عناصر الخطبة
1/ فضائل القرآن العظيم 2/ وجوب الاعتناء بتدبر القرآن والعمل بما فيه 3/ الزجر عن تفسير القرآن بالرأي 4/ سبل وطرق تعظيم القرآن الكريم.اهداف الخطبة
اقتباس
لَقد أَكرَمَنا اللهُ بِالقُرَآنِ؛ فَأَخْرَجَنَا بِهِ مِن الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ، وَمِن الخُضُوعِ والخُنُوعِ إلى التَّذَلُّلِ لِلواحِدِ الأَحَدِ، أَنزَلَهُ اللهُ مُعجِزَةً خَالِدةً، فَأَذْعَنَ لِفَصَاحَتِهِ البُلَغَاءُ، وانْقَادَ لِحُكْمِهِ الحُكَمَاءُ، وانبَهَر بِأَسرَارِه العُلَمَاءُ كَيفَ لا يَكُونُ كَذلِكَ وَهُوَ كَلامُ الحَكِيمِ الخَبِيرِ، أُسْلُوبٌ وَإيجَازٍ، وآياتٌ وإعجَازٍ! يَسَّرهُ لِلذَّاكِرينَ وَسَهَّلَهُ لِلدَّارِسِينَ، لِلقُلُوبِ رَبِيعُها ولِلأَبْصَارِ ضِيَاؤُهَا، دَلِيلُ دَرْبِ المُسلِمِينَ، وَدُسْتُورُ حَيَاةِ المُؤمِنينَ سَارَ الرَّعِيلُ الأَوَّلُ عَلى نَهْجِهِ، فَأَصْبَحُوا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، يَسيرُ أَحَدُهُم فِي الأَرْضِ وَهُوَ يَحمِلُ أَخْلاقَ القُرآنِ وآدَابَهُ وَمَبَادِئَهُ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الكَريمِ المَنَّانِ، أَكرَمَنَا بالقُرَآنِ، جَعَلهُ مُعجِزَةً على مَرِّ الزَّمَانِ، وَرَبِيعَاً لِقُلوبِ أَهلِ الإيمانِ نَشهدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، شَهادةً نَرجُو بِها الرَّحمَةَ والغُفْرَانَ.
ونَشهدُ أنَّ مُحمَّدا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ حثَّ على تَعَلُّمِ العِلمِ والقُرآنِ، النَّاصِحُ المُبِينُ، وَالصَّدُوقُ الأَمِينُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ وإيمَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعدُ: فَأَوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ وَنَفْسِي بِتَقْوى اللهِ وَطَاعَتِهِ، وَمَحَبَّتِهِ والقُرْبِ مِنْهُ.
أيُّها المُؤمِنُونَ: لَقد أَكرَمَنا اللهُ بِالقُرَآنِ؛ فَأَخْرَجَنَا بِهِ مِن الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ، وَمِن الخُضُوعِ والخُنُوعِ إلى التَّذَلُّلِ لِلواحِدِ الأَحَدِ، أَنزَلَهُ اللهُ مُعجِزَةً خَالِدةً، فَأَذْعَنَ لِفَصَاحَتِهِ البُلَغَاءُ، وانْقَادَ لِحُكْمِهِ الحُكَمَاءُ، وانبَهَر بِأَسرَارِه العُلَمَاءُ كَيفَ لا يَكُونُ كَذلِكَ وَهُوَ كَلامُ الحَكِيمِ الخَبِيرِ، أُسْلُوبٌ وَإيجَازٍ، وآياتٌ وإعجَازٍ!
يَسَّرهُ لِلذَّاكِرينَ وَسَهَّلَهُ لِلدَّارِسِينَ، لِلقُلُوبِ رَبِيعُها ولِلأَبْصَارِ ضِيَاؤُهَا، دَلِيلُ دَرْبِ المُسلِمِينَ، وَدُسْتُورُ حَيَاةِ المُؤمِنينَ سَارَ الرَّعِيلُ الأَوَّلُ عَلى نَهْجِهِ، فَأَصْبَحُوا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، يَسيرُ أَحَدُهُم فِي الأَرْضِ وَهُوَ يَحمِلُ أَخْلاقَ القُرآنِ وآدَابَهُ وَمَبَادِئَهُ. أَخْبَرَ الرَّبُّ عَنْ عَظَمَتِهِ فَقَالَ: (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)[الحشر: 21].
في إِحدَى غزَوَاتِ النَّبيِّ –صلى الله عليه وسلم- قَامَ رَجلٌ مِن المُهاجرِينَ ورَجلٌ مِنَ الأَنصَارِ بِالحِرَاسَةِ لَيلاً، فاضطَجَعَ المُهَاجِرِيُّ وَقَامَ الأَنصارِيُّ يُصلِّي، فَجَاءَ رَجَلٌ مِن العَدُوِّ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَأَصَابَهُ، فَنَزَعَهُ الأَنَصَارِيُّ، واستَمَرَّ في صَلاتِهِ حَتى رَمَاهُ بِثَلاثَةِ أَسهُمٍ، فَانْتَبَهَ صَاحِبُهُ، وَهرَبَ العَدُوُّ، فَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: سُبْحَانَ اللهِ! ألاَ نبَّهتَني أَوَّلَ مَا رَمَى؟! قَالَ: "كُنتُ في سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا، فَلَمْ أُحِبَّ أنْ أَقْطَعَها حَتَّى أُنْفِذَهَا" حديثٌ صحيحٌ. (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ) [الحج: 32].
والقُرآنُ العَظِيمُ هُوَ عُنوَانُ الشَّعَائِرِ الإلَهِيَّةِ. وَصَدَقَ اللهُ: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) [الزخرف: 4]. قَالَ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: "بيَّنَ اللهُ تَعَالَى شَرَفَهُ فِي المَلأِ الأَعلَى لِيُشَرِّفَهُ ويُعظِّمَهُ وَيُطِيعَهُ أَهْلُ الأَرْضِ".
عِبَادَ اللهِ: تَعظِيمُ كِتَابِ اللهِ وَاجِبٌ على الجَمِيعِ. فَمَنْ استَخَفَّ بِالقُرَآنِ أَو بِشيءٍ مِنْهُ فَهُوَ كَافِرٌ بِإجْمَاعِ المُسلِمِينَ. أَلَا وإنَّ صِدْقَ التَّعظِيمِ يَكُونُ بِتَصْدِيقِ أَخبَارِهِ وامْتِثَالِ أوامِرِهِ واجتِنَابِ نَوَاهِيهِ وَتَحْكيمِهِ في كُلِّ شُؤونِ الحياةِ! (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) [ص: 29].
ومِن تَعْظِيمِ كِتَابِ اللهِ ألَّا يَقْرَأَهُ الإنْسَانُ وَهُوَ جُنُبٌ، وألَّا يمَسَّ المُصحَفَ إلَّا على طَهَارَةٍ؛ كَتَبَ النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم-إلى عَمْرو بِنِ حَزْمٍ (ألَّا يَمَسَّ القُرآنَ إلاَّ طاهِرٌ).
ومِن تَعْظِيمِ كِتَابِ اللهِ أَنَّهُ لا يَجُوزُ الكَلامُ فِيهِ بِغيرِ عِلْمٍ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-مَا قَالَ –صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». (قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ). فَلا يَجُوزُ تَفْسِيرُهُ بِالظَّنِّ ولا بالتَّخَرُّصِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي إنْ قُلْتُ فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ بِرَأْيِيْ أَوْ بِمَا لا أَعْلَمُ. عبادَ اللهِ: وَمِنْ تَعظِيمِ القُرَآنِ إحْضَارُ القَلْبِ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ والتَّفَكُّرُ فِي آيَاتِهِ، في الصَّحِيحَينِ، أنَّ رَسُولَ اللهِ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، وَيَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينَ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ".
أَلَا وإنَّ مِنْ تَعظِيمِ القُرَآنِ تَنْظِيفُ الفَمِ لِأَجْلِ قِرَاءَتِهِ كَمَا قَرَّرَ ذَلِكَ العُلَمَاءُ. وَمِنْ تَعظِيمِهِ كَرَاهِيَةُ قَطْعِ القِرَاءَةِ لِكَلامِ النَّاسِ فالقَارِئ فِي شُغُلٍ عَظِيمٍ لا يَنْبَغِي إشْغَالُهُ ولا التَّحَدُّثُ مَعَهُ حتى يَنْتَهِي! كَانَ ابنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- إذَا قَرَأَ القُرآنَ لَمْ يَتَكلَّمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنهُ. فَمَا بَالُكُم بِمَنْ يَكُونُ قُرْآنُهُ بِيَدٍ وجَواَّلُهُ بالأُخْرَى يَنْتَظِرُ رِسالَةً أو يَكْتُبُ مُحَادَثَةً أَثْنَاءَ قِراءَتِهِ أَيُعَدُّ ذلِكَ تَفَرُّغَاً وَتَدَبُّراً؟!
عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ تَعظِيمِ القُرْآنِ العَظِيمِ، تَرْكُ الجِدَالِ والنِّزاعِ والخِلافِ، رَوى مُسلِمٌ بِسَنَدِهِ أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: هَجَّرْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ فَخَرَجَ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ فَقَالَ: «إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلاَفِهِمْ فِي الْكِتَابِ».
وَمِنْ تَعظِيمِ القُرْآنِ العَظِيمِ: تَرْكُ التَّكَسُّبِ بِهِ وَجَعْلِهِ مَصْدَرَ استِغلالٍ للنَّاسِ كَمَنْ يُفَاوِضُونَ على السِّعْرِ قَبْلَ القِرَاءةِ! فَقدْ قالَ–صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلْيَسْأَلِ اللَّهَ بِهِ فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ أَقْوَامٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَسْأَلُونَ بِهِ النَّاسَ». صَحَّحَهُ الألبَانِيُّ. نَعُوذُ باللهِ مِنْ حَالِهم.
يا مُؤمِنُونَ: قِراءةُ القرآن لا تَكُونُ إلَّا لِلإيمَانِ والعَمَلِ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) [الإسراء: 9].
بَاركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرَآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِن الآيَاتِ والذِّكرِ الحَكِيمِ، وَأستَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائِرِ المُسلِمِينَ فَاستَغْفِرُوهُ، إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ لِلهِ وَكَفَى، وَسَلامٌ على عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى، أَحمَدُهُ سُبحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَشْهَدُ ألَّا إِلهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الأَسمَاءُ الحُسنى والصِّفَاتُ العُلا، وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ المُصْطَفى، صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ وعلَى آلِهِ وأصْحَابِهِ وَمَنْ بِهُدَاهُمُ اهتَدى.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقوى اللهِ. وَتَعظِيمِ كِتَابِهِ الكَريمِ. ألا وإنْ مِنْ تَعظِيمِهِ جَمْعُ مُتَفِرِّقِهِ وَمُتَمِزِّقِهِ وَتَسْلِيمُ ذَلِكَ لِلجِهَاتِ المَعنِيَّةِ. كَالمُسْتَوْدَعِ الخَيرِيِّ وَغَيرِهِ. وَمِن تَعظِيمِ كَلامِ اللهِ تَعَالى أَنْ يُرفَعَ عَنِ الأَرْضِ، سِيَّمَا إنْ كَانَتْ أَرْضَاً غَيرَ مُحتَرَمَةٍ، كَمَا أنَّ مِنْ تَعْظِيمِ القُرآنِ ألَّا تَمُدَّ إِليهِ رجلَيك، وَأَلَّا تُولّيَهُ ظَهْرَكَ.
عِبَادَ اللهِ: مِنْ حَقِّ القُرَآنِ العَظِيمِ عَلَينا المُنَافَحَةُ عَنه وَعَدَمُ السُّكُوتِ عَلى مَنْ يَتَهَجَّمُ عليه أَوْ يَسْتَهْزِئُ بِهِ، فَعَمَلُهُ مَشِينٌ وَسُلُوكُهُ دَنِيءٌ، فَلا كَرَامَةَ لَهُ ولا احْتِرَامَ، فَقَدْ أَسَاءَ لِلجَمِيعِ، وَامْتَهَنَ كِتابَ رَبِّ العَلَمِينَ، وَأَلْهَبَ مَشَاعِرَ غَضَبِ المُسلِمِينَ، وَقَادَ التَّطَرُّفَ وَأَجَّجَ بُؤَرَ الصِّرَاعَ. فَوَاجِبٌ على الوُلاةِ إِنْزالُ أَقْصَى العُقُوبَاتِ بِكُلِّ مَنْ ارتَكَبَ جَرِيمَةً نَكْرَاءَ، مَعَ الاعْتِذَارِ العَامِّ لِجَمِيعِ المُسلِمينَ.
وَمِنْ تَعظِيمِ القُرْآنِ أنْ نَتَدَاوَى بِهِ فَهُوَ هُدًى وَشِفَاءٌ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا) [الإسراء: 82].
قَالَ العُلَمَاءُ: الشِّفَاءُ فِي القُرْآنِ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ: شِفَاءٌ مِن أَدْوَاءِ الشُّبُهَاتِ وَمِنْ الشَّهَوَاتِ. وَشِفَاءٌ لِأَمْرَاضِ الأَبْدَانِ بِأَنْوَاعِهَا. وَأَنتُمْ تَعلَمُونَ يا رَعَاكُمُ اللهُ أنَّ سَيِّدَ قَومٍ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ فَقَرَأَ عليهِ الصَّحَابَةُ فَقَامَ الرَّجُلُ (كَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ).
أيُّها المُؤمِنُونَ: السَّعِيدُ كُلَّ السَّعَادَةِ مَنْ تَمَسَّكَ بِكِتَابِ رَبِّهِ واهْتَدَى بِهَدْيِهِ وَجَعَلَهُ خُلُقَهُ وَمَنْهَجَهُ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَنْ يَضِلَّ ولا يَشْقَى. في صَحيحِ ابنِ حِبَّانَ وَغَيرِهِ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ –صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "أَبْشِرُوا أَبْشِرُوا، أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَلَّا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ؟" قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: "فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا وَلَنْ تَهْلِكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا".
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: "الْقُرْآنُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، وَمَا حِلٌ مُصَدَّقٌ، مَنْ جَعَلَهُ أَمَامَهُ قادَهُ إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَنْ جَعَلَهُ خَلْفَهُ سَاقَهُ إِلَى النَّارِ". بِمِثْلِ هَذا عَلَّمَنَا القُرَآنُ، وَبِهذَا يَشْهَدُ كُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَو أَلْقَى السَّمَعَ وَهُوَ شَهِيدٌ! (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 24].
فَاتَّقُوا اللهَ يا مُؤمِنُونَ، وَخُذُوا كِتَابَ رَبِّكُمْ بِصِدْقٍ وَقُوَّةٍ تُمْنَحُوا كُنُوزَهُ وَتَشْرَفُوا بِشَرَفِهِ، وَيَتَحَقَّقُ لَكُم وَعْدُ اللهِ القَائِلِ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].
ألا وصلّوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدَى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهمَّ إنَّا نَسأَلُكَ أنْ تَجْعَلَ القُرآنَ العَظِيمَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا، وَنُورَ صُدُورِنَا، وَجَلاءَ هُمُومِنَا وَأَحْزَانِنَا، وَذَهَابَ غُمُومِنَا، اللهمَّ عَلمْنَا مِنْهُ مَا جَهِلْنَا، وَذَكِّرْنَا مِنْهُ مَا نُسِّينَا، وارْزُقْنَا تِلاوَتَهُ آنَاءَ الَّليلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، واجْعَلْنا مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، واجْعَلْهُ حُجَّةً لَنَا لا عَلَينَا.
اللهُمَّ ارْزُقْنَا حِفَظَ كِتَابَكَ والعَمَلَ بِهِ اللهمَّ رُدَّنَا إِليكَ رَدَّاً جَمِيلاً، اهْدِ ضَالَّنا وَوَفِّقْ قَادَتَنا لِلْعَمَلِ بِكِتَابِكَ واتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيكَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
اللهمَّ أَبْرِمْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أَمْرَ رُشْدٍ يُعَزُّ فِيهِ أَهْلُ طَاعَتِكَ وَيُذَلُّ فِيهِ أَهْلُ مَعصِيَتِكَ وَيُؤمَرُ فِيهِ بِالمَعرُوفِ وَيُنْهى فِيهِ عَنْ المُنْكَرِ يَا سَمِيعُ الدُّعَاءِ.
رَبَّنَا لا تُؤاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا. اللهمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمُسلِمِينَ وَأَذِلَّ الشِّركَ والمُشرِكِينَ وانْصُرْ عِبَادَكَ المُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِكِ يَا رَبَّ العَالِمِينَ. اللهمَّ اغفِر لَنا وَلِوالِدِينا ولِجَمِيعِ المُسلِمينَ. (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
التعليقات