اقتباس
إن مهمة روحاني في إيران بعد نجاد هي نفس مهمة أوباما في أمريكا بعد بوش، وهي إزالة أجواء التوتر وإنهاء حالة العداء مع دول الجوار، وتحسين العلاقة بالكلام الناعم، مع بقاء الاستراتيجيات الإيرانية على ما هي عليه في تصدير الثورة، ونشر التشيع، واحتلال أراضي السنة، وبقاء البرنامج النووي؛ ولذا قال...
تعاني إيران من أزمات متلاحقة داخليا وخارجيا، وكان من بركات الثورة السورية أنها شكلت مسرب استنزاف كبير للاقتصاد الإيراني، ولولا ما ينهبه الإيرانيون من نفط العراق، والأخماس التي تتدفق عليهم من دول الخليج لانهارت اقتصاديا، فكانت هذه الانتخابات حبل نجاة للسياسة الإيرانية استغلها المرشد الأعلى للثورة (الوالي الفقيه) علي خامئني فدفع بالمرشح الوحيد للإصلاحيين حسن روحاني مع انسحاب الإصلاحي محمد رضا عارف، في مقابل أربعة مرشحين للمحافظين، لتتشتت أصوات مؤيدي المحافظين عليهم، فيما تجتمع أصوات مؤيدي الإصلاحيين على روحاني. وما كان لروحاني أن يفوز لولا أن خامئني والحرس الثوري وربان تصدير الثورة أرادوا له الفوز في هذه المرحلة الحرجة بالنسبة لإيران. كيف والتهم تحيط بهم في تزوير انتخابات 2009م لصالح نجاد ضد المرشحين الإصلاحيين.
وإذا كان مجلس تشخيص مصلحة النظام هو أعلى هيئة استشارية في إيران تقضي في الخلافات بين البرلمان وبين مجلس صيانة الدستور، لا يصبح حكمه نهائيا إلا بمصادقة المرشد الأعلى (الوالي الفقيه) فكيف بما دون ذلك من الشئون؟!
وقد نقلت صحيفة السياسة الكويتية أمس الاثنين (8/ شعبان) عن مراسلها في بغداد باسل محمد، عن قيادي بارز في تيار مقتدى الصدر: أن انتخاب حسن روحاني رئيساً لإيران تم بقرار من أعلى مستويات القيادة الإيرانية، وستنحصر مهمته الحيوية بتهدئة الأزمات داخلياً وخارجياً.اهـ.
إن لعبة المحافظين والإصلاحيين في إيران، هي عينها لعبة الليكود والعمل في إسرائيل، وهي عينها لعبة الجمهوريين والديمقراطيين في أمريكا، ولعل القارئ يتذكر أنه إذا تأزمت الأوضاع السياسية في إسرائيل، بسبب حمقات الليكود وصراحتهم في ابتلاع فلسطين وما حولها، دُفع بمرشح حزب العمل ليمارس التقية السياسية، ويصلح ما أفسده الليكود، وتكرر ذلك كثيرا في إسرائيل في حكومات متعاقبة بين الليكود والعمل. وفي أمريكا ارتكب بوش الأصغر مرشح الجمهوريين حماقات كثيرة بتهديد العالم، والوعد بالتغيير في ثلاث وستين دولة، لكن أمريكا غرقت في وحل أول دولتين: أفغانستان والعراق، وتأزمت أمورها الاقتصادية بشكل كبير، وتراجعت سياسيا، وصارت منبوذة من العالم كله، ولولا الحبال الممتدة لها من هنا وهناك لغرقت وانهارت. فكان لا بد من مرشح ديمقراطي يحسن صورة أمريكا، وينظف قذارات بوش، ويصحح أخطاءه، فكان ترشيح أوباما الذي هلل له العالم العربي المسكين المتعلق بحبال أعدائه بدل حبل الله – تعالى -، ولو قُدر لجمهوري أن يكمل مسيرة بوش لربما انهارت أمريكا.
إن فوز مرشح حزب العمل في إسرائيل هو لإنقاذ إسرائيل من حماقات رئيس ليكودي، وليس لإنقاذ الفلسطينيين، وفوز مرشح ديمقراطي في أمريكا هو لإنقاذ أمريكا من مغامرات غير محسوبة قام بها رئيس جمهوري، وفوز مرشح إصلاحي في إيران هو لإنقاذ إيران من سياسات خرقاء قام بها رئيس محافظ، وليست لإنقاذ سوريا ولا العرب من الخطر الصفوي الزاحف عليهم لابتلاعهم. ولكن مشكلة الضعيف هي التعلق بالأوهام، والتعامي عن الحقائق المرّة، مع أن مواجهة الحقيقة تؤدي إلى إصلاح الداخل العربي، وعدم الاهتمام بالتغيرات الخارجية.
ومن رأى تهافت الخليجيين على تهنئة الرئيس الإيراني الجديد، ورجائهم التعاون معه فيما يصلح بلدانهم ويصلح إيران، وتناسيهم أيادي الصفويين الملطخة بدماء المسلمين، والمواقع التي يحتلونها من أرضهم، والمشروع الصفوي التوسعي الذي يسعى لابتلاعهم.. من رأى ذلك يأسى لحالنا، ولا يملك إلا أن يسأل المولى - جل في علاه - أن يرفع الذل والهوان عنا. وإلا فالأمم القوية تبني نفسها من الداخل حتى تكون أمة مهابة، ولا يهمها تغيرات الخارج. فبقدر ضعف الداخل في أمة من الأمم تتأثر بالمتغيرات الخارجية، وتتعلق بحبال الأوهام.
هذا الروحاني الذي فرح العرب بفوزه لن يستطيع الخروج في سياسته مع الدول المجاورة عن مراد علي خامئني الذي وافق على وضعه رئيسا، وفي مقابلة له مع صحيفة الشرق الأوسط نشرت أمس الاثنين 8/شعبان، قال روحاني: من الناحية الدستورية، تتطلب القرارات التي يتم اتخاذها بشأن القضايا الكبرى في السياسة الخارجية الحصول على دعم من المرشد الأعلى.
وفي موقفه من سوريا قال: ما يحدث في سوريا هو مأساة إنسانية بكل المقاييس، وعلى الجميع أن يبذلوا قصارى جهدهم لوضع حد لهذه المهزلة. ومع ذلك، ثمة بعض الحقائق التي يجب عدم تجاهلها، فسوريا ظلت البلد الوحيد في المنطقة الذي يقاوم السياسات التوسعية والممارسات الإسرائيلية، فضلا عن أن الصراع بين الأشقاء في سوريا قد تم إشعاله من قبل بعض الحكومات في المنطقة وخارجها.
وثمة حقيقة أخرى تتمثل في أن الجماعات المتطرفة التي لديها أجندات مخيفة وتاريخ بغيض من الوحشية هيمنت للأسف على المعارضة المسلحة في سوريا. وفي رأيي فإنه حتى يتم التوصل لحل عادل يحظى بإجماع كل الأطراف، يمكن لإيران أن تلعب دور الوساطة بين الحكومة السورية والمعارضة التي تسعى جاهدة من أجل الديمقراطية والحكم الرشيد. عام 2014 مهم للغاية، لأنه سيشهد نهاية الفترة الرئاسية للرئيس الأسد، ولذا فإن إجراء انتخابات حقيقية بعيدة عن التدخل الأجنبي والتخريب وتشكيل حكومة منتخبة يمكن أن يعيد الاستقرار والأمن إلى سوريا. يتعين علينا ألا ندع إراقة الدماء والوحشية تستمران في سوريا. أصبحت منطقتنا مليئة بالتعصب والإرهاب، فضلا عن الصراعات الدينية والعرقية، ولا ينبغي أن تكون سوريا أرضا خصبة للإرهابيين والمتطرفين.اهـ.
فلا فرق كبير بينه وبين سلفه نجاد، إلا أنه يمثل خط رجعة للإيرانيين لو أحسوا بالخطر في سوريا، ورأوا أنه لا بد من التخلي عنها لئلا تضطرب إيران من الداخل وتتفكك.
إن مهمة روحاني في إيران بعد نجاد هي نفس مهمة أوباما في أمريكا بعد بوش، وهي إزالة أجواء التوتر وإنهاء حالة العداء مع دول الجوار، وتحسين العلاقة بالكلام الناعم، مع بقاء الاستراتيجيات الإيرانية على ما هي عليه في تصدير الثورة، ونشر التشيع، واحتلال أراضي السنة، وبقاء البرنامج النووي؛ ولذا قال روحاني في المقابلة المذكورة آنفا: سأولي أولوية قصوى لتحسين العلاقات مع دول الجوار على جميع المستويات. تشترك إيران مع خمسة عشر بلدا في حدودها البرية والبحرية، وكل هذه البلدان مهمة بالنسبة لنا.اهـ.
إن تحسين العلاقة عند روحاني بدول الجوار لن يكون إلا بالكلام فقط، وأما الفكر الاستراتيجي له فهو ابتلاع الخليج، وفي تغريدة مهمة للخبير بالشأن الإيراني الدكتور عبد الله النفيسي قال فيها: عندما كان روحاني رئيس الشئون الخارجية في مجلس الشورى قال لي: إن الساحل الغربي من الخليج هو لنا وليس لكم فيه حق، وسوف يعود إلى رحم بلاد فارس.
إن على المسلمين، والخليجيين خاصة أن يزيلوا أوهامهم، وأن لا يثقوا بأعدائهم وهم يرون أفعالهم بإخوانهم، وأن يسعوا في تقوية الصلة بالله – تعالى - فهي الذخر الحقيقي للأمة المسلمة، مع تقوية الداخل والالتفات إليه، ومن ابتغى العزة بغير دين الله تعالى أذله الله – تعالى - كما قال الفاروق عمر - رضي الله عنه -.
الثلاثاء 9/8/1434
التعليقات