وصايا للمعلمين من العلماء الربانيين

فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ

2023-05-08 - 1444/10/18
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

المعلم مهنة شاقة، لكنها عظيمة الأثر، رفيعة القدر، ثوابها وأجرها كثير، لمن أحسن استغلالها في إخراج أجيال تنفع نفسها، وتخدم دينها، وتشارك في بناء مجتمعها...

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

 

فلا يَخفى أهمية دور المعلم الناصح الصادق في توجيه الطلاب وإرشادهم، وتعليمهم ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم، قال العلامة السعدي رحمه الله: من أعظم أركان التربية العامة النافعة إصلاح التعليم، والاعتناء بالمدارس العلمية، وأن يختار لها الأكفاء من المعلمين والأستاذة الصالحين الذين يتعلم التلاميذ من أخلاقهم الفاضلة قبل ما يتلقون من معلوماتهم العالية.

 

وأمة الإسلام بحاجة ماسة للمعلمين الصالحين المصلحين، يقول العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: ما أشدَّ حاجة الأمة في هذا العصر الذي كثُر فيه دعاة الهدم، وقلَّ فيه دعاة البناء والإصلاح - إلى المعلم الصالح الذي يتلقى علومه وما يربِّي به طلابَه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وينشر بينهم أخلاق السلف الصالح... والإخلاص في العمل، وتعظيم الأوامر والنواهي، والمسابقة إلى كل فضيلة، والحذر من كل رذيلة.

 

المعلم مهنة شاقة، لكنها عظيمة الأثر، رفيعة القدر، ثوابها وأجرها كثير، لمن أحسن استغلالها في إخراج أجيال تنفع نفسها، وتخدم دينها، وتشارك في بناء مجتمعها.

 

للعلماء الربانيين وصايا للمعلمين، يسَّر الله فجمعت بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع:

• قال جندب البجلي رضي الله عنه: “إن مثل الذي يعلم الناس ولا يعمل بعلمه، كمثل السراج يضيء للناس، ويحرق نفسه”.

 

• قال الإمام مالك رحمه الله: “نشر العلم وتعليمه من أفضل أعمال البر”.

 

• قال عبدالباقي بن يوسف بن على البراعي رحمه الله: “تعليم مسألة لطالب أحب إليَّ مما على الأرض من شيء”.

 

• قال محمد بن عبدالباقي بن محمد بن عبدالله رحمه الله: “يجب على المعلم ألا يعنف”.

 

• قال الحميدي: “ربما ألقى الشافعي عليَّ وعلى ابنه عثمان المسألة، فيقول: أيكم أصاب فله دينار”.

 

• قال أحمد رحمه الله: “كنت أسائل إبراهيم عن الشيء فيعرف في وجهي أني لم أفهم، فيعيده حتى أفهم، روى ذلك الخلال وغيره”.

 

• قال الشافعي رحمه الله: “لو أن محمد الحسن كان يكلمنا على قدر عقله ما فهِمنا عنه، لكنه كان يكلمنا على قدر عقولنا، فنفهمه”.

 

• عن مجاهد رحمه الله قال: “المُعلمُ إذا لم يعدل بين الصبيان كُتب من الظلمة”.

 

• قال عتبة بن أبي سفيان رحمه الله لمؤدب ولده: “ليكن إصلاحك بني، إصلاحك نفسك، فإن عيونهم معقودة بعيبك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح ما استقبحت، وعلمهم سير الحكماء، وأخلاق الأدباء... وكنْ لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء، علِّمهم الصدق كما تعلمهم القرآن”.

 

• قال الإمام الغزالي رحمه الله: “وظائف المعلم:

1- الشفقة على المتعلمين، وأن يجريهم مجرى بنيه... بأن يقصد إنقاذهم من نار الآخرة، وهو أهم من إنقاذ الوالدين ولدهما من نار الدنيا.

 

2- لا يطلب على إفادة العلم أجرًا، ولا يقصد به جزاءً ولا شكرًا، بل يعلم لوجه الله تعالى وطلبًا للتقرب إليه.

 

3- ألا يدع من نصح المتعلم شيئًا... فينبِّه على أن الغرض بطلب العلوم القرب إلى الله تعالى دون الرياسة والمباهاة والمنافسة.

 

4- أن يزجر المتعلم عن سوء الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ولا يصرِّح، وبطريق الرحمة لا بطريق التوبيخ.

 

5- أن يقتصر بالمتعلم على قدر فَهْمه، فلا يلقى إليه ما لا يبلغه عقله فينفره”.

 

• قال الإمام النووي رحمه الله: “صبر المعلم على من يعلمه، واحتمال كثرة مسائله.

 

استحباب إلقاء المسألة ليختبر أفهامهم، ويرغبهم في الفكر.

 

الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيفٍ ولا إيذاءٍ، إذا لم يأت بالمخالفة استخفافًا أو عنادًا، والرفق بالمتعلم والجاهل وملاطفته.

 

ينبغي أن يرفق بالسائل ويدنيه منه؛ ليتمكن من سؤاله غير هائب ولا منقبض.

 

استحباب التعليم بالوصف بالفعل، فإنه أوقع في النفس من القول، ويثبت في الحفظ ما لا يثبت بالقول، والله أعلم”.

 

• قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “على المعلم أن ينصح للمتعلم ويجتهد في تعليمه.

 

ليس لأحد من المعلمين أن يعتدي على الآخر، ولا يؤذيه بقول ولا فعل بغير حقٍّ.

 

ليس لأحد أن يعاقب أحدًا على غير ظلم ولا تعدي حدٍّ، ولا تضييع حقٍّ، بل لأجل هواه، فإن هذا من الظلم الذي حرَّم الله ورسوله.

 

إذا جنى شخص فلا يجوز أن يعاقب بغير العقوبة الشرعية، وليس لأحد من المعلمين والأستاذين أن يعاقبه بما شاء، وليس لأحد أن يعاونه ولا يوافقه على ذلك.

 

على المعلمين أن يكونوا متعاونين على البر والتقوى.

 

ليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقى بينهم العداوة والبغضاء، بل يكونوا مثل الإخوة المتعاونين على البر والتقوى.

 

ليس لأحد منهم أن يأخذ على أحد عهدًا بموافقته على كل ما يريده، وموالاة من يواليه، ومعاداة من يعاديه.

 

إذا وقع بين معلم ومعلم أو تلميذ وتلميذ، أو معلم وتلميذ - خصومة لم يجز لأحد أن يعين أحدهما حتى يعلم الحق، فلا يعاونه بجهل ولا بهوى، بل ينظر في الأمر، فإذا تبيَّن له الحق أعان المحق منهما على المبطل، سواء كان المحق من أصحابه أو أصحاب غيره.

 

العلم الذي يكون فتنة للمستمع لا ينبغي للعالم أن يُحدثهُ به؛ لأنه مضرة بل فتنة.

 

من مال مع صاحبه سواء كان الحق له أو عليه، فقد حكم بحكم الجاهلية، وخرج عن حكم الله ورسوله، والواجب أن يكونوا يدًا واحدًا مع المحق على المبطل.

 

أن يأتَمروا بالمعروف ويتناهوا عن المنكر، ولا يدعوا بينهم من يظهر ظلمًا أو فاحشة”.

 

• قال الإمام الكتاني رحمه الله: “أن يطهر باطنه وظاهره من الأخلاق الرديئة، ويعمره بالأخلاق المرضية، فمن الأخلاق الرديئة: الغل، والحسد، والبغي، والغضب لغير الله تعالى، والغش، والكبر، والرئاء، والعجب، والسمعة، والبخل، والخبث، والبطر، والطمع، والمداهنة والتزين للناس، وحب المدح بما لم يفعل، والعمى عن عيوب النفس، والحمية والعصيبة لغير الله، والرغبة والرهبة لغير الله، والغيبة والنميمة، والبهتان، والكذب، والفحش في القول، واحتقار الناس، فالحذر الحذر من هذه الصفات الخبيثة، والأخلاق الرذيلة، فإنها باب كل شر، بل هي الشرُّ كله.

 

ومن الأخلاق المرضية دوام التوبة، والإخلاص، واليقين، والتقوى، والصبر، والرضا، والقناعة، والزهد، والتوكل، والتفويض، وسلامة الباطن، وحسن الظن، والتجاوز، وحسن الخلق، ورؤية الإحسان، وشكر النعمة، والشفقة على خلق الله تعالى، والحياء من الله تعالى، ومن الناس، ومحبة الله تعالى، وهي الخصلة الجامعة لمحاسن الصفات كلها، وإنما تتحقق بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

أن يحافظ على القيام بشعائر الإسلام وظواهر الأحكام، كإقامة الصلاة في المساجد للجماعات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى.

 

أن يحافظ على المندوبات الشرعية القولية والفعلية، فيلازم تلاوة القرآن، وذكر الله تعالى بالقلب واللسان، وكذلك ما ورد من الدعوات والأذكار في آناء الليل والنهار، ومن نوافل العبادات من الصلاة والصيام، وحج البيت الحرام، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

 

أن يقصد بتعليمهم وتهذيبهم وجه الله تعالى، ونشر العلم وإحياء الشرع، ودوام ظهور الحق، وخمول الباطل”.

 

• قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “الحث على تعليم العلم، واحتمال المشقة فيه، والصبر على الأذى طلبًا للثواب.

 

الرفق بالجاهل، وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف، إذا لم يكن ذلك منه عنادًا.

 

الرفق بالمتعلم، وإقامة العذر لمن لا يفهم.

 

جواب السائل بأكثر مما سأل عنه إذا كان مما يحتاج إليه.

 

الزيادة على السؤال في الجواب، ولا سيما إذا كان للسائل في ذلك مزيد فائدة.

 

ضرب الأمثال والأشباه لزيادة الإفهام، وتصوير المعاني لترسخ في الذهن.

 

امتحان ذهان الطلبة بما يخفى، مع بيانه لهم إن لم يفهموه.

 

التعليم بالفعل، لكونه أبلغ وأضبط للمتعلم، والبيان بالفعل ليكون أوقع في نفس السامع.

 

تكرار المسألة لتفهم وتكرار الجواب لإفهام السائل.

 

ترك العجلة في الجواب إذا كان يحتاج إلى التأمل.

 

التعليم بالتدرج أخف مؤنة، وأدعى إلى الثبات من أخذه بالكد والمغالبة.

 

الطالب إذا ألَحَّ في المراجعة يزجر بما يليق به.

 

يعلم التلميذ من أنواع العلوم ما يراه مائلًا إليه من العلوم المباحة، فإنه أجدر أن يسرع إلى تفهمه والقيام له”.

 

• قال العلامة السعدي رحمه الله: “المعلم مأمور بحسن الخلق مع المتعلم، ومباشرته بالإكرام، والتحنن عليه، فإن في ذلك معونة له على مقصده وإكرامًا لمن يسعى في نفع العباد والبلاد.

 

على المعلم النصح للمتعلم بكل ما يقدر عليه من التعليم والصبر على عدم إدراكه، وعلى عدم أدبه وجفائه، مع شدة حرصه على ما يقوِّمه ويُحسن أدبه؛ لأن المتعلم له حق على المعلم حيث أقبل على العلم الذي ينفعه وينفع الناس، فهو الولد الحقيقي للمعلم الوارث له؛ قال تعالى: (فهَب لي مِن لَدُنكَ وَلِيًّا *يَرِثُني وَيَرِثُ مِن آلِ يَعقوبَ)[مريم:5-6]، والمراد وراثة العلم والحكمة، فالمعلم مثاب مأجور على نفس تعليمه، سواء فهم أو لم يفهم، فإذا فهم ما علمه وانتفع بنفسه ونفع غيره، كان أجره جاريًا للمعلم ما دام ذلك النفع متسلسلًا متصلًا، وهذه تجارة بمثلها يتنافس الموفقون.

 

وليرغب المتعلم بكل طريق ولا يُملَّه باشتغاله بما يعسر على فَهْمه من أنواع العلوم ومفرداتها، وينبغي سلوك الطريق النافع عند البحث تعلمًا وتعليمًا، فإذا شرع المعلم في مسألة وضحها وأوصلها إلى أفهام المتعلمين بكل ما يقدر عليه من التعبير وضرب الأمثال والتصوير والتحرير، ثم لا ينتقل منها إلى غيرها قبل تحقُّقها وتفهيمها للمتعلمين، ولا يدع المتعلمين يخرجون من الموضوع الذي لم يتمَّ تقريره إلى موضوع آخر؛ حتى يُحكِموه ويفهموه، فإن الخروج من الموضوع إلى غيره قبل الانتهاء منه يشوش الذهن ويحرم الفائدة، ويخلط المسائل بعضها ببعض.

 

من أعظم ما يجب على المعلمين أن يقولوا لما لا يعلمونه: الله ورسوله أعلم، وليس هذا بناقص لأقدارهم، بل هذا مما يزيد قدرهم، ويستدل به على دينهم وتحرِّيهم للصواب، وفي توقُّفه عما لا يعلم فوائد كثيرة؛ منها: أن هذا هو الواجب عليه، ومنها: أنه إذا توقف وقال: لا أعلم، فما أسرع ما يأتيه علم، ذلك إما من مراجعته أو مراجعة غيره، ومنها: أنه إذا توقف عما لا يعرف كان دليلًا على ثقته وإتقانه فيما يجزم به من المسائل، كما أن من عرف منه الإقدام على الكلام فيما لا يعلم، كان ذلك داعيًا للريب في كل ما يتكلم به، حتى في الأمور الواضحة.

 

على المعلم أن ينظر إلى ذهن المتعلم وقوة استعداده أو ضعفه، فلا يدعه يشتغل بكتاب لا يناسب حاله، فإن هذا من عدم النصح، فإن القليل الذي يفهمه ويعقله خيرٌ من الكثير الذي هو عرضة لعدم الفَهم والنسيان.

 

المعلم مثاب مأجور على نفس تعليمه، سواء فهم أو لم يفهم، فإذا فهم ما علمه وانتفع بنفسه ونفع غيره، كان أجره جاريًا للمعلم ما دام ذلك النفع متسلسلًا متصلًا، وهذه تجارة بمثلها يتنافس الموفقون.

 

على المعلم ألا يمتنع من التعليم أو لا ينصح فيه، إذا لم يفعل السائل ما كلَّفه به المعلم، فإن يوسف عليه السلام قد قال ووصى أحد الفتيين أن يذكره عند ربه، فلم يذكره ونسي، فلما بدت حاجتهم إلى سؤال يوسف، أرسلوا ذلك الفتى، وجاءه سائلًا مستفتيًا عن تلك الرؤيا، فلم يعنفه يوسف، بل أجابه عن سؤاله جوابًا تامًّا.

 

ينبغي تعاهد محفوظات المتعلمين ومعلوماتهم بالإعادة والامتحان، والحث على المذاكرة والمراجعة، وتكرار الدرس.

 

ينبغي ويتأكد على المعلم استعمال الإخلاص التام في تعليمه، والتقرب إلى الله بهذه العبادة، وألا يجعل تعليمه وسيلة لمعاوضة أحد من مال، أو جاه، أو نفع”.

 

• وقال العلامة عبدالعزيز ابن باز رحمه الله: “العلماء هم ورثة الأنبياء، ولذلك كانت مهمة المعلم من أصعب المهام؛ لما تتطلبه من الاتصاف بأكمل الصفات حسب الإمكان، من علم نافع، وخلق كريم، وعمل صالح متواصل، وصبر ومصابرة، وتحمُّل للمشاق في سبيل إصلاح الطالب، وتربيته تربيةً إسلامية نقية، وبقدر ما تتوفر صفات الكمال في المدرس يكون نجاحه في مهمته، ومهمة المعلم مع كونها من أصعب المهام، فهي من أشرف الوظائف، وأعظمها نفعًا، وأجلِّها قدرًا، إذا وُفِّق صاحبها للإخلاص وحسُنت نيته، وبذل جهده، كما أن له من الأجر مثل من انتفع بعلمه، وفي الحديث الشريف يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: “خيرُكم من تعلَّم القرآن وعلَّمه”، ويقول عليه الصلاة والسلام: “لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من حُمر النَّعم”، ويقول أيضًا صلى الله عليه وسلم: “من دلَّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله”.

 

قدوة الجميع وإمامهم هو سيدنا وإمامنا محمد بن عبدالله الهاشمي العربي المكي ثم المدني، عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، فلقد كان أكمل الناس في كل الصفات الكريمة، وقد لاقى في توجيه الناس وتعليمهم الصعوبات الكبيرة، والمشاق العظيمة فصبر على ذلك، وتحمل كل مشقة وصعوبة في سبيل نشر دينه، وإخراج أُمته من الظلمات إلى النور، فجزاه الله عن ذلك أفضل الجزاء الحسن وأكمله، وقد تربى على يديه الكريمتين جيل صالح يعتبر أفضل الأجيال التي عرفتها البشرية في تاريخها الطويل، ومعلوم أن ذلك ناشئ عن حسن تربيته وتوجيهه لأصحابه، وصبره على ذلك بعد توفيق الله لهم، وأخذه بأيديهم إلى الحق سبحانه وتعالى.

 

إذا عُلم ذلك، فإن من أهم المهمات في حق المعلم أن يسير على نهج المعلم الأول محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يجتهد في معرفة ذلك حتى يطبقه على نفسه وعلى طلابه حسب الإمكان.

 

إذا ما أراد أي معلم أن يغرس معلوماته في أذهان تلامذته، فلا بد له قبل كل شيء أن يكون ذا إلمامٍ تام بالدرس الذي وُكِّل إليه القيام به، وذا معرفة بالغة بطرق التدريس، وكيفية حسن الإلقاء، ولفت نظر طلابه بطريقة جلية واضحة إلى الموضوع الأساسي للدرس، وحصره البحث في موضوع الدرس دون الخروج إلى هوامش قد تبلبل أفكار التلاميذ، وتُفوِّت عليهم الفائدة، وأن يسلك في تفهيمهم للعلوم التي يلقيها عليهم طرق الإقناع، مستخدمًا وسائل العرض والتشبيه والتمثيل، وأن يركز اهتمامه على الأمور الجوهرية التي هي القواعد الأساسية لكل درس من الدروس، وأن يغرس في نفوسهم كليات الأشياء، ثم يتطرق إلى الجزئيات شيئًا فشيئًا؛ إذ المهم في كل أمر أصله، وأما الفروع فهي تَبَعٌ للأصول، وأن يركز المواد ويقربها إلى أذهان التلاميذ، وأن يحبب إليهم الدرس ويرغبهم في الإصغاء إليه، ويُعلِمهم بفائدته وغايته.

 

على المعلم أن يكون قدوة في المحافظة على الصلوات في الجماعة، والمسابقة إليها وتوفير اللحية، وعدم التدخين وعدم الإسبال وفي الأسلوب الحسن، فالمعلم هو المربي الروحي للطالب، فينبغي أن يكون ذا أخلاق فاضلة وسَمْتٍ حسن، حتى يتأسى به تلامذته، كما ينبغي أن يكون محافظًا على المأمورات الشرعية بعيدًا عن المنهيات، حافظًا لوقته قليل المزاح واسع البال، طَلْق الوجه حسن البشر، رحب الصدر”.

 

• قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: “الربانيُّون هم الذين جمعوا بين العلم والتربية مأخوذ من التربية؛ قال الله تعالى: (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) [آل عمران: 79]؛ لأن من العلماء مَنْ يُعلِّم ولا يُربِّي، وهذا وإن كان فيه خير، لكن العالم هو الذي يُعلِّم ويُربِّي بقوله وتوجيهه وإرشاده، ويُربِّي أيضًا بفعله وسلوكه، وكم من طالب تأثَّر بشيخه في سلوكه أكثر مما لو أملى عليه الكلام أيامًا، وهذا شيء مشاهد مُجرَّب.

 

رعاة التلاميذ في المدرسة، وهم الأساتذة والمدرسون والمديرون، يجب عليهم أن يقوموا بما هو أصلح، من حُسْن التعليم، وقوة الملاحظة والحزم؛ حتى لا يفوت الوقت على الطلاب، ويجب على الأساتذة أن يَظْهروا أمام الطلاب بمظهرٍ جميلٍ يُرغِّبُهم في الخير، ومن المؤسف أنك تجد بعض المدرسين يدخل الفصل عابسَ الوجه، مُقطبًا، لا يريد من أي طالبٍ أن يسأل ولا أن يُناقِشَ، والذي ينبغي للمدرِّس أن يكون قويًّا من غير عُنْفٍ، حليمًا من غير ضعفٍ؛ حتى تستقيمَ له حياتُه مع تلاميذه.

 

بعض الأستاذة يأتي إلى الدرس وهو ما حضَّر، ومعلوماته قليلة، فلا يستطيع أن يعلِّم إلا بعد التحضير، وهو لا يُحضِّر، ثم إذا قام التلميذ يسأله، وإذا هو ليس عنده علم، فماذا يصنع في التلميذ؟ يقول اجلس يا ولد، ما بقي وقت للمناقشة هذا غلط.

 

المعلم يجب عليه أن يسلك أقرب الطُّرق إلى إفهام الطلبة، فلا يأتي لهم بعبارات مُعقَّدة، أو يتجاوز في الكتاب الشيء المعقد، بل يجب أن يوصل العلم إلى التلاميذ بأقرب وسيلة، والوسائل والحمد لله كثيرة، ناقشهم، أحيهم بالمناقشة، قل: يا فلان قُمْ، يا فلان، ما عندك؟ حتى تُحيي المجلس، وبعضُ الأساتذة تجدُه من حين يدخل الدرس إلى أن ينتهي وهو يقرأ، هذا غلط ونقص.

 

قوله: (حين استلبث الوحي)؛ أي: تأخَّر، لم ينزل على النبي عليه الصلاة والسلام وحيٌ، وهذا لحكمةٍ، وهي أن تبلغ الأمور غايتها، والشيء إذا أتى بعد بلوغ الأمر غايته صار له وَقْعٌ كبيرٌ في النفوس، فلو ألقى المعلم على الطلاب سؤالًا، ثم كلُّ واحد منهم أتى بجوابٍ، وتأخَّر المعلم عن إخبارهم، كان إخبارهم بعد ذلك أشدَّ وَقْعًا مما لو أخبرهم أول وهلة.

 

إذا أعطى المعلم تلاميذه جوائز تشجيعية حتى يُرغِّبَهم في الدرس ويُنشِّطَهم عليه، ويتسابقوا عليه، فإنه يُؤجَر على هذا، وهو من الإنفاق على العلم الذي فيه الفضل لمن دفعه، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول في الغزو: “مَنْ قتل قتيلًا فله سلبه”، وهذا لا شك طريق من طريق التشجيع، فإذا فعل المعلم هذا من أجل تشجيع الطلاب، فإنه يُؤجَر على هذا، وهو يُعوِّدُ التلاميذ التنافُس والوصول إلى الخير.

 

أُوصي المدرسين أن يعنوا بتوجيه الطلبة، وأن يحثوهم على التثبت في الأمور، وعدم العجلة في الفتوى والجزم في المسائل إلا على بصيرة، وأن يكونوا قدوة لهم في ذلك، بالتوقف عما يُشكِل، والوعد بالنظر فيه بعد يوم أو يومين، أو في الدرس الآتي؛ حتى يتعود الطالب من الأستاذ عدم العجلة في الفتوى والحكم، ومن الأخلاق الكريمة أن يُعوَّد الطالب كلمة “لا أدري”، مع التحذير من الفتوى بغير علم، والجرأة عليها.

 

التعليم بالفعل أقوى من التعليم بالقول، وذلك من وجهين:

الوجه الأول: قُرب التَّصوُّر.

 

الوجه الثاني: بقاء الحفظ؛ لأن الإنسان إذا شاهد الشيء ارتسمت صورته في ذهنه، فاجتمع الحفظ، وارتسام الصورة، فيكُون ذلك أبقى لحفظ الإنسان، ولهذا لو وصفت لإنسان صفة الصلاة، يقوم فيُكبِّر، ويقرأ الفاتحة، وما أشبه ذلك إلى آخر الصلاة، لم يتصوَّرْها كما لو صلَّيْتَ أمامه”.

 

وقال رحمه الله: “التعليم بالفعل له شأن عظيمٌ، وليس الخبر كالمعاينة”.

 

• قال الشيخ عبدالغني بن عبدالله خياط رحمه الله: “في نظري بوصفي مدرسًا مارس مهنة التعليم أمدًا طويلًا أن العقاب البدني إن كان لا بد من مزاولته ففي حالات خاصة، فيجب أن يقدر بقدر الضرورة، فلا يصدم به الطفل أول مراحل تعليمه، لو ترك الحبل على الغارب للمتعلم - وخاصة من كان في دور المراهقة - فإنه يتصرف تصرف الطائش، وترك العقاب يفسده ويدفعه للتطاول على غيره دون مبالاة أو رهبة، على أن العقاب البدني لو فُرض أن دعت الضرورة لإيقاعه، فيجب أن يكون بحكمة كما يجب أيضًا تنويعه، فهناك مثلًا حجز الطالب بعد مغادرة زملائه للمدرسة مع تكليفه بواجب، أو توبيخه على انفراد، أو توبيخه أمام زملائه، أو إبعاده عن المدرسة إبعادًا مؤقتًا لمدة أسبوع، إلى غير ذلك.

 

الواقع أن دور المدرس من أصعب الأدوار، ولا يستطيع حمل العبء فيه إلا طبقة سخرها الله سبحانه وتعالى، لنشر العلم والثقافة على حساب أعصابهم، وبخاصة إذا أخلص المدرس في عمله، واحتسب أجر ما يبذله في نفع المتعلمين من تضحيات، واحتسب ذلك عند الله.

 

المخبر الذي يكشف الأفذاذ من الرجال، ويترجم عن مواهبهم، ومدى استعدادهم للإسهام في كل ما يعود على المجتمع بالخير، ويأخذ به قُدُمًا نحو الكمال والتمام، قوة الشخصية، واتزانها، وسلامة تصورها للأمور، وتقديرها بحيث تكون مسيرتها في اتجاه بعيد عن النَّزَق ومهابط الأمور، فمن ذا الذي يرتقي إلى هذه الفضائل، ويأخذ بزمام القافلة ليوصلها إلى المستوى الرفيع؟! قد يكونون كثيرين في الأمة، فالخيرون لن تقفر منهم الأرض، غير أن من بينهم المغمور الذي لم يحط نفسه بهالةٍ من الدعاية يوجه بها الأنظار إليه، فهو في مجتمعه أشبه بكنز مجهول لا ينتفع به على الرغم من أنه جمع بين العلم، وسعة الأفق، واتساع أبعاد المعرفة، وغير ذلك من المحامد والفضائل”.

 

• قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: “كان العلماء السابقون يُلقنون الطلاب في حلق العلم آداب الطلب، وأدركتُ خبر آخر العقد في ذلك في بعض حلقات العلم في المسجد النبوي الشريف؛ إذ كان بعضُ المدرسين فيه يُدرسُ طلابه كتاب الزرنوجي رحمه الله المسمى “تعليم المتعلم طريق التعلم”، فعسى أن يصل أهل العلم هذا الحبل الوثيق الهادي لأقوم طريق، فيدرج تدريس هذه المادة في فواتح دروس المساجد، وفي مواد الدراسة النظامية”.

 

• قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: “قوله: “اعلم أرشدك الله”، هذا دعاء من الشيخ [محمد بن عبدالوهاب] رحمه الله، وهكذا ينبغي للمعلم أن يدعو للمتعلم، وقوله: “رحمك الله”، هذا دعاء من الشيخ [محمد بن عبدالوهاب]، لكل من قرأ هذه الرسالة، وهذا من باب التلطف لطالب العلم، وتحسين الكلام له، من أحل أن يُقبل على طلب العلم.

 

قال جبريل: يا محمد، أخبرني عن الإسلام؛ أي اشرح لي معنى الإسلام قال الرسول صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا، فالرسول اقتصر على بيان أركان الإسلام؛ لأن الجواب كل ما كان مختصرًا كان أسهل على المتعلِّم والسامع، وسهل عليه حفظه ووعيه، بينما لو طُوِّل الجوابُ تشعَّب على الحاضرين، وربما أن أكثرهم لا يستوعبه، فهذا دليل على أن المسؤول ينبغي أن يتوخى الاختصار مهما استطاع، ويقتصر على الشيء الضروري، وإلا فالإسلام أكثر من ذلك، هذه أركانه ودعائمه التي يقوم عليها.

 

من أبلغ طُرق التعليم أن يكون عن طريق السؤال والجواب، وهي طريقة تربوية جيدة، والتعليم على طريقة السؤال والجواب أثبتُ في الذهن، وأدعى للانتباه”.

 

• قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب: “اعلم رحمك الله، دعاء للمتعلم بالرحمة؛ لأن مبنى التعلم بين العالم والمتعلم هو التراحم، وقوله: “اعلم، أرشدك الله لطاعته”، دعاء للمتعلم بقوله: “أرشدك الله”، وهذا الذي ينبغي على المعلمين أن يكونوا متلطفين بالمتعلمين؛ لأن التلطف والتعامل معهم بأحسن ما يجد المعلم، يجعل قلب المتعلم قابلًا للعلم متفتحًا له، مقبلًا عليه”.

 

• قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: “مشروعية تكرار الموعظة حتى تفهم، وترسخ في القلوب، ولذلك كرر صلى الله عليه وسلم كلمة: “الدين النصيحة” ثلاثًا”.

 

قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا أُخبرك برأس الأمر) فيه التعليم من خلال تقديم الاستفهام من أجل لفت الأذهان وبيان عظم مكانة المعلومة التي ستلقى.

 

حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث أمسك طرف الكتف من ابن عمر من أجل أن يكون ذلك سببًا في حضور قلبه، وانتباهه للمتكلم.

 

من طرق التعليم ضرب الأمثلة من أجل أن يفهم السامع المعنى الذي يرغب المتكلم إيصاله إليه.

 

قرب المعلم من المتعلم، فإنه قال: كفي بين كفيه؛ مما يدل على مشروعية قرب المعلم من المتعلم”.

 

وختامًا هناك كتاب بعنوان: “تذكرة السامع في أدب العالم والمتعلم”؛ لمحمد بن إبراهيم بن سعد الله ابن جماعة (ت733)، قال عنه العلامة العثيمين رحمه الله: كتاب مفيد لطالب العلم والمعلِّم أيضًا.

 

ووصية للجميع ألا ينتصب للتدريس من لم يكن أهلًا له.

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life