرعًا، قال الله تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) ..
الحمد لله رب العالمين الذي (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ) [النحل: 72]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وما له من الأسماء والصفات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المؤيد بالمعجزات الباهرات، صلى الله عليه وعلى آله وزوجاته الطاهرات، وعلى أصحابه ذوو الكرامات وعلى التابعين أصحاب القامات وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الميقات.
أما بعد:
إخوة الإيمان: اتقوا الله تعالى واذكروه بذكركم واشكروا له ولا تكفروه، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1]، ويقول تعالى في سورة الروم الآية 21: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
معاشر المؤمنين: إن الاتصال بين الرجل والمرأة عن طريق الزواج الشرعي والارتباط الأسري من أعظم نعم الله على بني آدم؛ لما يترتب على هذه العلاقة الشريفة من مصالح عظيمة منها:
- أنه سبب لغض البصر وحفظ الفرج عما حرم الله تعالى، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه البخاري عن ابن مسعود: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
- حصول الراحة النفسية والسكن والأنس بين الزوجين كما جاء في الآية السالفة الذكر من سورة الروم: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً) [الروم: 21]، وقوله -جل وعلا- في سورة الأعراف: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) [الأعراف: 189]، والسكن هنا الأنس والطمأنينة.
ومن مصالح الزواج: حصول الذرية التي بها بقاء النسل الإنساني وتكثير عدد المسلمين كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "تناكحوا تناسلوا؛ فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة".
إخوة الإيمان: هذه المصالح وغيرها كثيرة في الزواج الذي أمر الله به ووعد بترتيب الخير عليه؛ قال تعالى في سورة النور: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور: 32].
ورغب -سبحانه وتعالى- في الإبقاء على الزوجية ونهى عن كل ما يعرضها للزوال، فأمر بالمعاشرة بين الزوجين بالمعروف ولو مع كراهة أحدهما للآخر، قال تعالى في سورة النساء: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء: 19]، ومعنى الآية ورد في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر"، رواه مسلم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرًا". رواه الشيخان. وفي رواية لمسلم: "وكسرها طلاقها".
معاشر المؤمنون: وإذا شعر الزوج بنفرة زوجته منه وبعدم انقيادها لحقه فقد أمره الله تعالى أن يعالج ذلك بالحكمة واتخاذ الخطوات المناسبة والمأمور بها شرعًا، قال الله تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) [النساء:34]، بمعنى الزوجات اللاتي يحصل منهن عصيان لأزواجهن يجب عليهن لهم فعالجوهن بما يلي:
العلاج الأول: ذكّروهن ما أوجب الله عليهن في كتابه من حسن العشرة للزوج وما عليهن من الوعيد في مخالفة ذلك، مع سرد أحاديث للمصطفى -صلى الله عليه وسلم- ترغيبًا وترهيبًا في ذات الشأن، ومن هذه الأحاديث: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها". رواه الترمذي وقال: حديث صحيح. وعن أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة".واه الترمذي وقال:حديث حسن.وعن معاذ بن جبل -ضي الله عنه-عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو عندك دخيل بوشك أن يفارقك إلينا". رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
العلاج الثاني: فإن لم يجد فيهن الوعظ فعاقبوهن بالهجر، وهو الإعراض عنهن في الفراش –المضجع- وبعبارة أوضح في الحجرة التي اعتادا النوم فيها؛ لأن بعض الجهلة يفهمون عقوبة الهجر هذه هو الابتعاد عنها بحيث لم تعد تراه وهو لا يراها، كأن تكون داخل البيت وهو خارجه، أو هو عند أهله وهي عند أهلها، وهذا تطبيق خاطئ لهذه العقوبة، وهو وضع الدواء في غير محله، وفي هذه الحالة قد يتأخر البرء وتتفاقم العلة.
واعلم -أخي الحبيب- أن خروج الخلاف بينكما خارج المضجع ورقة رابحة للشيطان -لعنه الله- للكيد لكما كما فعل بأبويكما من قبل، ألم يقل الصادق المصدوق في شطر الحديث: "إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية"؟! فالشيطان بهذه الصورة البعيدة قد يستحوذ على قلبي كل واحد منكما ويحدث فيهما ما لا يحمد عقباه، لكن داخل المضجع أمر فيه حكمة الباري -جل وعلا- العليم بما يصلح أمر الناس، فبقاء الخلاف داخل الحجرة وبقاء الزوج قريبًا من زوجته مسافة باع أو ذراع مما يصعب أمر الفراق، فتهفو القلوب للقاء، وتتعلق الأفئدة وتعود المياه إلى مجاريها بحمد الله وتوفيقه.
العلاج الثالث: فإن لم ينفع العلاج الثاني تعاقب بما هو أشد وهو الضرب (فَاضْرِبُوهُنَّ) ضربًا غير مبرح، يعني غير شديد، لا يكسر عظمًا ولا يشين جارحه ولا يترك أثرًا، وفي غير الوجه، نعم هو وسيلة تأديبية مشروعة، لكن يلجأ إليها في حال الضرورة، بعدما تفشل الوسائل السلمية الأخرى؛ لأنه يبقى المقصود منه الصلاح لا الحقد والانتقام، والنبي -صلى الله عليه وسلم- عبر عن هذه الرخصة بقوله: "اتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضربًا غير مبرح؛ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً".
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه تجدوه غفورًا رحيمًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين ونشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
معاشر المؤمنين: أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله -عز وجل-، فاتقوه في أنفسكم وأهليكم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
أحبائي: ما يجب أن تعلمه بعد هذا العرض المتواضع لهذه المراحل العلاجية للخلافات الزوجية: أن كل هذه الإجراءات يتخذها الزوج مع زوجته دون تدخل من أحد، فإن استمر الشقاق -لا قدر الله- بين الزوجين فقد أمر الله تعالى حينها بالتدخل بينهما لإصلاح ما يمكن إصلاحه؛ قال تعالى في سورة النساء: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) [النساء: 35]، فأمر -جل في علاه- عند تطور الخلاف بين الزوجين بتشكيل هيئة للنظر في إزالته أو التخفيف من حدته: تتكون من عضوين يتحليان بالإنصاف والعدل؛ أحدهما من أسرة الزوج والثاني من أسرة الزوجة، يدرسان بتأنٍّ وعقلانية ملابسات الخلاف وأسبابه، ويأخذان على يد المعتدي من الزوجين، وينصفان المعتدى عليه، ويسويان النزاع، كل هذه الإجراءات لإبقاء عقد النكاح واستمرار الزوجية، فإذا لم تُجْدِ -وهو ما لا يتمناه عاقل- وكان في بقاء الزوجية ضرر على الزوجين أو على أحدهما دون مصلحة راجحة، فقد شرع الله الفراق بينهما بالطلاق، وآخر الدواء الكي، قال تعالى: (فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [البقرة: 229]، فهو آخر المراحل، وهو في مثل هذه الحالة رحمة من الله تعالى يتخلص به المتضرر، ويتيح له الفرصة للحصول على بديل أحسن؛ قال الله تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً) [النساء: 130]؛ يعني إن لم يصطلحا وتفرقا فليحسن كل واحد منهما الظن بالله -عز وجل-، فقد يقيض للرجل امرأة تقر بها عينه، ويقيض للمرأة رجلاً يوسع عليها به؛ قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) [الطلاق: 2، 3].
عباد الله: إن الله تعالى أمركم بثلاث ونهاكم عن ثلاث: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
اللهم أصلح شأننا كله، وأصلح نفوسنا، وأصلح أبناءنا، وأصلح زوجاتنا، وأصلح بناتنا، وأصلح شبابنا، وأصلح قضاءنا وأصل ولاة أمورنا.
التعليقات