وجوب مخالفة الكفار

ناصر بن محمد الأحمد

2015-01-01 - 1436/03/10
عناصر الخطبة
1/شمول الشريعة الإسلامية لمصالح الدين والدنيا 2/معنى: (اهدنا الصراط المستقيم) 3/بعض أدلة الكتاب والسنة على وجوب مخالفة الكفار وبعض حكم ذلك 4/محاولة إقناع المسلم الرضا بالكافر وبعض مظاهر ذلك
اهداف الخطبة

اقتباس

أنت -أيها المسلم- في كل ركعة من صلاتك تدعو ربك أن يهديك الصراط المستقيم، وأن يجنبك طريق المغضوب عليهم والضالين، حينما تقرأ سورة الفاتحة، التي قراءتها ركن من أركان الصلاة في كل ركعة، فتأمل هذا الدعاء ومقاصده وثماره، إنه يعني أول ما يعني: الاقتداء بـ...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله...

 

أما بعد:

 

أيها الناس: إن الله -سبحانه وتعالى-، قد أغنى المسلمين وأنعم عليهم بشريعة كاملة لكل مصالح الدين والدنيا، وعلق السعادة في الدنيا والآخرة على العمل بها، والتمسك بهديها، قال تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)[طـه: 123].

 

وقال تعالى: (فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة: 38].

 

وهذه الشريعة هي: الصراط المستقيم الذي هو طريق المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وما خالفهم، فهو طريق المغضوب عليهم والضالين، من اليهود والنصارى والمشركين والكفار.

 

وأنت -أيها المسلم- في كل ركعة من صلاتك تدعو ربك أن يهديك الصراط المستقيم، وأن يجنبك طريق المغضوب عليهم والضالين، حينما تقرأ سورة الفاتحة، التي قراءتها ركن من أركان الصلاة في كل ركعة، فتأمل هذا الدعاء ومقاصده وثماره، إنه يعني أول ما يعني: الاقتداء بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، والتمسك بشريعته، في العبادات وفي المعاملات، وفي الآداب والأخلاق العامة والخاصة.

 

وأنه يعني ثاني ما يعني: مخالفة الكفار فيما هو من خصائصهم في العبادات والمعاملات، وفي الآداب والأخلاق؛ لأن التشبه بهم في الظاهر يورث محبتهم في الباطن.

 

ولهذا -يا عباد الله- تظافرت الأدلة من الكتاب والسنة، على الأمر بمخالفة الكفار، ووجوب مخالفتهم، والنهي عن التشبه بهم، إبعاداً للمسلم عما فيه مضرته؛ لأن أعمال الكفار باطلة، ومساعيهم ضالة، ونهايتهم إلى الهلاك، قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا)[النــور: 39].

 

وقال تعالى: (الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ)[إبراهيم: 18].

 

وإليك -أخي المسلم- بعض الآيات الواردة في كتاب الله الصريحة الواضحة، في وجوب مخالفة المسلمين للكفار، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)[الجاثية: 16 - 19].

 

أخبر سبحانه أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم الدين والدنيا، وأنهم اختلفوا بعد مجيء العلم بغياً من بعضهم على بعض، ثم جعل محمداً -صلى الله عليه وسلم- على شريعة من الأمر، شرعها له، وأمره باتباعها، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، وقد دخل في الذين لا يعلمون، كل من خالف شريعته، والكفار في مقدمة من خالف شريعة الله.

 

فأمرنا بهذه الآية بمخالفتهم.

 

ولهذا، فالكفار يفرحون أشد الفرح، بموافقة المسلمين لهم في بعض أمورهم، ويُسرون بذلك، ويودون أن لو بذلوا مالاً عظيماً ليحصل لهم ذلك، ولابد أن نعلم بأن القرب من الكفار توقع الإنسان في مصائب، فقد تكون ذريعة إلى الموافقة فمن حام حول الحمى؛ كما قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "أوشك أن يقع فيه".

 

ومن الأدلة القوية أيضاً -يا عباد الله- الدالة على وجوب مخالفة الكفار، الآيات التي نزلت في نسخ القبلة، قال تعالى: (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ)[البقرة: 145 - 150].

 

قال غير واحد من السلف: "معناه لئلا يحتج اليهود عليكم بالموافقة في القبلة، فيقولوا قد وافقونا في قبلتنا، فيوشك أن يوافقونا في ديننا، فقطع الله بمخالفتهم في القبلة هذه الحجة، لئلا يكون للناس عليكم حجة".

 

إذ الحجة اسم لك ما يحتج به، من حق وباطل -إلا الذين ظلموا منهم- وهم قريش، فإنهم يقولون: عادوا إلى قبلتنا فيوشك أن يعودوا إلى ديننا، فبينسبحانه وتعالى: أن من حكمة نسخ القبلة وتغييرها مخالفة الكافرين في قبلتهم ليكون ذلك أقطع لما يطمعون فيه من الباطل، ومعلوم أن هذا المعنى ثابت في كل مخالفة وموافقة.

 

وقال عز من قائل أيضاً آمراً عباده المؤمنين بمخالفة الكفار، أياً كان ملتهم: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ)[آل عمران: 105].

 

وقال سبحانه لموسى وهارون: (فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ)[يونس: 89].

 

وقال تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا)[النساء: 115].

 

وقال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)[المائدة: 48].

 

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُواوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[البقرة: 104].

 

كانت اليهود تقول هذه الكلمة للنبي -صلى الله عليه وسلم- -راعنا سمعك- يستهزؤون بذلك فنهى الله -عز وجل- المؤمنين عن قول هذه الكلمة؛ لأن اليهود كانوا يقولونها، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا).

 

ثم قال بعد ذلك: (وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

 

إلى هذا الحد لابد أن تكون مخالفة الكفار حتى في الألفاظ التي يطلقونها، لابد أن يكون التميز.

 

وقالسبحانه وتعالىأيضاً: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)[الأنعام: 159].

 

ومعلوم أن الكفار فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، وقد قال الله -تعالى- لنبيه -عليه الصلاة والسلام-: (لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ).

 

وذلك يقتضي تبرؤه منهم في جميع الأشياء، ومن تابع غيره في بعض أموره فهو منه في ذلك الأمر، وإذا كان الله قد برأ رسوله -صلى الله عليه وسلم- من جميع أمورهم فمن كان متبعاً للرسول -صلى الله عليه وسلم- حقيقة كان متبرئاً منهم؛ كتبرئهصلى الله عليه وسلممنهم، ومن كان موافقاً لهم، كان مخالفاً للرسول -صلى الله عليه وسلم-، بقدر موافقته لهم.

 

عباد الله: لقد جاءت السنة المطهرة في كثير من مواضعها تأمرنا بفعل أمور معينة، ويكون الأمر المقصود منه شرعاً هو: المخالفة للكفار فقط، وأحياناً لا يتضح الحكمة، ولا يعرف الحكمة إلا أنه المخالفة؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهن".

 

وهذا يدل على أن جنس مخالفتهم أمراً مقصوداً في الشرع، ولهذا كان الإمام أحمد بن حنبل وغيره من الأئمة -رحمهم الله- يعللون الأمر بالصَّبغ بعلة المخالفة.

 

ومنه أيضاً حديث ابن عمر في الصحيحين قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خالفوا المشركين، احفوا الشوارب واعفوا اللحى".

 

فأمر بمخالفة المشركين مطلقاً، ثم قال بعده: "أحفوا الشوارب، واعفوا اللحى".

 

فدل لفظ مخالفة المشركين على أن جنس المخالفة هو المقصود.

 

وعن شداد بن أوس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خالفوا اليهود، فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم".

 

وهذا مع أن نزع اليهود نعالهم مأخوذ عن موسى -عليه السلام-، لما قيل له: (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ)[طـه: 12].

 

فتأملوا -أيها الإخوة- هذه السنة، وهو الصلاة في النعال، من أجل مخالفة الكفار.

 

وعن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر"[رواه مسلم في صحيحه].

 

وهذا يدل -يا عباد الله- أن الفصل بين العبادتين أمر مقصود للشارع، وقد صرح بذلكعليه الصلاة والسلامفي حديث أبي هريرة عن أبو داود قال: "لا يزال الدين ظاهراً ما عجّل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون".

 

وهذا نص في أن ظهور الدين الحاصل بتعجيل الفطر هو لأجل مخالفة الكفار من اليهود والنصارى.

 

واسمعوا -أيها الإخوة- إلى هذا الحديث العجيب، وكيف أن الإسلام يأمرنا بمخالفة الكفار،وإن كان الحديث طويلاً، فسأقرئه عليكم بطوله لعظيم الفائدة التي فيه.

 

فعند أبي أمامة عن عمرو بن عبسة قال: "كنت وأنا في الجاهلية، أظن أن الناس على ضلاله، فإنهم ليسوا على شيء، وهم يعبدون الأوثان، قال: فسمعت برجل بمكة يخبر أخباراً، فقعدت على راحلتي، فقدمت عليه، فإذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، مستخفياً جُراء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له: ما أنت؟ فقال: أنا نبي، فقلت: وما نبي؟ فقال: أرسلني الله، فقلت: بأي شيء أرسلك؟ قال: أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحَّد الله لا يشرك به شيء، فقلت له: فمن معك على هذا؟ قال: حر وعبد – قال: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال، فقلت: إني متبعك، قال: إنك لن تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس؟ ولكن ارجع إلى أهلك، فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني، قال: فذهبت إلى أهلي وقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، وكنت في أهلي، فجعلت أستخبر الأخبار، وأسأل الناس حتى قدم نفر من أهل يثرب -أي من أهل المدينة- فقلت: ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة؟ فقالوا: الناس إليه سراع، وقد أراد قومه قتله، فلم يستطيعوا ذلك، فقدمت المدينة، فدخلت عليه، فقلت: يا رسول الله: أتعرفني؟ قال: نعم، أنت الذي لقيتني بمكة قال: فقلت: يا نبي الله، أخبرني عما علمك الله وأجهله، أخبرني عن الصلاة، قال: صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس، حتى ترتفع، فإنها تطلع بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار، ثم صل، فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإن حينئذٍ تُسجّر جهنم، فإذا أقبل الفيء فصلَّ فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار-وذكر الحديث"[رواه مسلم].

 

كثير منا لا يعلم أن الحكمة من نهي المسلم عن الصلاة في بعض الأوقات، وهي الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، إنما هو لعدم التشبه بالكفار إلى هذا الحد، الإسلام يحث ويأمر ويوجب مخالفة الكفار.

 

ولعلنا نكتفي بما ذكر من الأدلة في ذلك.

 

أقول قولي هذا...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله...

 

أما بعد:

 

عباد الله: إن المسلم لابد أن يكون معتزاً بدينه، لابد أن يشعر في قرارة نفسه بالتميز، وهذا التميز وهذه العزة، لا لأنه من بلد كذا أو من نسب كذا، لكن لأنه مسلم، فإن الله فضله على الكفار لإسلامه.

 

فإذا لم نتمسك بديننا بهذه القوة، فلا مصير بعد ذلك أن نكون تبعاً لغيرنا، لو شعرنا بهذا الشعور -أيها الإخوة- وهو شعور وجوب مخالفة الكفار، وعدم الالتقاء معهم أبداً، فلو تمسكنا بهذا حق التمسك، لصرنا أرقى الناس، وأعز الناس، وأقوى الناس، ولأصبح كل العالم يحتاج إلى ما عندنا، ولسنا بحاجة إلى أحد غير الله.

 

لكننا -ومع الأسف- ضعف هذا الشعور عندنا وماتت الغيرة على الدين في نفوس كثير من أبناء المسلمين، حتى أصبحنا لا نفرق بين البر والفاجر والمسلم والكافر، فضيعنا ديننا، حتى وصل الحال إلى استيراد كل عادة سيئة وكل خلق ذميم، وكل سنة جاهلية من بلاد الكفار، فتنتشر ذلك في بلادنا، ونربي عليها أولادنا ونساءنا، دون تفكير في عواقبه وتقدير لنتائجه، لنساير ركب الحضارة كما يقال، ونمشي مع الركب العالمي، وصدق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حيث قال: "إنما تنقضي عرى الإسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية".

 

عباد الله: هناك محاولات بشتى الطرق والوسائل، لإقناع المسلم أن يرضى بالكافر، ولعلي فقط ألفت انتباهكم إلى قضية واحدة لتدركوا بُعد ما يرمون إليه، وسطحية تفكيرنا، وكيف تنطلي علينا، أمثال هذه المحاولات.

 

من هذه الطرق والوسائل، ما نسمعه كثيراً وكثيراً جداً، في الصحف والمجلات والإذاعات لفظة: "الأجانب" بدل لفظة الكفار.

 

أسألكم، هل تسمعون أو تقرؤون فيما تطالعون من الصحف والمجلات، استخدام لفظة كافر؟

 

بل كل ما نسمع ونقرأ، ذهب الأجانب، وقدم الأجانب، وهذا أمر مقصود؛ لأن لفظة الكافر لفظة بغيضة ومقيتة، تنفر منها قلب المسلم الحي.

 

فالمسلم أياً كان درجة إيمانه، وإن كان مرتكباً لبعض المعاصي، لكنه لا يرضى بالكفر والكفار بأي حال من الأحوال، فربما لو تردد على مسامعه لفظة الكافر، أن تحرك فيه الحمية والعزة الدينية، وهذا أمر لا يراد، فاستبدلت لفظة "الأجانب" بدلاً من الكفار.

 

وهل تدرون -أيها الإخوة- وهل تعلمون ما مدى تأثير استبدال هذه اللفظة بهذه اللفظة؟

 

أصبح الكفار يعيشون في بلادنا، ويخالطوننا على أنهم أجانب فقط، فمع مرور الوقت تبلد إحساس المسلم، وأصبحنا لا نميز بين الأخ المسلم والعدو الكافر؛ لأن هناك من المسلمين أيضاً من هم أجانب عن هذا البلد، فلفظة أجنبي تشمل الكافر والمسلم، وأصبحنا لا نستطيع أن نحس بالحب والأخوة والترابط والولاء والنصرة للمسلم ولا أن نحس بالكره والعداوة والبراءة من الكافر -فإنا لله وإنا إليه راجعون-.

 

أيها الإخوة المؤمنون: لو حصل أنه في وقت من الأوقات، من رضي بالكفار من المسلمين فلابد أن نعلم في مقابل ذلك أن قضاء الله نافذ بما أخبر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مما سبق في علم الله، حيث قالصلى الله عليه وسلمفيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال فمن".

 

وروى البخاري في صحيحه، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مآخذ القرون شبراً بشبر، وذراعاً بذراع" فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟ قال: "ومن الناس إلا أولئك".

 

فأخبرعليه الصلاة والسلامفي هذين الحديثين: أنه سيكون في أمته من يرضى بالكفار، أو يتشبه بهم، وهذا إخباراً ليس عن جميع الأمة، بل قد تواتر عنه أنه قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة".

 

وأخبر أن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة، وأن الله لا يزال يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم فيه بطاعته، فعُلم بخبرة الصادق أنه لابد أن يكون في أمته قوم يتمسكون بهديه، لا يرضون بالكفار، وقوم ينحرفون إلى شعبة من شعب دين اليهود والنصارى.

 

فنسأل الله -عز وجل-، أن يرينا الحق حقاً، ويرزقنا اتباعه والباطل، وأن يثبتنا بالقول الثابت.

 

اللهم إن أردت فتنة بعبادك ...

 

 

المرفقات
وجوب مخالفة الكفار.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life