وسائل التربية الإيمانية (2) تنمية صلة الأولاد بالله عز وجل

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/الأولاد نعمة ومسؤولية كبيرة 2/معرفة الخالق أولى الواجبات 3/حقيقة الصلة بالله وأهميتها 4/مجالات تنمية صلة الأولاد بالله 5/ثمرات صلة الأولاد بالله -تعالى-.

اقتباس

إِنَّ حَاجَةَ الْمُؤْمِنِ إِلَى صِلَتِهِ بِرَبِّهِ، وَتَعَلُّقِهِ بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ، أَهَمُّ مِنْ حَاجَتِهِ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالْهَوَاءِ الَّذِي يَتَنَفَّسُهُ، وَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ لَحْظَةً، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: "فَفِي الْقَلْبِ شَعَثٌ لَا يَلُمُّهُ إِلَّا الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ، وَفِيهِ وَحْشَةٌ لَا يُزِيلُهَا إِلَّا الْأُنْسُ بِهِ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ الْعَظِيمَةِ عَلَى الْوَالِدَيْنِ أَنْ يَرْزُقَهُمُ اللَّهُ الذُّرِّيَّةَ؛ فَالْوَلَدُ يَتَمَنَّاهُ كُلُّ وَالِدٍ، هُوَ ثَمَرَةُ الْقَلْبِ، وَبَهْجَةُ النَّفْسِ، وَزِينَةُ الْحَيَاةِ؛ (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)[الْكَهْفِ: 46]، وَكَمَا أَنَّهُمْ نِعْمَةٌ فَهُمْ مَسْؤُولِيَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَفِتْنَةٌ وَابْتِلَاءٌ لِلْوَالِدَيْنِ؛ (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ)[الْأَنْفَالِ: 28]، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِتَحَمُّلِ هَذِهِ الْمَسْؤُولِيَّةِ؛ فَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التَّحْرِيمِ: 6]؛ "وَوِقَايَةُ الْأَهْلِ وَالْأَوْلَادِ، بِتَأْدِيبِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ، وَإِجْبَارِهِمْ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، فَلَا يَسْلَمُ الْعَبْدُ إِلَّا إِذَا قَامَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي نَفْسِهِ، وَفِيمَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَتِهِ مِنَ الزَّوْجَاتِ وَالْأَوْلَادِ"(تَفْسِيرُ السَّعْدِي).

 

أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ: إِنَّ مِنْ أَهَمِّ مَا يَنْبَغِي عَلَيْنَا نَحْوَ أَوْلَادِنَا أَنْ نُعَمِّقَ صِلَتَهُمْ بِاللَّهِ -تَعَالَى-؛ فَتَوْحِيدُ الْخَالِقِ -سُبْحَانَهُ- هُوَ أَوَّلُ الْوَاجِبَاتِ وَأَعْظَمُهَا، قَالَ -تَعَالَى-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)[مُحَمَّدٍ: 19]، وَهُوَ نِدَاءُ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ النَّاسَ عَلَيْهَا؛ فَـ"كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ".

 

وَمَعْنَى الصِّلَةِ بِاللَّهِ: دَوَامُ اتِّصَالِ الْعَبْدِ بِاللَّهِ -تَعَالَى- فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، فِي سِرِّهِ وَجَهْرِهِ، وَفَرَحِهِ وَتَرَحِهِ، وَجِدِّهِ وَهَزْلِهِ، وَسَرَّائِهِ وَضَرَّائِهِ، وَفِيمَا أَحَبَّ وَمَا كَرِهَ؛ أَيْ: أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِاللَّهِ -سُبْحَانَهُ- وَعُبُودِيَّتِهِ وَافْتِقَارِهِ إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ حَيَاتِهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الْأَنْعَامِ: 162]، وَلِعِظَمِ هَذَا الْأَمْرِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُ رَبَّهُ أَنْ يَكُونَ دَائِمَ الصِّلَةِ بِهِ، وَمِنْ دُعَائِهِ: "أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ).

 

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: إِنَّ حَاجَةَ الْمُؤْمِنِ إِلَى صِلَتِهِ بِرَبِّهِ، وَتَعَلُّقِهِ بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ، أَهَمُّ مِنْ حَاجَتِهِ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالْهَوَاءِ الَّذِي يَتَنَفَّسُهُ، وَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ لَحْظَةً، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: "فَفِي الْقَلْبِ شَعَثٌ لَا يَلُمُّهُ إِلَّا الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ، وَفِيهِ وَحْشَةٌ لَا يُزِيلُهَا إِلَّا الْأُنْسُ بِهِ فِي خَلْوَتِهِ، وَفِيهِ حُزْنٌ لَا يُذْهِبُهُ إِلَّا السُّرُورُ بِمَعْرِفَتِهِ وَصِدْقِ مُعَامَلَتِهِ، وَفِيهِ قَلَقٌ لَا يُسَكِّنُهُ إِلَّا الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ، وَالْفِرَارُ مِنْهُ إِلَيْهِ".

 

أَيُّهَا الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ: إِذَا كَانَ أَوْلَادُنَا بِحَاجَةٍ إِلَى رِعَايَتِهِمْ فِي الْغِذَاءِ وَالدَّوَاءِ وَالْكِسَاءِ، فَإِنَّ حَاجَتَهُمْ إِلَى تَنْمِيَةِ صِلَتِهِمْ بِإِلَهِهِمْ وَرَبِّهِمْ أَشَدُّ، وَتَنْمِيَةُ صِلَتِهِمْ بِاللَّهِ تَكُونُ بِوَسَائِلَ؛ مِنْهَا:

غَرْسُ الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ فِي نُفُوسِهِمْ، وَتَثْبِيتُ دَعَائِمِهَا، وَحِمَايَةُ جَنَابِهَا مِمَّا يُنَاقِضُهَا وَيَشُوبُهَا وَيُثِيرُ الشُّكُوكَ حَوْلَهَا؛ فَهَذَا إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يُوصِي أَوْلَادَهُ بِالتَّوْحِيدِ؛ (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 132]، وَهَذَا لُقْمَانُ الْحَكِيمُ كَانَ التَّوْحِيدُ أَوَّلَ وَصَايَاهُ لِابْنِهِ؛ (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[لُقْمَانَ: 13].

 

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ لَهُ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ..."(التِّرْمِذِيُّ)، فَقَدْ أَرْشَدَهُ النَّبِيُّ بِأَنْ: "لَا يَتَعَلَّقَ بِغَيْرِهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ، مَا قَلَّ مِنْهَا وَمَا كَثُرَ"(شَرْحُ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ لِابْنِ دَقِيقٍ).

 

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ عَنِ الْأَبْنَاءِ: "فَإِذَا كَانَ وَقْتَ نُطْقِهِمْ فَلْيُلَقَّنُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَلْيَكُنْ أَوَّلُ مَا يَقْرَعُ مَسَامِعَهُمْ مَعْرِفَةَ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ- وَتَوْحِيدَهُ، وَأَنَّهُ -سُبْحَانَهُ- فَوْقَ عَرْشِهِ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَيَسْمَعُ كَلَامَهُمْ، وَهُوَ مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا".

 

وَمِنْ مَجَالَاتِ تَنْمِيَةِ صِلَتِهِمْ بِاللَّهِ: أَنْ نُنَمِّيَ فِي قُلُوبِهِمْ تَعْظِيمَ اللَّهِ -تَعَالَى- وَحُبَّهُ؛ فَمِنْ مَوَاعِظِ لُقْمَانَ: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)[لُقْمَانَ: 16].

 

وَمِمَّا يُنَمِّي صِلَتَهُمْ بِاللَّهِ: الْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَاةِ؛ فَهِيَ الصِّلَةُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مُرُوا أَوْلَادَكُمُ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ"؛ يَقُولُ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ: كُنْتُ وَأَنَا ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ أَقُومُ بِاللَّيْلِ، فَأَنْظُرُ إِلَى صَلَاةِ خَالِي مُحَمَّدِ بْنِ سَوَّارٍ، فَقَالَ لِي يَوْمًا: أَلَا تَذْكُرُ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَكَ؟ فَقُلْتُ: كَيْفَ أَذْكُرُهُ؟ قَالَ: قُلْ بِقَلْبِكَ، عِنْدَ تَقَلُّبِكَ فِي ثِيَابِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تُحَرِّكَ بِهِ لِسَانَكَ: اللَّهُ مَعِي، اللَّهُ نَاظِرٌ إِلَيَّ، اللَّهُ شَاهِدِي".

 

وَمِمَّا يُنَمِّي صِلَتَهُمْ بِاللَّهِ -تَعَالَى-: رَبْطُهُمْ بِالْقُرْآنِ تَعَلُّمًا وَعَمَلًا وَتَدَبُّرًا؛ فَكَلَامُ اللَّهِ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَصِلُهُمْ بِهِ -سُبْحَانَهُ-، وَلِذَلِكَ كَانَ الصَّحَابَةُ وَسَلَفُ الْأُمَّةِ حَرِيصِينَ عَلَى تَعْلِيمِ أَبْنَائِهِمْ لِلْقُرْآنِ وَرَبْطِهِمْ بِهِ مُنْذُ صِغَرِهِمْ، يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: "تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، وَقَدْ قَرَأْتُ الْمُحْكَمَ"، يَقُولُ الشَّافِعِيُّ: "حَفِظْتُ الْقُرْآنَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ"، وَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: "قَالَ لِي أَبِي: يَا بُنَيَّ! اطْلُبِ الْحَدِيثَ، فَكُلَّمَا سَمِعْتَ حَدِيثًا وَحَفِظْتَهُ فَلَكَ دِرْهَمٌ؛ فَطَلَبْتُ الْحَدِيثَ عَلَى هَذَا".

 

هَكَذَا كَانَتْ تَرْبِيَةُ سَلَفِ الْأُمَّةِ لِأَبْنَائِهِمْ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ؛ بَيْنَمَا نَجِدُ بَعْضَ أُسَرِ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ -مَعَ الْأَسَفِ- نَشَّأَتْ أَوْلَادَهَا بَعِيدًا عَنْ حِيَاضِ الْقُرْآنِ وَالْمَسَاجِدِ وَدُورِ الْعِلْمِ؛ وَاسْتَبْدَلَتْهَا بِالْأَغَانِي وَالْمُجُونِ وَأَمَاكِنِ اللَّهْوِ.

 

وَمِمَّا يُنَمِّي صِلَتَهُمْ بِاللَّهِ -تَعَالَى-: تَرْبِيَتُهُمْ عَلَى الْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ الْفَاضِلَةِ لِيَعْتَادُوا عَلَيْهَا، كَمَا كَانَ نَبِيُّنَا -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- يُعَلِّمُ أَطْفَالَ الصَّحَابَةِ الْآدَابَ، فَعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: "كُنْتُ غُلَامًا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ؛ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا غُلَامُ! سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ"، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طُعْمَتِي بَعْدُ"(صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ)، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا بُنَيَّ! إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ؛ يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ، وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).

 

وَكَذَلِكَ تَحْذِيرُهُمْ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْفَاسِدَةِ؛ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ الْفَضْلِ حِينَ جَعَلَ يَلْحَظُ إِلَى امْرَأَةٍ يَوْمَ عَرَفَةَ؛ فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَكَذَا بِيَدِهِ عَلَى عَيْنِ الْغُلَامِ، وَقَالَ: "إِنَّ هَذَا يَوْمُ مَنْ حَفِظَ فِيهِ بَصَرَهُ وَلِسَانَهُ، غُفِرَ لَهُ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ).

 

أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِوَالِدِينَا وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَقَّ حَمْدِهِ، وَصَلَاةً وَسَلَامًا عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَمَتَى قَوِيَتْ صِلَةُ الْأَبْنَاءِ بِرَبِّهِمْ أَثْمَرَ ذَلِكَ فِي دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ، وَقَدْ لَخَّصَهَا ابْنُ الْقَيِّمِ فَقَالَ: "عَلَى قَدْرِ صِلَةِ الْعَبْدِ بِرَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- تُفْتَحُ عَلَيْهِ مِنَ الْخَيْرَاتِ أَبْوَابُهَا، وَتُقْطَعُ عَنْهُ مِنَ الشُّرُورِ أَسْبَابُهَا، وَتَفِيضُ عَلَيْهِ مَوَادُّ التَّوْفِيقِ مِنْ رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَالْعَافِيَةُ وَالصِّحَّةُ، وَالْغَنِيمَةُ وَالْغِنَى، وَالرَّاحَةُ وَالنَّعِيمُ، وَالْأَفْرَاحُ وَالْمَسَرَّاتُ كُلُّهَا مُحْضَرَةٌ لَدَيْهِ، وَمُسَارِعَةٌ إِلَيْهِ"(زَادُ الْمَعَادِ)، فَكُلَّمَا قَوِيَتْ صِلَةُ الْمُؤْمِنِ بِرَبِّهِ؛ زَادَ إِغْدَاقُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنَ الْخَيْرَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، مِمَّا لَا يَخْطُرُ لَهُ عَلَى بَالٍ!.

 

وَمِنْ ثَمَرَاتِ صِلَةِ الْأَبْنَاءِ بِرَبِّهِمْ: حِفْظُ اللَّهِ لَهُمْ، وَعَدَمُ خِذْلَانِهِ لَهُمْ عِنْدَ الْكُرَبِ وَالشَّدَائِدِ؛ "احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ"، وَتَتَتَابَعُ عَلَيْهِ أَلْطَافُ الْمَوْلَى وَأَمْدَادُهُ؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)[الطَّلَاقِ: 2].

 

وَمِنَ الثَّمَرَاتِ: إِعَانَتُهُ وَتَوْفِيقُهُ لَهُمْ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، يَقُولُ ابْنَ الْقَيِّمِ: "إِذَا أَصْبَحَ الْعَبْدُ وَأَمْسَى وَلَيْسَ هَمُّهُ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ، تَحَمَّلَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- حَوَائِجَهُ كُلَّهَا، وَحَمَلَ عَنْهُ كُلَّ مَا أَهَمَّهُ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِمَحَبَّتِهِ، وَلِسَانَهُ لِذِكْرِهِ، وَجَوَارِحَهُ لِطَاعَتِهِ".

 

أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ: فَلْنُعَلِّقْ صِلَةَ أَبْنَائِنَا بِرَبِّهِمْ -سُبْحَانَهُ-، وَلْنَثِقْ أَنَّ مَنْ كَانَ مَعَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ مَعَهُ، قَالَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: "آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟"، قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَتْ: "إِذًا لَا يُضَيِّعُنَا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

اللَّهُمَّ اهْدِنَا وَأَوْلَادَنَا إِلَيْكَ، وَخُذْ بِيَدِنَا إِلَى مَا يُرْضِيكَ، وَاشْرَحْ صُدُورَنَا لِكُلِّ خَيْرٍ وَطَاعَةٍ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات
Oy12gikukAR4PHxeEdzpXn3MvCjCb10paTjbWtHW.doc
tizDUePQHEy9gXSE0UUhETC2IcJNpSTWq5m00cKN.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life