هموم الفقراء "قصة قصيرة"

راكان المغربي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/قصة شكوى فقراء الصحابة للنبي- صلى الله عليه وسلم- وما فيها من العظات 2/عظم الذكر وسؤال الله الإعانة على ذلك

اقتباس

جاؤوا يشكون حالَهم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يرجون منه حلا لشكواهم. ولكن يا ترى ما هي هذه الشكوى التي أقلقَتْهم؟! وأيُّ شيءٍ حُرِموا منه بسببِ الفقرِ وشظفِ العيشِ حتى اجتمعوا وقرروا الذهاب سويا لمحاولة البحث عن حل؟! إنهم لا يشكون إخوانَهم الأغنياءَ أن استأثروا بالأموالِ دونَهم، أو ضاقت نفوسُهم أن سبقوهم إلى متاعِ الدنيا وزينتِها، بل...

الخطبة الأولى:

 

أما بعد: يَروي أبو هريرةَ وأبو ذرٍّ -رضي الله عنهما- قصةً عجيبةً من قَصَصِ الرعيلِ الأول، ذلكمُ المجتمعُ الطاهرُ الذي تربى على يدي رسول الله -ﷺ-، فتعالوا لنعيشَ أحداثَ هذه القصةِ وتفاصيلَها، تقول الرواية: "جاءَ الفُقَراءُ إلى النبيِّ -ﷺ-، جاؤوا يشكون حالَهم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يرجون منه حلا لشكواهم.

ولكن يا ترى ما هي هذه الشكوى التي أقلقَتْهم؟! وأيُّ شيءٍ حُرِموا منه بسببِ الفقرِ وشظفِ العيشِ حتى اجتمعوا وقرروا الذهاب سويا لمحاولة البحث عن حل؟!

نكمل ُالقصة: "فقالوا: يا رسول الله ذَهَبَ أهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأمْوالِ بالدَّرَجاتِ العُلا، والنَّعِيمِ المُقِيمِ، يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي، ويَصُومُونَ كما نَصُومُ، ولَهُمْ فَضْلٌ مِن أمْوالٍ يَحُجُّونَ بها، ويَعْتَمِرُونَ، ويُجاهِدُونَ، ويَتَصَدَّقُونَ!".

هذه هي شكواهم، إنهم لا يشكون إخوانَهم الأغنياءَ أن استأثروا بالأموالِ دونَهم، أو ضاقت نفوسُهم أن سبقوهم إلى متاعِ الدنيا وزينتِها، بل كانت همومٌ علويةٌ سماوية، آمالُهم وطموحاتُهم، والقضيةُ التي جعلوها نصبَ أعينِهم تتمثلُ في قول ربهم: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ)[الحديد: 21].

 

مشكلتُهم أن إخوانَهم الأغنياءَ لهم عدةٌ للسباقِ لا يملِكونها هم، فخافوا أن يسبقوهم إلى الجنان ويكونوا هم في ركبِ المتأخرين.

فيجيبُهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بجوابين فيهما شفاءٌ لما في صدورِهم، وحلٌ لشكواهم.

أما الجوابُ الأولُ فهو يفتحُ لهم أبوابَ الخيرِ، ويوسعُ لهم معنى الصدقة، ويبينُ لهم أن الصدقةَ لا تختصُّ بأصحابِ الأموال، بل هي متاحةٌ لكلِّ مسلمٍ فقيراً كان أو غنياً، فيقولُ لهم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- كما في روايةِ أبي ذر: "أَوَ ليسَ قدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ ما تَصَّدَّقُونَ؟ إنَّ بكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عن مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ" يعني أنَّ الرَّجلَ إذا أَتى امرأَتَه، فإنَّ ذلكَ يكونُ صَدقةً-، قالوا: يا رَسولَ اللهِ! أَيَأتي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكونُ له فِيهَا أَجْرٌ؟ قالَ: "أَرَأَيْتُمْ لو وَضَعَهَا في حَرَامٍ أَكانَ عليه فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذلكَ إذَا وَضَعَهَا في الحَلَالِ كانَ له أَجْرٌ".

وأما الجوابُ الثاني فهو يدلُّهم على عملٍ خاصٍّ يفعلونَه، يتقدمون به في السباق، ويجعلُهم في المراتب الأولى ولا ينافسُهم فيها أحدٌ إلا من عملَ مثلَه، فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في رواية أبي هريرة: "ألا أُحَدِّثُكُمْ بأمر إنْ أخَذْتُمْ به أدْرَكْتُمْ مَن سَبَقَكُمْ ولَمْ يُدْرِكْكُمْ أحَدٌ بَعْدَكُمْ، وكُنْتُمْ خَيْرَ مَن أنتُمْ بيْنَ ظَهْرانَيْهِ إلَّا مَن عَمِلَ مِثْلَهُ، تُسَبِّحُونَ وتَحْمَدُونَ وتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وثَلاثِينَ".

 

ثلاثٌ وثلاثونَ تسبيحة، وثلاثٌ وثلاثون تحميدة، وثلاثٌ وثلاثون تكبيرة، دبرَ كلِّ صلاة، تجعلُك -يا عبدَ اللهِ- تدركُ كلَّ من سبقَك، ولا يمكنُ بأيِّ حالٍ من الأحوالِ أن يدركَكَ أحدٌ يجيءُ بعدك، وستكونُ بذلك خيرَ أهلِ الأرضِ إلا من عملَ مثلَ ما عمِلت.

 

إنه عملٌ لا يأخذُ منكَ سوى دقيقةٍ أو دقيقتين.

إنه عليكَ يسير، ولكنَّه عند اللهِ كبير، والموفقُ من وفقَه الله.

إن عجبتَ لهذا الفضلِ! فاعلم أنك إذا أضفتَ عليه جملةً أخرى، فإنك ستنالُ من اللهِ الكريمِ فضلاً آخرَ بشرنا به الحبيبُ -صلى الله عليه وسلم- فقال: "من سبَّح اللهَ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، وحمد اللهَ ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر اللهَ ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسعٌ وتسعونَ، وقال تمامَ المائةِ: لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، له الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، غُفِرت خطاياه وإن كانت مثلَ زَبَدِ البحرِ".

 

إن هذا الذكرَ يستحقُّ أن يكونَ مشروعاً من مشاريعِ الحياة، فالمحافظةُ عليه دبرَ كلِّ صلاةٍ كفيلةٌ أن تجعلَك من السابقين وتلحقَك بالصالحين، ورحم اللهُ أبا مسلمٍ الخولانيِّ حين قال: "أيظنُّ أصحابُ محمدٍ أن يستأثروا به دونَنا؟ كلا، والله لنُزاحِمَنَّهم عليه زحاماً حتى يعلموا أنهم قد خلفوا وراءَهم رجالاً".

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

يقول أبو هريرةَ -رضي الله عنه-: " كانَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَسِيرُ في طَرِيقِ مَكَّةَ، فَمَرَّ علَى جَبَلٍ يُقَالُ له: جُمْدَانُ، فَقالَ: "سِيرُوا هذا جُمْدَانُ سَبَقَ المُفَرِّدُونَ" قالوا: وَما المُفَرِّدُونَ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: "الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ".

ويسأل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أصحابَه فيقولُ لهم: "ألا أُنبِّئكم بخيرِ أعمالِكم، وأزكاها عند مليكِكم، وأرفعِها في درجاتِكم، وخيرٌ لكم من إنفاقِ الذهبِ والوَرِقِ، وخيرٌ لكم من أن تلْقَوا عدوَّكم، فتضرِبوا أعناقَهم، ويضربوا أعناقَكم؟" فيقولون متشوقين لمعرفة الجواب: "بلى يا رسول الله، فقال: "ذكرُ اللهِ".

 

أخي يا من تريدُ أعاليَ الجنان: اعلم أن أعظمَ عدةٍ تتزودُ بها في السباقِ هي ذكرُ اللهِ تعالى، وهي عدةٌ متاحةٌ ميسرةٌ لكلِّ أحد، ولا تحتاجُ كبيرَ جهدٍ ولا عمل، إلا أن تنالَ التوفيقَ من اللهِ فييسرَ لكَ هذا العمل.

 

ومما تَستجلِبُ به التوفيقَ: أن تسألَ اللهَ الإعانةَ بقلبٍ صادقٍ، كما في وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذٍ، والتي قدمها بالحبِّ حين أخذَ بيدِه، فقال له: "يا مُعاذُ! واللَّهِ إنِّي لأحبُّكَ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّك، أوصيكَ يا معاذُ لا تدَعَنَّ في دُبُرَ كلِّ صلاةٍ تقولُ: اللَّهمَّ أعنِّي على ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسنِ عبادتِكَ" فهذا دعاءٌ، وما ذكرناه في الخطبة الأولى ذكر، عملانِ تعلمناها اليوم، وعرفنا فضلَها وأجرَها، وما بعد العلمِ إلا العمل، فلنعزمْ من الآن على أن نحافظَ على هذينِ العملينِ العظيمينِ ما بقينا في هذه الدنيا، عسى اللهُ أن يغفرَ لنا ذنوبَنا، وأن يرفعَ درجاتِنا في عليين.

 

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

 

ربنا اجعلنا لك شاكرين، لك ذاكرين، لك راهبين، لك مِطْواعين، لك مخبتين، إليك أواهين منيبين.

المرفقات
zuTsUOeTa8pzG4QS3PzRCVcCLGJm0uufshGsnYnw.doc
3br1fkMpgRkTIjfPeClL3BPzQYXciSONi3mnubKh.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life