عناصر الخطبة
1/ تنفير الاغترار بالدنيا 2/ بيان تقلب الإنسان في الحياة 3/ تهويل سكرات الموت 4/ تخويف الناس من أهوال القبر 5/ تنبيه الناس بالبعث والحساباهداف الخطبة
التحذير من الاغترار بالدنيا /التذكير بالموت والحساب والجزاءاقتباس
عباد الله ما هذه الغفلات والاغترار؟ وقد أيقنتم أنّ دار الفناء ليست لكم دار قرار، فاستعدوا للآخرة ففيها والله البقاء والدوام والقرار، فبينما هو في تلك الغمرات والسكرات، ومعاينة تلك العظائم والكربات، إذ تكشف له ملك الموت من حجبه، فقضى فيه قضاء أمر ربه، فأنساه الأهل والأولاد و الأموال، وفرق بين روح وجسد طالما اجتمعا، فتغيرت محاسنه، وأعرض عنه محبه ومؤانسه...
الحمد لله الملك العلام، القدوس السلام، المحيط علمه بالخاص والعام، تعالى وتقدس عن درك الظنون وخواطر الأوهام، لا تغيره الدهور و الأعوام، ولا تختلف عليه اللغات بأي كلام، حكم فعدل وإليه ترجع الأمور والأحكام، وقدر وقضى بعلمه وحكمته فلا اعتراض ولا نقص ولا ملام، وسوى بالموت بين الملوك والخواص والعوام، والمخدومين والخدام، (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ) [الرحمن:26-27].
أحمده سبحانه على نعمه الجسام، وأشكره على ما أولاه من جزيل الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المتفرد بالبقاء والعز والدوام، شهادة أرجو بها السلامة يوم القدوم عليه فهو المسلم والسلام.
وأشهد أنّ نبينا محمداً عبده ورسوله أشرف مرسل وأفضل إمام. اللَّهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد المختوم بخاتم النبوة، والمظلل عليه من الشمس بالغمام، وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، القائمين بنصرة دين الله حتى جاء الحمام.
أمّا بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى، عباد الله ما هذه الغفلات والاغترار؟ وقد أيقنتم أنّ دار الفناء ليست لكم دار قرار، فاستعدوا للآخرة ففيها والله البقاء والدوام والقرار، وأما الدنيا فهي دار عمل ودار غرور ودار نكد ليست بدار قرار.
فبينما الإنسان فيها معجب بشيخوخته أو شبابه، لاهٍ بكثرة تقلبه واكتسابه، مشغول بدنياه عن ما يعني به، مطول لأمله، متباعد لأجله في غفلته ولهوه ولعبه، إذا علقت فيه المنية أسبابها، وأنشبت فيه ظفرها ونابها، فسرت فيه أوجاعه، وتنكرت عليه طباعه، وقل دفعه ودفاعه، فأصبح ذا جسد عليل وبصر كليل وسمع ثقيل، يزاول أمراضه وأسقامه، ويتوقع حلول حمامه، حتى إذا وهنت قواه، وعسر علاجه، وأعيا الطبيبَ دواه، فحينئذ تحقق منه اليأس، وليس من رحمه الله اليأس، وأيقنت حينئذ من دار الفناء بالإفلاس، وأومأ إلى الحاضرين من أقاربه وعواده، موصياً بالأصاغر من أولاده.
هذا والنفس في السياق تجذب، والموت يدنو منه ويقرب، أو إذا هجمت عليه المنية بدون إنذار فجأة بحادث أو سكتة قلب، أو نزل عليه الموت فجأة فقضى من الدنيا وراح.
وإنّ داراً هذا آخرها لحقيق أن لا يخدع بها صاحبها، وأن يحذر لأولها (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون:11]، فبينما هو في تلك الغمرات والسكرات، ومعاينة تلك العظائم والكربات، إذ تكشف له ملك الموت من حجبه، فقضى فيه قضاء أمر ربه، فأنساه الأهل والأولاد و الأموال، وفرق بين روح وجسد طالما اجتمعا، فتغيرت محاسنه، وأعرض عنه محبه ومؤانسه، وأبغض أهله وأولاده بقاءه بينهم، بعد ما كانت محبوبة عندهم مجالسه، فتذكروا الموت الذي ليس لكم منه فوت.
قال النبي صلى الله عليه وسلم :" أكثروا ذكر هاذم اللذات".
ثم نقل بعد ذلك إلى بيت الوحشة والوحدة، بيت الضيق والظلمة، إن لم يوسعه عليه مولاه، بيت الدود والأهوال المدلهمة، إن لم يثبته الله ويجعله من أهل الجنة.
وهو في هذا القبر بعيد على قرب المكان، وحيد مع كثرة الجيران، مقيم بين أقوام جمعوا معه من كل مكان، قوم كانوا فبانوا، ودارت عليهم الحادثات فماتوا. لا يخبرون عن ما إليه آلوا، ولو قدروا على المقال لقالوا –أبادهم الله الذي أوجدهم، وسيبعثهم بعد ما أماتهم، ويجمعهم بعد ما فرّقهم، ويسألهم وهو أعلم بهم، ويجزي المحسنين بإحسانهم ويزيدهم، ويجازي الظالمين بما عملوا ولا يظلمهم.
يوم يعيد الله العالمين كما كانوا، يوم تضع فيه الحوامل أحمالها، وتشيب فيه الولدان مما هالها، ويعظم التفكير، ويترقب المصير، ويحشر الكبير والصغير، وتزلزل الأرض زلزالها، وتخرج أثقلها، ويقول الإنسان: مالها.
ثم يجد العامل ما عمل، ويساق الظالم إلى دار السعير، ويحضر الكتاب والمكتوب، ومن أنكر أحضرت عليه الشهود، ويحشر المتقون إلى دار النعيم، جعلنا الله وإياكم من أهلها، ويحشر المجرمون إلى دار الجحيم، أعاذنا الله وإياكم منها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ* وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ* وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ* وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ * فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى * أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) [القيامة:26-40].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
التعليقات