عناصر الخطبة
1/انتشار الفتن في آخر الزمان 2/خوف السلف من الفتن 3/عوامل الثبات على الدين 4/أهمية الالتجاء إلى لله والاعتصام به 5/أنواع الفتن والواجب نحوهااهداف الخطبة
اقتباس
الالتفاف حول من يعينك على الثبات، والإقبال على طاعة الله، من جليس صالح، وجماعة معينة، ومنهج مثبّت على الطريق، فإن من الناس أناسا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، فابحثوا عن العلماء والصالحين والدعاة المؤمنين الذين هم ك...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله حق التقوى كما أمركم الله بذلك، فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18].
أما بعد:
فقد أخبر المصطفى بأنه ستكون في آخر الزمان فتن، كما روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله أنه قال: "بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل"[رواه الحاكم (4/485)].
وفي زمن تكثر فيه الشهوات والشبهات التي تصرف المرء عن دينه يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر"[رواه الترمذي (4/526)].
وكان عليه الصلاة والسلام يقول: "إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبهما كيف يشاء".
ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه أحمد والحاكم: "لقلب ابن آدم أشد تقلبًا من القدر إذا استجمعت غليانًا".
وقال أيضا: "إنما مثل القلب مثل ريشة بفلاة -أي: بالصحراء- تعقلت في أصل شجرة يقلبها الريح ظهرًا لبطن".
ويقول الشاعر:
وما سمي الإنسان إلا لنسيه *** ولا القلب إلا أنه يتقلب
وكان عليه الصلاة والسلام يكثر من هذا الدعاء: "اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلوبنا على دينك".
ونهج منهجه الصحابة الكرام، والأئمة الأعلام، من سلف هذه الأمة، فقد كانوا أشدَّ الناس خوفًا على قلوبهم مع حرصهم وكثرة طاعتهم لله -سبحانه وتعالى-؛ لهذا كله، ولأننا نعيش هذه الأيام في فتن تلاطمت وشُبَه انتشرت وأنواع من الردّة خرجت حتى أصبح المرء يخشى على نفسه عدم الثبات والخوف من أن ينكص على عقبيه كفرًا -والعياذ بالله- أو عصيانا أو بعدًا أو جفاءً عن طاعة الله، فازدادت الحاجة إلى معرفة عوامل الثبات على دين الله؛ لأننا جمعنا بين تقصير في طاعة الله، وأمن من عقابه، وبين مجتمعات انتشر فيها الباطل على أرقى المستويات.
أما سلفنا الصالح، فإنهم كانوا يجمعون بين طاعة الله، ومجتمع صالح يعينهم على ذكر الله، ومع ذلك فقد كانوا يخافون على أنفسهم من الزيغ وعدم الثبات، فهل تبصر المسلمون اليوم بعوامل الثبات على دين الله، وأنهم أشد حاجة إلى معرفتها، والعمل بها، والدعوة إليها؟!
إخوة الإسلام: إن من رحمة الله -عز وجل- بنا أن بين لنا في كتابه وعلى لسان نبيه وفي سيرة نبيه وسائل كثيرة للثبات لعلنا نتناول بعضًا منها، فمن هذه العوامل:
أولاً: الإقبال على كتاب الله: (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً)[الفرقان: 32].
لأنه يزرع الإيمان، ويزكي النفوس، ولأنه يزوّد المسلم بالتصوّرات الصحيحة لواقعهم، فيردّ على الشبهات، ويفضح المخططات.
والإقبال على القرآن يكون بتلاوته وحفظه، ومعرفة تفسيره، والعمل به، فداوم على تلاوته، ولا تقطع صلتك به، ولا تعرض عنه.
ثانيًا: الالتزام بشرع الله، والإكثار من الأعمال الصالحة، والسنن الرواتب، والنوافل المطلقة: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ)[محمد: 17].
(يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَة)[إبراهيم: 27].
وهذا –والله- واضح ومرئي رأي العين، وإلا فهل نتوقع ثباتًا من الكسالى القاعدين والعصاة المنافقين إذا أطلقت الفتنه رأسها وادلهم الخطب؟!
(فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [الصف: 5].
ثالثًا: ومن عوامل الثبات على دين الله والاستمرار عليه: تدبر قصص الأنبياء ودراستها، والتأسي بها: (وَكُلاً نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)[هود: 12].
فكم نالهم عليهم الصلاة والسلام من الأذى والعذاب والفتن من أقوامهم.
رابعا: ومن ذلك أيضا: التربية الصحيحة للنفس، تربية إيمانية علمية واعية قائمة على الدليل الصحيح، منافية للتقليد، ولكي ندرك أهمية هذا الأمر لنعُد على سيرة رسول الله، ولنسأل أنفسنا: ما مصدر ثبات صحابته رضوان الله عليهم؟ كيف ثبت بلال وخبيب ومصعب وآل ياسر وغيرهم من المستضعفين، وحتى كبار الصحابة في حصار الشعب ذلك العقاب الجماعي أو تحت التعذيب الفردي؟ هل يمكن أن يكون ثباتهم بغير تربية عميقة من مشكاة النبوة صقلت شخصياتهم؟! فهذا خباب بن الأرت كانت مولاته تحمي أسياخ الحديد حتى تحمر ثم تطرحه عليها عاري الظهر، فلا يطفئها إلا شحم ظهره حين يسيل عليها، ما الذي جعله يصبر على هذا كله؟! وبلال تحت الصخرة في الرمضاء، وسمية في الأغلال والسلاسل، فهل يتبصر المسلمون مثل هذه الثلة المشرفة والأنوار المضيئة؟!
خامسًا: من عوامل الثبات أيضا الحرص على أن يسلك المسلم في هذه الحياة الطريق المستقيم خالصًا لله ومتبعًا هدي رسول الله بهمة عالية تربي فيها نفسك كما تربي النبتة الصغيرة.
والنفس كالطفل إن تتركه شبّ على *** حبّ الرضاع وإن تفطمه ينفطم
سائرًا إلى الله بقصد وتأني، فقليل دائم خير من كثير منقطع، ومع ذلك تقف مع نفسك محاسبًا ولتقصيرها معاتبًا ولإقبالها مشجعًا.
سادسًا: الالتفاف حول من يعينك على الثبات والإقبال على طاعة الله من جليس صالح وجماعة معينة، ومنهج مثبّت على الطريق، فإن من الناس أناسا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، فابحثوا عن العلماء والصالحين والدعاة المؤمنين الذين هم كالنجوم في الليلة الظلماء، بهم يهتدي الضالون، فإخوانكم الصالحون هم العون لكم في الطريق والركن الشديد الذي تأوون إليه، فيثبتونكم بما معهم من آيات الله والحكمة، فألَفوهم وعيشوا في كنفهم، وإياكم والوحدة فتتخطفكم شياطين الإنس والجن.
سابعًا: البصيرة وفهم الواقع وعرض كل صغير وكبير على شرع الله، وأن تعرف الباطل، وأن لا تغتر به: (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)[آل عمران: 196- 197].
فو الله، إن الباطل وأهله ضعفاء جبناء، أصول مخططاتهم، أوهى من بيت العنكبوت، ويتبين ذلك كله لمن رزقه الله بصيرة واعية وحكمة نافذة وعلمًا نافعًا، ومع ذلك كله يجب أن نثق بنصر الله للمؤمنين: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى)[مريم: 76].
(إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ)[غافر: 51].
وكذلك العلم بأن المستقبل للإسلام والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وهذا هو العامل الثامن من عوامل الثبات على دين الله.
تاسعًا: تقوى الله، ولزوم الاستغفار؛ فإنهما خير معين على الثبات: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2 - 3].
وأخيرًا -إخوة الإسلام- إن كل تلك الوسائل فقيرة ومحتاجة إلى الالتجاء إلى الله، فعليكم بالإكثار من الدعاء في كل حين ووقت بأن يثبتكم الله على دينه أن لا يفتنكم، فقد كان عليه الصلاة والسلام يكثر من قول: "اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلوبنا على دينك".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ)[فصلت: 30-32].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأصلي وأسلم على خير خلقه أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أخي المسلم: وصيتي إليك أن تحفظ نفسك، وأن تحفظ من ولاك الله عليهم من أزواج وذرية، وأن تنجو بهم من هذا البحر المتلاطم من فتن الشهوات، ومن فتن الشبهات، مما نراه في واقعنا من تساهل كثير من أولياء الأمور بإحضار ما فيه فتن إلى بيوتهم من دشوش وغيرها مما يأجج فتن الشهوات، ومما يزعزع ركائز الإيمان من فتن الشبهات، وإنه لنذير شؤم وعلامة خطر على مجتمعنا المسلم الذي وجّه الشرق والغرب الكافر على طمس هويته.
فاحذروا -أحبتي في الله- ذلك، وتذكروا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من راع يسترعيه الله رعيه يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب.
اللهم احفظنا بالإسلام واحفظ ذرارينا، واحفظ مجتمعاتنا من كل كائد ومن كل مفسد.
اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
هذا، وصلوا -رحمكم الله- على خير الخلق أجمعين كما أمركم الله بذلك، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على خير خلقك أجمعين محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسمين، وأذل الشرك والمشركين.
التعليقات