عناصر الخطبة
1/ تأملات في حديث عظيم 2/ المسلم بين الكفارات والدرجات 3/ سبل الفوز برحمات الله تبارك وتعالى 4/ تعظيم قدر الصلاة 5/ حال السلف في قيام الليل 6/ الحث على قيام الليل 7/ التحذير من عوائق قيام الليل 8/ كيف نعرف ثلث الليل الآخر؟
اهداف الخطبة

اقتباس

اِحْذَرُوا مِنْ عَوَائِقِ قِيَامِ اللَّيْلِ، فَهِيَ كَثِيرَةٌ، وَمِنْهَا: كَثْرَةُ الْأَكْلِ، وَخُصُوصًا طَعَامَ العَشَاءِ، وَإِهْمَالُ آدَابِ النَّوْمِ؛ (كَالْأَذْكَارُ، النَّوْمُ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ، وَالنَّوْمُ عَلَى طَّهَارَةُ)، وَالسَّهَرُ وَكَثْرَةُ الْمِزَاحِ، وَالذُّنُوبُ وَالْمَعَاصِي.. وَمِنَ الْعَوَائِقِ الْوَهْمِيَّةِ الَّتِي يَتَعَلَّلُ بِهَا الْبَعْضُ؛ الْاِعْتِذَارُ بِالأَعْمَالِ الدُّنُيَوِيَّةِ؛ كَالوَظيفَةِ وَالدِّرَاسَةِ، وَهَذَا عُذْرٌ وَهْمِيٌّ؛ لأَنَّ السَّلَفَ -رَحِمَهُمُ اللهُ- كَانُوا يُعَانُونَ فِي مَعَايِشِهِمْ أَكْثَرَ مِنْ مُعَانَاتِنَا، وَمَعَ ذَلِكَ كَانُوا مِنْ أَهْلِ قِيَامِ اللَّيْلِ. فَهَذِهِ حُجَّةٌ مَدْحُوضَةٌ؛ كَذَلِكَ لَمْ نَرَ هَذِهِ الْوَظَائِفَ مَنَعَتْ مِنَ السَّهَرِ أَمَامِ الْـمُلْهِيَاتِ.

 

 

الْخُطْبَةُ الْأُولَى:

 

إنَّ الـحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ- صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

 

أمَّا بَعْدُ... فَاتَّقُوا اللهَ-عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

 

عِبَادَ اللهِ، الْيَوْمَ نَتَحَدَّثُ عَنْ عِبَادَةٍ عَظِيمَةٍ، وَهِيَ مِنْ الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ؛ أَلَا وَهِيَ الصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ؛ حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لأَصْحَابِهِ: "أَتَانِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: فِي الكَفَّارَاتِ، قَالَ: مَا هُنَّ؟ قُلْتُ: مَشْيُ الأَقْدَامِ إِلَى الجَمَاعَاتِ، وَالجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وَإِسْبَاغُ الوُضُوءِ فِي الْمَكْرُوهَاتِ. قَالَ: وَمَا الدَّرَجَاتُ؟ قُلْتُ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَلِينُ الكَلَامِ، وَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ. ثُـمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ).

 

 فَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ مِنْ مُوجِبَاتِ الْجَنَّةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات: 15- 18]، وَقَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ : (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة: 16- 17].

 

 لِذَا وَاظَبَ النَّبِيُّ، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ، وَحَثَّ أَصْحَابَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

 

وقال، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: «يَا عَبْدَ اللَّهِ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ، فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

 فَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهَا؛ وَإِنْ قَلَّ. وقال، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ» ، قَالَ سَالِمٌ: "فَكَانَ بَعْدُ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

فَاِبْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- كَانَ فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ الْكَثِيرُ؛ فَكَمَّلَهُ بِالْـمُوَاظَبَةِ عَلَى قِيامِ اللَّيْلِ بَعْدَمَا حَثَّهُ النَّبِيُّ، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَلَيْهِ. وَقَالَ اِبْنُ عُمَرٍ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: "مَا آسَى عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا عَلَى ظَمَأِ الْهَوَاجِرِ وَمُكَابَدَةِ اللَّيْلِ، وَأَنِّي لَمْ أُقَاتِلْ هَذِهِ الْفِئَةَ الْبَاغِيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ بِنَا، يَعْنِي الْحَجَّاجَ" (رَوَاهُ اِبْنُ سَعْدٍ فِي طَبَقَاتِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

 

فَانظُرْ – يَا رَعَاكَ اللهُ – لَمْ يَنْدَمْ هَذَا الْـعَالِـمُ الْـجَلِيلُ عِنْدَمَا حَضَرَتْهُ الْـوَفَاةُ لَا عَلَى الْأَهْلِ وَلَا الْأَوْلَادِ وَالْأَمْوَالِ؛ بَلْ نَدِمَ عَلَى فِرَاقِ الْعِبَادَاتِ. وَكَانَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ -رَحِمَهُ اللهُ- إِذَا دَخَلَ فِرَاشَهُ بِمَنْزِلِهِ كَالْقَمِحَةِ فِي الْمِقْلَاةِ عَلَى النَّارِ، وَكَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنَّ النَّارَ مَنَعَتْ مِنِّي النَّوْمَ"، فَيَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ فَيُصَلِّي حَتَّى يُصْبِحَ.

 

وَكَانَ صِلَةُ بْنُ أَشْيَمٍ، يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى يَأْتِي فِرَاشَهُ حَبْوًا أَوْ زَحْفًا. وَقَالَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: "صَحِبْتُ اِبْنَ عَبَّاسٍ، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ قَامَ شَطْرَ اللَّيْلِ". وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يُعْرَفَ بِلَيْلِهِ إِذِ النَّاسُ نَائِمُونَ".

 

وَلَلَّهِ دَرُّ الْإِمَامِ الْقَحْطَانِيِّ، الْعَالِمِ الْأَنْدَلُسِيِّ حِيْنَ قَالَ:

قُمْ في الدُّجَى وَاتْلُ الْكِتَابَ وَلاَ *** تَنَمْ إِلاَّ كَنَوْمَةِ حَائِرٍ وَلْهَانِ

فَلَرُبَّمَا تَأْتِي الْمَنِيَّةُ بَغْتَةً *** فَتُسَاقُ مِنْ فُرُشٍ إِلَى الأَكْفَانِ

يَا حَبَّذَا عَيْنَانِ في غَسَقِ الدُّجَى *** مِنْ خَشْيَةِ الرَّحْمَنِ بَاكِيَتَانِ

 

عَبْدَ اللهِ، إِذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ قِيَامِ اللَّيْلِ؛ فَلِيَكُنْ بِدْؤُكَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ مُتَدَرِّجًا؛ فَاِحْرِصْ عَلَى الْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ، ثُـمَّ عَلَيْكَ بِالِاسْتِيقَاظِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَلَوْ لِدَقَائِقَ مَعْدُودَةٍ تَذْكُرُ اللهَ، وَتَسْتَغْفِرُهُ، وَتَدْعُوهُ، حَتَّى إِذَا تَأَقْلَمْتَ مَعَ الْوَضْعِ اِنْتَقِلْ إِلَى مَرْحَلَةٍ أُخْرَى.

 

وَإِذَا وَجَدْتَ فِي نَفْسِكَ نَشَاطًا، فَصَلِ بَعْدَ الْقِيامِ وِتْرَكَ، حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ ذَلِكَ الْأَمْرُ سَجِيَّةً لَكَ، وَأَضْحَى فُؤَادُكَ يَتَضَجَّرُ لِفَقْدِهِ، وَتَنْتَظِرُ حَلَاوَتَهُ، فَعِنْدَئِذٍ اِعْمَدْ إِلَى وِرْدٍ مِنْ الْقُرْآنِ تَقْرَؤُهُ، فِي سَكَنَاتِ اللَّيْلِ، وَنَسَمَاتِ السَّحَرِ، وَنَاجِ رَبَّكَ وَمَوْلَاكَ بِدَعَوَاتٍ، وَاِبْتَهَالَاتٍ، حَـتَّـى يُصْبِحَ الْقِيَامُ لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ عِنْدَكَ.

 

عِبَادَ اللهِ، اِحْذَرُوا مِنْ عَوَائِقِ قِيَامِ اللَّيْلِ، فَهِيَ كَثِيرَةٌ، وَمِنْهَا: كَثْرَةُ الْأَكْلِ، وَخُصُوصًا طَعَامَ العَشَاءِ، وَإِهْمَالُ آدَابِ النَّوْمِ؛ (كَالْأَذْكَارُ، النَّوْمُ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ، وَالنَّوْمُ عَلَى طَّهَارَةُ)، وَالسَّهَرُ وَكَثْرَةُ الْمِزَاحِ، وَالذُّنُوبُ وَالْمَعَاصِي.

 

عِبَادَ اللهِ، وَمِنَ الْعَوَائِقِ الْوَهْمِيَّةِ الَّتِي يَتَعَلَّلُ بِهَا الْبَعْضُ؛ الْاِعْتِذَارُ بِالأَعْمَالِ الدُّنُيَوِيَّةِ؛ كَالوَظيفَةِ وَالدِّرَاسَةِ، وَهَذَا عُذْرٌ وَهْمِيٌّ؛ لأَنَّ السَّلَفَ -رَحِمَهُمُ اللهُ- كَانُوا يُعَانُونَ فِي مَعَايِشِهِمْ أَكْثَرَ مِنْ مُعَانَاتِنَا، وَمَعَ ذَلِكَ كَانُوا مِنْ أَهْلِ قِيَامِ اللَّيْلِ. فَهَذِهِ حُجَّةٌ مَدْحُوضَةٌ؛ كَذَلِكَ لَمْ نَرَ هَذِهِ الْوَظَائِفَ مَنَعَتْ مِنَ السَّهَرِ أَمَامِ الْـمُلْهِيَاتِ.

 

وَاُنْظُرْ إِلَى دَاودَ، -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، كَانَ مَلِكًا وَنَبِيًّا؛ وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ أَكْثَرَ النَّاسِ صِيَامًا وَقِيامًا. بَلْ وَهَا هُوَ الرَّحْمَةُ الْمُهْدَاةُ، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ حَتَّى تَـتَـوَرَّمَ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟! قَالَ: «أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا»؟ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

 

عِبَادَ اللهِ، مَا أَحْوَجَ الإِنْسَانَ لِخَلْوَةٍ بِرَبِّهِ وَمَوْلَاهُ! يُنَاجِيهِ، وَيَدْعُوهُ، وَيَتَلَذَّذُ بِالتَّعَبُّدِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ، وَالِانْطِراحِ إِلَى جَنَابِهِ، يَسْتَمِدُّ مِنْهُ الْعَوْنَ وَالتَّوْفِيقَ.

 

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

 

أمَّا بَعْدُ... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

 

عِبَادَ اللهِ، اِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ، كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ حَيْثُ يَقُولُ: "مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ تَعَالَى: (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر: 9].

 

وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَفْضَلَ الْأَوْقَاتِ لِقِيَامِ اللَّيْلِ، وَالصَّلَاةِ فِيهِ؛ هُوَ جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرِ، حَيْثُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ: أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: «جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ المَكْتُوبَاتِ» (رَوَاهُ التِّرِمِذِيُ وَغَيْرُهُ، بِسَنَدٍ حَسَنٍ).

 

وَيُعْرَفُ جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرِ بِحَسَبِ السَّاعَاتِ؛ حَيْثُ يَتِمُّ تَحْدِيدِ عَدَدِ السَّاعَاتِ بَيْنَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ، وَأَذَانِ الْفَجْرِ ثُمَّ يُقَسَّمُ عَلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ؛ فَيُصَلِّى فِي الْقِسْمَيْنِ الرَّابِعِ وَالخَّامِسِ، وَمِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ كَانَ آذَانُ الْمَغْرِبِ السَّاعَةَ السَّادِسَةَ، وَالْفَجْرِ السَّاعَةَ الْخَامِسَةَ فَمَا بَيْنَهُمَا إِحْدَى عَشْرَةَ سَاعَةً، فَتُقَسَّمُ عَلَى سِتَّةٍ؛ فَيَبْدَأُ الْوَقْتُ الْأَفْضَلُ لِقِيَامِ اللَّيْلِ السَّاعَةَ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ وَالنِّصْفَ، حَتَّى السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ وَالثُّلُثِ، هَذِهِ هِيَ طَرِيقَةُ مَعْرِفَةِ الْجَوْفِ الْآخِرِ مِنَ اللَّيْلِ.

 

جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَكَفَّرَ عَنَّا السَّـــيِّئَاتِ، وَرَزَقَنَا أَعْلَى الدَّرَجَاتِ. 

 

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَـمِيلًا، وَلَا تَـجْعَلْ فِينَا وَلَا بَيْنَنَا وَلَا حَوْلَنَا شَقِيًّا وَلَا مَـحْرُومًا، الَّلهُمَّ أصْلِحْ لَنَا النِّــيَّــةَ وَالذُّرِيَّةَ وَالأَزْوَاجَ وَالأَوْلَادَ. الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن.

 

الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ وَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاِكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ.

 

اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

 

اللَّهُمَّ اُنْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، وَاِرْبِطْ عَلَى قُلُوبِـهِمْ، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ، وَانصُرْهُمْ عَلَى الْقَوْمِ الظَّالِمِيـنَ وَاخْلُفْهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ بِـخَيْـرٍ.

 

اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

 

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.

 

 

 

المرفقات
والناس نيام.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life