عناصر الخطبة
1/أهمية الزكاة في الإسلام 2/بعض عقوبات منع الزكاة 3/أهمية الزكاة ودورها في التكافل الاجتماعي 4/أصناف المستحقين للزكاةاقتباس
إن الزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله، من جحد وجوبها كفر، ومن منعها بخلاً وتهاوناً كان من فسّاق هذه الأمة، وحكمه في الآخرة، أنه تحت المشيئة، إن شاء الله عفا عنه وأدخله الجنة، وإن شاء عز وجل عذبه بالنار بقدر فسقه، ثم أدخله الجنة، ومن أداها معتقداً وجوبها راجياً ثوابها، فـ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله ...
أما بعد:
صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت".
أيها المسلمون: إن شرعية الزكاة ثابت في كتاب الله -عز وجل-، وفي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأجمع المسلمون على ذلك.
فاتقوا الله -تعالى- أيها المسلمون- وأدوا زكاة أموالكم، فإن الزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله، من جحد وجوبها كفر، ومن منعها بخلاً وتهاوناً كان من فسّاق هذه الأمة، وحكمه في الآخرة، أنه تحت المشيئة، إن شاء الله عفا عنه وأدخله الجنة، وإن شاء عز وجل عذبه بالنار بقدر فسقه، ثم أدخله الجنة، ومن أداها معتقداً وجوبها راجياً ثوابها، فليبشر بالخير الكثير، والخلف العاجل والبركة، قال الله -تعالى-: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[سبأ: 39].
وقال تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 261].
أيها المسلمون: أدوا ما أوجب الله عليكم في أموالكم التي رزقكم الله -تعالى-، لقد أخرجكم الله من بطون أمهاتكم، لا تعلمون شيئاً، ولا تملكون لأنفسكم نفعاً ولا ضراً، ثم يسر الله لكم الرزق، وأعطاكم ما ليس في حسابكم، فقوموا -أيها المسلمون- بشكره، وأدوا ما أوجب عليكم، لِتُبْرؤا ذممكم، وتطهروا أموالكم واحذروا الشح والبخل بالتساهل في شأن الزكاة، فإن ذلك هلاككم، ونزع بركة أموالكم.
أيها المسلمون الصائمون: إن هؤلاء الذين بخلوا على الله -عز وجل-، ولم يؤدوا هذا المقدار البسيط الذي أوجبه الله عليهم في أموالهم، ألم يقرؤوا الوعيد بالنيران في كتاب الله -عز وجل- لمن بخل بما أتاه الله، قال الله -تعالى-: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)[آل عمران: 180].
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ)[التوبة: 34 - 35].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في تفسير الآية الأولى: "من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته، مُثّل له شجاعاً أقرع- وهي الحية الخالي رأسها من الشعر لكثرة سمها– مُثّل له شجاعاً أقرع له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، يأخذ بشدقيه، يقول: أنا مالك، أنا كنـزك"[رواه البخاري].
وقال صلى الله عليه وسلم في تفسير الآية الثانية: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).
قال عليه الصلاة والسلام: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي فيها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فتكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد"[رواه مسلم].
فاتقوا الله -أيها المسلمون-: يا من تتهاونون في دفع زكاة أموالكم، فو الله لا يحمى على الذهب والفضة، في نار كنار الدنيا، إنما يحمى عليها في نار أعظم من نار الدنيا بتسعة وستين جزءاً.
إنه إذا أحمى عليها، لا يكوى بها طرف من الجسم فقط، وإنما يكوى بها الجسم من كل ناحية، الجباه من الأمام، والجنوب من الجوانب، والظهور من الخلف.
إن هذا العذاب ليس في يوم ولا شهر ولا في سنة، ولكن في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
فيا عباد الله، يا من آمنوا بالله ورسوله، يا من صدّقوا بالقرآن، وصدقوا بالسنة: ما قيمة الأموال التي تبخلون بزكاتها؟ وما فائدتها؟
إنها تكون نقمة عليكم، وثمرتها لغيركم.
إنكم لا تطيقون الصبر على وهج الحر أيام الصيف، فكيف تصبرون على نار جهنم، فاتقوا الله، وأدوا زكاة أموالكم، طيبة بها نفوسكم، تنجون من عذاب ربكم.
فبادروا بزكاة المال إن بها *** للنفس والمال تطهيراً وتحصيناً
ألم تروا أن أهل المال في وجل *** يخشون مصرعهم إلا المزكينا
فهل تظنون أن الله أورثكم *** مالاً لتشقوا به جمعاً وتخزيناً
أو تقصروه على مرضاة أنفسكم *** وتحرموا منه معتداً ومسكيناً
ما أنتمُ غير أقوام سيسألكم *** إلهكم عن حساب المستحقينا
ولن تنالوا نصيباً من خلافته *** إلا بأن تنفقوا مما تحبونا
فأدوا الزكاة -عباد الله- قبل أن تفقدوا المال مرتحلين عنه، أو مرتحلا عنكم، فإنما أنتم في الدنيا غرباء مسافرون، والمال وديعة بين أيديكم لا تدرون متى سترحلون.
ولم يقف الشرع -عباد الله- عن حد الوعيد بالعقاب الأخروي، بل هدد بالعقوبة الدنيوية أيضاً لكل من يبخل بحق الله -عز وجل-، قال الله -تعالى-: (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ * فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ *وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ * كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[القلم: 21-33].
فمانع الزكاة مهدد في الدنيا كذلك بزوال ماله، قال صلى الله عليه وسلم: "ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين".
وقال صلى الله عليه وسلم: "ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا".
مانعوا الزكاة، سماهم الله في كتابه مشركين، فقال سبحانه: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)[فصلت: 6 - 7].
فيا من آتاه الله مالاً ولم يؤد زكاة هذا المال: اتق الله -تعالى-، فبسببك وأمثالك منع الناس القطر من السماء.
ووالله الذي لا إله إلا هو لو أخرج الأغنياء زكاة أموالهم، لما رأينا فقيراً ولا مسكيناً، ولا جائعاً، ولا عارياً ولا محروماً.
وهذا ما حدث في عصر الخليفة العادل الإمام الزاهد عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- يوم أن أقام العدل في الأمة، ويوم أن عرف الأغنياء حق الله في أموالهم، جُمعت الزكاة في عصر عمر بن عبد العزيز، وأراد عمر أن يوزعها، فلم يجد فقيراً واحداً في أنحاء الأمة، عقمت أرحام الدولة العمرية أن تلد فقيراً أو مسكيناً!.
وكان عمر بن عبد العزيز يحكم أمة تمتد حدودها من الصين شرقاً إلى باريس غرباً، ومن حدود سيبيريا شمالاً، إلى المحيط الهندي جنوباً، ومع ذلك جمع عمر بن عبد العزيز الزكاة فلم يجد مسكيناً واحداً يأخذ الزكاة، وفاض المال في بيت مال المسلمين، فأصدر عمر بن عبد العزيز أمراً بأداء الديون، وقال: "اقضوا عن الغارمين".
فقُضي ديون الناس، وما زال المال فائضاً، فأصدر أمراً بإعتاق العبيد من بيت مال المسلمين، فأُعتق العبيد، ومازال المال فائضاً في خزينة الدولة، فأصدر أمراً بتزويج الشباب، وقال: "أيما شاب أراد أن يتزوج فزواجه على حساب بيت مال المسلمين".
تزوج الشباب، وبقي المال.
أين حال الأمة اليوم من هذا الذي حصل في عهد عمر بن عبد العزيز، والأمة اليوم أغنى من ذلك العهد بكثير؟
فيا من أراد أن يُخلف الله عليه، وأن يبارك له في رزقه وفي دخله، انفق على الفقراء والمساكين، وتفقد الأرامل واليتامى والمحرومين، وانفق من أموالك في أوجه الخير والبر.
ولا تنسوا -أيها المسلمون- إخواناً لكم في غير هذه البلاد، هم بحاجة شديدة ربما يفوق الحاجة هنا في بعض الأحيان، أنهكتهم الحروب والكوارث، ونزلت بهم المصائب، احتل العدو الغاشم ديارهم، في فلسطين والعراق، وهناك دول أخرى الفقر فيها شديد والحاجة فيها ماسة كبلاد السودان، واليمن، ونحوها من بلدان المسلمين، فخصصوا لهم جزءاً من زكاتكم، واحتسبوا الأجر عند الله.
قدموا لأنفسكم -يا عباد الله- شيئاً تلقونه هناك، قدموا للقبر، قدموا للصراط، قدموا ليوم الفضائح والكربات.
واعلموا: أن من قدم خيراً، فإنما يقدم لنفسه: (وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ)[البقرة: 110].
قال الله -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ)[فصلت: 46].
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه ...
أما بعد:
الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهو الركن الذي لا يصبح الإنسان مسلماً حقّاً إلا إذا أداه، فهي واسطة العقد، وهي الرابطة بين صحة الاعتقاد والعبادة، فالصلاة والصيام والحج عبادات بدنية، والزكاة تمثل جسر الإيمان الذي يربط بين ظواهر ومؤشرات ودلائل الاعتقاد، وواقع الحياة، حيث يتحقق التلازم بين الاعتقاد والعبادة من جانب، والتكافل الاقتصادي لأفراد المجتمع من جانب آخر، فيتحقق مفهوم الإسلام الذي يقوم على أساس أن الدين لا ينفصل عن واقع الحياة، وأنه يعمد إلى إسعاد الناس في حياتهم الدنيا كما يسعدهم في حياتهم الآخرة.
إن دور الزكاة في تحقيق التوازن الاقتصادي، والاستقرار الاجتماعي، دور مهم، لكن واقع المجتمعات الإسلامية في هذا العصر لا يعطي لهذا الأمر أهمية، فتُرك الأمر للأفراد في تأدية الزكاة، وغُيِّر وجهها في كثير من الدول، واستبدلت الضرائب وغيرها من وسائل الجباية بالزكوات، وأصبحت التنظيمات المالية الحالية لا تعطي أهمية لدور الزكاة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، والتكافل الاجتماعي، وتحقيق ما ينادي به الاقتصاديون المعاصرون من إقامة دولة الرفاهية، فحلت الأنظمة المالية القائمة على النظام الربوي محل النظام المالي الإسلامي، الذي يقوم على منهج مغاير للفكر الفلسفي الذي تقوم عليه التنظيمات المالية المطبقة حالياً والمقتبسة من النظام الغربي.
إن المفهوم السائد لدى كثير من الناس عن الزكاة أنها نوع من التصدق لا علاقة لها بتنظيم شؤون الدولة المالية، وليست جزءاً من التنظيم الاجتماعي، وبالتالي فإن الزكاة هي جزء من التراث الأخلاقي الذي لا يمكن أن يقوم عليه البناء المالي للمجتمع.
هذا المفهوم الخاطئ، يرجع في أساسه إلى عدم فهم حقيقة الزكاة، والجهل التام بالتراث الفقهي المالي، مما ينتج عنه هذا المفهوم القاصر لدور الزكاة في المجتمعات الإسلامية.
إن الزكاة هي التنظيم المالي الوحيد في التشريعات المالية التي عرفها البشر المخصصة للإنفاق على احتياجات الأفراد الذين لا يجدون كفايتهم، ولم تقتصر الزكاة على نوع معين من الدخل، بل شملت كل مصادر الدخل، كما أنها تميزت بشمولية المشاركين في دفعها، حيث ظلت الحد الأدنى الذي إذا بلغه المال وجبت فيه الزكاة، مع ملاحظة طبيعة المال، فربطت وجوب الزكاة في بعضه على مرور الحول مثل النقدين والتجارة والأنعام، وبعضه الآخر في تاريخ تحققه مثل الزروع أو الركاز أو المعادن.
إن من المفاهيم الأساس للزكاة التي ينبغي إدراكها ومعرفتها: أن الزكاة من أهم المقومات التي يتميز بها المجتمع المسلم، وتعطيل الزكاة والتهرب من أدائها علامة من علامات انحراف المجتمع، وبروز النفاق، ويؤكد القرآن هذا المفهوم في قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 71].
أما المنافقون، فهم أولئك القابضون على أيديهم، فهم لا ينفقون، مخالفين لكل ما فيه خير وصلاح، قال الله -تعالى- عنهم: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[التوبة: 67].
أيها المسلمون: إن الزكاة لا تنفع ولا تبرأ بها الذمة حتى يخرجها الإنسان على الوجه المشروع وحتى توضع في الموضع الذي وضعها الله فيه، وهم الأصناف الثمانية التي ذكرها الله في كتابه في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 60]
فهؤلاء الأصناف الثمانية هم أهل الزكاة:
الأول: الفقراء: وهم الذين لا يجدون من كفايتهم إلا شيئاً قليلاً دون النصف، فإذا كان الإنسان لا يجد ما ينفق على نفسه وعائلته نصف سنه، فهو فقير، فيعطى ما يكفيه وعائلته سنة.
الثاني: المساكين: وهم الذين يجدون من كفايتهم النصف فأكثر، ولكن لا يجدون ما يكفيهم سنة كاملة، فيكمل لهم نفقة السنة.
الثالث: العاملون عليها: وهم الذين يوكلهم الحاكم العام للدولة، بجبايتها من أهلها، وتصريفها إلى مستحقيها، وحفظها، ونحو ذلك، فيعطون من الزكاة بقدر عملهم، وإن كانوا أغنياء.
الرابع: المؤلفة قلوبهم: وهم رؤساء العشائر، الذين ليس في إيمانهم قوة، فيعطون من الزكاة، ليقوى إيمانهم، فيكونوا دعاة للإسلام وقدوة صالحة في قبائلهم.
الخامس: الرقاب: ويدخل فيها شراء الرقيق من الزكاة وإعتاقه، ومعاونة المكاتبين، وفك الأسرى من المسلمين.
السادس: الغارمون: وهم المدينون، إذا لم يكن لهم ما يمكن أن يوفوا منه ديونهم، فهؤلاء يعطون من الزكاة، ما يوفون به ديونهم.
السابع: في سبيل الله: وهو الجهاد في سبيل الله، فيعطى المجاهدون من الزكاة ما يكفيهم لجهادهم.
الثامن: ابن السبيل: وهو المسافر الذي انقطع به السفر، فيعطى من الزكاة، ما يوصله إلى بلده.
فهؤلاء هم أهل الزكاة.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتانا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.
التعليقات