عناصر الخطبة
1/ أتدرون ما الداء وما الدواء وما الشفاء؟ 2/ شدة الهجوم على بلاد المسلمين 3/ إفلاس الحلول والشعارات الأرضية 4/ ضرورة الاعتبار بانقضاء الأعوام وانقضاء الأعمار.
اهداف الخطبة

اقتباس

إن العام أوشكت أيامه أن تنصرم، وستطوى صحائفه بما فيها، وترفع إلى الملك العلام، ويسجل عليك ـ يا ابن آدم ـ كلُّ ما عملت فيه، فإن كان خيرًا فهنيئًا، وإن كانت الأخرى فتدارك وقتك، وابك على خطيئتك، واستحِ من ربك، واخش من ذنبك، فلعله لم يبق من عمرك إلا ساعات وأيام، فاستدرك ذلك،...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، وتبصّروا في هذه الأيام والليالي، فإن مضي كلِ يومٍ ينقص من عمرك، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك.

 

واعلموا أن الله -جل ذكره- أخفى غضبه في معصيته، فلا تحتقروا من معاصي الله شيئًا. قام محمد بن المنكدر ذات ليلة يصلي فكثر بكاؤه حتى فزع له أهله وسألوه، فاستعجم عليهم وتمادى في البكاء، فأرسلوا إلى أبي حازم فجاء إليه فقال: ما الذي أبكاك؟ قال: مرت بي آية، قال: وما هي؟ قال: (وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) [الزمر: 47]، فبكى أبو حازم معه فاشتد بكاؤهما.

 

اتقوا الله عباد الله، (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)  [الحجر: 18].

 

أيها المسلم، اعلم أن كل مشكلة ومصيبة وكل تقصير وتفريط، سواءً كان ذلك على مستوى الفرد أو الجماعات والدول، لن يحلها مرور الأيام وتعاقب الشهور والأعوام، بل ربما زادها تفاقمًا واستفحالاً، كالداء الخبيث الذي يتضاعف خطره كلما تأخر علاجه. قال الربيع بن خثيم لأصحابه: "أتدرون ما الداء وما الدواء وما الشفاء؟ قالوا: لا، قال: الداء الذنوب، والدواء الاستغفار، والشفاء أن تتوب فلا تعود".

 

جمعٌ ليس بالقليل من المسلمين يسوِّفون ويؤجلون التوبة، ويقدمون رجلاً ويؤخرون أخرى، بل إنهم إذا تقدّموا خطوة إلى ربهم تراجعوا خطوتين بعدها، فقط يرضون أنفسهم بأنهم يعملون صالحًا، وحقيقة أمرهم أنهم يضحكون على أنفسهم، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [يونس: 23].

 

ولهذا كله ونتيجة التفريط وعدم الجدية والجزم في الرجوع إلى الله تطفح على السطح مشاكل لا حصر لها، بدءًا من المشاكل النفسية الخاصة والقلق والاضطراب وعدم الثقة، ومرورًا بالتفكك الأسري وأمراض البيوت وكثرة الخلاف والخصومات والتنافر، وانتهاءً إلى ما نشهده ونسمعه عن أحوال المسلمين عامة من تمزق وتفرق وشماتة الأعداء بهم والتسلط على رقابهم في بعض البلدان من إبادة جماعية وطمس دينٍ وهوية وتشريد عن الأوطان..

 

وآخرها ما تعلمونه عن عزم الدول الصليبية بقيادة أمريكا على اجتياح بعض البلدان الإسلامية تحت ستار مكافحة الإرهاب أو نزع أسلحة الدمار الشامل، نسأل الله -جل وعلا- بمنّه وكرمه ورحمته وقوته وعزته أن يحفظ للمستضعفين دينهم ويصلح دنياهم ويخذل عدوهم وأن لا يجعل أولئك المسلمين فتنة للقوم الظالمين.

 

إن ما نسمعه هذه الأيام عن العراق والشيشان سمعناه بالأمس عن أفغانستان وكوسوفا، وقبلها في كشمير والفلبين وفلسطين وغيرها، وسنسمعه غدًا في مواقع جديدة، والأمر ليس بدعًا وغريبًا، فالكافرون هم الظالمون، وسنن الله –تعالى- لا تجامل أحدًا، ولا تحابي مخلوقًا، فكن على حذر، ولا عاصم اليوم من أمر الله إلا الفرار الصادق إليه.

 

إن الحلول والشعارات التي يُلوَّح بها كثيرًا وترفَع في كثير من المناسبات وينادى في الملأ أن قد جاءكم الفرج ودنا وقت النصر، وأن مستقبلاً واعدًا برغد العيش والاستقرار والأمن والسعادة، إن تلكم الحلول والشعارات بأيّ شكل ومهما كان مصدرها الأرضي هي حلول فاشلة أثبت التاريخ إفلاسها لمن لا يقتنع إلا بالتاريخ، وإلا فإن المسلم الصادق هو من رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد –صلى الله عليه وسلم- رسولاً ومعلمًا وقدوة.

 

عباد الله، إن مطلع العام الهجري الجديد الذي نحن على أبوابه يجب أن يكون نقطة انطلاق لكل مسلم غيور، وبداية تجديد لكل مَن يهمه أمر نفسه وأمر المسلمين، بل يجب أن يكون إيذانًا بالتوبة النصوح إلى الله، (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [الذاريات: 50، 51].

 

إن العام أوشكت أيامه أن تنصرم، وستطوى صحائفه بما فيها، وترفع إلى الملك العلام، ويسجل عليك ـ يا ابن آدم ـ كلُّ ما عملت فيه، فإن كان خيرًا فهنيئًا، وإن كانت الأخرى فتدارك وقتك، وابك على خطيئتك، واستحِ من ربك، واخش من ذنبك، فلعله لم يبق من عمرك إلا ساعات وأيام، فاستدرك ذلك، قال –صلى الله عليه وسلم- : "اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك".

 

 ففي الشباب قوة وعزيمة، فإذا هرم الإنسان أو شابَ ضعفت القوة وفترت العزيمة. وفي الصحة نشاط وانبساط، فإذا مرض الإنسان انحط نشاطه وضاقت نفسه وثقلت عليه الأعمال. وفي الغنى راحة وفراغ، فإذا افتقر العبد اشتغل بطلب العيش لنفسه وعياله. وفي الحياة ميدان فسيح لصالح الأعمال، فإذا مات المرء انقطعت عنه أوقات الإمكان.

 

فاعتبروا ـ عباد الله ـ ما بقي من أعماركم بما مضى منها، واعلموا أن كل آت قريب، وأن كل موجود منكم زائل، فابتدروا أعماركم.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ   إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ)  [يونس: 5، 6].

 

اللهم بارك لنا بالقرآن العظيم، وانفعنا بما علّمتنا، واعف عنا واغفر لنا وتقبّل منا.

 

 

 الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وبارك وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: خطب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يومًا فقال: "أيها الناس، إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، إن المؤمن بين مخافتين: أجلٍ قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وأجلٍ قد بقي لا يدري ما الله قاضٍ فيه، فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الهرم، ومن الحياة قبل الموت".

 

عباد الله، لنتذكر بانقضاء العام انقضاء العمر، وبسرعة مرور الأيام قربَ الموت، وبتغير الأحوال زوالَ الدنيا وحلول الآخرة.

فإنّك ميتٌ وابن ميتٍ *** وذو نسبٍ في الميتين عريق

 

كم وُلِد في هذا العام من مولود! وكم مات فيه من حي! وكم استغنى من فقير! وافتقر من غني! وكم عزَّ من ذليل، وذل من عزيز! (قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 26].

 

ثم اعلموا أن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ رسول الله، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع جماعتهم، ومن شذ عنهم شذ في النار.

 

واعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على خاتم رسله في أعظم كتبه، فصلوا عليه.

اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وبقية الصحابة أجمعين.

 

اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين...

 

 

 

 

المرفقات
وداع العام1.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life